ضَرَبَ [تَبَارَكَ وَ] [[زيادة من ت، أ.]] تَعَالَى مَثَلًا لِزَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا وَسُرْعَةِ انْقِضَائِهَا وَزَوَالِهَا، بِالنَّبَاتِ الَّذِي أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَرْضِ بِمَا أَنْزَلَ [[في ت، أ: "أنزل الله".]] مِنَ السَّمَاءِ مِنَ الْمَاءِ، مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ مِنْ زَرْعٍ [[في ت: "زروع".]] وَثِمَارٍ، عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَأَصْنَافِهَا، وَمَا تَأْكُلُ [[في ت: "يأكل".]] الْأَنْعَامُ مِنْ أَبٍّ وقَضْب وَغَيْرِ ذَلِكَ، ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا﴾ أَيْ: زِينَتَهَا الْفَانِيَةَ، ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ أَيْ: حَسُنت بِمَا خَرَجَ مِنْ [[في ت: "في".]] رُباها مِنْ زُهُورٍ نَضِرة مُخْتَلِفَةِ الْأَشْكَالِ وَالْأَلْوَانِ، ﴿وَظَنَّ أَهْلُهَا﴾ الَّذِينَ زَرَعُوهَا وَغَرَسُوهَا [[في ت: "وعرشوها"]] ﴿أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ أي: على جَذاذها وحصادها فبيناهم [[في ت، أ: "فبيناها".]] كذلك إذ جاءتها صاعقة، أو ريح بادرة، فَأَيْبَسَتْ أَوْرَاقَهَا، وَأَتْلَفَتْ ثِمَارَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا﴾ [[في ت، أ: "جاءها" وهو خطأ.]] أَيْ: يَبَسًا بَعْدَ [تِلْكَ] [[زيادة من ت، أ.]] الْخُضْرَةِ وَالنَّضَارَةِ، ﴿كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ﴾ أَيْ: كَأَنَّهَا مَا كَانَتْ حَسْنَاءَ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿كَأَنْ لَمْ تَغْنَ﴾ كَأَنَّ لَمْ تَنْعَمْ.
وَهَكَذَا الْأُمُورُ بَعْدَ زَوَالِهَا كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ [[في ت، أ: "الصحيح".]] يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا، فيُغْمَس فِي النَّارِ غَمْسَة ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ [هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟] [[زيادة من ت، أ، وابن ماجه.]] فَيَقُولُ: لَا. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا [[في ت، أ: "ويؤتى بأبأس أهل الدنيا".]] فَيُغْمَسُ فِي النَّعِيمِ غَمْسَةً، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا" [[سنن ابن ماجه برقم (٤٣٢١) .]]
وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْمُهْلَكِينَ: ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [هُودٍ: ٩٤، ٩٥] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ﴾ أَيْ: نُبَيِّنُ الحُجج وَالْأَدِلَّةَ، ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فَيَعْتَبِرُونَ بِهَذَا الْمَثَلِ فِي زَوَالِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِهَا سَرِيعًا مَعَ اغْتِرَارِهِمْ بِهَا، وَتَمَكُّنِهِمْ [[في ت، أ: "وتمسكهم".]] بِمَوَاعِيدِهَا وتَفَلّتها [[في ت: "وتفلها".]] مِنْهُمْ، فَإِنَّ مِنْ طَبْعِهَا الْهَرَبَ مِمَّنْ طَلَبَهَا، وَالطَّلَبَ لِمَنْ هَرَبَ مِنْهَا، وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِنَبَاتِ الْأَرْضِ، فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الْكَهْفِ: ٤٥] ، وَكَذَا فِي سُورَةِ الزُّمَرِ [[الآية: ٢١.]] وَالْحَدِيدِ [[الآية: ٢٠]] يَضْرِبُ بِذَلِكَ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ [[في ت: "الحرب".]] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هشام قال: سمعت مروان -يعني: ابن الْحَكَمِ -يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: "وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُهْلِكَهَا [[في ت: "ليهلكهم".]] إِلَّا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا"، قَالَ: قَدْ قَرَأْتُهَا وَلَيْسَتْ فِي الْمُصْحَفِ فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: هَكَذَا يَقْرَؤُهَا ابْنُ عَبَّاسٍ. فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: هَكَذَا أَقْرَأَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. [[تفسير الطبري (١٥/٥٧) وانظر تعليق الأستاذ محمود شاكر في الحاشية، فقد ذكر أن هذا الإسناد هالك.]]
وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ غَرِيبَةٌ، وَكَأَنَّهَا زِيَادَةٌ لِلتَّفْسِيرِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ﴾ الْآيَةَ: لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الدُّنْيَا وَسُرْعَةَ [عَطَبِهَا وَ] [[زيادة من ت، أ.]] زَوَالِهَا، رغَّب فِي الْجَنَّةِ وَدَعَا إِلَيْهَا، وَسَمَّاهَا دَارَ السَّلَامِ أَيْ: مِنَ الْآفَاتِ، وَالنَّقَائِصِ وَالنَّكَبَاتِ، فَقَالَ: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ .
قَالَ أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلابة عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "قِيلَ لِي: لتنَمْ عينُك، وليعقلْ قَلْبُكَ، وَلْتَسْمَعْ [[في ت: "وليسمع".]] أُذُنُكَ فَنَامَتْ عَيْنِي، وَعَقَلَ قَلْبِي، وَسَمِعَتْ أُذُنِي. ثُمَّ قِيلَ: سيّدٌ بَنَى دَارًا، ثُمَّ صَنَعَ مَأْدُبَةً، وَأَرْسَلَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ، وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَرَضِيَ عَنْهُ السَّيِّدُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَلَمْ يَرْضَ عَنْهُ السَّيِّدُ فَاللَّهُ السَّيِّدُ، وَالدَّارُ الْإِسْلَامُ، وَالْمَأْدُبَةُ الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٍ ﷺ. [[رواه الطبري في تفسيره (١٥/٦٠) .]]
وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَقَدْ جَاءَ مُتَّصِلًا مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ [[في ت، أ: "سويد".]] عَنْ سَعِيدِ بن أبي هلال، عَنْ جَابِرِ [[في ت: "جبار".]] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رسولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا فَقَالَ: "إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِنْدَ رَأْسِي، وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلِي، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مَثَلًا. فَقَالَ: اسْمَعْ سَمعت أُذُنُكَ، وَاعْقِلْ عَقَل قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُك وَمَثَلُ أمَّتك كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَارًا، ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُولَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ، فَاللَّهُ الْمَلِكُ، وَالدَّارُ الْإِسْلَامُ، وَالْبَيْتُ الْجَنَّةُ، وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ الرسُول، فَمَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الْإِسْلَامَ، وَمَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مِنْهَا" رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. [[تفسير الطبري (١٥/٦١) وعلقه البخاري في الصحيح برقم (٧٢٨١) ورواه الترمذي في السنن برقم (٢٨٦٠) من طريق قتيبة عن الليث به، وقال الترمذي: "هذا حديث مرسل، سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابر بن عبد الله" قال: "وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أصح من هذا" قلت: رواه البخاري في صحيحه برقم (٧٢٨١) من طريق يزيد عن سليم بن حيان، عن سعيد بن أبي ميناء، عن جابر بن عبد الله بنحوه.]]
وَقَالَ قَتَادَةُ: حَدَّثَنِي خُلَيْد العَصَري، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا مِنْ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ شَمْسُهُ إِلَّا وبجنَبَتَيْها مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يَسْمَعُهُمَا [[في ت، أ: "يسمعه".]] خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: يَا أيها الناس، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ، إِنَّ مَا قلَّ وكَفَى، خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى". قَالَ: وَأَنْزَلَ ذَلِكَ فِي [[في ت، أ: "في ذلك".]] الْقُرْآنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ. [[تفسير الطبري (١٥/٦٠) ورواه أحمد في مسنده (٥/١٩٧) من طريق همام عن قتادة بنحوه.]]
{"ayahs_start":24,"ayahs":["إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا یَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَـٰمُ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّیَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَاۤ أَنَّهُمۡ قَـٰدِرُونَ عَلَیۡهَاۤ أَتَىٰهَاۤ أَمۡرُنَا لَیۡلًا أَوۡ نَهَارࣰا فَجَعَلۡنَـٰهَا حَصِیدࣰا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ","وَٱللَّهُ یَدۡعُوۤا۟ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَـٰمِ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"],"ayah":"إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا یَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَـٰمُ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّیَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَاۤ أَنَّهُمۡ قَـٰدِرُونَ عَلَیۡهَاۤ أَتَىٰهَاۤ أَمۡرُنَا لَیۡلًا أَوۡ نَهَارࣰا فَجَعَلۡنَـٰهَا حَصِیدࣰا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ"}