الباحث القرآني

﴿قالُوا يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ فَأسْرِ بِأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ولا يَلْتَفِتْ مِنكم أحَدٌ إلّا امْرَأتَكَ إنَّهُ مُصِيبُها ما أصابَهم إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ألَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ ﴿فَلَمّا جاءَ أمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِن سِجِّيلٍ مَنضُودٍ﴾ ﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وما هي مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾: (p-٢٤٨)رُوِيَ أنَّ لُوطًا عَلَيْهِ السَّلامُ غَلَبُوهُ، وهَمُّوا بِكَسْرِ البابِ وهو يُمْسِكُهُ قالَ لَهُ الرُّسُلُ: تَنَحَّ عَنِ البابِ فَتَنَحّى، وانْفَتَحَ البابُ فَضَرَبَهم جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِجَناحِهِ، فَطَمَسَ أعْيُنَهم وعُمُوا، وانْصَرَفُوا عَلى أعْقابِهِمْ يَقُولُونَ: النَّجاةَ النَّجاةَ فَعِنْدَ لُوطٍ قَوْمٌ سَحَرَةٌ وتَوَعَّدُوا لُوطًا، فَحِينَئِذٍ قالُوا لَهُ: ﴿إنّا رُسُلُ رَبِّكَ﴾ . ورُوِيَ أنَّ جِبْرِيلَ نَقَبَ مِن خَصاصِ البابِ، ورَمى في أعْيُنِهِمْ فَعُمُوا. وقِيلَ: أخَذَ قَبْضَةً مِن تُرابٍ وأذْراها في وُجُوهِهِمْ، فَأوْصَلَهُ إلى عَيْنِ مَن بَعُدُ ومَن قَرُبَ مِن ذَلِكَ التُّرابِ، فَطُمِسَتْ أعْيُنُهم فَلَمْ يَعْرِفُوا طَرِيقًا ولَمْ يَهْتَدُوا إلى بُيُوتِهِمْ. وقِيلَ: كَسَرُوا بابَهُ وتَهَجَّمُوا عَلَيْهِ، فَفَعَلَ بِهِمْ جِبْرِيلُ ما فَعَلَ. والجُمْلَةُ مِن قَوْلِهِ: ﴿لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ﴾: مُوَضِّحَةٌ لِلَّذِي قَبْلَها لِأنَّهم إذا كانُوا رُسُلَ اللَّهِ لَنْ يَصْلُوا إلَيْهِ، ولَمْ يَقْدِرُوا عَلى ضَرَرِهِ، ثُمَّ أمَرُوهُ بِأنْ يَسْرِيَ بِأهْلِهِ. وقَرَأ الحَرَمِيّانِ: فَأسْرِ، وأنِ أسْرِ بِوَصْلِ الألِفِ مِن سَرى، وباقِي السَّبْعَةِ: بِقَطْعِها، وأهْلُهُ: ابْنَتاهُ وطائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ. ﴿بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: بِطائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، وقالَ الضَّحّاكُ: بِبَقِيَّةٍ مِن آخِرِهِ، وقالَ قَتادَةُ: بَعْدَ مُضِيِّ صَدْرٍ مِنهُ، وقالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: أيْ: ساعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، وقِيلَ: بِظُلْمَةٍ، وقِيلَ: إنَّهُ نِصْفٌ، وقِيلَ: إنَّهُ نِصْفُ اللَّيْلِ مَأْخُوذٌ مِن قَطْعِهِ نِصْفَيْنِ. وقالَ الشّاعِرُ: ؎ونائِحَةٌ تَنُوحُ بِقِطْعِ لَيْلٍ عَلى رَجُلٍ بِقارِعَةِ الصَّعِيدِ وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيادٍ: السَّحَرُ، لِقَوْلِهِ: نَجَّيْناهم بِسَحَرٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنَّهُ أسْرى بِأهْلِهِ مِن أوَّلِ اللَّيْلِ حَتّى جاوَزَ البَلَدَ المُقْتَلَعَ، ووَقَعَتْ نَجاتُهُ بِسَحَرٍ. فَتَجْتَمِعُ هَذِهِ الآيَةُ مَعَ قَوْلِهِ ﴿إلّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهم بِسَحَرٍ﴾ [القمر: ٣٤]، انْتَهى. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: القِطْعُ بِمَعْنى: القِطْعَةُ مُخْتَصٌّ بِاللَّيْلِ، ولا يُقالُ: عِنْدِي قِطْعٌ مِنَ الثَّوْبِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو: ﴿إلّا امْرَأتَكَ﴾ بِالرَّفْعِ، وباقِي السَّبْعَةِ: بِالنَّصْبِ، فَوَجْهُ النَّصْبِ عَلى أنَّهُ اسْتِثْناءٌ مِن قَوْلِهِ: (بِأهْلِكَ)، إذْ قَبْلَهُ أمْرٌ والأمْرُ عِنْدَهم كالواجِبِ. ويَتَعَيَّنُ النَّصْبُ عَلى الِاسْتِثْناءِ مِن (أهْلِكَ) في قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ، إذْ سَقَطَ في قِراءَتِهِ وفي مُصْحَفِهِ: ﴿ولا يَلْتَفِتْ مِنكم أحَدٌ﴾ . وجَوَّزُوا أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى الِاسْتِثْناءِ مِن (أحَدٌ) وإنْ كانَ قَبْلَهُ نَهْيٌ، والنَّهْيُ كالنَّفْيِ عَلى أصْلِ الِاسْتِثْناءِ، كَقِراءَةِ ابْنِ عامِرٍ: (ما فَعَلُوهُ إلّا قَلِيلًا مِنهم) بِالنَّصْبِ، وإنْ كانَ قَبْلَهُ نَفْيٌ. ووَجْهُ الرَّفْعِ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِن أحَدٍ، وهو اسْتِثْناءٌ مُتَّصِلٌ. وقالَ أبُو عُبَيْدٍ: لَوْ كانَ الكَلامُ ولا يَلْتَفِتْ بِرَفْعِ الفِعْلِ، ولَكِنَّهُ نَهْيٌ. فَإذا اسْتَثْنَيْتَ المَرْأةَ مِن (أحَدٌ) وجَبَ أنْ تَكُونَ المَرْأةُ أُبِيحَ لَها الِالتِفاتُ، فَيُفِيدُ مَعْنى الآيَةِ يَعْنِي أنَّ التَّقْدِيرَ يَصِيرُ: (إلّا امْرَأتُكَ)، فَإنَّها لَمْ تُنْهَ عَنْ الِالتِفاتِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا الِاعْتِراضُ حَسَنٌ يَلْزَمُ أنَّ الِاسْتِثْناءَ مِن (أحَدٌ) رَفَعْتَ التّاءَ أوْ نَصَبْتَ، والِانْفِصالُ عَنْهُ يَتَرَتَّبُ بِكَلامٍ مَحْكِيٍّ عَنِ المُبَرِّدِ وهو أنَّ النَّهْيَ إنَّما قُصِدَ بِهِ لُوطٌ وحْدَهُ، والِالتِفاتَ مَنفِيٌّ عَنْهم، فالمَعْنى: أنْ لا تَدَعْ أحَدًا مِنهم يَلْتَفِتُ. وهَذا كَما تَقُولُ لِرَجُلٍ: لا يَقُمْ مِن هَؤُلاءِ أحَدٌ، وأُولَئِكَ لَمْ يَسْمَعُوكَ، فالمَعْنى: لا تَدَعْ أحَدًا مِن هَؤُلاءِ يَقُومُ، والقِيامُ في المَعْنى مَنفِيٌ عَنِ المُشارِ إلَيْهِمْ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وفي إخْراجِها مَعَ أهْلِهِ رِوايَتانِ: رُوِيَ أنَّهُ أخْرَجَها مَعَهم وأُمِرَ أنْ لا يَلْتَفِتَ مِنهم أحَدٌ إلّا هي، فَلَمّا سَمِعَتْ هَدَّةَ العَذابِ التَفَتَتْ وقالَتْ: واقَوْماهُ فَأدْرَكَها حَجَرٌ فَقَتَلَها. ورُوِيَ أنَّهُ أُمِرَ بِأنْ يُخَلِّفَها مَعَ قَوْمِها، وأنَّ هَواها إلَيْهِمْ، ولَمْ يَسِرْ بِها. واخْتِلافُ القِراءَتَيْنِ لِاخْتِلافِ الرِّوايَتَيْنِ، انْتَهى. وهَذا وهْمٌ فاحِشٌ إذْ بَنى القِراءَتَيْنِ عَلى اخْتِلافِ الرِّوايَتَيْنِ مِن أنَّهُ سَرى بِها، أوْ أنَّهُ لَمْ يَسْرِ بِها، وهَذا تَكاذُبٌ في الأخْبارِ يَسْتَحِيلُ أنْ تَكُونَ القِراءَتانِ وهْمًا مِن كَلامِ اللَّهِ تَتَرَتَّبانِ عَلى التَّكاذُبِ. وقِيلَ في الِاسْتِثْناءِ مِن (p-٢٤٩)الأهْلِ إشْكالٌ مِن جِهَةِ المَعْنى، إذْ يَلْزَمُ أنْ لا يَكُونَ سَرى بِها، ولَمّا التَفَتَتْ كانَتْ قَدْ سَرَتْ مَعَهم قَطْعًا، وزالَ هَذا الإشْكالُ أنْ يَكُونَ لَمْ يَسْرِ بِها، ولَكِنَّها لَمّا تَبِعَتْهُمُ التَفَتَتْ. وقِيلَ: الَّذِي يَظْهَرُ أنَّ الِاسْتِثْناءَ عَلى كِلْتا القِراءَتَيْنِ مُنْقَطِعٌ، لَمْ يُقْصَدْ بِهِ إخْراجُها مِنَ المَأْمُورِ بِالإسْراءِ بِهِمْ، ولا مِنَ المَنهِيِّينَ عَنْ الِالتِفاتِ، ولَكِنِ اسْتُؤْنِفَ الإخْبارُ عَنْها، فالمَعْنى: لَكِنَّ امْرَأتَكَ يَجْرِي لَها كَذا وكَذا. ويُؤَيِّدُ هَذا المَعْنى أنَّ مِثْلَ هَذِهِ الآيَةِ جاءَتْ في سُورَةِ الحِجْرِ، ولَيْسَ فِيها اسْتِثْناءٌ البَتَّةَ، قالَ تَعالى: ﴿فَأسْرِ بِأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ واتَّبِعْ أدْبارَهم ولا يَلْتَفِتْ مِنكم أحَدٌ وامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ [الحجر: ٦٥] فَلَمْ تَقَعِ العِنايَةُ في ذَلِكَ إلّا بِذِكْرِ مِن أنْجاهُمُ اللَّهُ تَعالى. فَجاءَ شَرْحُ حالِ امْرَأتِهِ في سُورَةِ هُودٍ تَبَعًا لا مَقْصُودًا بِالإخْراجِ مِمّا تَقَدَّمَ، وإذا اتَّضَحَ هَذا المَعْنى عُلِمَ أنَّ القِراءَتَيْنِ ورَدَتا عَلى ما تَقْتَضِيهِ العَرَبِيَّةُ في الِاسْتِثْناءِ المُنْقَطِعِ، فَفِيهِ النَّصْبُ والرَّفْعُ. فالنَّصْبُ لُغَةُ أهْلِ الحِجازِ وعَلَيْهِ الأكْثَرُ، والرَّفْعُ لِبَنِي تَمِيمٍ وعَلَيْهِ اثْنانِ مِنَ القُرّاءِ، انْتَهى. وهَذا الَّذِي طُوِّلَ بِهِ لا تَحْقِيقَ فِيهِ، فَإنَّهُ إذا لَمْ يُقْصَدْ إخْراجُها مِنَ المَأْمُورِ بِالإسْراءِ بِهِمْ ولا مِنَ المَنهِيِّينَ عَنْ الِالتِفاتِ، وجُعِلَ اسْتِثْناءً مُنْقَطِعًا كانَ الِاسْتِثْناءُ المُنْقَطِعُ الَّذِي لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ العامِلُ بِحالٍ، وهَذا النَّوْعُ مِنَ الِاسْتِثْناءِ المُنْقَطِعِ يَجِبُ فِيهِ النَّصْبُ بِإجْماعٍ مِنَ العَرَبِ، ولَيْسَ فِيهِ النَّصْبُ والرَّفْعُ بِاعْتِبارِ اللُّغَتَيْنِ، وإنَّما هَذا في الِاسْتِثْناءِ المُنْقَطِعِ، وهو الَّذِي يُمْكِنُ تَوَجُّهُ العامِلِ عَلَيْهِ. وفي كِلا النَّوْعَيْنِ يَكُونُ ما بَعْدَ إلّا مِن غَيْرِ الجِنْسِ المُسْتَثْنى مِنهُ، فَكَوْنُهُ جازَ فِيهِ اللُّغَتانِ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ مِمّا يُمْكِنُ أنْ يَتَوَّجَهَ عَلَيْهِ العامِلُ، وهو قَدْ فُرِضَ أنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِالِاسْتِثْناءِ إخْراجُها عَنِ المَأْمُورِ بِالإسْراءِ بِهِمْ، ولا مِنَ المَنهِيِّينَ عَنْ الِالتِفاتِ، فَكانَ يَجِبُ فِيهِ إذْ ذاكَ النَّصْبُ قَوْلًا واحِدًا. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ ﴿ولا يَلْتَفِتْ﴾ مِنَ التِفاتِ البَصَرِ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: مِن لَفَتَ الشَّيْءَ يَلْفِتُهُ إذا ثَناهُ ولَواهُ، فَمَعْناهُ: ولا يَتَثَبَّطْ. وفِي كِتابِ الزَّهْراوِيِّ أنَّ المَعْنى: ولا يَلْتَفِتْ أحَدٌ إلى ما خَلَّفَ بَلْ يَخْرُجْ مُسْرِعًا. والضَّمِيرُ في إنَّهُ: ضَمِيرُ الشَّأْنِ، و﴿مُصِيبُها﴾: مُبْتَدَأٌ، و﴿ما أصابَهُمْ﴾: الخَبَرُ. ويَجُوزُ عَلى مَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ أنْ يَكُونَ ﴿مُصِيبُها﴾: خَبَرَ إنَّ، و﴿ما أصابَهُمْ﴾ فاعِلَ بِهِ، لِأنَّهم يُجِيزُونَ إنَّهُ قائِمٌ أخَواكَ. ومَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ أنَّ ضَمِيرَ الشّانِّ لا يَكُونُ خَبَرُهُ إلّا جُمْلَةً مُصَرَّحًا بِجُزْءَيْها، فَلا يَجُوزُ هَذا الإعْرابُ عِنْدَهم. وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ: الصُّبُحُ بِضَمِّ الباءِ. قِيلَ: وهي لُغَةٌ، فَلا يَكُونُ ذَلِكَ إتْباعًا وهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ: إنَّ مَوْعِدَ هَلاكِهِمُ الصُّبْحُ. ويُرْوى أنَّ لُوطًا عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: أُرِيدُ أسْرَعَ مِن ذَلِكَ، فَقالَتْ لَهُ المَلائِكَةُ: ألَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ؟ وجُعِلَ الصُّبْحُ مِيقاتًا لِهَلاكِهِمْ، لِأنَّ النُّفُوسَ فِيهِ أوْدَعُ، والرّاحَةَ فِيهِ أجْمَعُ. ويُرْوى أنَّ لُوطًا خَرَجَ بِابْنَتَيْهِ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُما عِنْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ، وطَوى اللَّهُ لَهُ الأرْضَ في وقْتِهِ حَتّى نَجا، ووَصَلَ إلى إبْراهِيمَ عَلَيْهِما السَّلامُ. والضَّمِيرُ في عالِيَها عائِدٌ عَلى مَدائِنِ قَوْمِ لُوطٍ، جَعَلَ جِبْرِيلُ جَناحَهُ في أسْفَلِها ثُمَّ رَفَعَها إلى السَّماءِ، حَتّى سَمِعَ أهْلُ السَّماءِ نُباحَ الكِلابِ وصِياحَ الدِّيَكَةِ، ثُمَّ قَلَبَها عَلَيْهِمْ، وأُتْبِعُوا الحِجارَةَ مِن فَوْقِهِمْ وهي: المُؤْتَفِكاتُ: سَبْعُ مَدائِنَ. وقِيلَ: خَمْسٌ عَدَّها المُفَسِّرُونَ، وفي ضَبْطِها إشْكالٌ، فَأهْمَلْتُ ذِكْرَها. وسَدُومُ في القَرْيَةِ العُظْمى، وأمْطَرْنا عَلَيْها أيْ: عَلى أهْلِها. ورُوِيَ أنَّ الحِجارَةَ أصابَتْ مِنهم مَن كانَ خارِجَ مُدُنِهِمْ حَتّى قَتَلَتْهم أجْمَعِينَ، وأنَّ رَجُلًا كانَ في الحَرَمِ فَبَقِيَ الحَجَرُ مُعَلَّقًا في الهَواءِ حَتّى خَرَجَ مِنَ الحَرَمِ فَقَتَلَهُ الحَجَرُ. قالَ أبُو العالِيَةِ وابْنُ زَيْدٍ: السِّجِّيلُ: اسْمٌ لِسَماءِ الدُّنْيا، وهَذا ضَعِيفٌ لِوَصْفِهِ بِمَنضُودٍ، وتَقَدَّمَ شَرْحُهُ في المُفْرَداتِ. وقِيلَ: مِن أسْجَلَهُ إذا أرْسَلَهُ، وقِيلَ: مِمّا كَتَبَ اللَّهُ أنْ يُعَذِّبَ بِهِ مِنَ السِّجِلِّ، وسَجَّلَ لِفُلانٍ. ومَعْنى هَذِهِ اللَّفْظَةِ: ماءٌ وطِينٌ، هَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ وابْنِ جُبَيْرٍ و عِكْرِمَةَ والسُّدِّيِّ وغَيْرِهِمْ. وذَهَبُوا إلى أنَّ الحِجارَةَ الَّتِي رُمُوا بِها كانَتْ كالآجُرِّ المَطْبُوخِ. وقِيلَ: حَجَرٌ مَخْلُوطٌ (p-٢٥٠)بِطِينٍ أيْ: حَجَرٌ وطِينٌ، ويُمْكِنُ أنْ يَعُودَ هَذا إلى الآجُرِّ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الشَّدِيدُ مِنَ الحِجارَةِ: الصُّلْبُ، مُسَوَّمَةً عَلَيْها سِيما: يُعْلَمُ بِها أنَّها لَيْسَتْ مِن حِجارَةِ الأرْضِ، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. وقالَ عِكْرِمَةُ وقَتادَةُ: إنَّهُ كانَ فِيها بَياضٌ. وقِيلَ: مَكْتُوبٌ عَلى كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ مَن رُمِيَ بِهِ، قالَهُ الرَّبِيعُ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والحَسَنِ: بَياضٌ في حُمْرَةٍ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا: الحَجَرُ أبْيَضُ فِيهِ نُقْطَةٌ سَوْداءُ، وأسْوَدُ فِيهِ نُقْطَةٌ بَيْضاءُ. وعَنْ عِكْرِمَةَ وقَتادَةَ أيْضًا: فِيها خُطُوطٌ حُمْرٌ عَلى هَيْئَةِ الجِزْعِ. وقِيلَ: وكانَتْ مِثْلَ رُءُوسِ الإبِلِ، ومِثْلَ مَبارِكِ الإبِلِ. وقِيلَ: قَبْضَةُ الرَّجُلِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُقاتِلٌ: مَعْنى مِن عِنْدِ رَبِّكَ: جاءَتْ مِن عِنْدِ رَبِّكَ. وقِيلَ: مُعَدَّةٌ عِنْدَ رَبِّكَ، قالَهُ أبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: المَعْنى: لَزِمَ هَذا التَّسْوِيمُ الحِجارَةَ عِنْدَ اللَّهِ إيذانًا بِنَفاذِ قُدْرَتِهِ وشِدَّةِ عَذابِهِ. والظّاهِرُ أنَّ ضَمِيرَ هي عائِدٌ عَلى القُرى الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ أعالِيَها أسافِلَها، والمَعْنى: أنَّ ذَواتِ هَذِهِ المُدُنِ كانَتْ بَيْنَ المَدِينَةِ والشّامِ، يَمُرُّ عَلَيْها قُرَيْشٌ في مَسِيرِهِمْ، فالنَّظَرُ إلَيْها وفِيها فِيهِ اعْتِبارٌ واتِّعاظٌ. وقِيلَ: هي عائِدَةٌ عَلى الحِجارَةِ، وهي أقْرَبُ مَذْكُورٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وما عُقُوبَتُهم مِمَّنْ يَعْمَلُ عَمَلَهم بِبَعِيدٍ، والظّاهِرُ عُمُومُ الظّالِمِينَ. وقِيلَ: عُنِيَ بِهِ قُرَيْشٌ. وفِي الحَدِيثِ: «إنَّهُ سَيَكُونُ في أُمَّتِي خَسْفٌ ومَسْخٌ وقَذْفٌ بِالحِجارَةِ»، وقِيلَ: مُشْرِكُو العَرَبِ. وقِيلَ: قَوْمُ لُوطٍ، أيْ: لَمْ تَكُنِ الحِجارَةُ تُخْطِئُهم. وفي الحَدِيثِ «سَيَكُونُ في أواخِرِ أُمَّتِي قَوْمٌ يَكْتَفِي رِجالُهم بِالرِّجالِ والنِّساءُ بِالنِّساءِ فَإذا كانَ كَذَلِكَ فارْتَقِبُوا عَذابَ قَوْمِ لُوطٍ أنْ يُرْسِلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِن سِجِّيلٍ ثُمَّ تَلا ﴿وما هي مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾»، وإذا كانَ الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: (وما هي)، عائِدًا عَلى الحِجارَةِ، فَيُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ: بِشَيْءٍ بَعِيدٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ: بِمَكانٍ بَعِيدٍ، لِأنَّها وإنْ كانَتْ في السَّماءِ وهي مَكانٌ بَعِيدٌ إلّا أنَّها إذا هَوِيَتْ مِنها فَهي أسْرَعُ شَيْءٍ لُحُوقًا بِالمَرْمِيِّ، فَكَأنَّها بِمَكانٍ قَرِيبٍ مِنهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب