الباحث القرآني
* (فصل)
وَلَمْ يُسَلِّطْ سُبْحانَهُ هَذا العَدُوَّ المَعاصِي عَلى عَبْدِهِ المُؤْمِنِ الَّذِي هو أحَبُّ المَخْلُوقاتِ إلَيْهِ، إلّا لِأنَّ الجِهادَ أحَبُّ شَيْءٍ إلَيْهِ، وأهْلَهُ أرْفَعُ الخَلْقِ عِنْدَهُ دَرَجاتٍ، وأقْرَبُهم إلَيْهِ وسِيلَةً، فَعَقَدَ سُبْحانَهُ لِواءَ هَذِهِ الحَرْبِ لِخُلاصَةِ مَخْلُوقاتِهِ، وهو القَلْبُ الَّذِي مَحَلُّ مَعْرِفَتِهِ ومَحَبَّتِهِ، وعُبُودِيَّتِهِ والإخْلاصِ لَهُ، والتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ والإنابَةِ إلَيْهِ، فَوَلّاهُ أمْرَ هَذِهِ الحَرْبِ، وأيَّدَهُ بِجُنْدٍ مِنَ المَلائِكَةِ لا يُفارِقُونَهُ ﴿لَهُ مُعَقِّباتٌ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِن أمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ١١].
يَعْقُبُ بَعْضُهم بَعْضًا، كُلَّما ذَهَبَ بَدَلٌ جاءَ بَدَلٌ آخَرُ يُثَبِّتُونَهُ ويَأْمُرُونَهُ بِالخَيْرِ ويَحُضُّونَهُ عَلَيْهِ، ويَعِدُونَهُ بِكَرامَةِ اللَّهِ ويُصَبِّرُونَهُ، ويَقُولُونَ: إنَّما هو صَبْرُ ساعَةٍ وقَدِ اسْتَرَحْتَ راحَةَ الأبَدِ.
ثُمَّ أمَدَّهُ سُبْحانَهُ بِجُنْدٍ آخَرَ مِن وحْيِهِ وكَلامِهِ، فَأرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولَهُ ﷺ وأنْزَلَ إلَيْهِ كِتابَهُ، فازْدادَ قُوَّةً إلى قُوتِهِ، ومَدَدًا إلى مَدَدِهِ، وعُدَّةً إلى عُدَّتِهِ، وأمَدَّهُ مَعَ ذَلِكَ بِالعَقْلِ وزِيرًا لَهُ ومُدَبِّرًا، وبِالمَعْرِفَةِ مُشِيرَةً عَلَيْهِ ناصِحَةً لَهُ، وبِالإيمانِ مُثَبِّتًا لَهُ ومُؤَيِّدًا وناصِرًا، وبِاليَقِينِ كاشِفًا لَهُ عَنْ حَقِيقَةِ الأمْرِ، حَتّى كَأنَّهُ يُعايِنُ ما وعَدَ اللَّهُ تَعالى أوْلِياءَهُ وحِزْبَهُ عَلى جِهادِ أعْدائِهِ، فالعَقْلُ يُدَبِّرُ أمْرَ جَيْشِهِ، والمَعْرِفَةُ تَصْنَعُ لَهُ أُمُورَ الحَرْبِ وأسْبابَها ومَواضِعَها اللّائِقَةَ بِها، والإيمانُ يُثَبِّتُهُ ويُقَوِّيهِ ويُصَبِّرُهُ، واليَقِينُ يُقْدِمُ بِهِ ويَحْمِلُ بِهِ الحَمَلاتِ الصّادِقَةَ.
ثُمَّ أمَدَّ سُبْحانَهُ القائِمَ بِهَذِهِ الحَرْبِ بِالقُوى الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ، فَجَعَلَ العَيْنَ طَلِيعَتَهُ، والأُذُنَ صاحِبَ خَبَرِهِ، واللِّسانَ تُرْجُمانَهُ، واليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ أعْوانَهُ، وأقامَ مَلائِكَتَهُ وحَمَلَةَ عَرْشِهِ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ ويَسْألُونَ لَهُ أنْ يَقِيَهُ السَّيِّئاتِ ويُدْخِلَهُ الجَنّاتِ، وتَوَلّى سُبْحانَهُ الدَّفْعَ
والدِّفاعَ عَنْهُ بِنَفْسِهِ وقالَ: هَؤُلاءِ حِزْبِي، وحِزْبُ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ألا إنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: ٢٢].
وَهَؤُلاءِ جُنْدِي ﴿وَإنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧٣].
وَعَلَّمَ عِبادَهُ كَيْفِيَّةَ هَذِهِ الحَرْبِ والجِهادِ، فَجَمَعَها لَهم في أرْبَعِ كَلِماتٍ فَقالَ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠].
وَلا يَتِمُّ أمْرُ هَذا الجِهادِ إلّا بِهَذِهِ الأُمُورِ الأرْبَعَةِ، فَلا يَتِمُّ الصَّبْرُ إلّا بِمُصابَرَةِ العَدُوِّ، وهو مُقاوَمَتُهُ ومُنازَلَتُهُ، فَإذا صابَرَ عَدُوَّهُ احْتاجَ إلى أمْرٍ آخَرَ وهي المُرابَطَةُ، وهي لُزُومُ ثَغْرِ القَلْبِ وحِراسَتُهُ لِئَلّا يَدْخُلَ مِنهُ العَدُوُّ، ولُزُومُ ثَغْرِ العَيْنِ والأُذُنِ واللِّسانِ والبَطْنِ واليَدِ والرِّجْلِ، فَهَذِهِ الثُّغُورُ يَدْخُلُ مِنها العَدُوُّ فَيَجُوسُ خِلالَ الدِّيارِ ويُفْسِدُ ما قَدَرَ عَلَيْهِ، فالمُرابَطَةُ لُزُومُ هَذِهِ الثُّغُورِ، ولا يُخَلِّي مَكانَها فَيُصادِفَ العَدُوُّ الثَّغْرَ خالِيًا فَيَدْخُلَ مِنهُ.
فَهَؤُلاءِ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَيْرُ الخَلْقِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ، وأعْظَمُهم حِمايَةً وحِراسَةً مِنَ الشَّيْطانِ، وقَدْ أخْلَوُا المَكانَ الَّذِي أُمِرُوا بِلُزُومِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَدَخَلَ مِنهُ العَدُوُّ، فَكانَ ما كانَ.
وَجِماعُ هَذِهِ الثَّلاثَةِ وعَمُودُها الَّذِي تَقُومُ بِهِ هو تَقْوى اللَّهِ تَعالى، فَلا يَنْفَعُ الصَّبْرُ ولا المُصابَرَةُ ولا المُرابَطَةُ إلّا بِالتَّقْوى، ولا تَقُومُ التَّقْوى إلّا عَلى ساقِ الصَّبْرِ.
{"ayah":"لَهُۥ مُعَقِّبَـٰتࣱ مِّنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ یَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ سُوۤءࣰا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق