الباحث القرآني

﴿واسْتَبَقا البابَ وقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وألْفَيا سَيِّدَها لَدى البابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَن أرادَ بِأهْلِكَ سُوءًا إلّا أنْ يُسْجَنَ أوْ عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿قالَ هي راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وشَهِدَ شاهِدٌ مِن أهْلِها إنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وهو مِنَ الكاذِبِينَ﴾ ﴿وإنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وهو مِنَ الصّادِقِينَ﴾ ﴿فَلَمّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قالَ إنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ ﴿يُوسُفُ أعْرِضْ عَنْ هَذا واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إنَّكِ كُنْتِ مِنَ الخاطِئِينَ﴾ أيْ: واسْتَبَقَ يُوسُفُ وامْرَأةُ العَزِيزِ إلى البابِ هَذا لِلْخُرُوجِ والهُرُوبِ مِنها، وهَذِهِ لِمَنعِهِ ومُراوَدَتِهِ، وأصْلُ اسْتَبَقَ أنْ يَتَعَدّى بِإلى، فَحُذِفَ اتِّساعًا، وتَقَدَّمَ أنَّ الأبْوابَ سَبْعَةٌ، فَكانَ تَنْفَتِحُ لَهُ الأبْوابُ بابًا بابًا مِن غَيْرِ مِفْتاحٍ، عَلى ما نُقِلَ عَنْ كَعْبٍ أنَّ فِراشَ القُفْلِ كانَ يَتَناثَرُ ويَسْقُطُ، حَتّى خَرَجَ مِنَ الأبْوابِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ الأبْوابُ المُغْلَقَةُ لَيْسَتْ عَلى التَّرْتِيبِ بابًا فَبابًا، بَلْ تَكُونُ في جِهاتٍ مُخْتَلِفَةٍ كُلُّها مَنافِذُ لِلْمَكانِ الَّذِي كانا فِيهِ، فاسْتَبَقا إلى بابٍ يَخْرُجُ مِنهُ، ولا يَكُونُ السّابِعَ عَلى التَّرْتِيبِ بَلْ أحَدَها، ﴿وقَدَّتْ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى (p-٢٩٧)﴿واسْتَبَقا﴾ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ حالًا؛ أيْ: وقَدْ قَدَّتْ جَذَبَتْهُ مِن خَلْفِهِ بِأعْلى القَمِيصِ مِن طَوْقِهِ، فانْخَرَقَ إلى أسْفَلِهِ، والقَدُّ: القَطْعُ والشَّقُّ، وأكْثَرُ اسْتِعْمالِهِ فِيما كانَ طُولًا قالَ: ؎تَقُدَّ السَّلُوقِيَّ المُضاعَفَ نَسْجُهُ وتُوقِدُ بِالصُّفّاحِ نارَ الحُباحِبِ والقَطُّ: يُسْتَعْمَلُ فِيما كانَ عَرْضًا، وقالَ المُفَضَّلُ بْنُ حَرْبٍ: رَأيْتُ في مُصْحَفٍ قَطًّا مِن دُبُرٍ؛ أيْ: شَقًّا، قالَ يَعْقُوبُ: الشَّقُّ في الجِلْدِ الصَّحِيحِ والثَّوْبِ الصَّحِيحِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: (قَطَّ) . ﴿وألْفَيا سَيِّدَها﴾ أيْ: وجَدَ أوْ صادَفا زَوْجَها وهو قِطْفِيرُ، والمَرْأةُ تَقُولُ لِبَعْلِها: سَيِّدِي، ولَمْ يُضَفْ إلَيْهِما؛ لِأنَّ قِطْفِيرَ لَيْسَ سَيِّدَ يُوسُفَ عَلى الحَقِيقَةِ، ويُقالُ: ألْفاهُ ووارَطَهُ وصادَفَهُ ووالَطَهُ ولاظَهُ، كُلُّهُ بِمَعْنًى واحِدٍ، قِيلَ: ألْفَياهُ مُقْبِلًا يُرِيدُ أنْ يَدْخُلَ، وقِيلَ: مَعَ ابْنِ عَمِّ المَرْأةِ، وفي الكَلامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَرابَهُ أمْرُهُما وقالَ: ما لَكُما ؟ فَلَمّا سَألَ وقَدْ خافَتَ لَوْمَهُ أوْ سَبْقَ يُوسُفَ بِالقَوْلِ، بادَرَتْ أنْ جاءَتْ بِحِيلَةٍ جَمَعَتْ فِيها بَيْنَ تَبْرِئَةِ ساحَتِها مِنَ الرِّيبَةِ، وغَضَبِها عَلى يُوسُفَ وتَخْوِيفِهِ طَمَعًا في مُواقَعَتِها خِيفَةً مِن مَكْرِها، كَرْهًا لَمّا آيَسَتْ أنْ يُواقِعَها طَوْعًا، ألا تَرى إلى قَوْلِها: ﴿ولَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ﴾ [يوسف: ٣٢] ؟ ولَمْ تُصَرِّحْ باسِمِ يُوسُفَ، بَلْ أتَتْ بِلَفْظٍ عامٍّ وهو قَوْلُها: ﴿ما جَزاءُ مَن أرادَ﴾ وهو أبْلَغُ في التَّخْوِيفِ، و(ما) الظّاهِرُ أنَّها نافِيَةٌ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اسْتِفْهامِيَّةً؛ أيْ: أيُّ شَيْءٍ جَزاؤُهُ إلّا السِّجْنَ ؟ وبَدَأتْ بِالسِّجْنِ إبْقاءً عَلى مَحْبُوبِها، ثُمَّ تَرَقَّتْ إلى العَذابِ الألِيمِ، قِيلَ: وهو الضَّرْبُ بِالسَّوْطِ، وقَوْلُها: ﴿ما جَزاءُ﴾ أيْ: إنَّ الذَّنْبَ ثابِتٌ مُتَقَرِّرٌ في حَقِّهِ، وأتَتْ بِلَفْظِ (بِسُوءٍ) أيْ: بِما يَسُوءُ، ولَيْسَ نَصًّا في مَعْصِيَةٍ كُبْرى، إذْ يَحْتَمِلُ خِطابُهُ لَها بِما يَسُوؤُها، أوْ ضَرْبَهُ إيّاها. وقَوْلُها: ﴿إلّا أنْ يُسْجَنَ أوْ عَذابٌ﴾، يَدُلُّ عَلى عِظَمِ مَوْقِعِ السِّجْنِ مِن ذَوِي الأقْدارِ حَيْثُ قَرَنَتْهُ بِالعَذابِ الألِيمِ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: (أوْ عَذابًا ألِيمًا) وقَدَّرَهُ الكِسائِيُّ أوْ يُعَذَّبُ عَذابًا ألِيمًا، ولَمّا أغْرَتْ بِيُوسُفَ وأظْهَرَتْ تُهْمَتَهُ احْتاجَ إلى إزالَةِ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَقالَ: ﴿هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾ ولَمْ يَسْبِقْ إلى القَوْلِ أوْلًا سَتْرًا عَلَيْها، فَلَمّا خافَ عَلى نَفْسِهِ وعَلى عِرْضِهِ الطّاهِرِ قالَ: (هي) وأتى بِضَمِيرِ الغَيْبَةِ؛ إذْ كانَ غَلَبَ عَلَيْهِ الحَياءُ أنْ يُشِيرَ إلَيْها ويُعَيِّنَها بِالإشارَةِ فَيَقُولُ: هَذِهِ راوَدَتْنِي، أوْ تِلْكَ راوَدَتْنِي، لِأكُنْ في المُواجَهَةِ بِالقَبِيحِ ما لَيْسَ في الغَيْبَةِ، ولَمّا تَعارَضَ قَوْلاهُما عِنْدَ العَزِيزِ وكانَ رَجُلًا فِيهِ إناءَةً ونَصْفَةً، طَلَبَ الشّاهِدَ مِن كُلٍّ مِنهُما. ﴿فَشَهِدَ شاهِدٌ مِن أهْلِها﴾ فَقالَ أبُو هُرَيْرَةَ وابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ وابْنُ جُبَيْرٍ وهِلالُ بْنُ يَسافٍ والضَّحّاكُ: كانَ ابْنُ خالَتِها طِفْلًا في المَهْدِ أنْطَقَهُ اللَّهُ تَعالى لِيَكُونَ أدَلَّ عَلى الحُجَّةِ، ورُوِيَ في الحَدِيثِ: (إنَّهُ مِنَ الصِّغارِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا في المَهْدِ) وأسْنَدَهُ الطَّبَرِيُّ. وفي صَحِيحِ البُخارِيِّ وصَحِيحِ مُسْلِمٍ: «لَمْ يَتَكَلَّمْ في المَهْدِ إلّا ثَلاثَةٌ؛ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ، وصاحِبُ جُرَيْجٍ؛ وابْنُ السَّوْداءِ» وقِيلَ: كانَ ابْنَ عَمِّها الَّذِي كانَ مَعَ زَوْجِها لَدى البابِ، ولا يُنافِي هَذا قَوْلَ قَتادَةَ، كانَ رَجُلًا حَلِيمًا مِن أهْلِها ذا رَأْيٍ يَأْخُذُ المَلِكُ بِرَأْيِهِ ويَسْتَشِيرُهُ، وقِيلَ: كانَ حَكَمًا حَكَّمَهُ زَوْجُها فَحَكَمَ بَيْنَهُما، وكانَ الشّاهِدُ مِن أهْلِها لِيَكُونَ أوْجَبَ لِلْحُجَّةِ عَلَيْها، وأوْثَقَ لِبَراءَةِ يُوسُفَ، وأنْفى لِلتُّهْمَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعَهُما في الدّارِ بِحَيْثُ لا يُشْعَرُ بِهِ، فَبَصَرَ بِما جَرى بَيْنَهُما، فَأغْضَبَهُ اللَّهُ لِيُوسُفَ، وشَهِدَ بِالحَقِّ، ويَبْعُدُ قَوْلُ مُجاهِدٍ وابْنِ حَبِيبٍ أنَّ الشّاهِدَ هو القَمِيصُ المَقْدُودُ لِقَوْلِهِ: ﴿شاهِدٌ مِن أهْلِها﴾ ولا يُوصَفُ القَمِيصُ بِكَوْنِهِ شاهِدًا مِن أهْلِ المَرْأةِ، وسُمِّيَ الرَّجُلُ شاهِدًا مِن حَيْثُ دَلَّ عَلى الشّاهِدِ، وهو تَخْرِيقُ القَمِيصِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: سَمّى قَوْلَهُ شَهادَةً؛ لِأنَّهُ أدّى تَأْدِيَتَها في ثَبْتِ قَوْلِ يُوسُفَ وبَطْلِ قَوْلِها، و”﴿إنْ كانَ قَمِيصُهُ﴾“ مَحْكِيٌّ إمّا بِـ (قالَ) مُضْمَرَةٍ عَلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ، وإمّا بِـ (شَهِدَ) لِأنَّ الشَّهادَةَ قَوْلٌ مِنَ الأقْوالِ عَلى مَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ، و(كانَ) هُنا دَخَلَتْ عَلَيْها أداةُ الشَّرْطِ، وتَقَدَّمَ خِلافُ المُبَرِّدِ والجُمْهُورِ (p-٢٩٨)فِيها، هَلْ هي باقِيَةٌ عَلى مُضِيِّها ولَمْ تَقْلِبْها أداةُ الشَّرْطِ ؟ أوِ المَعْنى: أنْ يَتَبَيَّنَ كَوْنَهُ، فَأداةُ الشَّرْطِ في الحَقِيقَةِ إنَّما دَخَلَتْ عَلى هَذا المُقَدَّرِ، وجَوابُ الشَّرْطِ ﴿فَصَدَقَتْ﴾ و(فَكَذَبَتْ)، وهو عَلى إضْمارِ ”قَدْ“ أيْ: فَقَدْ صَدَقَتْ، وفَقَدَ كَذَبَتْ، ولَوْ كانَ فِعْلًا جامِدًا أوْ دُعاءً لَمْ يَحْتَجْ إلى تَقْدِيرِ قَدْ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: (مِن قُبُلٍ) و(مِن دُبُرٍ) بِضَمِّ الباءِ فِيهِما والتَّنْوِينِ، وقَرَأ الحَسَنُ وأبُو عُمَرَ، وفي رِوايَةٍ: بِتَسْكِينِها وبِالتَّنْوِينِ وهي لُغَةُ الحِجازِ وأسَدٍ، وقَرَأ ابْنُ يَعْمَرَ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ والعُطارِدِيُّ وأبُو الزِّنادِ ونُوحٌ القارِئُ والجارُودُ بْنُ أبِي سَبْرَةَ بِخِلافٍ عَنْهُ: (مِن قُبُلٍ، ومِن دُبُرٍ) بِثَلاثِ صِماتٍ، وقَرَأ ابْنُ يَعْمَرَ وابْنُ أبِي إسْحاقَ والجارُودُ أيْضًا في رِوايَةٍ عَنْهم: بِإسْكانِ الباءِ مَعَ بِنائِهِما عَلى الضَّمِّ، جَعَلُوها غايَةً نَحْوَ: مِن قَبْلُ. ومَعْنى الغايَةِ: أنْ يَصِيرَ المُضافُ غايَةَ نَفْسِهِ بَعْدَما كانَ المُضافُ إلَيْهِ غايَتَهُ، والأصْلُ إعْرابُهُما؛ لِأنَّهُما اسْمانِ مُتَمَكِّنانِ، ولَيْسا بِظَرْفَيْنِ، وقالَ أبُو حاتِمٍ: وهَذا رَدِيءٌ في العَرَبِيَّةِ، وإنَّما يَقَعُ هَذا البِناءُ في الظُّرُوفِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والمَعْنى مِن قُبُلِ القَمِيصِ ومِن دُبُرِهِ، وأمّا التَّنْكِيرُ فَمَعْناهُ مِن جِهَةٍ يُقالُ لَها: قُبُلٌ، ومِن جِهَةٍ يُقالُ لَها: دُبُرٌ، وعَنِ ابْنِ أبِي إسْحاقَ: أنَّهُ قَرَأ (مِن قُبُلَ ومِن دُبُرَ) بِالفَتْحِ، كَأنْ جَعَلَهُما عَلَمَيْنِ لِلْجِهَتَيْنِ، فَمَنَعَهُما الصَّرْفُ لِلْعَلَمِيَّةِ والتَّأْنِيثِ، وقالَ أيْضًا: (فَإنْ قُلْتَ): إنْ دَلَّ (قُدَّ قَمِيصُهُ مِن دُبُرٍ) عَلى أنَّها كاذِبَةٌ وأنَّها هي الَّتِي تَبِعَتْهُ واجْتَذَبَتْ ثَوْبَهُ إلَيْها فَقَدَّتْهُ، فَمِن أيْنَ دَلَّ قَدُّهُ مِن قُبُلٍ عَلى أنَّها صادِقَةٌ، وأنَّهُ كانَ تابِعُها ؟ (قُلْتُ): مِن وجْهَيْنِ؛ أحَدُهُما: أنَّهُ إذا كانَ تابَعَها وهي دافِعَةٌ عَنْ نَفْسِها فَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن قُدّامِهِ بِالدَّفْعِ. والثّانِي: أنْ يُسْرِعَ خَلْفَها لِيَلْحَقَها، فَيَتَعَثَّرُ في قُدّامِ قَمِيصِهِ فَيَشُقُّهُ، انْتَهى. وقَوْلُهُ: ﴿وهُوَ مِنَ الكاذِبِينَ﴾، ﴿وهُوَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾، جُمْلَتانِ مُؤَكِّدَتانِ؛ لِأنَّ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَصَدَقَتْ﴾ يُعْلَمُ كَذِبُهُ، ومِن قَوْلِهِ: (فَكَذَبَتْ) يُعْلَمُ صِدْقُهُ، وفي بِناءِ ”قُدَّ“ لِلْمَفْعُولِ سَتْرٌ عَلى مَن قَدَّهُ، ولَمّا كانَ الشّاهِدُ مِن أهْلِها راعى جِهَةَ المَرْأةِ فَبَدَأ بِتَعْلِيقِ صِدْقِها عَلى تَبَيُّنِ كَوْنِ القَمِيصِ قُدَّ مِن قُبُلٍ، ولَمّا كانَتْ كُلُّ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِها أُبْرِزَ اسْمُ كانَ بِلَفْظِ المَظْهَرِ، ولَمْ يُضْمَرْ لِيَدُلَّ عَلى الِاسْتِقْلالِ، ولِكَوْنِ التَّصْرِيحِ بِهِ أوْضَحَ، وهو نَظِيرُ قَوْلِهِ: (مَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ غَوى) فَلَمّا رَأى العَزِيزُ، وقِيلَ: الشّاهِدُ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قالَ: (إنَّهُ) أيْ: إنَّ قَوْلَكِ ﴿ما جَزاءُ﴾ إلى آخِرِهِ، قالَهُ الزَّجّاجُ، أوْ أنَّ هَذا الأمْرَ وهو طَمَعُها في يُوسُفَ، ذَكَرَهُ الماوَرَدِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ، أوْ إلى تَمْزِيقِ القَمِيصِ قالَهُ: مُقاتِلٌ، والخِطابُ في ﴿مِن كَيْدِكُنَّ﴾ لَها ولِجَوارِيها، أوْ لَها ولِلنِّساءِ، ووَصَفَ كَيْدَ النِّساءِ بِالعِظَمِ، وإنْ كانَ قَدْ يُوجَدُ في الرِّجالِ؛ لِأنَّهُنَّ ألْطَفُ كَيْدًا بِما جُبِلْنَ عَلَيْهِ وبِما تَفَرَّغْنَ لَهُ، واكْتَسَبَ بَعْضُهُنَّ مِن بَعْضٍ، وهُنَّ أنْفَذُ حِيلَةً. وقالَ تَعالى: ﴿ومِن شَرِّ النَّفّاثاتِ في العُقَدِ﴾ [الفلق: ٤] وأمّا اللَّواتِي في القُصُورِ فَمَعَهُنَّ مِن ذَلِكَ ما لا يُوجَدُ لِغَيْرِهِنَّ، لِكَوْنِهِنَّ أكْثَرَ تَفَرُّغًا مِن غَيْرِهِنَّ، وأكْثَرَ تَأنُّسًا بِأمْثالِهِنَّ. ﴿يُوسُفُ أعْرِضْ عَنْ هَذا﴾ أيْ: عَنْ هَذا الأمْرِ واكْتُمْهُ، ولا تَتَحَدَّثْ بِهِ، وفي نِدائِهِ بِاسْمِهِ تَقْرِيبٌ لَهُ وتَلْطِيفٌ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلَيْها وقالَ: واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ، والظّاهِرُ أنَّ المُتَكَلِّمَ بِهَذا هو العَزِيزُ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ناداهُ الشّاهِدُ وهو الرَّجُلُ الَّذِي كانَ مَعَ العَزِيزِ وقالَ: اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ، أيْ لِزَوْجِكِ وسَيِّدِكِ، انْتَهى. ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ الِاسْتِغْفارِ وهو قَوْلُهُ: (لِذَنْبِكِ) ثُمَّ أكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّكِ كُنْتِ مِنَ الخاطِئِينَ﴾ ولَمْ يَقُلْ مِنَ الخاطِئاتِ؛ لِأنَّ الخاطِئِينَ أعَمُّ، لِأنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلى الذُّكُورِ والإناثِ بِالتَّغْلِيبِ، يُقالُ: خُطِّئَ إذا أذْنَبَ مُتَعَمِّدًا، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وما كانَ العَزِيزُ إلّا حَلِيمًا، رُوِيَ أنَّهُ كانَ قَلِيلَ الغَيْرَةِ، انْتَهى. وتُرْبَةُ إقْلِيمِ قِطْفِيرَ اقْتَضَتْ هَذا، وأيْنَ هَذا مِمّا جَرى لِبَعْضِ مُلُوكِنا أنَّهُ كانَ مَعَ نُدَمائِهِ المُخْتَصِّينَ بِهِ في مَجْلِسِ أُنْسٍ وجارِيَةٌ تُغَنِّيهِمْ مِن وراءِ سِتْرٍ، فاسْتَعادَ بَعْضُ خُلَصائِهِ بَيْتَيْنِ مِنَ الجارِيَةِ كانَتْ قَدْ غَنَّتْ بِهِما، فَما لَبِثَ أنْ جِيءَ بِرَأْسِ الجارِيَةِ مَقْطُوعًا في طَسْتٍ وقالَ لَهُ المَلِكُ: اسْتَعِدِ البَيْتَيْنِ مِن هَذا الرَّأْسِ، فَسَقَطَ في يَدِ ذَلِكَ (p-٢٩٩)المُسْتَعِيدِ، ومَرِضَ مُدَّةَ حَياةِ ذَلِكَ المَلِكِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب