الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (١١) ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معناه: لله تعالى ذكرهُ معقِّباتٌ قالوا:"الهاء" في قوله:"له" من ذكر اسم الله. و"المعقبات" التي تعتقب على العبد. [[في المطبوعة والمخطوطة: تتعقب"، والصواب ما أثبت.]] وذلك أن ملائكة الليل إذا صعدت بالنهار أعقبتها ملائكة النهار، فإذا انقضى النهار صعدت ملائكة النهار ثم أعقبتها ملائكة الليل. وقالوا: قيل"معقبات"، و"الملائكة": جمع"ملك" مذكر غير مؤنث، وواحد"الملائكة""معقِّب"، وجماعتها"مُعَقبة"، ثم جمع جمعه= أعني جمع"معقّب" بعد ما جمع"مُعَقّبة"= وقيل"معقِّبات"، كما قيل:"سادات سعد"، [[في المطبوعة" ابناوات سعد"، وهي في المخطوطة غير منقوطة والصواب ما أثبت يقال" سيد" و" سادة و" سادات".]] "ورجالات بني فلان"، جمع"رجال". * * * وقوله: ﴿من بين يديه ومن خلفه﴾ ، يعني بقوله: ﴿من بين يديه﴾ ، من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار [[انظر تفسير بين يديه" فيما سلف ١٠: ٤٣٨، ١٢: ٤٩٢.]] ﴿ومن خلفه﴾ ، من وراء ظهره. * ذكر من قال ذلك: ٢٠٢١٠- حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن منصور، يعني ابن زاذان=، عن الحسن في هذه الآية: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه﴾ قال: الملائكة. ٢٠٢١١- حدثني المثنى قال: حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري قال: حدثنا علي بن جرير، عن حماد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن كنانة العدوي قال: دخل عثمان بن عفان على رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ قال: ملك على يمينك على حسناتك، وهو أمينٌ على الذي على الشمال، [[في المطبوعة وابن كثير:" وهو أمير"، وأثبت ما في المخطوطة والدر المنثور.]] فإذا عملتَ حسنة كُتِبت عشرًا، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين: اكتب! قال: لا لعله يستغفر الله ويتوب! فإذا قال ثلاثًا قال: نعم اكتب أراحنا الله منه، فبئس القرين، ما أقل مراقبته لله، وأقل استحياءَه منّا! يقول الله: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ، [سورة ق: ١٨] ، وملكان من بين يديك ومن خلفك، يقول الله: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله﴾ ، وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبَّرت على الله قصمك. وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصَّلاة على محمد. وملك قائم على فيك لا يدع الحيّة تدخل في فيك، [[في المخطوطة:" تدخل فيك"، والصواب ما في المطبوعة والدر المنثور.]] وملكان على عينيك. فهؤلاء عشرة أملاك على كلّ آدميّ، ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار، [لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار] [[زيادة من ابن كثير والدر المنثور، ولا غنى عنها.]] فهؤلاء عشرون ملكًا على كل آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل. [[الأثر: ٢٠٢١١ - هذا إسناد قد سلف مثله برقم: ١٣٨٦، ١٣٩٥. وهو إسناد مشكل منكر. " إبراهيم بن عبد السلام بن صالح القشيري"، وسلف" التستري" وكان في ذلك الموضع في ابن كثير" القشيري"، لا ندري أيهما الصواب، ولم نجد له ذكرًا في شيء من كتب الرجال. و" علي بن جرير"، لا يدري منه هو أيضًا، كما قلنا فيما سلف، إلا أني أزيد أن ابن أبي حاتم ترجم في الجرح والتعديل:" علي بن جرير البارودي روى عنه ... سئل أبي عن علي بن جرير البارودي، فقال: صدوق"، ولا أظنه هذا الذي في إسنادنا، كأن هذا متأخر، ابن أبي حاتم ٣ / ١ / ١٧٨ وأما" عبد الحميد بن جعفر، فثقة، سلف برقم: ١٣٨٦. وأما" كنانة العدوي"، فهو" كنانة بن نعيم العدوي"، تابعي ثقة، لم يذكر أنه أدرك عثمان بن عفان أو روى عنه. فهذا حديث فيه نكارة وضعف شديد، وانفرد بروايته أبو جعفر الطبري عن المثنى. انظر تفسير ابن كثير ٤: ٥٠٣، والدر المنثور ٤: ٤٨. وقال ابن كثير: إنه حديث غريب جدًا.]] ٢٠٢١٢- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه﴾ الملائكة= ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ . ٢٠٢١٣- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٢٠٢١٤- ... قال: حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد، في قوله: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه﴾ ، قال: مع كل إنسان حَفَظَةٌ يحفظونه من أمر الله. ٢٠٢١٥- ... قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله﴾ ، فالمعقبات هن من أمر الله، وهي الملائكة. ٢٠٢١٦- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدره خَلَّوا عنه. ٢٠٢١٧- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله﴾ فإذا جاء القدر خَلَّوا عنه. ٢٠٢١٨- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم في هذه الآية قال: الحَفَظَة. ٢٠٢١٩- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله﴾ ، قال: ملائكة. ٢٠٢٢٠- حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا يعلى قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: ﴿له معقبات﴾ قال: ملائكة الليل، يعقُبُون ملائكة النهار. ٢٠٢٢١- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه﴾ هذه ملائكة الليل يتعاقبون فيكم بالليل والنهار. وذكر لنا أنهم يجتمعون عند صلاة العصر وصلاة الصبح= وفي قراءة أبيّ بن كعب: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَرَقِيبٌ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِن أَمْرِ اللهِ﴾ . ٢٠٢٢٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: ﴿له معقبات من بين يديه﴾ ، قال: ملائكة يتعاقبونه. ٢٠٢٢٣- حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه﴾ قال: الملائكة= قال ابن جريج:"معقبات"، قال: الملائكة تَعَاقَبُ الليلَ والنهار. وبلغنا أن النبي ﷺ قال: يجتمعون فيكم عند صلاة العصر وصلاة الصبح= وقوله: ﴿يحفظونه من بين يديه ومن خلفه﴾ ، قال ابن جريج: مثل قوله: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ ، [سورة ق: ١٧] . قال: الحسنات من بين يديه، والسيئات من خلفه. الذي عن يمينه يكتب الحسنات والذي عن شماله يكتب السيئات. ٢٠٢٢٤- حدثنا سوّار بن عبد الله قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت ليثًا يحدث، عن مجاهد أنه قال: ما من عبدٍ إلا له ملك موكَّل يحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس والهوامّ، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال: وراءَك! إلا شيئًا يأذن الله فيه فيصيبه. ٢٠٢٢٥- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي: قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه﴾ ، قال: يعني الملائكة. * * * وقال آخرون: بل عني بـ"المعقبات" في هذا الموضع، الحرَس، الذي يتعاقب على الأمير. * ذكر من قال ذلك: ٢٠٢٢٦- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا ابن يمان قال: حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه﴾ قال: ذلك ملك من مُلوك الدنيا له حَرسٌ من دونه حرَس. ٢٠٢٢٧- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه﴾ ، يعني: ولىَّ الشيطان، يكون عليه الحرس. [[في المطبوعة:" ولي السلطان"، غير ما في المخطوطة، وهو الصواب، يعني البغاة العصاة الأمراء، يحرسون أنفسهم. وانظر ما يأتي ص: ٣٧٧، تعليق: ١. روى عنه شعبة، ذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن أبي حاتم: ليس بحديثه بأس. مترجم في التهذيب. .]] ٢٠٢٢٨- حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن شَرْقيّ: أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه﴾ قال: هؤلاء الأمراء. [[الأثر: ٢٠٢٢٨ -" شرقي البصرى"، روى عن عكرمة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ن والكبير ٢ / ٢ / ٢٥٥، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٣٧٦.]] ٢٠٢٢٩- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا عمرو بن نافع قال: سمعت عكرمة يقول: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه﴾ قال: المواكب من بين يديه ومن خلفه. [[الأثر: ٢٠٢٢٩ -" عمر بن نافع الثقفي"، روى عن أنس وعكرمة. قال ابن معين: ليس بشيء. وذكره ابن حبان في الثقات. وذكره الساجي وابن الجارود في الضعفاء. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ / ١ / ١٣٨، وميزان الاعتدال ٢: ٢٧٢.]] ٢٠٢٣٠- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله﴾ ، قال: هو السلطان المحترس من الله، وهم أهل الشرك. [[في المطبوعة:" المحروس من أمر الله"، وأثبت ما في المخطوطة.]] * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، قولُ من قال:"الهاء"، في قوله: ﴿له معقبات﴾ من ذكر"مَنْ" التي في قوله: ﴿ومَنْ هو مستخف بالليل﴾ ="وأن المعقبات من بين يديه ومن خلفه"، هي حرسه وجلاوزته، [[الجلاوزة جمع جلواز (بكسر الجيم وسكون اللام) . وهو الشرطي الذي يخف بين يدي الأمير ويأتمر بأمره.]] كما قال ذلك من ذكرنا قوله. وإنما قلنا:"ذلك أولى التأويلين بالصواب"، لأن قوله: ﴿له معقبات﴾ أقرب إلى قوله: ﴿ومن هو مستخف بالليل﴾ منه إلى عالم الغيب، فهي لقربها منه أولى بأن تكون من ذكره، وأن يكون المعنيَّ بذلك هذا، مع دلالة قول الله: ﴿وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له﴾ على أنهم المعنيُّون بذلك. وذلك أنه جل ثناؤه ذكر قومًا أهل معصيةٍ له وأهلَ ريبة، يستخفون بالليل ويظهرون بالنهار، ويمتنعون عند أنفسهم بحرس يحرسهم، ومَنْعَة تمنعهم من أهل طاعته أن يحولوا بينهم وبين ما يأتون من معصية الله. ثم أخبر أنّ الله تعالى ذكره إذا أراد بهم سوءًا لم ينفعهم حَرَسهم، ولا يدفع عنهم حفظهم. * * * وقوله: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ اختلف أهل التأويل في تأويل هذا الحرف على نحو اختلافهم في تأويل قوله: ﴿له معقبات﴾ . = فمن قال:"المعقبات" هي الملائكة قال: الذين يحفظونه من أمر الله هم أيضًا الملائكة. ومن قال:"المعقبات" هي الحرس والجلاوزة من بني آدم قال: الذين يحفظونه من أمر الله هم أولئك الحرس. * * * واختلفوا أيضًا في معنى قوله: ﴿من أمر الله﴾ . فقال بعضهم: حفظهم إيّاه من أمره. وقال بعضهم: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ بأمر الله. *ذكر من قال: الذين يحفظونه هم الملائكة، ووجَّه قوله: ﴿بأمر الله﴾ إلى معنى أن حفظها إيّاه من أمر الله: ٢٠٢٣١- حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي عن ابن عباس قوله: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ ، يقول: بإذن الله، فالمعقبات: هي من أمر الله، وهي الملائكة. ٢٠٢٣٢- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ ، قال: الملائكة: الحفظة، وحفظهم إياه من أمر الله. ٢٠٢٣٣- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثني عبد الملك، عن ابن عبيد الله، عن مجاهد في قوله: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله﴾ ، قال: الحفظة هم من أمر الله. ٢٠٢٣٤- ... قال: حدثنا علي= يعني ابن عبد الله بن جعفر= قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن ابن عباس: ﴿له معقبات من بين يديه﴾ ، رقباء= ﴿ومن خلفه﴾ من أمر الله ﴿يحفظونه﴾ . [[الأثر: ٢٠٢٣٤ -" علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي" وهو" ابن المديني"، صاحب التصانيف، ثقة، روى عنه البخاري في التاريخ، وأبو داود. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ / ١/ ١٩٣. و" سفيان"، هو" سفيان بن عيينة"، الثقة المشهور. و" عمرو"، هو" عمر بن دينار المكي"، الثقة المشهور.]] ٢٠٢٣٥- ... قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الجارود، عن ابن عباس: ﴿له معقبات من بين يديه﴾ ، رقيب= ﴿ومن خلفه﴾ . ٢٠٢٣٦- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله﴾ ، قال: الملائكة من أمر الله. ٢٠٢٣٧- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ ، قال: الملائكة من أمر الله. ٢٠٢٣٨- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: ﴿له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله﴾ قال: الحفظة. * * * *ذكر من قال: عنى بذلك: يحفظونه بأمر الله: ٢٠٢٣٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ : أي بأمر الله. ٢٠٢٤٠- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ ، وفي بعض القراءات ﴿بِأَمْرِ اللهِ﴾ . ٢٠٢٤١- حدثني المثنى قال: حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد في قوله: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه) قال: مع كل إنسان حَفَظَة يحفظونه من أمر الله. * * * *ذكر من قال: تحفظه الحرس من بني آدم من أمر الله: ٢٠٢٤٢- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ يعني: ولّى الشيطان، [[في المطبوعة" ولي السلطان"، والصواب ما في المخطوطة، ولكنه غيرها كما سلف آنفًا ص: ٣٧٣، تعليق: ١.]] يكون عليه الحرس يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، يقول الله عز وجل: يحفظونه من أمري، فإني إذا أردت بقوم سوءًا فلا مرد له وما لهم من دونه من والٍ. ٢٠٢٤٣- حدثني أبو هريرة الضبعي قال: حدثنا أبو قتيبة قال، حدثنا شعبة، عن شَرْقيّ، عن عكرمة: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ قال: الجلاوزة. [[الأثر: ٢٠٢٤٣ -" أبو هريرة الضبعي"، هو" محمد بن فراس الضبعي الصيرفي"، شيخ أبي جعفر، ثقة صدوق، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٦٠. و" أبو قتيبة"، هو" سلم بن قتيبة الشعيري"، ثقة، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١٢٩٠٤. و" شعبة" هو" شعبة بن الحجاج"، الإمام المشهور، مضى مرارًا. وكان هنا في المطبوعة والمخطوطة:" سعيد"، وهو خطأ محض، فإن الذي يروي عن" شرقي البصري"، هو شعبة، كما مضى آنفًا رقم: ٢٠٢٢٨. " وشرقي البصري"، مضى برقم: ٢٠٢٢٨.]] * * * وقال آخرون: معنى ذلك: يحفظونه من أمر الله، و"أمر الله" الجن، ومن يبغي أذاه ومكروهه قبل مجيء قضاء الله، فإذا جاء قضاؤه خَلَّوْا بينه وبينه. * ذكر من قال ذلك: ٢٠٢٤٤- حدثني أبو هريرة الضبعي قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا ورقاء، عن منصور، عن طلحة، عن إبراهيم: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ قال: من الجن. [[الأثر: ٢٠٢٤٤ -" أبو هريرة الضبعي"، مضى في الأثر السالف. و" أبو داود"، هو الطيالسي.]] ٢٠٢٤٥- حدثنا سوّار بن عبد الله قال: حدثنا المعتمر قال: سمعت ليثًا يحدث، عن مجاهد أنه قال: ما من عبد إلا له ملك موكّل يحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس والهوامّ، فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال: وراءَك إلا شيئًا يأذن الله فيصيبه. ٢٠٢٤٦- حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد الألهاني، عن يزيد بن شريح، عن كعب الأحبار قال: لو تجلَّى لابن آدم كلّ سهلٍ وحزنٍ لرأى على كل شيء من ذلك شياطين. لولا أن الله وكَّل بكم ملائكة يذبُّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذًا لتُخُطِّفتم. ٢٠٢٤٧- حدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية قال: حدثنا عمارة بن أبي حفصة، عن أبي مجلز قال: جاء رجل من مُرادٍ إلى عليّ رضي الله عنه وهو يصلي، فقال: احترس، فإنّ ناسًا من مراد يريدون قتلك! فقال: إنّ مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدَّر، فإذا جاء القدَرُ خلَّيا بينه وبينه، وإن الأجل جُنَّةٌ حصينة. ٢٠٢٤٨- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا عبد الوهاب، عن الحسن بن ذكوان، عن أبي غالب، عن أبي أمامة قال: ما من آدمي إلا ومعه ملك موكَّل يذود عنه حتى يسلمه للذي قُدِّر له. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: يحفظون عليه من الله. * ذكر من قال ذلك: ٢٠٢٤٩- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ ، قال: يحفظون عليه من الله. * * * قال أبو جعفر: يعني ابن جريج بقوله:"يحفظون عليه"، الملائكة الموكلة بابن آدم، بحفظ حسناته وسيئاته، وهي"المعقبات" عندنا، تحفظ على ابن آدم حسناته وسيئاته من أمر الله. * * * قال أبو جعفر: وعلى هذا القول يجب أن يكون معنى قوله: ﴿من أمر الله﴾ ، أنّ الحفظة من أمر الله، أو تحفظ بأمر الله= ويجب أن تكون"الهاء" التي في قوله: ﴿يحفظونه﴾ وُحِّدت وذُكِّرت وهي مراد بها الحسنات والسيئات، لأنها كناية عن ذكر"مَنْ" الذي هو مستخف بالليل وسارب بالنهار= وأن يكون"المستخفي بالليل" أقيم ذكره مقام الخبر عن سيئاته وحسناته، كما قيل: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ ، [سورة يوسف: ٨٢] . وكان عبد الرحمن بن زيد يقول في ذلك خلاف هذه الأقوال كلها:- ٢٠٢٥٠- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿ومن هو مستخف بالليل وساربٌ بالنهار﴾ قال: أتى عامر بن الطفيل، وأربد بن ربيعة إلى رسول الله ﷺ، [[" أربد بن ربيعة"، هكذا جاء هنا عن ابن زيد، وكذلك جاء عن محمد بن علي القرشي فيما رواه عنه ابن سعد في طبقاته ١ / ٢ / ٥١. و" أربد" هو:" أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب"، وهو أخو لبيد لأمه، و" لبيد" هو" لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب"، فكأن ابن زيد ومحمد بن علي القرشي إنما قالا:" أربد بن ربيعة"، من قبل أخوته للبيد بن ربيعة، ولا أدري كيف قالا هذا؟ ولم قالاه؟ ولم أجده في غير هذين الموضعين. وانظر كتاب" جوامع السيرة"، لابن حزم ص: ١٢، تعليق: ١.]] فقال عامر: ما تجعل لي إن أنا اتبعتك؟ قال: أنت فارس، أعطيك أعنة الخيل. قال: لا. قال:"فما تبغي؟ قال: لي الشرق ولك الغرب. قال: لا. قال: فلي الوَبَر ولك المَدَر. قال: لا. قال: لأملأنها عليك إذًا خيلا ورجالا. قال: يمنعك الله ذاك وابنا قيلة [[في المطبوعة:" وأبناء قيلة"، والصواب ما في المخطوطة على التثنية. و" قيلة" أم الأوس والخزرج.]] = يريد الأوس والخزرج. قال: فخرجا، فقال عامر لأربد: إن كان الرجل لنا لممكنًا لو قتلناه ما انتطحت فيه عنزان، ولرضوا بأن نعقله لهم وأحبوا السلم وكرهوا الحرب إذا رأوا أمرًا قد وقع. فقال الآخر: إن شئت فتشاورا، وقال: ارجع وأنا أشغله عنك بالمجادلة، وكن وراءه فاضربه بالسيف ضربةً واحدة. فكانا كذلك: واحدٌ وراء النبي ﷺ، والآخر قال: اقصص علينا قصصك. قال: ما تقول؟ قال: قرآنك! [[في المطبوعة:" قال ما يقول قرآنك"، حذف من الكلام" قال"، وأثبت ما في المخطوطة ويعني قال: اقرأ علي قرآنك.]] فجعل يجادله ويستبطئه، [[قوله:" فجعل يجادله ويستبطئه" وما بعدها، كلام فيه اضطراب، وأخشى أن يكون فيه خرم وسقط، والسياق يدل على أنه جعل يجادل رسول الله ﷺ، وينظر إلى أربد يستبطئه. فلما انصرفا قال عامر لأربد: مالك حشمت؟]] حتى قال: مالك حُشِمت؟ [[في المطبوعة:" مالك أجشمت" بزيادة الهمزة، وبالجيم، وليس له معنى، وفي المخطوطة:" حسمت" غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت. يقال:" حشم" بالبناء المجهول، إذا أعيي وانقبض.]] قال: وضعت يدي على قائم سيفي [فيبست] ، [[الزيادة بين القوسين، زادها الناشر الأول على الدر المنثور.]] فما قدرتُ على أن أُحْلِي ولا أُمِرُّ ولا أحرّكها. قال: فخرجا، فلما كانا بالحَرة، سمع بذلك سعد بن معاذ وأسيد بن حُضير، فخرجا إليهما، على كل واحد منهما لأمته، ورمحه بيده، وهو متقلد سيفه. فقالا لعامر بن الطفيل: يا أعور [حسا] يا أبلخ، [[في المطبوعة:" يا أعور يا خبيث يا أملخ"، غير ما في المخطوطة، والذي فيها:" ناعور حسما يا أبلخ"، ولم أستطع أن أجد الخبر في مكان آخر فأصححه، وقد أعياني كشف ما فيه من التحريف، فأثبته كما هو. و" الأبلخ" هو العظيم في نفسه، الجريء على ما أتى من الفجور.]] أنت الذي يشرط على رسول الله ﷺ؟ [[في المطبوعة:" تشترط"، وأثبت ما في المخطوطة.]] لولا أنك في أمانٍ من رسول الله ﷺ ما رِمْتَ المنزل حتى نضرب عنقك، [[في المطبوعة:" ضربت"، وأثبت ما في المخطوطة.]] ولكن [لا نستعين] . [[وهذه كلمة أخرى أثبتها كما هي في المخطوطة غير منقوطة لم أهتد إلى قراءتها، ولكن ناشر المطبوعة جعلها:" لا تستبقين"، فنقطها، فصارت بلا معنى، أما السيوطي في الدر المنثور، فقد حذفها كعادته واستراح من همها.]] وكان أشدّ الرجلين عليه أسيد بن الحضير، [فقال: من هذا؟ فقالوا: أسيد بن حضير] ؟ [[زيادة لا بد منها، أثبتها من الدر المنثور.]] فقال: لو كان أبوه حيًا لم يفعل بي هذا! ثم قال لأربد: اخرج أنت يا أربد إلى ناحية عَدَنَة، [[في المطبوعة:" إلي عذية"، وليس في بلاد العرب موضع بهذا الاسم، والذي فيها" عدنة" (بفتح العين والدال) ، وهي أرض لبني فزارة، في جهة الشمال من الشربة، قال الأصمعي في تحديد نجد:" ووادي الرمة يقطع بين عدنة والشربة، فإذا جزعت الرمة مشرقًا أخذت في الشربة، وإذا جزعت الرمة إلى الشمال أخذت في عدنة"، أرجو أن يكون ما قرأت هو الصواب.]] وأخرج أنا إلى نجد، فنجمع الرجال فنلتقي عليه. فخرج أربد حتى إذا كان بالرَّقَم، [[" الرقم"، ظاهر أنه موضع، انظر معجم البلدان، ومعجم ما استعجم، وصفة جزيرة العرب للهمداني: ١٧٦، فأنا في شك من هذا كله.]] بعث الله سحابة من الصيف فيها صاعقة! فأحرقته. قال: وخرج عامر حتى إذا كان بوادٍ يقال له الجرير، أرسل الله عليه الطاعون، فجعل يصيح: يا آل عامر، أغُدَّة كغدَّة البكر تقتلني! يا آل عامر، أغدةٌ كغدة البكر تقتلني، وموتٌ أيضًا في بيت سلولية! وهي امرأة من قيس. فذلك قول الله: ﴿سواء منكم من أسر القول ومن جهر به﴾ فقرأ حتى بلغ: ﴿يحفظونه﴾ تلك المعقبات من أمر الله، هذا مقدّم ومؤخّر لرسول الله ﷺ معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، تلك المعقبات من أمر الله. وقال لهذين: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ فقرأ حتى بلغ: ﴿يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء﴾ الآية، فقرأ حتى بلغ: ﴿وما دُعاء الكافرين إلا في ضلال﴾ . قال وقال لبيد في أخيه أربد، وهو يبكيه: أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الحُتُوفَ وَلا ... أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاكِ وَالأسَدِ [[ديوانه قصيدة رقم: ٥، البيت: ٢، ٣ / وسيأتيان في ص: ٣٩٤، وقبل البيتين، وهو أولها: ما إنْ تُعرِّي المَنُونُ مِنْ أَحَدٍ ... لا وَالِدٍ مُشْفِقٍ ولا وَلدِ و" الحتوف"، هي الآجال. وقوله:" نوء السماك والأسد"، فإنه يعني السماك الأعزل، ونوؤة أربع ليال في تشرين الأول (شهر أكتوبر) . وهو نوء غزير. وأما" الأسد"، فإنه يعني" زبرة الأسد" ونوؤها أربع ليال في أواخر آب (شهر أغسطس) . ويكون في نوء الزبرة مطر شديد (انظر كتاب الأنواء لابن قتيبة ص: ٥٨، ٥٩ / ٦٤، ٦٥) . وذلك كله في زمن الصيف. يقول لبيد: كنت أخشى عليه كل حتف أعرفه، إلا هذا الحتف المفاجئ من صواعق الصيف. وقوله:" فجعني الدهر"، أي أنزل بي الفجيعة الموجعة، والرزية المؤلمة. و" يوم الكريهة"، يوم الشدة في الحرب، حيث تكره النفوس الموت. و" النجد" (بفتح فضم) ، هو الشجاع الشديد البأس، السريع الإجابة إلى ما دعي إليه من خير أو شر، مع مضاء فيما يعجز عنه غيره.]] فَجّعَنِي الرَّعْدُ وَالصَّوَاعِقُ بِال ... فَارِسِ يَوْمَ الكَرِيهَةِ النَّجُدِ [[الأثر: ٢٠٢٥٠ - رواه السيوطي في الدر المنثور ٤: ٤٨، ٤٩، ونسبه لابن جرير وأبي الشيخ، ولم أجده في غير هذين المكانين.]] * * * قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله ابن زيد في تأويل هذه الآية، قولٌ بعيد من تأويل الآية، مع خلافِه أقوالَ من ذكرنا قوله من أهل التأويل. وذلك أنه جعل"الهاء" في قوله: ﴿له معقبات﴾ من ذكر رسول الله ﷺ، ولم يجر له في الآية التي قبلها ولا في التي قبل الأخرى ذكرٌ، إلا أن يكون أراد أن يردّها على قوله: ﴿إنما أنت منذر ولكل قوم هاد له معقبات﴾ فإن كان ذلك، [[في المطبوعة:" فإن كان أراد ذلك"، زاد من عنده ما لا حاجة إليه.]] فذلك بعيدٌ، لما بينهما من الآيات بغير ذكر الخبر عن رسول الله ﷺ. وإذا كان ذلك، فكونها عائدة على"مَنْ" التي في قوله: ﴿ومَنْ هو مستخف بالليل﴾ أقربُ، لأنه قبلها والخبر بعدها عنه. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: سواء منكم، أيها الناس من أسرّ القول ومن جهر به عند ربكم، ومن هو مستخف بفسقه وريبته في ظلمة الليل، وساربٌ يذهب ويجيء في ضوء النهار ممتنعًا بجنده وحرسه الذين يتعقبونه من أهل طاعة الله أن يحولوا بينه وبين ما يأتي من ذلك، وأن يقيموا حدَّ الله عليه، وذلك قوله: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ . * * * وقوله: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ يقول تعالى ذكره: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم﴾ ، من عافية ونعمة، فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم= ﴿حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ من ذلك بظلم بعضهم بعضًا، واعتداء بعضهم على بعض، فَتَحلَّ بهم حينئذ عقوبته وتغييره. * * * وقوله: ﴿وإذا أراد الله بقوم سوءًا فلا مردّ له﴾ يقول: وإذا أراد الله= بهؤلاء الذين يستخفون بالليل ويسربون بالنهار، لهم جند ومنعة من بين أيديهم ومن خلفهم، يحفظونهم من أمر الله= هلاكًا وخزيًا في عاجل الدنيا، = ﴿فلا مردّ له﴾ يقول: فلا يقدر على ردّ ذلك عنهم أحدٌ غيرُ الله. يقول تعالى ذكره: ﴿وما لهم من دونه من وال﴾ يقول: وما لهؤلاء القوم= و"الهاء والميم" في"لهم" من ذكر القوم الذين في قوله: ﴿وإذا أراد الله بقوم سوءًا﴾ . من دون الله= ﴿من والٍ﴾ يعني: من والٍ يليهم ويلي أمرهم وعقوبتهم. * * * وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول:"السوء": الهلكة، ويقول: كل جذام وبرص وعَمى وبلاء عظيم فهو"سوء" مضموم الأول، وإذا فتح أوله فهو مصدر:"سُؤْت"، ومنه قولهم:"رجلُ سَوْءٍ". [[هو نص كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ٣٢٤.]] واختلف أهل العربية في معنى قوله: ﴿ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار﴾ . فقال بعض نحويي أهل البصرة: معنى قوله: ﴿ومن هو مستخف بالليل﴾ ومن هو ظاهر بالليل، من قولهم:"خَفَيْتُ الشيء": إذا أظهرته، وكما قال أمرؤ القيس: فَإِنْ تَكْتُمُوا الدَّاء لا نَخْفِه ... وإنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نَقْعُدِ [[ديوانه: ١٦، واللسان (خفا) ، وغيرهما، وسيأتي في التفسير ١٦: ١١٤ (بولاق) ، مع اختلاف يسير في الرواية.]] وقال: وقد قرئ ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [سورة طه:١٥] بمعنى: أظهرها. وقال في قوله: ﴿وسارب بالنهار﴾ ،"السارب": هو المتواري، كأنه وجَّهه إلى أنه صار في السَّرَب بالنهار مستخفيًا. [[" السرب" (بفتحتين) : حفير تحت الأرض.]] * * * وقال بعض نحويي البصرة والكوفة: إنما معنى ذلك: ﴿ومن هو مستخف﴾ ، أي مستتر بالليل من الاستخفاء= ﴿وسارب بالنهار﴾ : وذاهبٌ بالنهار، من قولهم:"سَرَبت الإبل إلى الرَّعي، وذلك ذهابها إلى المراعي وخروجها إليها. وقيل: إن"السُّرُوب" بالعشيّ، و"السُّروح" بالغداة. * * * واختلفوا أيضًا في تأنيث"معقبات"، وهي صفة لغير الإناث. فقال بعض نحويي البصرة: إنما أنثت لكثرة ذلك منها، نحو:"نسّابة"، و"علامة"، ثم ذكَّر لأن المعنيَّ مذكّر، فقال:"يحفظونه". * * * وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هي"ملائكة معقبة"، ثم جمعت"معقبات"، فهو جمع جمع، ثم قيل:"يحفظونه"، لأنه للملائكة. * * * وقد تقدم قولنا في معنى:"المستخفي بالليل والسارب بالنهار". [[انظر ما سلف ص: ٣٦٦ - ٣٦٨.]] وأما الذي ذكرناه عن نحويي البصريين في ذلك، فقولٌ وإن كان له في كلام العرب وجهٌ، خلافٌ لقول أهل التأويل. [[سياق الكلام:" فقول.. خلاف لقول أهل التأويل".]] وحسبه من الدلالة على فساده، خروجه عن قولِ جميعهم. * * * وأما"المعقبات"، فإن"التعقيب" في كلام العرب، العود بعد البدء، والرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه، [[سلف أيضًا تفسير" المعقبات" ص: ٣٦٩، وما بعدها.]] من قول الله تعالى: ﴿وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ ، أي: لم يرجع، وكما قال سلامة بن جندل: وَكَرُّنا الخَيْلَ فِي آثَارِهِمْ رُجُعًا ... كُسَّ السَّنَابِكِ مِنْ بَدْءٍ وَتَعْقِيبِ [[ديوانه: ٨، شرح المفضليات: ٢٢٧، قصيدة مشهورة، وروايتها. وَكَرُّنَا خَيْلَنَا أدْرَاجَهَا رُجُعًا وهي أجود الروايتين، وكان في المطبوعة:" في آثارها". وقوله:" أدراجها"، أي من حيث جاءت ذهبت. و" رجع" جمع" رجيع"، وهو الدابة الذي هزله السفر. و" كس السنابك"، جمع" أكس"، وهو الحافر المتثلم الذي كسره طول السير، أي تحاتت سنابكها من طول السير. و" البدء" الغزو الأول، و" التعقيب"، الرجوع من الغزو، أو الغزو الثاني بعد الأول.]] يعني: في غزوٍ ثانٍ عقَّبُوا، وكما قال طرفة: وَلَقَدْ كُنْت عَلَيْكُمْ عَاتِبًا ... فَعَقَبْتُمْ بِذَنُوبٍ غَيْرِ مُرّ [[أشعار الستة الجاهليين: ٣٣٤، و" الذنوب"، الدلو العظيمة يكون فيها ماء. يقول:" كنت عليكم واجدًا غاضبًا، فرجعتم بحلو المودة دون مرها، فخلص قلبي لكم مرة أخرى.]] يعني بقوله:"عقبتم"، رجعتم. =وأتاها التأنيث عندنا، وهي من صفة الحرس الذي يحرسون المستخفي بالليل والسارب بالنهار، لأنه عني بها"حرس مُعَقبّة"، ثم جمعت"المعقبة" فقيل:"معقبات" فذلك جمع جمع"المعقِّب"، و"المعقِّب"، واحد"المعَقِّبة"، كما قال لبيد: حَتَّى تَهَجَّرَ فِي الرّوَاحِ وَهَاجَهُ ... طَلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّهُ المَظْلُومُ [[ديوانه قصيدة رقم: ١٦، بيت ٢٦، اللسان (عقب) ، وهو من أبيات في صفة حمار الوحش، وشرح البيت يطول، وخلاصته أن الحمار" تهجر من الرواح"، أي: عجل في الرواح إلى الماء، و" هاجه"، أي: حركه حب الماء، فعجل إليه عجلة طالب الحق يطلبه مرة بعد مرة، وهو" المعقب". ورفع" المظلوم"، وهو نعت للمعقب على المعنى والمعقب خفض في اللفظ، ومعناه أنه فاعل" طلب".]] و"المعقبات"، جمعها، ثم قال:"يحفظونه"، فردّ الخبر إلى تذكير الحرَس والجند. * * * وأما قوله: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ فإن أهل العربية اختلفوا في معناه. فقال بعض نحويي الكوفة: معناه: له معقبات من أمر الله يحفظونه، وليس من أمره [يحفظونه] ، [[ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق.]] إنما هو تقديم وتأخير. قال: ويكون يحفظونه ذلك الحفظ من أمر الله وبإذنه، كما تقول للرجل:"أجبتك من دعائك إياي، وبدعائك إياي". * * * وقال بعض نحويي البصريين، معنى ذلك: يحفظونه عن أمر الله، كما قالوا:"أطعمني من جوع، وعن جوع" و"كساني عن عري، ومن عُرْيٍ". وقد دللنا فيما مضى على أن أولى القول بتأويل ذلك أن يكون قوله: ﴿يحفظونه من أمر الله﴾ ، من صفة حرس هذا المستخفي بالليل، وهي تحرسه ظنًّا منها أنها تدفع عنه أمرَ الله، فأخبر تعالى ذكره أن حرسه ذلك لا يغني عنه شيئًا إذا جاء أمره، فقال: ﴿وإذا أراد الله بقوم سوءًا فلا مرد له وما لهم من دونه من والٍ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب