الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إنَّما مَثَلُ الحَياةِ الدُنْيا كَماءٍ أنْزَلْناهُ مِنَ السَماءِ فاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ مِمّا يَأْكُلُ الناسُ والأنْعامُ حَتّى إذا أخَذَتِ الأرْضِ زُخْرُفَها وازَّيَّنَتْ وظَنَّ أهْلُها أنَّهم قادِرُونَ عَلَيْها أتاها أمْرُنا لَيْلا أو نَهارًا فَجَعَلْناها حَصِيدًا كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
المَعْنى: إنَّما مَثَلُ تَفاخُرِ الحَياةِ الدُنْيا وزِينَتِها بِالمالِ والبَنِينَ إذْ يَصِيرُ ذَلِكَ إلى الفَناءِ كَمَطَرٍ نَزَلَ مِنَ السَماءِ فاخْتَلَطَ، ووَقَفَ هُنا بَعْضُ القُرّاءِ عَلى مَعْنى: فاخْتَلَطَ الماءُ بِالأرْضِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ: ﴿بِهِ نَباتُ الأرْضِ﴾ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرِ المُقَدَّمِ، ويَحْتَمِلُ -عَلى هَذا- أنْ يَعُودَ الضَمِيرُ في "بِهِ" عَلى الماءِ أو عَلى الِاخْتِلاطِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ القَوْلُ. ووَصَلَتْ فِرْقَةٌ فَرُفِعَ "النَباتُ" عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: "فاخْتَلَطَ"، أيِ:اخْتَلَطَ النَباتُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِسَبَبِ الماءِ، وقَوْلُهُ: ﴿مِمّا يَأْكُلُ الناسُ﴾ يُرِيدُ الزُرُوعَ والأشْجارَ ونَحْوَ ذَلِكَ، وقَوْلُهُ: ﴿والأنْعامُ﴾ يُرِيدُ سائِرَ العُشْبِ المَرْعِيِّ.
و﴿أخَذَتِ الأرْضُ﴾ لَفْظَةٌ كَثُرَتْ في مِثْلِ هَذا، كَقَوْلِهِ: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾ [الأعراف: ٣١]. والزُخْرُفُ: التَزَيُّنُ بِالألْوانِ، وقَدْ يَجِيءُ الزُخْرُفُ بِمَعْنى الذَهَبِ إذِ الذَهَبُ مِنهُ، وقَرَأ مَرْوانُ بْنُ الحَكَمِ، وأبُو جَعْفَرٍ، والسَبْعَةُ، وشَيْبَةُ، ومُجاهِدٌ، والجُمْهُورُ: "وازَّيَّنَتْ"، أصْلُهُ: تَزَيَّنَتْ، سُكِّنَتِ التاءُ لِتُدْغَمَ فاحْتِيجَ إلى ألْفِ وصْلٍ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، والأعْمَشُ، وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "وَتَزَيَّنَتْ" وهَذِهِ أصْلُ قِراءَةِ الجُمْهُورِ. وقَرَأ الحَسَنُ، وأبُو العالِيَةِ، والشَعْبِيُّ، وقَتادَةُ، ونَصْرُ بْنُ عاصِمٍ، وعِيسى: "وَأزْيَنَتْ" عَلى مَعْنى: حَضَرَتْ زِينَتُها كَما تَقُولُ: أحْصَدَ الزَرْعُ، و"أزْيَنَتْ" عَلى مِثالِ: أفْعَلَتْ، وقالَ عَوْفُ بْنُ أبِي جَمِيلَةَ: كانَ أشْياخُنا يَقْرَؤُونَها: "وازْيانَّتْ" النُونُ (p-٤٧١)شَدِيدَةٌ والألِفُ ساكِنَةٌ قَبْلَها، وهي قِراءَةُ أبِي عُثْمانَ النَهْدِيِّ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ "وازَيَأْنَّتْ"، وهي لُغَةٌ مِنها قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ ....................... ∗∗∗ إذا ما الهَوادِي بِالعَبِيطِ احْمَأرَّتْ
وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وازّايَنَتْ"، والمَعْنى في هَذا كُلِّهِ: ظَهَرَتْ زِينَتُها.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَظَنَّ أهْلُها﴾ عَلى بابِها. والضَمِيرُ في "عَلَيْها" عائِدٌ عَلى الأرْضِ، والمُرادُ ما فِيها مِن نِعْمَةٍ ونَباتٍ، وهَذا الكَلامُ فِيهِ تَشْبِيهُ جُمْلَةِ أمْرِ الحَياةِ الدُنْيا بِهَذِهِ الجُمْلَةِ المَوْصُوفَةِ أحْوالُها، و"حَتّى" غايَةٌ، وهي حَرْفُ ابْتِداءٍ لِدُخُولِها عَلى "إذا"، ومَعْناها مُتَّصِلٌ إلى قَوْلِهِ: ﴿قادِرُونَ عَلَيْها﴾، ومِن بَعْدِ ذَلِكَ بَدَأ الجَوابُ، والأمْرُ الآتِي واحِدُ الأُمُورِ كالرِيحِ والصِرِّ والسَمُومِ ونَحْوِ ذَلِكَ، وتَقْسِيمُهُ لَيْلًا أو نَهارًا تَنْبِيهٌ عَلى الخَوْفِ وارْتِفاعُ الأمْنِ في كُلِّ وقْتٍ، و"حَصِيدًا": فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ وعَبَّرَ بِحَصِيدٍ عَنِ التالِفِ الهالِكِ مِنَ النَباتِ وإنْ لَمْ يَهْلَكْ بِحَصادٍ إذِ الحُكْمُ فِيهِما واحِدٌ، وكَأنَّ الآفَةَ حَصَدَتْهُ قَبْلَ أوانِهِ، وقَوْلُهُ: ﴿كَأنْ لَمْ تَغْنَ﴾ أيْ: كَأنْ لَمْ تَنْعَمْ ولَمْ تَنْضُرْ ولَمْ تُغْرِ بِغَضارَتِها، وقَرَأ قَتادَةُ "يَغْنَ" بِالياءِ مِن تَحْتٍ، يَعْنِي الحَصِيدَ، وقَرَأ مَرْوانُ: "كَأنْ لَمْ تَتَغَنَّ" بِتاءَيْنِ مِثْلُ تَتَفَعَّلُ، والمَغانِي: المَنازِلُ المَعْمُورَةُ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ وقَدْ نَغْنى بِها ونَرى عُصُورًا ∗∗∗ ∗∗∗ بِها يَقْتَدْنَنا الخُرُدَ الخِذالا
وفِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ" وما كُنّا لِنُهْلِكَها إلّا بِذُنُوبِ (p-٤٧٢)أهْلِها "كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ"، رَواها عنهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما. وقِيلَ: إنَّ فِيهِ: "وَما كانَ اللهُ لِيُهْلِكَها إلّا بِذُنُوبِ أهْلِها"، وقَرَأ أبُو الدَرْداءِ: "لِقَوْمٍ يَتَذَكَّرُونَ".
ومَعْنى الآيَةِ التَحْذِيرُ مِنَ الِاغْتِرارِ بِالدُنْيا إذْ هي مُعَرَّضَةٌ لِلتَّلَفِ وأنْ يُصِيبَها ما أصابَ هَذِهِ الأرْضَ المَذْكُورَةَ بِمَوْتٍ أو غَيْرِهِ مِن رَزايا الدُنْيا، وخَصَّ المُتَفَكِّرِينَ بِالذِكْرِ تَشْرِيفًا لِلْمَنزِلَةِ، ولِيَقَعَ التَسابُقُ إلى هَذِهِ الرُتْبَةِ.
{"ayah":"إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا یَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَـٰمُ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّیَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَاۤ أَنَّهُمۡ قَـٰدِرُونَ عَلَیۡهَاۤ أَتَىٰهَاۤ أَمۡرُنَا لَیۡلًا أَوۡ نَهَارࣰا فَجَعَلۡنَـٰهَا حَصِیدࣰا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق