الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ﴾ الآية، المعقبات: المتَنَاوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه، ويكون بدلاً منه، وهم الملائكة الحفظة هاهنا، في قول عامة المفسرين وأهل التأويل [[الطبري 13/ 114 - 115، والقرطبي 9/ 291، و"تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 296، و"البحر" 5/ 371، و"بحر العلوم" 2/ 187، و"فتح البيان" 7/ 26، 27، و"معاني القرآن" للنحاس 3/ 477، وابن كثير 2/ 552، و"الدر المصون" 2/ 60.]]. قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 60.]]: المعقبات: ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار. قال الأزهري [["تهذيب اللغة" (عقب) 3/ 2505.]]: جعل الفراء عقب بمعنى عاقب، كما يقال: ضعّف وضاعف، وعقَّد وعاقد. وقال أبو الهيثم [[المرجع السابق.]]: كل من عمل عملًا ثم عاد إليه وعقب [[في "التهذيب": فقد عقب.]]، ومنه قيل للذي يغزو غزوًا بعد غزو، وللذي يتقاضى الدين فيعود إلى غريمه في تقاضيه، مُعَقَّب. وقال شمّر [["تهذيب اللغة" (عقب) 3/ 2505.]]: المعقب من كل شيء ما خَلَفَ يُعَقَّب ما قبله، والمعقبات: الكائنات بعضها بعد ذهاب بعض. وقال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 142.]]: المعقبات: ملائكة يأتي بعضهم بعقب بعض، قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 60.]]: والمعقبات ذكران جمع ملائكة معقبة ومعقبات، كما قيل: ابناوات سعد ورجالات بكر، جمع رجال، والذي يدل على التذكير قوله: ﴿يَحْفَظُونَهُ﴾، وقال الأخفش [["معاني القرآن" 2/ 596، و"تهذيب اللغة" (عقب) 3/ 2505.]]: إنما أنث لكثرة ذلك منها نحو: نسَّابة وعلَّامة، وهو ذكر. قال ابن عباس [[الطبري 13/ 115، و"زاد المسير" 4/ 310، والقرطبي 9/ 293، وابن أبي حاتم 7/ 2230، وهو قول عطاء كما في "تفسيره" ص 112.]]: وسعيد بن جبير [[الطبري 13/ 117.]]، والحسن [[الطبري 13/ 115، و"زاد المسير" 4/ 310، والقرطبي 9/ 293.]]، ومجاهد [[الطبري 13/ 115، و"زاد المسير" 4/ 310، والقرطبي 9/ 293.]]، وقتادة [[الطبري 13/ 116، والثعلبي 7/ 124 ب، و"زاد المسير" 4/ 310، والقرطبي 9/ 293.]] وغيرهم: المعقبات: الملائكة الحفظة، ويدل على صحة هذا قوله ﷺ: "يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر" الحديث [[أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة (555) كتاب الصلاة، باب: فضل صلاة العصر، وأخرجه (3223) كتاب بدء الخلف، باب: ذكرالملائكة، و (7429) == كتاب التوحيد، باب: قوله تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ و (7486) كتاب: التوحيد، باب: كلام الرب مع جبريل ونداء الملائكة، وأخرجه مسلم (632) كتاب المساجد، باب: فضل صلاة الصبح والعصر، وأحمد من حديث أبي هريرة 20/ 57 (10314) تحقيق شاكر، وصحح إسناده أحمد شاكر.]]، وعلى هذا فسر قوله: {وقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] قيل تصعد ملائكة الليل وتنزل ملائكة النهار، والكناية في قوله (له) تعود على (من) في (من أسر) وهو واقع على العموم، وقيل: على اسم الله تعالى في عالم الغيب والشهادة، والمعنى: لله ملائكة حفظة تتعاقب في النزول إلى الأرض من بين يدي الإنسان ومن خلفه. وقوله تعالى: ﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ ذكر الفراء [["معاني القرآن" 2/ 60.]] في هذا قولين: أحدهما: أنه على التقديم والتأخير، تقديره: له معقبات من أمر الله يحفظونه، وعلى هذا لا يعلق ليحفظونه بمن، وهو معنى قول ابن عباس [[الطبري 13/ 117.]] في رواية سعيد في هذه الآية، قال: هم الملائكة، وهم من أَمْر الله. والثاني: أن هذا على إضمار، أي: ذلك الحفظ من أمر الله، أي: مما أمر الله به، قال ابن الأنباري فحذف الاسم وأبقى خبره، كما كتب على الكيس ألفان، يراد الذي في الكيس ألفان، ونحو هذا قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 142.]]؛ لأنه قال: المعنى: حفظهم إياه من أمر الله. قال أبو بكر [["الوقف والابتداء" 2/ 733، والرازي 19/ 17.]]: وفي هذا قول آخر وهو أن مؤداه على معنى الباء، إذ الصفات يقوم بعضها مقام بعض، كما تقول: أجبتك من دعائك إياي، أي بدعائك، والتأويل يحفظونه بأمر الله، وقد صحت هذه الأقوال، وذكرنا ما يشاكلها من قول المفسرين، وأما كيفية حفظهم إياه، فقال ابن عباس في رواية عكرمة [[الطبري 13/ 115، وعبد الرزاق 2/ 332، والفريابي وابن أبي حاتم وابن المنذر كما في "الدر" 4/ 89، و"زاد المسير" 4/ 312، و"معاني القرآن" للنحاس 3/ 477.]]: يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه. وروى ليث عن مجاهد [[الطبري 13/ 116، وذكره في "الدر" 4/ 91، والثعلبي 7/ 125 أ، و"زاد المسير" 4/ 312.]] قال: ما من عبد إلا به ملك موكَّل بحفظه من الجن والإنس والهوام، فما منهم شيء يأتيه يريده، إلا قال: وراءك، إلا شيئًا يأذن الله -عز وجل- فيه فيصيبه. وقال كعب [[المراجع السابقة، والقرطبي 9/ 292.]]: لولا أن الله -عز وجل- وكَّل بكم ملائكة يذبُّون عنكم لتخطفتكم الجن، فعلى هذا يحفظونه من شر الجن والهوام وما لم يقدّر عليه. وقال ابن جريج [[الطبري 16/ 378، والثعلبي 7/ 125 أ، و"زاد المسير" 4/ 312، والقرطبي 9/ 292.]]: معنى (يحفظونه) يحفظون عليه، أي: يحفظون عليه الحسنات [[في (أ)، (ج): (الحساب).]] والسيئات. قال أبو عبيد [[انظر: "معاني القرآن" للنحاس 3/ 479.]]: يعني: يحفظون عليه قوله وفعله [[قلت: رجح ابن جرير -رحمه الله- قولًا في هذه الآية غير ما ذكره الواحدي، فقال: (له معقبات) الهاء من ذكر (من) التي في قوله: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ وأن المعقبات من بين يديه ومن خلفه هي حرسه وجلاوزته؛ لأنها أقرب مذكور == من قوله: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾، ويدل على ذلك أيضًا قوله بعد: ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾ على أنهم المعنيون بذلك، وذلك أن الله ذكر قومًا أهل معصية له، وأهل ريبة يستخفون بالليل ويظهرون بالنهار، ويمتنعون عند أنفسهم بحرس يحرسهم، ومنعة تمنعهم من أهل طاعته أن يحولوا بينهم وبين ما يأتون من معصية الله، ثم أخبر أن الله تعالى ذكره إذا أراد بهم سوءًا لم ينفعهم حرسهم، ولا يدفع عنهم حفظهم. اهـ. الطبري 13/ 117.]]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ أي: لا يسلب قومًا نعمة حتى يعملوا بمعاصيه، قال ابن عباس [[أخرجه أبو الشيخ عنه كما في "الدر" 4/ 92]]: يريد العذر فيما بينه وبين خلقه، ويعني بهذا أهل مكة، كما قال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾ [إبراهيم: 28]. وقوله تعالى ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا﴾ قال ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 312، والقرطبي 9/ 294، و"تنوير المقباس" ص 156.]]: يريد عذابًا، ﴿فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾، قال الضحاك عن ابن عباس [[ابن أبي حاتم 7/ 2233.]]: لم تغن المعقبات شيئًا، وقال عطاء عنه [[انظر: "فتح البيان" 7/ 29.]]: لا رادّ لعذابي ولا ناقض لحكمي، ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب