الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ الآية، معناه: إنما القول في تشبيه حال الحياة الدنيا كالقول في ماء [[في (خ) و (ز): (الماء).]] علي ما ذكر من صفته؛ لأن معنى المثل: قول يشبّه فيه حال الثاني بالأول، ويجوز أن يكون المعنى: صفة الحياة الدنيا كماء، وذكرنا الكلام في معنى المثل [[انظر: "تفسير البسيط" البقرة: 26.]]، وأراد بالحياة الدنيا الحياة الفانية في هذه الدار. وقوله تعالى: ﴿فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ﴾ معنى الاختلاط تداخل الشيء بعضه في بعض، يعني فاختلط -بسبب ذلك الماء الذي أنزلناه- نبات الأرض ﴿مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ﴾ من البقول والحبوب والثمار ﴿وَالْأَنْعَامُ﴾ من المراعي والكلأ ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ﴾، قال ابن عباس: يريد زينتها وحسنها وخصبها [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 543، ورواه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 211 مختصرًا، وفي "تفسير ابن جرير" 11/ 102، عن ابن عباس، قال: فنبت بالماء كل لون.]]. قال الزجاج: الزخرف كمال حسن الشيء [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 15.]]. وقال غيره: يعني: حسن ألوان الزهر الذي يروق البصر [[لم يتبين لي القائل، وقد ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 543، وذكر نحوه الرازي في "تفسيره" 17/ 73، والبغوي في "تفسيره" 4/ 128.]]، ومضى الكلام في معنى الزخرف عند قوله: ﴿زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: 112]. وقوله تعالى: ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ قال ابن عباس: يريد بالحبوب والثمار [[رواه ابن جرير 11/ 102، وابن المنذر كما في "الدر المنثور" 3/ 545، والفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 211، تفسيرًا لقوله تعالى: ﴿مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ﴾ وهو أولى بما ذكره المؤلف.]]، وقيل: بنباتها [[رواه بنحوه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 293، وابن جرير 11/ 102، وابن أبي حاتم 6/ 1941، عن قتادة.]]. قال [[في (م): (وقال).]] الزجاج: يعني: تزينت، فأدغمت التاء في الزاي [وسكنت الزاي] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] فاجتلبت لها ألف الوصل [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 15.]]. وهذا مثل ما ذكرنا في: ﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾ [[يعني في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾.]] [البقرة: 72]، و ﴿ادَّارَكُوا﴾ [الأعر اف: 38]. وقوله تعالى: ﴿وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾، قال ابن عباس: يريد أهل تلك الأرض أنهم قادرون على حصادها وجدادها وقطعها [[ذكره الرازي في "تفسيره" 17/ 74، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 543.]]، وقال الزجاج: أي قادرون على الانتفاع بها [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 15.]]. وقال أهل المعاني: أخبر عن الأرض، والمعنى للنبات إذ كان مفهومًا [[هذا قول قطرب، انظر: "تفسير الثعلبي" 7/ 11 ب.]]، وقيل رد الكناية إلى الغلة؛ لأن ما سبق من الكلام يدل عليها فكأنها قد ذكرت [[ذكره الثعلبي في المصدر السابق، نفس الموضع، والبغوي في "تفسيره" 4/ 129، وأبو حيان في "البحر المحيط" 17/ 140.]]. وقوله تعالى: ﴿أَتَاهَا أَمْرُنَا﴾، قال ابن عباس: يريد عذابنا [[ذكره الرازي في "تفسيره" 17/ 74، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 543.]]، والمعنى: أمرنا بهلاكها. وقوله تعالى: ﴿فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا﴾، قال ابن عباس: لا شيء فيها [[ذكره الرازي في المصدر السابق، نفس الموضع.]]. وقال الضحاك: يعني المحصود [[المصدر السابق، نفس الموضع.]]، وعلى هذا المراد بالحصيد [الأرض التي حصد نبتها، ويجوز أن يكون المراد بالحصيد] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] النبات والغلة، قال أبو عبيدة: الحصيد المستأصل [["مجاز القرآن" 1/ 277.]]. وقال غيره: الحصيد: المقطوع والمقلوع [[هذا قول الثعلبي، انظر: "تفسيره" 7/ 11 ب.]]. وقوله تعالى: ﴿كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾، قال الليث: يقال للشيء إذا فني: كأن لم يغن بالأمس، أي كأن لم يكن، من قولهم: غني القوم في دارهم، إذا أقاموا بها [[النص في كتاب "العين" (غني) 4/ 451 بنحوه، وهو في "تهذيب اللغة" (غني) 3/ 2704، لكنه جعله نصين وذكر كل نص في موضع.]]. وهذا معنى قول ابن عباس: كأن لم تكن أمس [["تنوير المقباس" ص 211.]]، وعلى هذا، المراد به الغلة. وقال الزجاج: كأن لم تعمر بالأمس، والمغاني: المنازل التي يعمرها أهلها بالنزول [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 15.]]، ونحو هذا قال ابن قتيبة: كأن لم تكن عامرة بالأمس [["تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص 202.]]، وعلى هذا، المراد به الأرض. وقال بعض أهل المعاني: معناه [[ساقط من (ى).]]: كأن لم تقم على تلك الصفة فيها قبل [[لم أقف عليه عند أهل المعاني، وانظره بنحوه في: "تفسير هود بن محكم" 2/ 189.]]، وهذا القول جامع للأرض والغلة جميعًا، والكلام في (أمس) يأتي عند قوله: ﴿كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ [القصص: 19]، إن شاء الله [[قال في هذا الموضع: (أمس) اسم لليوم الماضي الذي هو قبل يومك، وهو مبني على الكسر لالتقاء الساكنين، وقال الكسائي: بني على الكسر؛ لأنه فعل سمي به، ومن العرب من يبنيه على الفتح، قال الفراء: ومن العرب من يخفض الاسم وإن أدخل عليه الألف واللام، وأنشد ... إلخ.]]. وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ أي: كما بينا هذا المثل للحياة الدنيا كذلك نبين آيات القرآن. وقوله [[ساقط من النسخ عدا (م).]]: ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في المعاد، هذا الذي ذكرنا تفسير الآية ومعناها على ما ذكره المفسرون وأصحاب المعاني، وتأويلها: أن الله تعالى ضرب مثلا للحياة الدنيا في هذه الدار الفانية بما أنزله من السماء، فجعله سببا لالتفاف النبات وكثرته، حتى تتزين به الأرض وتظهر بهجتها بحمرة النوار وبياض الزهر وخضرة العشب، وظن الناس أنهم منتفعون ومستمتعون بجميع ذلك، فبينا هم على ذلك الظن جُعلوا [[في (م): (حصلوا).]] على غير شيء؛ لأن القادر عليهم وعليها أهلكها [[ساقط من (ى).]]، وردها إلى الفناء حتى كأن لم تكن، كذلك الحياة في [[ساقط من (ى).]] الدنيا سبب [[ساقط من (ى).]] اجتماع [[في (ى): (جمع).]] المال وزهرة الدنيا وعروضها وما فيها مما يروف ويعجب [[في (ح): (يروق العجب ويعجب). ولا معنى له.]]، حتى إذا كثر ذلك واجتمع منه شيء كثير عند صاحبه، وظن أنه متمتع [[في (م): (ممتع).]] به، سلب ذلك عنه بموته أو بحادثة تأتي على ما قد جمعه بالإهلاك والتبديد، وهذا بيان عما يوجب الحذر عن [[هكذا في جميع النسخ، والصواب: (من).]] الركون إلى الدنيا، والحياة فيها [[لعل المقصود: الحياة فيها بفسق وفجور وطول أمل، أر نحو ذلك مما يناسب السياق.]]، والاغترار بها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب