الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت الملائكة للوط، لما قال لوط لقومه ﴿لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد﴾ ، ورأوا ما لقي من الكرب بسببهم منهم: ﴿يا لوط إنا رسل ربك﴾ ، أرسلنا لإهلاكهم، وإنهم لن يصلوا إليك وإلى ضيفك بمكروه، فهوّن عليك الأمر= ﴿فأسر بأهلك بقطع من الليل﴾ ، يقول: فاخرج من بين أظهرهم أنت وأهلك ببقية من الليل. [[انظر تفسير " القطع " فيما سلف ص: ٧٦.]]
* * *
يقال منه: "أسرى" و"سرى"، وذلك إذا سار بليل = ﴿ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك﴾ .
* * *
واختلفت القراءة في قراءة قوله: ﴿فأسر﴾ .
فقرأ ذلك عامة قراء المكيين والمدنيين: "فَاسْرِ"، وصلٌ بغير همز الألف، من "سرى".
* * *
وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة: ﴿فَأَسْرِ﴾ بهمز الألف، من "أسرى".
* * *
قال أبو جعفر: والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان، قد قرأ بكل واحدة منهما أهل قدوة في القراءة، وهما لغتان مشهورتان في العرب، معناهما واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ في ذلك.
* * *
وأما قوله: ﴿إلا امرأتك﴾ ، فإن عامَّة القراء من الحجاز والكوفة، وبعض أهل البصرة، قرأوا بالنصب ﴿إلا امْرَأَتَكَ﴾ ، بتأويل: فأسر بأهلك إلا امرأتك، وعلى أن لوطًا أمر أن يسري بأهله سوى زوجته، فإنه نهي أن يسري بها، وأمر بتخليفها مع قومها.
* * *
وقرأ ذلك بعض البصريين: ﴿إلا امْرَأَتُكَ﴾ ، رفعًا = بمعنى: ولا يلتفت منكم أحد، إلا امرأتك = فإن لوطًا قد أخرجها معه، وإنه نهي لوط ومن معه ممن أسرى معه أن يلتفت سوى زوجته، وأنها التفتت فهلكت لذلك.
* * *
وقوله: ﴿إنه مصيبها ما أصابهم﴾ ، يقول: إنه مصيب امرأتك ما أصاب قومك من العذاب = ﴿إن موعدهم الصبح﴾ ، يقول: إن موعد قومك الهلاك الصبح. فاستبطأ ذلك منهم لوط وقال لهم: بلى عجِّلوا لهم الهلاك! فقالوا: ﴿أليس الصبح بقريب﴾ أي عند الصبح نزولُ العذاب بهم، كما:-
١٨٤٠٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ﴿أليس الصبح بقريب﴾ ، أي: إنما ينزل بهم من صبح ليلتك هذه، فامض لما تؤمر.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:-
١٨٤٠٨- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: فمضت الرُّسُل من عند إبراهيم إلى لوط، فلما أتوا لوطًا، وكان من أمرهم ما ذكر الله، قال جبريل للوط: يا لوط، إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، فقال لهم لوط: أهلكوهم الساعة! فقال له جبريل عليه السلام: ﴿إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب﴾ ؟ فأنزلت على لوط: ﴿أليس الصبح بقريب﴾ ، قال: فأمره أن يسري بأهله بقطع من الليل، ولا يلتفت منهم أحد إلا امرأته، قال: فسار، فلما كانت الساعة التي أهلكوا فيها، أدخل جبريل جناحَه فرفعها، حتى سمع أهلُ السماء صياح الديكة ونباحَ الكلاب، فجعل عاليها سافلَها، وأمطر عليها حجارة من سجِّيل. قال: وسمعت امرأة لوط الهَدَّة، فقالت: واقوماه! فأدركها حَجَرٌ فقتَلها. [[الأثر: ١٨٤٠٨ - رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٥٥.]]
١٨٤٠٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية قال: كان لوط أخذ على امرأته أن لا تذيع شيئًا من سرّ أضيافه. قال: فلما دخل عليه جبريل ومن معه، رأتهم في صورة لم تر مثلها قطُّ، فانطلقت تسعى إلى قومها، فأتت النادي فقالتْ بيدها هكذا، وأقبلوا يهرعون مشيا بين الهرولة والجمز، فلما انتهوا إلى لوط، قال لهم لوطٌ ما قال الله في كتابه. قال جبريل: ﴿يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك﴾ ، قال: فقال بيده، [[" قال بيده "، أشار بيده وأومأ.]] فطمس أعينهم، فجعلوا يطلبونهم، يلمسون الحيطان وهم لا يبصرون. [[الأثر: ١٨٤٠٩ - رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٥٥.]]
١٨٤١٠- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن حذيفة قال: لما بَصُرت بهم = يعني بالرسل = عجوزُ السَّوء امرأتُه، انطلقت فأنذرتهم، فقالت: قد تضيَّف لوطًا قوم، [[في المطبوعة فقال " إنه تضيف لوطا "، وفي المخطوطة: " رب تضيف لوط قوم "، وهو خطأ من الناسخ لا شك فيه وأثبت ما في التاريخ.]] ما رأيت قومًا أحسن وجوهًا! = قال: ولا أعلمه إلا قالت: ولا أشد بياضًا وأطيبَ ريحًا! قال: فأتوه يُهْرعون إليه، كما قال الله، فأصْفق لوط البابَ. قال: فجعلوا يعالجونه. قال: فاستأذن جبريل ربَّه في عقوبتهم، فأذن له، فصفقهم بجناحه، فتركهم عميانًا يتردَّدون في أخبث ليلة أتت عليهم قطُّ. [[في المطبوعة: " في أخبث ليلة ما أتت عليهم. . . "، كأنه أراد تصويبها، فأفسدها. والصواب ما في المخطوطة والتاريخ.]]
فأخبروه: (إنا رسل ربك فأسر بأهلك بقطع من الليل) ، قال: ولقد ذكر لنا أنه كانت مع لوط حين خرج من القرية امرأته، ثم سمعت الصوت، فالتفتت، وأرسل الله عليها حجرًا فأهلكها. وقوله: ﴿إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب﴾ ، فأراد نبيُّ الله ما هو أعجل من ذلك، فقالوا: ﴿أليس الصبح بقريب﴾ ؟ [[الأثر: ١٨٤١٠ - رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٥٥، ولم ترد فيه الجملة الأخيرة من الخبر.]]
١٨٤١١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير قال، حدثنا عمرو بن قيس الملائي، عن سعيد بن بشير، عن قتادة قال: انطلقت امرأته = يعني امرأة لوط = حين رأتهم = يعني حين رأت الرسل = إلى قومها فقالت: إنه قد ضافه الليلة قوم ما رأيت مثلَهم قط، أحسنَ وجوهًا ولا أطيبَ ريحًا! فجاؤوا يُهرعون إليه، فبادرهم لوط إلى أن يزحمهم على الباب، [[في المطبوعة: " يزجهم على الباب " والصواب ما في المخطوطة والتاريخ.]] فقال: ﴿هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ ، فقالوا: ﴿أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ ، [[تضمين آيات سورة الحجر: ٧٠، ٧١.]] فدخلوا على الملائكة، فتناولتهم الملائكة وطمست أعينهم، فقالوا: يا لوط جئتنا بقوم سحرة سحرونا، كما أنت حتى تصبح! قال: واحتمل جبريل قَرْيات لوط الأربع، في كل قرية مائة ألف، فرفعهم على جناحه بين السماء والأرض، حتى سمع أهل السماء الدنيا أصواتَ ديكتهم، ثم قلبَهم، فجعل الله عاليها سافَلها. [[الأثر: ١٨٤١١ - رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٥٥، ١٥٦.]]
١٨٤١٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال حذيفة: لما دخلوا عليه، ذهبت عَجُوزه عجوزُ السوء، فأتت قومها فقالت: لقد تضيَّف لوطًا الليلة قومٌ ما رأيت قومًا قطُّ أحسنَ وجوهًا منهم! قال: فجاؤوا يسرعون، [[في التاريخ " فجاؤوا يهرعون إليه ".]] فعاجلَهم إلى لوط، [[في المطبوعة: " فعاجلهم لوط "، وأثبت ما في المخطوطة، وأنا في ريب منه، لأن أبا جعفر لم يرو هذه الجملة في تاريخه، ولا أدري لم؟ ولم أشأ أن أغيره، للخبر الذي يليه، وهو في التاريخ جمع الإسنادين جميعًا، وساق هذه الجملة كلها غير هذا السياق.]] فقام ملك فلزَّ الباب = يقول: فسدّه = واستأذن جبريل في عقوبتهم، فأذن له، فضربهم جبريل بجناحه، فتركهم عميانًا، فباتوا بشرّ ليلة، ثم ﴿قالوا إنا رسل ربك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك﴾ ، قال: فبلغنا أنها سمعت صوتًا، فالتفتت فأصابها حجر، وهى شاذَّة من القوم معلومٌ مكانها. [[الأثر: ١٨٤١٢ - رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٥٦، جمع هذا الإسناد والذي يليه فقال: ". . . حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال حدثنا محمد بن ثور = وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرازق = جميعًا، عن معمر. . . ".]]
١٨٤١٣- حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن حذيفة بنحوه، إلا أنه قال: فعاجلهم لوط. [[الأثر: ١٨٤١٣ - انظر التعليق السالف، وإن كانت هذه الجملة، لم ترد في نص روايته في التاريخ.]]
١٨٤١٤- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، لما قال لوط: ﴿لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد﴾ ، بسط حينئذ جبريل عليه السلام جناحيه، ففقأ أعينهم، وخرجوا يدوس بعضُهم في أدبار بعض عميانًا يقولون: "النَّجَاءَ النجاء! فإن في بيت لوط أسحرَ قوم في الأرض"! فذلك قوله: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ﴾ ، [سورة القمر: ٣٧] . وقالوا للوط: ﴿إنا رسل ربِّك لن يصلوا إليك فأسرْ بأهْلكَ بقطع منَ اللَّيْل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها﴾ ، وَاتبع أدبارَ أهلك [[هذا تضمين للآيات من هذه السورة، والتي في سورة الحجر: ٦٥.]] = يقول: سرْ بهم = ﴿وامضوا حيث تؤمرون﴾ = فأخرجهم الله إلى الشام. وقال لوط: أهلكوهم الساعة! فقالوا: إنا لم نؤمر إلا بالصُّبح، أليس الصبح بقريب؟ فلما أن كان السَّحَر، خرج لوط وأهله معه امرأته، [[في التاريخ: " وأهله معه إلا امرأته ".]] فذلك قوله: ﴿إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ﴾ ، [سورة القمر: ٣٤] . [[الأثر: ١٨٤١٤ - رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٥٧، مع اختلاف ذكرته آنفا. وذكر إسناده تامًا غير مختصر، إلى ابن عباس، وابن مسعود، وناس من أصحاب النبي ﷺ. وهو إسناد دائر في التفسير، في أوله، ثم اختصره أبو جعفر بعد.]]
١٨٤١٥- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصمد: أنه سمع وهب بن منبه يقول: كانَ أهل سدوم الذين فيهم لوط، قومًا قد استغنوا عن النساء بالرجال، فلما رأى الله ذلك [منهم] ، [[الزيادة بين القوسين، من التاريخ.]] بعث الملائكة ليعذبوهم، فأتوا إبراهيم، وكان من أمره وأمرهم ما ذكر الله في كتابه. فلما بشروا سارَة بالولد، قاموا وقام معهم إبراهيم يمشي، قال: أخبروني لم بعثتم؟ وما خطبكم؟ قالوا: إنا أرسلنا إلى أهل سدوم لندمرها، وإنهم قوم سَوء قد استغنوا بالرجال عن النساء. قال إبراهيم: [أرأيتم] إن كان فيهم خمسون رجلا صالحًا؟ [[الزيادة بين القوسين، من التاريخ.]] قالوا: إذًا لا نعذبهم! فجعل ينقص حتى قال أهل بَيْت؟ [[في المطبوعة والمخطوطة: " أهل البيت "، والصواب من التاريخ.]] قالوا: فإن كان فيها بيت صالح! قال: فلوط وأهل بيته؟ قالوا: إن امرأته هَوَاها معهم! فلما يَئس إبراهيم انصرف. ومضوا إلى أهل سدوم، فدخلوا على لوط، فلما رأتهم امرأته أعجبها حسنهم وجمالهم، فأرسلت إلى أهل القرية إنه قد نزل بنا قومٌ لم يُرَ قومٌ قطُّ أحسن منهم ولا أجمل! [[في التاريخ: " لم ذر قومًا ".]] فتسامعوا بذلك، فغشُوا دار لُوط من كل ناحية وتسوَّروا عليهم الجدران. [[في التاريخ: " الجدارات "، وفي المخطوطة: " الجدرات "، والذي في التاريخ صالح.]] فلقيهم لوط فقال: يا قوم لا تفضحون في ضيفي، وأنا أزوّجكم بناتي، فهن أطهر لكم! فقالوا: لو كنَّا نُريد بناتك، لقد عرفنا مكانهن! فقال: ﴿لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد﴾ ! فوجد عليه الرسل وقالوا: إن ركنك لشديد، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود! فمسح أحدهم أعينهم بجناحيه، فطمس أبصارَهم فقالوا: سُحِرْنا، انصرفوا بنا حتى نرجع إليه! فكان من أمرهم ما قد قصَّ الله تعالى في القرآن. [[في المطبوعة وحدها: " في كتابة ".]] فأدخل ميكائيل = وهو صاحبُ العذاب = جناحه حتى بلغ أسفل الأرض، فقلبها، ونزلت حجارة من السماء، فتتبعت من لم يكن منهم في القرية حيث كانُوا، فأهلكهم الله، ونجّى لوطًا وأهله، إلا امرأته. [[الأثر: ١٨٤١٥ - رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ١٥٦، ١٥٧، وانظر التعليق على رقم: ١٨٤٠٦.]]
١٨٤١٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، وعن أبي بكر بن عبد الله = وأبو سفيان، عن معمر = عن قتادة، عن حذيفة، دخل حديث بعضهم في بعض قال: كان إبراهيم عليه السلام يأتيهم فيقول: ويحكم أنهاكم عن الله أن تعرَّضوا لعقوبته! فلم يطيعوا، حتى إذا بلغ الكتاب أجلَه، لمحل عذابهم وسطوات الرّبّ بهم. قال: فانتهت الملائكة إلى لوط وهو يعمل في أرض له، فدعاهم إلى الضيافة، فقالوا: إنَّا مُضيِّفوك الليلة! وكان الله تعالى عهد إلى جبريل عليه السلام أن لا يُعذبهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث شهادات. فلما توجه بهم لوط إلى الضيافة، ذكر ما يعمل قومه من الشَّرّ والدواهي العظام، فمشى معهم ساعةً، ثم التفت إليهم، فقال: أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرضِ شرًّا منهم! أين أذهب بكم؟ إلى قومي وهم شرُّ من خَلَقَ الله! [[في المطبوعة: " شر خلق الله "، وأثبت ما في المخطوطة.]] فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال: احفظوا هذه واحدة! ثم مشى ساعةً، فلما توسَّط القرية وأشفق عليهم واستحيا منهم، قال: أما تعلمون ما يعملُ أهل هذه القرية؟ وما أعلم على وجه الأرض شرًّا منهم، إن قومي شر خلق الله! فالتفت جبريل إلى الملائكة، فقال: احفظوا، هاتان ثنتان! فلما انتهى إلى باب الدار بكَى حياءً منهم وشفقة عليهم، وقال: إن قومي شرُّ خلق الله، أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض أهل قرية شرا منهم! فقال جبريل للملائكة: احفظوا هذه ثلاثٌ، قد حُقَّ العذاب! فلما دخلوا ذهبت عجوزُه، عجُوز السَّوء، فصعدت فلوحت بثوبها، فأتاها الفساق يهرعون سراعًا، قالوا: ما عندك؟ قالت: ضيَّف لوطًا الليلة قومٌ ما رأيت أحسنَ وجوهًا منهم ولا أطيب ريحًا منهم! فهُرِعوا يسارعون إلى الباب، [[في المطبوعة: " مسارعين إلى الباب "، وأثبت ما في المخطوطة.]] فعاجلهم لوط على الباب، فدافعوه طويلا هو داخل وهم خارج، يناشدهم الله ويقول: ﴿هؤلاء بناتي هن أطهر لكم﴾ ، فقام الملك فلزَّ الباب = يقول: فسَدّه = واستأذن جبريل في عقوبتهم، فأذن الله له، فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء، فنشر جناحه، ولجبريل جناحان، وعليه وشاح من درّ منظوم، وهو براق الثنايا أجلَى الجبين، ورأسه حُبُك، مثل المرجان، [[هكذا في المطبوعة، بأنه يعني " حبك الشعر "، وهو الجعد المتكسر منه، وفي المخطوطة " حبل حبل " غير منقوطة، كأنها " حبل، حبل "، يعني الذي ينظم في اللؤلؤ كالتاج. أو تقرأ " جثل، جثل "، وهو من الشعر الكثير الملتف. والله أعلم.]] وهو اللؤلؤ، كأنه الثلج، وقدماه إلى الخضرة = فقال: يا لوط، ﴿إنَّا رسل ربك لن يصلوا إليك﴾ ، أمِطْ، يا لوط، من الباب ودعني وإياهم. [[في المطبوعة: " امض يا لوط "، غير ما في المخطوطة، وهو الصواب المحض. يقال: "ماط عن المكان، وأماط عنه "، إذا تنحى. وفي حديث خيبر أنه أخذ الراية فهزها، فقال: من يأخذها بحقها؟ فجاء فلان، فقال: أنا! فقال: أمط! ثم جاء آخر، فقال: أمط = أي: تنح أنت واذهب.]] فتنحى لوط عن الباب، فخرج عليهم، فنشر جناحه، فضرب به وجوههم ضربةً شَدَخ أعينهم، [[هكذا في المطبوعة والمخطوطة: " شدخ أعينهم "، كأنه من " شدخت الغرة "، إذا غشيت الوجه من أصل الناصية إلى الأنف، في الفرس. هذا، وإلا فإني لا أدري ما هو؟ .]] فصاروا عميًا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم. ثم أمر لوطًا فاحتمل بأهله من ليلته، قال: ﴿فأسر بأهلك بقطع من الليل﴾ .
١٨٤١٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قال لوط لقومه: ﴿لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد﴾ ، والرسل تسمع ما يقول وما يُقال له، ويرون ما هو فيه من كرْب ذلك. فلما رأوا ما بلغه قالوا: ﴿يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك﴾ ، أي: بشيء تكرهه = ﴿فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إنّ موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب﴾ ، أي إنما ينزل بهم العذاب من صبح ليلتك هذه، فامض لما تؤمر.
١٨٤١٨-. . . . قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي أنه حدَّث. أن الرسل عند ذلك سَفَعُوا في وجوه الذين جاؤوا لوطًا من قومه يراودونه عن ضيفه، [[" سفع وجهه بيده سفعا " لطمه بكفه مبسوطة.]] فرجعوا عميانًا. قال: يقول الله: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُم﴾ [سورة القمر: ٣٧] .
١٨٤١٩- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ﴿بقطع من الليل﴾ ، قال: بطائفة من الليل.
١٨٤٢٠- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿بقطع من الليل﴾ ، بطائفة من الليل.
١٨٤٢١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس قوله: ﴿بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ ، قال: جوف الليل = وقوله: ﴿وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ﴾ ، يقول: واتبع أدبار أهلك = ﴿وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾ [[الأثر: ١٨٤٢١ - هذا من تفسير آية سورة الحجر: ٦٥، ولم يذكره هناك.]] [سورة الحجر: ٦٥] .
وكان مجاهد يقول في ذلك ما:-
١٨٤٢٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ﴿ولا يلتفت منكم أحد﴾ ، قال: لا ينظر وراءَه أحد = ﴿إلا امرأتك﴾ .
* * *
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلَ إلا امْرَأَتَكَ﴾ .
* * *
١٨٤٢٣- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون، قال في حرف ابن مسعود: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلَ إلا امْرَأَتَكَ﴾ .
* * *
قال أبو جعفر: وهذا يدل على صحة القراءة بالنصب.
{"ayah":"قَالُوا۟ یَـٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن یَصِلُوۤا۟ إِلَیۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعࣲ مِّنَ ٱلَّیۡلِ وَلَا یَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِیبُهَا مَاۤ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَیۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِیبࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق