الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنما مثل ما تباهون في الدنيا وتفاخرون به من زينتها وأموالها، مع ما قد وُكِّلَ بذلك من التكدير والتنغيص وزواله بالفناء والموت، = كمثل ماءٍ أنزلناه من السماء، يقول: كمطر أرسلناه من السماء إلى الأرض = ﴿فاختلط به نبات الأرض﴾ ، يقول: فنبت بذلك المطر أنواعٌ من النبات، مختلطٌ بعضها ببعض، كما:-
١٧٥٩٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: ﴿إنما مَثَل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض﴾ ، قال: اختلط فنبت بالماء كل لون مما يأكل الناس، كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض والبقول والثمار، وما يأكله الأنعام والبهائم من الحشيش والمراعي. [[انظر تفسير " الأنعام " فيما سلف ١٣: ٢٨٠، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]]
* * *
وقوله: ﴿حتى إذا أخذت الأرض زخرفها﴾ يعني: ظهر حسنها وبهاؤها [[انظر تفسير " الزخرف " فيما سلف ١٢: ٥٥، ٥٦.]] = ﴿وازينت﴾ ، يقول: وتزينت [[انظر تفسير " الزينة " فيما سلف ص: ٣٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] = ﴿وظن أهلها﴾ ، يعني: أهل الأرض = ﴿أنهم قادرون عليها﴾ ، يعني: على ما أنبتت.
* * *
وخرج الخبر عن "الأرض" والمعنى للنبات، إذا كان مفهوما بالخطاب ما عُنِي به.
* * *
وقوله: ﴿أتاها أمرنا ليلا أو نهارًا﴾ ، يقول: جاء الأرض= "أمرنا"، يعني: قضاؤنا بهلاك ما عليها من النبات = إما ليلا وإما نهارًا = ﴿فجعلناها﴾ ، يقول: فجعلنا ما عليها = ﴿حصيدًا﴾ يعني: مقطوعة مقلوعة من أصولها. [[انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢٧٧.]]
* * *
= وإنما هي "محصودة" صرفت إلى "حصيد".
* * *
= ﴿كأن لم تغن بالأمس﴾ ، يقول: كأن لم تكن تلك الزروع والنبات على ظهر الأرض نابتةً قائمة على الأرض قبل ذلك بالأمس.
* * *
وأصله: من "غَنِيَ فلان بمكان كذا، يَغْنَى به"، إذا أقام به، [[انظر تفسير " غني بالمكان " فيما سلف ١٢: ٥٦٩، ٥٧٠.]] كما قال النابغة الذبياني:
غَنِيَتْ بِذَلِكَ إِذْ هُمُ لَكَ جِيرَةٌ ... مِنْهَا بِعَطْفِ رِسَالَةٍ وَتَوَدُّد [[ديوانه: ٦٥، وسيأتي في التفسير ١٢: ٦٦ (بولاق) ، وغيرهما، من قصيدته المشهورة التي وصف فيها المتجردة، وقبله: فِي إثْرِ غانيةٍ رَمَتْكَ بِسَهْمِاَ ... فأَصَابَ قَلْبَكَ غَيْرَ أَنْ لَمْ تَقْصِدِ
وكان في المطبوعة: " إذ هم لي جيرة "، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لرواية ديوانه.]]
* * *
يقول: فكذلك يأتي الفناء على ما تتباهون به من دنياكم وزخارفها، فيفنيها ويهلكها كما أهلك أمرُنا وقضاؤنا نبات هذه الأرض بعد حسنها وبهجتها، حتى صارت كأن لم تغن بالأمس، كأن لم تكن قبل ذلك نباتًا على ظهرها.
يقول الله جل ثناؤها: ﴿كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون﴾ ، يقول: كما بينَّا لكم أيها الناس، مثل الدنيا وعرّفناكم حكمها وأمرها، كذلك نُبين حججنا وأدلَّتنا لمن تفكَّر واعتبر ونظر. [[انظر تفسير " تفصيل الآيات " فيما سلف ص: ٢٤، تعليق: ١، والمراجع هناك.]]
وخصَّ به أهل الفكر، لأنهم أهل التمييز بين الأمور، والفحص عن حقائق ما يعرض من الشُّبَه في الصدور.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٧٥٩٩- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿حتى إذا أخذت الأرض زخرفها﴾ ، الآية،: أي والله، لئن تشبَّثَ بالدنيا وحَدِب عليها، لتوشك الدنيا أن تلفظه وتقضي منه.
١٧٦٠٠- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿وازينت﴾ ، قال: أنبتت وحسُنَت.
١٧٦٠١- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال: سمعت مروان يقرأ على المنبر هذه الآية: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَّنَ أَهْلُهَا أَنَّهمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيُهْلِكَهَا إِلا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا﴾ ، قال: قد قرأتها، وليست في المصحف. فقال عباس بن عبد الله بن العباس: هكذا يقرؤها ابن عباس. فأرسلوا إلى ابن عباس فقال: هكذا أقرأني أبيُّ بن كعب. [[الأثر: ١٧٦٠١ - " الحارث "، هو: " الحارث بن أبي أسامة "، ثقة، مضى مرارًا.
و" عبد العزيز "، هو: " عبد العزيز " بن أبان الأموي، كذاب خبيث، وضاع للأحاديث، مضى مرارًا، آخرها رقم: ١٤٣٣٣.
وأما " عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام "، فلم أجحد له ذكرا في التوراة.
وأبوه " أبو بكر بن عبد الرحمن "، " راهب قريش "، ثقة، عالم، عاقل، سخي، كثير الحديث، أحد فقهاء المدينة السبعة. ترجم له ابن حجر في التهذيب، وابن سعد في الطبقات ٥: ١٥٣ والزبيري في نسب قريش: ٣٠٣، ٣٠٤. وذكر ابن سعد ولده فقال: " فولد أبو بكر: عبد الرحمن لا بقية له = وعبد الله، وعبد الملك، وهشاما. . . ". ولم يذكر ذلك الزبيري في نسب قريش، ولكنه ذكر قصة قال في أولها " فقال لابنه عبد الله اذهب إلى عمك المغيرة بن عبد الرحمن. . . " ثم قال في نفس القصة بعد قليل: " فذهب عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن ": " وسماه ابن سعد لما عد أولاد، أبي بكر بن عبد الرحمن: عبد الرحمن "، ولكن نص ابن سعد مخالف لما قال الحافظ ابن حجر فهما عنده رجلان بلا شك في ذلك. ولم أجد ما أستقصي من الأخبار حتى أفضل في هذا الاختلاف. و " عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن "، ليس بثقة. و " مروان "، هو: " مروان بن الحكم ". وهذا الخبر كما ترى، هالك الإسناد من نواحيه. والقراءة التي فيه إذا صحت من غير هذا الطريق الهالك، فهي قراءة تفسير، كما هو معروف، وكما أشرنا إليه مرارًا في أشباهها. ولا يجل لقارئ أنة يقرأ بمثلها على أنها نص التلاوة، لشذوذها، ولمخالفتها رسم المصحف بالزيادة، بغير حجة يجب التسليم لها.]]
١٧٦٠٢- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿كأن لم تغن بالأمس﴾ ، يقول: كأن لم تعشْ، كأن لم تَنْعَم.
١٧٦٠٣- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيل قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: في قراءة أبيّ: ﴿كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ وَمَا أَهْلَكْنَاهَا إِلا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [[الأثر: ١٧٦٠٣ - " أبو أسامة "، هو " حماد بن أسامة بن يزيد القرشي "، ثقة، روى له الجماعة مضى مرارًا.
" وإسماعيل "، هو " إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي "، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا. وأما " أبو سلمة بن عبد الرحمن "، فلم يسمع من أبي بن كعب. فهو إسناد مرسل.]]
* * *
واختلفت القراء في قراءة قوله: ﴿وازينت﴾ .
فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق: ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ بمعنى: وتزينت، ولكنهم أدغموا التاء في الزاي لتقارب مخرجيهما، وأدخلوا ألفا ليوصل إلى قراءته، إذ كانت التاء قد سكنت، والساكن لا يُبْتَدأ به.
* * *
وحكي عن أبي العالية، وأبي رجاء، والأعرج، وجماعة أخر غيرهم، أنهم قرءوا ذلك: ﴿وَأَزْيَنَتْ﴾ على مثال "أفعلت".
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك: ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ لإجماع الحجة من القراء عليها.
{"ayah":"إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا یَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَـٰمُ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّیَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَاۤ أَنَّهُمۡ قَـٰدِرُونَ عَلَیۡهَاۤ أَتَىٰهَاۤ أَمۡرُنَا لَیۡلًا أَوۡ نَهَارࣰا فَجَعَلۡنَـٰهَا حَصِیدࣰا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق