الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ﴾. قال المفسرون [[الطبري 12/ 90، الثعلبي 7/ 52 أ، البغوي 4/ 192 - 193، "زاد المسير" 4/ 140.]]: لما رأت الملائكة ما لقي لوط من الكرب والنصب بسبب الدفع عنهم، قالوا: يا لوط إن ركنك لشديد، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود، وإنَّا رسل ربك لن يصلوا إليك، فافتح الباب ودعنا وإياهم، ففتح الباب فدخلوا، فضرب جبريل بجناحه وجوههم، فطمس أعينهم وأعماهم فصاروا لا يعرفون الطريق، ولا يهتدون إلى بيوتهم، وذلك قوله [تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ﴾ [القمر: 37]، ومعنى] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]] ﴿لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾ أي: بسوء ومكروه فإنَّا نحول بينهم وبين ذلك، وقالوا له: ﴿فَاسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ وقرئ [[قرأ ابن كثير ونافع ﴿فاسر بأهلك﴾ من سريت، بغير همز، وقرأ أبو عمرو وعاصم، وابن عامر وحمزة والكسائي ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ من أسريت. انظر: "السبعة" ص 338، "إتحاف" ص 259، "الكشف" 1/ 535، "الحجة" 4/ 367، الطبري 12/ 80، الثعلبي 7/ 52 ب.]] بقطع الألف وهما لغتان، يقال: سريت بالليل وأسريت. وأنشد أبو عبيد لحسان [[عجز بيت، وصدره: إن النضيرة ربة الخدر "ديوانه" ص 96، "اللسان" (سرا) 4/ 2003، "المخصص" 9/ 48، 14/ 240، "تاج العروس" (سرا) وبلا نسبة في "مقاييس اللغة" 3/ 154.]]: أسرت إليك ولم تكن تسري فجاء باللغتين، وجاء بيت النابغة [[صدر بيت للنابغة الذبياني، وعجزه: تزجي الشمالُ عليه جامد البرد وسرت إذا أمطرت، وقوله: (من الجوزاء سارية) كقولك: سقينا بنوء كذا وكذا، أي. أصابة المطر ليلًا، و (تزجي) تسوق وتدفع على الثور جامد البرد، انظر: == "ديوانه" ص 11 "شرح ابن السكيت"، "مجاز القرآن" 1/ 295، "مختار الشعر الجاهلي" 1/ 150، "اللسان" (سرت) 4/ 2003، القرطبي 9/ 79، "مجمل اللغة" 3/ 479.]]: سرت إليه من الجوزاء سارية يروى بالوجهين سرت وأسرت. قال الأزهري: وهذا ما لا أعلم فيه بين أهل اللغة اختلافًا، فمن قرأ بقطع الألف فحجته قوله: ﴿أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: 1] ومن قرأ بوصل الألف [[في (ب): ومن قرأ بالوصل.]] فحجته قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر: 4]. وقوله تعالى: ﴿بِأَهْلِكَ﴾، روى السدي عن [["زاد المسير" 4/ 141، وذكر أن اسم الكبرى (ريَّة) بالياء المثناة.]] أبي مالك: لم يؤمن بلوط إلا ابنتاه، الكبرى اسمها ربه والصغرى اسمها عروبة، فالأهل على هذا ابنتاه. وقوله تعالى: ﴿بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾، ذكرنا معنى القطع في سورة يونس [[عند قوله تعالى: ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا﴾ [الآية 27]. وقال هناك: "القِطْع: اسم لما قطع فسقط، ويراد به هاهنا بعض من الليل".]]، قال عطاء عن ابن [[الطبري 12/ 93، عن ابن عباس قال: جوف الليل، وفي رواية أخرى: بطائفة من الليل. وابن أبي حاتم 6/ 2065، وذكره عنهما السيوطي في "الدر" 3/ 623 وزاد نسبته إلى ابن المنذر.]] عباس: [يريد: في ظلمة الليل. وقال نافع بن الأزرق [[هو: نافع بن الأزرق بن قيس الحنفي، رأس الأزارقة وهي فرقة من الخوارج، كان أمير قومه وفقيههم صحب أول أمره ابن عباس وله معه أسئلة مشهورة. انظر: "تاريخ الطبري" 5/ 613، "الأعلام" 7/ 351.]] لعبد الله بن عباس] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]: أخبرني عن قول الله -عز وجل- (بقطع من الليل)، قال: هو آخر [[ابن الأنباري في "الوقف والابتداء" 1/ 85، وانظر: "الدر" 3/ 623، "زاد المسير" 4/ 142، مسائل نافع بن الأزرق في "الإتقان" 1/ 167.]] الليل، بسحر [[في (ي): (سحرًا).]]. وقال قتادة [[الطبري 12/ 93، عبد الرزاق 2/ 309.]]: بعد طائفة من الليل. وقال بعض أهل المعاني: هو نصف الليل؛ فإنه قطع بنصفين. وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾، نهى من معه من الالتفات إذا خرجوا من قريتهم، قال مجاهد [[الطبري 12/ 93، وابن أبي حاتم 6/ 2065، وابن المنذر كما في "الدر" 3/ 623، "زاد المسير" 4/ 142.]]: لا ينظروا وراءهم كأنهم تعبدوا بذلك. وقوله تعالى: ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾، قرئ بالنصب [[قرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بالنصب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالرفع، انظر: "السبعة" ص 338، "الكشف" 1/ 536، "إتحاف" ص 259، الطبري 12/ 80، الثعلبي 7/ 52 ب.]] والرفع؛ فمن قرأ بالنصب -وهو الاختيار- جعلها مستثناة من الإهلال على معنى فأسر بأهلك إلا امرأتك، والذي يشهد بصحة هذه القراءة أن في قراءة [[الطبري 12/ 89، الثعلبي 7/ 52 ب، البغوي 4/ 193، القرطبي 9/ 80، "الدر المنثور" 3/ 623.]] عبد الله (فأسر بأهلك إلا امرأتك) وليس بينهما ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾، ومن رفع المرأة حمله على (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك)، فإن قيل: على هذا هذه القراءة توجب أنها أمرت بالالتفات؛ لأن القائل إذا قال: لا يقم منكم أحد إلا زيد، كان أمر زيدًا بالقيام. قال أبو بكر [["زاد المسير" 4/ 142.]]: معنى [[في (ي): (معناه).]] ﴿إِلَّا﴾ هاهنا الاستثناء المنقطع على معنى ولا يلتفت منكم أحد لكن امرأتك تلتفت، فيصيبها ما أصابهم، فإذا كان الاستثناء منقطعًا كان التفاتها بمعصية منها لله -عز وجل-، ويؤيد هذه القراءة ما قال قتادة [["زاد المسير" 4/ 142، الطبري 12/ 90 - 91.]]: ذكر لنا أنها كانت مع لوط حين خرج من القرية، فلما سمعت [هدة العذاب] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]] التفتت وقالت: يا قوماه، فأصابها حجر فأهلكها. وقال مقاتل بن سليمان [["تفسير مقاتل" 48 أ، الطبري 12/ 89، الثعلبي 7/ 52 ب، البغوي 4/ 193، "زاد المسير" 4/ 142.]]: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإنها تلتفت وهذا يدل على أنه خرج بامرأته ثم التفتت، ويقوى وجه الرفع؛ لأن من نصب لا يُجوِّز أن تكون خارجة [[في (ي): حاله.]] مع أهله؛ لأن الاستثناء يكون من الأهل، كأنه أمر لوط بأن يخرج بأهله ويترك هذه المرأة فإنها هالكة في جملة من يهلك. قال أبو بكر: والاختيار النصب؛ لأن الناصبين أخرجوا المرأة من الأهل، فكان الاستثناء متصلًا، والرافعين جعلوا الاستثناء منقطعًا، والاتصال أولى من الانقطاع. قال أبو علي [["الحجة" 4/ 370.]]: ويجوز في قول من نصب أن يكون الاستثناء من ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ﴾ على قول من قال (ما جاءني أحد إلا زيدًا) وقد بينا هذا في قوله: ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ في قراءة من قرأ: ﴿قَلِيلًا﴾ [[قرأ بهذه القراءة ابن عامر، انظر: "السبعة" ص 235، "الكشف" 1/ 392.]]، وإن جعلت الاستثناء من ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ﴾ لم يكن إلا النصب، ووجه التفسير في قراءة من قرأ بالنصب ما قاله المفسرون [[الثعلبي 7/ 52 ب، الطبري 12/ 89 ورجحه، البغوي 4/ 193.]]: أن الملائكة قالوا للوط فأسر بأهلك إلا امرأتك فلا تسر بها وخلفها مع قومها فإنَّ هواها إليهم. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾، الكناية في قوله: ﴿إِنَّهُ﴾ كناية عن الشأن والأمر، تأويلها فإنَّ الأمر مصيبها ما أصابهم. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ﴾، [أي: للعذاب. قال عامة المفسرين [[الثعلبي 7/ 52 ب، "زاد المسير" 4/ 142، البغوي 4/ 193، القرطبي 9/ 81.]]: لما قالوا للوط إن موعدهم الصبح] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]]، قال: أريد أعجل من ذلك بل الساعة يا جبريل، فقال [[في (ي): (فقالوا).]] له: أليس الصبح بقريب، قالوا: فخرج لوط بأهله عند طلوع الفجر، فلما طلع الفجر احتمل جبريل مدينتهم حتى أدناها من السماء بما فيها ثم نكسوا على رءوسهم وأتبعهم الله الحجارة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب