الباحث القرآني

فَلَمّا عَظُمَ الشِّقاقُ وضاقَ الخِناقُ كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَما قالَ لَهُ الرُّسُلُ؟ فَقِيلَ: ﴿قالُوا﴾ ودَلُّوا بِحَرْفِ النِّداءِ المَوْضُوعِ لِلْبُعْدِ عَلى أنَّهُ كانَ قَدْ خَرَجَ عَنِ الدّارِ وأجافَ بابَها وأنَّ الصِّياحَ كانَ شَدِيدًا ﴿يا لُوطُ﴾ إنَّكَ لِتَأْوِي إلى رُكْنٍ \ شَدِيدٍ؛ ثُمَّ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿إنّا رُسُلُ رَبِّكَ﴾ أيِ المُحْسِنِ إلَيْكَ بِإحْسانِكَ وكُلِّ ما تَرى مِمّا يَسُوءُكَ ويَسُرُّكَ؛ ثُمَّ لَمّا ثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ كانَ مِنَ المُحَقَّقِ أنَّهُ سَبَبٌ في ألّا يُدانِيَهُ مَعَهُ سُوءٌ فَأوْضَحُوهُ بِقَوْلِهِمْ: ﴿لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ﴾ مِن غَيْرِ احْتِياجٍ (p-٣٤٤)إلى الرَّبْطِ بِالفاءِ، أيْ ونَحْنُ مُهْلِكُوهم وقالِبُو مُدُنِهِمْ بِهِمْ ﴿فَأسْرِ﴾ أيْ: سِرْ بِاللَّيْلِ ماضِيًا ﴿بِأهْلِكَ﴾ مُوقِعًا ذَلِكَ السَّيْرَ والإسْراءَ ﴿بِقِطْعٍ﴾ أيْ: بِطائِفَةٍ، أيْ والحالُ أنَّهُ قَدْ بَقِيَ عِنْدَ خُرُوجِكَ جانِبٌ ﴿مِنَ اللَّيْلِ ولا يَلْتَفِتْ﴾ أيْ: يَنْظُرُ إلى ورائِهِ ولا يَتَخَلَّفُ ﴿مِنكم أحَدٌ﴾ أيْ: لا تَلْتَفِتْ أنْتَ ولا تَدَعْ أحَدًا مِن أهْلِكَ يَلْتَفِتُ ﴿إلا امْرَأتَكَ﴾ اسْتِثْناءٌ مِن ”أحَدٌ“ بِالرَّفْعِ والنَّصْبِ لِأنَّ المَنهِيَّ كالمَنفِيِّ في جَوازِ الوَجْهَيْنِ، والنَّهْيُ لَهُ ﷺ، فالفِعْلُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مَنهِيٌّ، وبِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ مَنفِيٌّ. ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ أخْرَجَها مَعَهُ لِأنَّ مَعْنى الِاسْتِثْناءِ أنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالإسْراءِ بِها إلّا أنَّهُ مَنهِيٌّ عَنْهُ، واسْتِثْناؤُها مِنَ الِالتِفاتِ مَعَهم مُفْهِمٌ أنَّهُ لا حَجْرَ عَلَيْهِ في الإسْراءِ بِها، أوْ أنَّهُ خَلْفَها فَتَبِعَتْهم والتَفَتَتْ، فَيَكُونُ قِراءَةُ النَّصْبِ مِن ”أهْلَكَ“، وقِراءَةُ الرَّفْعِ مِن ”أحَدٌ“ ولا يَلْزَمُ مِن ذَلِكَ أمْرُها بِالِالتِفاتِ بَلْ مُخالَفَتُها لِلْمُسْتَثْنى مِنهُ في عَدَمِ النَّهْيِ، ولِذَلِكَ عَلَّلُوا ما أفْهَمُهُ إهْمالُها مِنَ الإسْراءِ والنَّهْيُ مِن أنَّها تَلْتَفِتُ بِقَوْلِهِمْ مُؤَكِّدِينَ لِأنَّ تَعَلُّقَ الأمَلِ بِنَجاتِها شَدِيدُ رَحْمَةٍ لَها: ﴿إنَّهُ﴾ أيِ الشَّأْنَ ﴿مُصِيبُها﴾ (p-٣٤٥)لا مَحالَةَ ﴿ما أصابَهُمْ﴾ سَواءٌ التَفَتَتْ أوْ لا، تَخَلَّفَتْ أوْ لا، ثُمَّ ظَهَرَ لِي مِنَ التَّعْبِيرِ في حَقِّها بِاسْمِ الفاعِلِ وفي حَقِّهِمْ بِالماضِي أنَّهُ حَكَمَ بِإصابَةِ العَذابِ لَهم عِنْدَ هَذا القَوْلِ لِلُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأنَّ ذُنُوبَهم تَمَّتْ، وأمّا هي فَإنَّما يُبْرَمُ الحُكْمُ بِذَلِكَ في حَقِّها عِنْدَ تَمامِ ذُنُوبِها الَّتِي رُتِّبَتْ عَلَيْها الإصابَةُ وذَلِكَ عِنْدَ الِالتِفاتِ]. ولَمّا عَبَّرُوا بِالماضِي تَحْقِيقًا لِلْوُقُوعِ وتَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ تَقَدَّمَ دُخُولُها مَعَهم في أسْبابِ العَذابِ، كانَ مُنَبِّهًا لِأنْ يُقالَ: كانَ الإيقاعُ بِهِمْ قَدْ دَنا [بِهِمْ] جِدًّا؟ فَقِيلَ: نَعَمْ، وأُكِّدَ تَحْقِيقًا لِلْوُقُوعِ تَلْذِيذًا بِهِ ولِأنَّهُ - لِقُرْبِ الوَقْتِ - بِحَيْثُ يُنْكَرُ: ﴿إنَّ مَوْعِدَهُمُ﴾ أيْ: لِابْتِداءِ الأخْذِ ﴿الصُّبْحُ﴾ وكَأنَّ لُوطًا عَلَيْهِ السَّلامُ أبْطَأ في جَمِيعِ أهْلِهِ وما يُصْلِحُهُمْ، فَكانَ فِعْلُهُ فِعْلَ مَن يَسْتَبْعِدُ الصُّبْحَ، فَأنْكَرُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿ألَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ أيْ: فَأسْرِعِ الخُرُوجَ بِمَن أُمِرْتَ بِهِمْ؛ والإسْراءُ: سَيْرُ اللَّيْلِ كالسُّرى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب