الباحث القرآني
قوله تعالى: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ يقول: ساءه مجيئهم، وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً يعني: صدره اغتماماً، ومخافة عليهم، لا يدري أيأمرهم بالرجوع أم بالنزول؟ وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ يعني: شديد. ثم قال لامرأته: ويحك، قومي واخبزي ولا تعلمي أحداً. وكانت امرأته كافرة منافقة، فانطلقت تطلب بعض حاجاتها، وجعلت لا تدخل على أحد إلا أعلمته، وتقول: إن عندنا قوماً من هيئتهم كذا وكذا. فلما علموا بذلك، جاءوا إلى باب لوط عليه السلام، فذلك قوله تعالى: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ يعني: يسرعون إليه، وهو مشيء بين المشيتين، ويقال: يدفعون إليه دفعاً، ويقال يشتدون إليه شداً، وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ يعني: من قبل أن يبعث إليهم لوط، ويقال: من قبل إتيان الرسل، كانوا يعملون الفواحش، وهي اللواطة والكفر، فلما أرادوا الدخول، قالَ لهم لوط: يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ أي: أحل لكم من ذلك، وكان لوط يناظرهم، ويقول: هن أطهر لكم، وكان جبريل مع أحد عشر من الملائكة، وكسروا الباب، فضرب أعينهم.
قال الضحاك: هؤُلاءِ بَناتِي عرض عليهم بنات قومه. وقال قتادة: أمرهم لوط أن يتزوجوا النساء، وقال: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ولم يعرض عليهم بناته. وروى سفيان عن ليث، عن مجاهد، قال: لم يكنَّ بناته، ولكن كُنَّ من أمته، وكل نبي هو أب أمته. وروي عن ابن مسعود، أنه كان يقرأ: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب: 6] وهو أب لهم، وهي قراءة أبي بن كعب. وهكذا قال سعيد بن جبير: إنه أراد بنات أمته. ويقال: إن رؤساءهم كانوا خطبوا بناته وكان يأبى، فقال لهم: إني أزوجكم بناتي، هنّ أطهر لكم من الحرام، وكان النكاح بين الكافر والمسلم جائزا.
ثم قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي يقول: لا تفضحوني في أضيافي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يعني: مرشداً صالحاً يزجركم عن هذا الأمر. ويقال: رجل عاقل، ويقال: رجل على الحق يستحي مني. قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ يعني: من حاجة، يقولون: ما لنا في النساء من حاجة وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ إنما نريد الأضياف ف قالَ لوط: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً يعني: منعة بالولد أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، أي: أرجع إلى عشيرة كبيرة، يعني: لو كانت لي عشيرة ومنعة لمنعتكم مما تريدون.
وروي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «رَحِمَ اللَّهُ أخي لُوطاً لَقَدْ أَوَى إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» [[حديث أبي هريرة: أخرجه البخاري (3375) و (3387) و (6992) ومسلم (151) (238) وأحمد: 2/ 322 والترمذي (3116) .]] يعني: أن الله تعالى ناصره. وروى عكرمة، عن ابن عباس، قال: «ما بعث الله نبياً بعد لوط، إلا في منعة من قومه وعزّ» . ويقال: لما أرادوا الدخول، وضع جبريل يده على الباب فلم يقدروا على فتحه، فكسروا الباب ودخلوا، فامتلأت داره، فمسح جبريل جناحه على وجوههم فذهبت أعينهم، كما قال في آية أخرى: فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ [القمر: 37] فرجعوا وقالوا: يا لوط جئت بالسحرة حتى طمسوا أعيننا، والله لنهلكنك غداً. فلما سمع لوط تهديدهم إياه، ساءه صنيع القوم وخاف، فلمَّا رأى جبريل ما دخله قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ يعني: لن يقدروا أن يصنعوا بك شيئاً، فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ يعني: سر وادلج بأهلك بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ. قال الكلبي: القطع من الليل، آخر السحر، وقد بقيت منه قطعة. وقال السدي: سألت أعرابياً عن قوله: بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ قال: ربع الليل وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يعني: لا يتخلف منكم أحد إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها من العذاب، مَا أَصابَهُمْ.
قرأ ابن كثير، ونافع: فَأَسْرِ بجزم الألف، وقرأ الباقون: فَأَسْرِ بقطع الألف ومعناهما واحد، يقال: سريت وأسريت، إذا سرت بالليل. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو إِلَّا امْرَأَتَكَ بضم التاء، وقرأ الباقون بالنصب. فمن قرأ بالنصب، انصرف إلى الإسراء، يعني: أسر بأهلك إلا امرأتَكَ، على معنى الاستثناء وفي قراءة ابن مسعود: فاسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتَكَ. ومن قرأ بالضم، فهو ظاهر، يعني: أنها تتخلف مع الهالكين.
وقال لوط لجبريل عليه السلام: إن أبواب المدينة قد أُغلقت، فجمع لوط أهله وابنتيه ريثا وزعورا، فحمل جبريل لوطاً وابنتيه وماله على جناحه إلى مدينة زغر، وهي إحدى مدائن لوط، وهي خمس مدائن، وهي على أربعة فراسخ من سدوما، ولم يكونوا على مثل عملهم. فقال له جبريل إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ يعني: وقت هلاكهم وقت الصبح. فقال لوط: يا جبريل، الآن عجل هلاكهم. فقال له جبريل: أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فلما كان وقت الصبح، أدخل جبريل جناحه تحت أرض المدائن الأربعة، فاقتلعها من الماء الأسود، ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديك. ثم قلبها فجعل عاليها سافلها، فأقبلت تهوي من السماء إلى الارض فذلك قوله: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً.
قال وهب بن منبه: لما رفعت إلى السماء، أمطر الله عليهم حجارة الكبريت والنار، ثم قلبت. وقال مقاتل: أمطر على أهلها من كان خارجاً من المدائن الأربعة، حجارة مِنْ سِجِّيلٍ يعني: من طين مطبوخ، كما يطبخ الآجر، مَنْضُودٍ يعني: متتابعا بعضه على إثر بعض. وقال مجاهد: سِجِّيلٍ بالفارسية: سنج وجك، كقوله: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ [الذاريات: 33] وروي عن ابن عباس، في بعض الروايات، قال: «سنك وكل» . وقال أبو عبيدة: السجيل: الشديد، مَنْضُودٍ أي ملتزق بالحجارة. مُسَوَّمَةً قال الفراء: مخططة بالحمرة والسواد. وقال أبو عبيدة: مُسَوَّمَةً، أي: معلمة. ويقال: مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يصيبه. ويقال: مختمة. وقال وكيع: رفع إلي حجر من تلك الحجارة المختمة بطرسوس.
ثم قال: وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ يعني: من قوم لوط عليه السلام ويقال: هذا تهديد لأهل مكة، وغيرهم من المشركين. فقال: وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ لكيلا يعملوا مثل عملهم. ويقال: ما هن من الظالمين ببعيد. قريات لوط ليست ببعيدة من أهل مكة، فأمرهم بأن يعتبروا بها. وقال الزجاج: سِجِّيلٍ، يعني: ما كتب لهم أن يعذبوا به. ويقال:
سِجِّيلٍ من سجلته، يعني: أرسلته، ومعناه: حجارة مرسلة عليهم، ويقال: كثيرة شديدة.
{"ayahs_start":77,"ayahs":["وَلَمَّا جَاۤءَتۡ رُسُلُنَا لُوطࣰا سِیۤءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعࣰا وَقَالَ هَـٰذَا یَوۡمٌ عَصِیبࣱ","وَجَاۤءَهُۥ قَوۡمُهُۥ یُهۡرَعُونَ إِلَیۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ بَنَاتِی هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِی ضَیۡفِیۤۖ أَلَیۡسَ مِنكُمۡ رَجُلࣱ رَّشِیدࣱ","قَالُوا۟ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا لَنَا فِی بَنَاتِكَ مِنۡ حَقࣲّ وَإِنَّكَ لَتَعۡلَمُ مَا نُرِیدُ","قَالَ لَوۡ أَنَّ لِی بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِیۤ إِلَىٰ رُكۡنࣲ شَدِیدࣲ","قَالُوا۟ یَـٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن یَصِلُوۤا۟ إِلَیۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعࣲ مِّنَ ٱلَّیۡلِ وَلَا یَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِیبُهَا مَاۤ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَیۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِیبࣲ","فَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَـٰلِیَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهَا حِجَارَةࣰ مِّن سِجِّیلࣲ مَّنضُودࣲ","مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِیَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ بِبَعِیدࣲ"],"ayah":"قَالُوا۟ یَـٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن یَصِلُوۤا۟ إِلَیۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعࣲ مِّنَ ٱلَّیۡلِ وَلَا یَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِیبُهَا مَاۤ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَیۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِیبࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق