الباحث القرآني
ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى شَأْنَ الدُّنْيا وقِصَرَ مُدَّةِ التَّمَتُّعِ بِها وقُرْبَ زَمانِ الرُّجُوعِ المَوْعُودِ بِقَوْلِهِ:
(p-٣٣٣٩)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٢٤ ] ﴿إنَّما مَثَلُ الحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أنْـزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ والأنْعامُ حَتّى إذا أخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها وازَّيَّنَتْ وظَنَّ أهْلُها أنَّهم قادِرُونَ عَلَيْها أتاها أمْرُنا لَيْلا أوْ نَهارًا فَجَعَلْناها حَصِيدًا كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
﴿إنَّما مَثَلُ الحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أنْـزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ﴾ أيِ امْتَزَجَ بِهِ لِسَرَيانِهِ فِيهِ، فالباءُ لِلْمُصاحَبَةِ، أوْ هي لِلسَّبَبِيَّةِ، أيِ اخْتَلَطَ بِسَبَبِهِ حَتّى خالَطَ بَعْضُهُ بَعْضًا، أيِ التَفَّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، والأوَّلُ أظْهَرُ ﴿مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ والأنْعامُ﴾ مِنَ الزُّرُوعِ والثِّمارِ والكَلَأِ والحَشِيشِ ﴿حَتّى إذا أخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها﴾ أيْ حُسْنَها وبَهْجَتَها ﴿وازَّيَّنَتْ﴾ أيْ بِأصْنافِ النَّباتِ ﴿وظَنَّ أهْلُها أنَّهم قادِرُونَ عَلَيْها﴾ أيْ مُتَمَكِّنُونَ مِن تَحْصِيلِ حُبُوبِها وثَمَرِها وحَصْدِها ﴿أتاها أمْرُنا﴾ أيْ عَذابُنا ﴿لَيْلا أوْ نَهارًا فَجَعَلْناها حَصِيدًا﴾ أيْ كالمَحْصُودِ مِن أصْلِهِ ﴿كَأنْ لَمْ تَغْنَ﴾ أيْ لَمْ تَنْبُتْ ﴿بِالأمْسِ﴾ أيْ قُبَيْلَ ذَلِكَ الوَقْتِ. و(الأمْسُ) مَثَلٌ في الوَقْتِ القَرِيبِ ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ﴾ أيْ بِالأمْثِلَةِ تَقْرِيبًا ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أيْ في مَعانِيها.
تَنْبِيهٌ:
قالَ القاشانِيُّ: البَغْيُ ضِدُّ العَدْلِ، فَكَما أنَّ العَدْلَ فَضِيلَةٌ شامِلَةٌ لِجَمِيعِ الفَضائِلِ، وهَيْأةٌ وحْدانِيَّةٌ لَها، فائِضَةٌ مِن نُورِ الوَحْدَةِ عَلى النَّفْسِ، فالبَغْيُ لا يَكُونُ إلّا عَنْ غايَةِ الِانْهِماكِ في الرَّذائِلِ، بِحَيْثُ يَسْتَلْزِمُها جَمِيعًا، فَصاحَبَها في غايَةِ البُعْدِ عَنِ الحَقِّ، ونِهايَةِ الظُّلْمَةِ، كَما قالَ: الظُّلْمُ ظُلُماتٌ يَوْمَ القِيامَةِ. فَلِهَذا قالَ: "عَلى أنْفُسِكُمْ" لا عَلى المَظْلُومِ؛ لِأنَّ المَظْلُومَ (p-٣٣٤٠)سَعِدَ بِهِ، وشَقِيَ الظّالِمُ غايَةَ الشَّقاءِ، وهو لَيْسَ إلّا مَتاعَ الحَياةِ الدُّنْيا؛ إذْ جَمِيعُ الإفْراطاتِ والتَّفْرِيطاتِ المُقابِلَةِ لِلْعَدالَةِ تَمَتُّعاتٌ طَبِيعِيَّةٌ، ولَذّاتٌ حَيَوانِيَّةٌ، تَنْقَضِي بِانْقِضاءِ الحَياةِ الحِسِّيَّةِ الَّتِي مَثَّلَها في سُرْعَةِ الزَّوالِ، وقِلَّةِ البَقاءِ، هَذا المَثَلُ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ، مِن تَزَيُّنِ الأرْضِ بِزُخْرُفِها مِن ماءِ المَطَرِ، ثُمَّ فَسادِها بِبَعْضِ الآفاتِ سَرِيعًا قَبْلَ الِانْتِفاعِ بِنَباتِها، ثُمَّ تَتْبَعُها الشَّقاوَةُ الأبَدِيَّةُ والعَذابُ الألِيمُ الدّائِمُ.
وفِي الحَدِيثِ: ««أسْرَعُ الخَيْرِ ثَوابًا صِلَةُ الرَّحِمِ، وأعْجَلُ الشَّرِّ عِقابًا البَغْيُ واليَمِينُ الفاجِرَةُ»»؛ لِأنَّ صاحِبَهُ تَتَراكَمُ عَلَيْهِ حُقُوقُ النّاسِ، فَلا تَحْتَمِلُ عُقُوبَتُهُ المَهْلَ الطَّوِيلَ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ حَقُّ اللَّهِ تَعالى. انْتَهى.
وسَمِعْتُ بَعْضَ المَشايِخِ يَقُولُ: قَلَّما يَبْلُغُ الظّالِمُ والفاسِقُ أوانَ الشَّيْخُوخَةِ، وذَلِكَ لِمُبارَزَتِهِما اللَّهَ تَعالى في هَدْمِ النِّظامِ المَصْرُوفِ عِنايَتُهُ تَعالى إلى ضَبْطِهِ، ومُخالَفَتِهِما إيّاهُ في حِكْمَتِهِ وعَدْلِهِ. انْتَهى.
ولَمّا ذَكَرَ تَعالى الدُّنْيا وسُرْعَةَ تَقَضِّيها، رَغَّبَ في الجَنَّةِ ودَعا إلَيْها، وسَمّاها دارَ السَّلامِ، أيْ مِنَ الآفاتِ والنَّقائِصِ، لِذِكْرِ الدُّنْيا بِما يُقابِلُهُ مِن كَوْنِها مَعْرَضًا لِلْآفاتِ كَما مَرَّ، فَقالَ سُبْحانَهُ:
{"ayah":"إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا یَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَـٰمُ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّیَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَاۤ أَنَّهُمۡ قَـٰدِرُونَ عَلَیۡهَاۤ أَتَىٰهَاۤ أَمۡرُنَا لَیۡلًا أَوۡ نَهَارࣰا فَجَعَلۡنَـٰهَا حَصِیدࣰا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق