الباحث القرآني

ولَمّا كانَ السِّياقُ لِإثْباتِ البَعْثِ وتَخْوِيفِهِمْ بِهِ وكانُوا يُنْكِرُونَهُ ويَعْتَقِدُونَ بَقاءَ الدُّنْيا وأنَّها إنَّما هي أرْحامٌ تَدْفَعُ وأرْضٌ تَبْلُغُ دائِمًا بِلا انْقِضاءٍ [فَهِيَ دارٌ يُرْضى بِها فَيُطْمَأنُّ إلَيْها]، ولِلتَّنْفِيرِ مِنَ البَغْيِ والتَّعَزُّزِ بِغَيْرِ الحَقِّ، وكانَتِ الأمْثالُ أجْلى لِمَحالِّ الأشْكالِ، قالَ تَعالى مُمَثِّلًا لِمَتاعِها قاصِرًا أمْرَها عَلى الفَناءِ رَدًّا عَلَيْهِمْ في اعْتِقادِ دَوامِها مِن غَيْرِ بَعْثٍ: ﴿إنَّما﴾ [فَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ] ﴿مَثَلُ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ الَّتِي تَتَنافَسُونَ فِيها في سُرْعَةِ انْقِضائِها وانْقِراضِ نَعِيمِها بَعْدَ عَظِيمِ إقْبالِهِ ﴿كَماءٍ أنْـزَلْناهُ﴾ [أيْ] بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ، [وحَقَّقَ أمْرَهُ وبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ]: ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ فَشَبَّهَهُ بِأمْرِ النَّباتِ وأنَّهُ قَلِيلٌ يَبْلُغُ مُنْتَهاهُ فَتُصْبِحُ الأرْضُ مِنهُ بِلاقِعَ بَعْدَ ذَلِكَ الِاخْضِرارِ واليُنُوعِ، وفي ذَلِكَ إشارَةٌ إلى البَعْثِ وإلى أنَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى ضَرْبِهِ قَبْلَ نِهايَتِهِ أوْ بَعْدَها (p-١٠٢)بِبَعْضِ الآفاتِ كَما يُوجَدُ في بَعْضِ السِّنِينَ، فَيُقْفِرُونَ مِنهُ ويَفْتَقِرُونَ إلَيْهِ، وفي ذَلِكَ تَحْذِيرٌ عَظِيمٌ ﴿فاخْتَلَطَ﴾ أيْ: بِسَبَبِ إنْزالِنا لَهُ ﴿بِهِ﴾ أيْ: بِسَبَبِ تَلْيِينِهِ ولَطافَتِهِ ﴿نَباتُ الأرْضِ﴾ عُمُومًا في بَطْنِها ﴿مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ﴾ أيْ: كافَّةً ﴿والأنْعامُ﴾ مِنَ الحُبُوبِ والثِّمارِ والبُقُولِ فَظَهَرَ عَلى وجْهِها ﴿حَتّى﴾ ولَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ يَنْمُو ويَزِيدُ في الحُسْنِ والجِرْمِ؛ ولَمّا كانَ الخِصْبُ هو الأصْلَ، عَبَّرَ عَنْهُ بِأداةِ التَّحْقِيقِ فَقالَ: \ ﴿إذا﴾ ولَمّا كانَتْ بَهْجَةُ النَّباتِ تابِعَةً لِلْخِصْبِ، فَكانَ الماءُ كَأنَّهُ يُعْطِيها إيّاها فَتَأْخُذُهُ، قالَ: ﴿أخَذَتِ الأرْضُ﴾ [أيْ] الَّتِي لَها أهْلِيَّةُ النَّباتِ ﴿زُخْرُفَها وازَّيَّنَتْ﴾ بِأنْواعِ ذَلِكَ النَّباتِ زِينَةً مِنها الجَلِيُّ ومِنها الخَفِيُّ - بِما يُفْهِمُهُ الإدْغامُ ﴿وظَنَّ أهْلُها﴾ أيْ: ظَنًّا مُؤَكَّدًا جِدًّا بِما أفادَهُ العُدُولُ عَنْ ”قُدْرَتِهِمْ“ إلى ﴿أنَّهم قادِرُونَ﴾ أيْ: ثابِتَةٌ قُدْرَتُهم ﴿عَلَيْها﴾ بِاجْتِناءِ الثَّمَرَةِ مِن ذَلِكَ النَّباتِ وغابَ عَنْهم لِجَهْلِهِمْ عِلْمُ العاقِبَةِ، فَلَمّا كانَ ذَلِكَ ﴿أتاها أمْرُنا﴾ [أيْ] الَّذِي لا يُرَدُّ مِنَ البَرْدِ أوِ الحَرِّ المُفْرِطَيْنِ ﴿لَيْلا أوْ نَهارًا فَجَعَلْناها﴾ أيْ: زَرْعَها وزِينَتَها بِعَظَمَتِها بِسَبَبِ ذَلِكَ الأمْرِ وتَعْقِيبِهِ بِالإهْلاكِ ﴿حَصِيدًا﴾ وعَبَّرَ بِما فَهِمَهُ فَعِيلٌ مِنَ المُبالَغَةِ والثَّباتِ بِقَوْلِهِ: ﴿كَأنْ﴾ أيْ: كَأنَّها ﴿لَمْ تَغْنَ﴾ أيْ: لَمْ تَكُنْ غانِيَةً أيْ ساكِنَةً حَسَنَةً غَنِيَّةً ذاتَ وفْرٍ مَطْلُوبَةً مَرْغُوبًا فِيها أيْ زَرْعِها وزِينَتِها ﴿بِالأمْسِ﴾ فَكانَ (p-١٠٣)حالُ الدُّنْيا في سُرْعَةِ انْقِضائِها وانْقِراضِ نَعِيمِها بَعْدَ عَظِيمِ إقْبالِهِ كَحالِ نَباتِ الأرْضِ في جَفافِهِ وذَهابِهِ حُطامًا بَعْدَ ما التَفَّ وزَيَّنَ الأرْضَ بِخُضْرَتِهِ وألْوانِهِ وبَهْجَتِهِ. ولَمّا كانَ هَذا المَثَلُ في غايَةِ المُطابَقَةِ لِلسّاعَةِ، هَزَّ السّامِعَ لَهُ فازْدادَ عَجَبُهُ مِن حُسْنِ تَفْصِيلِهِ بَعْدَ تَأْصِيلِهِ فَقِيلَ جَوابًا لَهُ: ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ: مِثْلَ هَذا التَّفْصِيلِ الباهِرِ ﴿نُفَصِّلُ﴾ أيْ: تَفْصِيلًا عَظِيمًا ﴿الآياتِ لِقَوْمٍ﴾ أيْ: ناسٍ أقْوِياءَ فِيهِمْ قُوَّةُ المُحاوَلَةِ لِما يُرِيدُونَ ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾ أيْ: يُجَدِّدُونَ الفِكْرَ عَلى وجْهِ الِاسْتِمْرارِ والمُبالَغَةِ؛ والمَثَلُ: قَوْلٌ سائِرٌ يُشَبَّهُ فِيهِ الحالُ الثّانِي بِالأوَّلِ؛ والِاخْتِلاطُ: تَداخُلُ الأشْياءِ بَعْضِها في بَعْضٍ؛ والزُّخْرُفُ: حُسْنُ الألْوانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب