الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِكُمْ فَإذا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلى المُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا ۝﴾ [النساء: ١٠٣]. والمرادُ بالصلاةِ: صلاةُ الخوفِ، وقد أمَرَ اللهُ بذِكْرِه، والذِّكْرُ بعمومِهِ يدخُلُ فيه الصلاةُ أيضًا، فيسمِّيها اللهُ ذِكْرًا، وفي هذا حثٌّ على كونِ حالِ المجاهِدِ على قربٍ مِن اللهِ، وحضورٍ بالصلاةِ والذِّكْرِ، وأحوجُ ما يكونُ العبدُ إلى قُرْبِ ربِّه عند خوفِهِ وتربُّصِ عدوِّه، فاحتاجَ إلى حضورِ قلبِهِ بالعبادةِ، ومِن أعظَمِها: الصلاةُ والذِّكْرُ. وقال تعالى: ﴿فَإذا اطْمَأْنَنْتُمْ﴾ حملًا للحالِ على الأغلبِ، لأنّ صلاةَ الخوفِ في حالِ خوفٍ ونَصَبٍ، وحَذَرٍ وتَعَبٍ، وليس في الآيةِ قصرٌ لحكمِ الإتمامِ في الطُّمأنينةِ، ولا لحكمِ القصرِ في الخوفِ، فقد يكونُ المسافرُ مطمَئنًّا والمقيمُ خائفًا، فالعِبْرةُ بالسفرِ للقصرِ ولو مطمَئنًّا، وبالخوفِ لصلاةِ الخوفِ ولو مقيمًا. ولهذا فسَّرَ غيرُ واحدٍ مِن السلفِ الطمأنينةَ في الآيةِ بالإقامةِ كمجاهِدٍ وقتادةَ، وفسَّرَها أبو العاليةِ بالنزولِ، وفسَّرها السديُّ بالأمنِ[[ينظر: «تفسير الطبري» (٧/٤٤٧)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٤/١٠٥٦).]]. مشروعيَّةُ الذكرِ على كلِّ حالٍ: وقولُه تعالى: ﴿فاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِكُمْ﴾، فيه مشروعيَّةُ الذِّكْرِ على كلِّ حالٍ، وفيه وجوبُ أداءِ صلاةِ الفرضِ على المريضِ ما دام مُدرِكًا حسَبَ قدرتِه، والمريضُ إذا عجَزَ عن القيامِ، يتعيَّنُ عليه القعودُ، ولو صلّى على جنبِهِ وهو قادرٌ على القعودِ، بطَلَتْ صلاتُه، كما تَبْطُلُ صلاةُ مَن صلّى فَرْضَهُ قاعدًا وهو قادرٌ على القيامِ، وذلك لقولِه ﷺ في حديثِ عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ: (صَلِّ قائِمًا، فَإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقاعِدًا، فَإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلى جَنْبٍ)[[أخرجه البخاري (١١١٧) (٢/٤٨).]]. وجوبُ الصلاةِ على العاجزِ عن الحركةِ: وفي الآيةِ: إيجابُ الصلاةِ على المُسلِمِ ولو كان غيرَ قادرٍ على الإتيانِ بالركوعِ والسجودِ، لِشَلَلٍ أو قيدٍ أو إكراهٍ على تَرْكِها، وخوفٍ مِنَ القتلِ عليها لِمَن يُكرِهُهُ عدوٌّ كافرٌ على تركِها، ولا تَسقُطُ بذلكَ كلِّه، لهذا وجبَتْ على الخائفِ الطَّرِيدِ ولو راكبًا أو راكضًا أنْ يُومِئَ إيماءً. ولا تسقُطُ الصلاةُ عن العاقلِ، كلٌّ بحَسَبِهِ، ولو كان الرجلُ مشلولَ الأطرافِ، فاللهُ لو أسقَطَها لِعَجْزِ بدَنٍ، لَأَسْقَطَها عنِ المجاهِدِ الهارِبِ يَلحقُهُ العدوُّ، وهو على قدَمَيْهِ يخافُ مِنَ العدوِّ أن يلحقَهُ فيَقتُلَه، فلم تسقُطْ عنه بمِثْلِ هذه الحالِ، وقد قال اللهُ على لسانِ عيسى: ﴿وأَوْصانِي بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ۝﴾ [مريم: ٣١]، فالزكاةُ تجبُ في المالِ، والصلاةُ على البدنِ، ولو كان المكلَّفُ غيرَ كاملِ القدرةِ، فأوجَبَ اللهُ الزكاةَ على المالِ، وحياةُ المالِ نِصابُه، وأوجَبَ الصلاةَ على البدَنِ، وحياتُهُ روحُهُ وإدراكُهُ. صلاةُ العاجِزِ عن القعودِ والقيامِ: وقد اختلَفَ العلماءُ فيمَن عجَزَ عنِ القعودِ، أيصلِّي مضطَجِعًا على جنبِه أم مُستلقِيًا على ظهرِه؟ على أقوالٍ: ذهَبَ الشافعيُّ وأحمدُ: إلى تقديمِ الاضطِجاعِ على الجنبِ على الاستلقاءِ، ورُوِيَ في هذا حديثٌ مرفوعٌ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ، أخرَجَهُ الدارقطنيُّ[[أخرجه الدارقطني في «سننه» (١٧٠٦) (٢/٣٧٧).]]، وهو منكَرٌ لا يصِحُّ. وذهَبَ أهلُ الرأيِ وبعضُ الشافعيَّةِ: إلى تقديمِ الاستلقاءِ على الاضطجاعِ، فيَستلقي العاجزُ عنِ القعودِ على ظهرِهِ، ويَستقبِلُ بقدمَيْهِ القِبْلةَ، وإن عجَزَ عن الاستلقاءِ صلّى على جنبِهِ مستقبِلًا بوجهِه القِبْلةَ، ورُوِيَ عنِ ابنِ عمرَ صلاةُ المريضِ مستلقيًا، رواهُ عبدُ الرزّاقِ[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٤١٣٠) (٢/٤٧٤).]]. وذهَب مالكٌ: إلى التخييرِ بينَ الصلاةِ على جنبٍ والصلاةِ مستلقيًا. والصلاةُ على الجنبِ أقرَبُ للنهوضِ مِن الصلاةِ مستلقِيًا، وهي أقرَبُ للمواجَهةِ واستقبالِ القِبلةِ بالوجهِ، وحديثُ عِمْرانَ وإن كان أمرًا له لأنّ به ناصورًا، ولكنْ لا يَظهرُ أنّ النبيَّ ﷺ خصَّه بالصلاةِ على جنبٍ لمكانِ مَرَضِه، فإنّ المُستلقِيَ على ظهرِهِ كالمضطجعِ على جنبِه للمريضِ بالناصورِ، لأنّ ضررَهُ بالقعودِ. شرطُ دخولِ الوقتِ للصلاةِ: وفي قولِ اللَّهِ تعالى: ﴿إنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلى المُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا ۝﴾ دليلٌ على وجوبِ أداءِ الصلاةِ في وقتِها، وأنّ مَن أدّاها في غيرِ وقتِها مِن غيرِ عذرٍ، بَطَلَتْ صلاتُهُ بلا خلافٍ، وهذه الآيةُ دَلَّتْ بدليلِ الخِطابِ على جوازِ الجَمْعِ في السَّفَرِ، فاللهُ لمّا ذكَرَ الطُّمأنِينةَ وهي في حالِ الإقامةِ، أوجَبَ أداءَ العبادةِ في وقتِها، ومفهومُهُ أنّهم كانوا يَجمَعونَ في السفرِ، والقَصْرُ ثابتٌ في القرآنِ والسُّنَّةِ بالنصِّ، وأمّا الجَمْعُ فثابتٌ في السُّنَّةِ، وهو في القرآنِ بدليلِ الخِطابِ والمفهومِ لا بالنَّصِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب