الباحث القرآني

﴿إنَّما مَثَلُ الحَياةِ الدُنْيا كَماءٍ أنْـزَلْناهُ مِنَ السَماءِ﴾ مِنَ السَحابِ ﴿فاخْتَلَطَ بِهِ﴾ بِالماءِ ﴿نَباتُ الأرْضِ﴾ أيْ: فاشْتَبَكَ بِسَبَبِهِ حَتّى خالَطَ بَعْضُهُ بَعْضًا ﴿مِمّا يَأْكُلُ الناسُ﴾ يَعْنِي الحُبُوبَ والثِمارَ والبُقُولَ ﴿والأنْعامُ﴾ يَعْنِي الحَشِيشَ ﴿حَتّى (p-١٦)إذا أخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها﴾ زِينَتَها بِالنَباتِ واخْتِلافِ ألْوانِهِ ﴿وازَّيَّنَتْ﴾ وتَزَيَّنَتْ بِهِ وهو أصْلُهُ وأُدْغِمَتِ التاءُ في الزايِ وهو كَلامٌ فَصِيحٌ جُعِلَتِ الأرْضُ آخِذَةً زُخْرُفَها عَلى التَمْثِيلِ بِالعَرُوسِ إذا أخَذَتِ الثِيابَ الفاخِرَةَ مِن كُلِّ لَوْنٍ فاكْتَسَتْها وتَزَيَّنَتْ بِغَيْرِها مِن ألْوانِ الزِيَنِ ﴿وَظَنَّ أهْلُها﴾ أهْلُ الأرْضِ ﴿أنَّهم قادِرُونَ عَلَيْها﴾ مُتَمَكِّنُونَ مِن مَنفَعَتِها مُحَصِّلُونَ لِثَمَرَتِها رافِعُونَ لِغَلَّتِها ﴿أتاها أمْرُنا﴾ عَذابُنا وهو ضَرْبُ زَرْعِها بِبَعْضِ العاهاتِ بَعْدَ أمْنِهِمْ واسْتِيقانِهِمْ أنَّهُ قَدْ سَلِمَ ﴿لَيْلا أوْ نَهارًا فَجَعَلْناها﴾ فَجَعَلْنا زَرْعَها ﴿حَصِيدًا﴾ شَبِيهًا بِما يُحْصَدُ مِنَ الزَرْعِ في قَطْعِهِ واسْتِئْصالِهِ ﴿كَأنْ لَمْ تَغْنَ﴾ كَأنْ لَمْ يَغْنَ زَرْعُها أيْ: لَمْ يَلْبَثْ حَذْفُ المُضافِ في هَذِهِ المَواضِعِ لا بُدَّ مِنهُ لِيَسْتَقِيمَ المَعْنى ﴿بِالأمْسِ﴾ هو مَثَلٌ في الوَقْتِ القَرِيبِ كَأنَّهُ قِيلَ كَأنْ لَمْ تَغْنَ آنِفًا ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فَيَنْتَفِعُونَ بِضَرْبِ الأمْثالِ، وهَذا مِنَ التَشْبِيهِ المُرَكَّبِ شُبِّهَتْ حالُ الدُنْيا في سُرْعَةِ تَقَضِّيها وانْقِراضِ نَعِيمِها بَعْدَ الإقْبالِ بِحالِ نَباتِ الأرْضِ في جَفافِهِ وذَهابِهِ حُطامًا بَعْدَما التَفَّ وتَكاثَفَ وزَيَّنَ الأرْضَ بِخُضْرَتِهِ ورَفِيفِهِ، وحِكْمَةُ التَشْبِيهِ التَنْبِيهُ عَلى أنَّ الحَياةَ صَفْوُها شَبِيبَتُها، وكَدَرُها شَيْبَتُها، كَما أنَّ صَفْوَ الماءِ في أعْلى الإناءِ قالَ ؎ ألَمْ تَرَ أنَّ العُمْرَ كَأْسُ سُلافَةٍ ∗∗∗ فَأوَّلُهُ صَفْوٌ وآخِرُهُ كَدْرُ وَحَقِيقَتُهُ تَزْيِينُ جُثَّةِ الطِينِ بِمَصالِحِ الدُنْيا والدِينِ،كاخْتِلاطِ النَباتِ عَلى اخْتِلافِ التَلْوِينِ، فالطِينَةُ الطَيِّبَةُ تُنْبِتُ بَساتِينَ الأُنْسِ ورَياحِينَ الرُوحِ وزَهْرَةَ الزُهْدِ وكُرُومَ الكَرَمِ وحُبُوبَ الحُبِّ وحَدائِقَ الحَقِيقَةِ وشَقائِقَ الطَرِيقَةِ، (p-١٧)والخَبِيثَةُ تُخْرِجُ خِلافَ الخُلْفِ وثُمامَ الإثْمِ وشَوْكَ الشِرْكِ وشِيحَ الشُحِّ وحَطَبَ العَطَبِ ولُعاعَ اللَعِبِ ثُمَّ يَدْعُوهُ مَعادُهُ كَما يَحِينُ لِلْحَرْثِ حَصادُهُ فَتُزايِلُهُ الحَياةُ مُغْتَرًّا كَما يَهِيجُ النَباتُ مُصْفَرًّا فَتَغِيبُ جُثَّتُهُ في الرَمْسِ كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ إلى أنْ يَعُودَ رَبِيعُ البَعْثِ ومَوْعِدُ العَرْضِ والبَحْثِ وكَذَلِكَ حالُ الدُنْيا كالماءِ يَنْفَعُ قَلِيلُهُ ويُهْلِكُ كَثِيرُهُ ولا بُدَّ مِن تَرْكِ ما زادَ كَما لا بُدَّ مِن أخْذِ الزادِ وآخِذُ المالِ لا يَخْلُو مِن زَلَّةٍ كَما أنَّ خائِضَ الماءِ لا يَنْجُو مِن بَلَّةِ وجَمْعُهُ وإمْساكُهُ تَلَفُ صاحِبِهِ وإهْلاكُهُ فَما دُونَ النِصابِ كَضِحْضاحِ ماءٍ يُجاوِزُ بِلا احْتِماءٍ والنِصابُ كَنَهْرٍ حائِلٍ بَيْنَ المُجْتازِ والجَوازِ إلى المَفازِ لا يُمْكِنُ إلّا بِقَنْطَرَةٍ وهي الزَكاةُ وعِمارَتُها بَذْلُ الصِلاتِ فَمَتى اخْتَلَّتِ القَنْطَرَةُ غَرَّقَتْهُ أمْواجُ القَناطِيرِ المُقَنْطَرَةِ وعَنْ هَذا قالَ عَلَيْهِ السَلامُ " «الزَكاةُ قَنْطَرَةُ الإسْلامِ » " وكَذا المالُ يُساعِدُ الأوْغادَ دُونَ الأمْجادِ كَما أنَّ الماءَ يَجْتَمِعُ في الوِهادِ دُونَ النِجادِ، وكَذَلِكَ المالُ لا يَجْتَمِعُ إلّا بِكَدِّ البَخِيلِ كَما أنَّ الماءَ لا يَجْتَمِعُ إلّا بِسَدِّ المَسِيلِ ثُمَّ يَفْنى ويَتْلَفُ ولا يَبْقى كالماءِ في الكَفِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب