الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا (p-٢٤٧)وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِكُمْ﴾
قالَ أبُو بَكْرٍ: أطْلَقَ اللَّهُ تَعالى الذِّكْرَ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ وأرادَ بِهِ الصَّلاةَ في قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١] يُرْوى أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَأى النّاسَ يَصِيحُونَ في المَسْجِدِ فَقالَ: ما هَذا النُّكْرُ ؟ قالُوا: ألَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١] ؟ فَقالَ: إنَّما يَعْنِي بِهَذِهِ الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ إنْ لَمْ تَسْتَطِعْ قائِمًا فَقاعِدًا، وإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَصَلِّ عَلى جَنْبِكَ. ورُوِيَ عَنْ الحَسَنِ: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١] هَذِهِ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمَرِيضِ أنْ يُصَلِّيَ قاعِدًا وإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلى جَنْبِهِ.
فَهَذا الذِّكْرُ المُرادُ بِهِ نَفْسُ الصَّلاةِ؛ لِأنَّ الصَّلاةَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى، وفِيها أيْضًا أذْكارٌ مَسْنُونَةٌ ومَفْرُوضَةٌ. وأمّا الذِّكْرُ الَّذِي في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ﴾ فَلَيْسَ هو الصَّلاةَ، ولَكِنَّهُ عَلى أحَدِ وجْهَيْنِ:
إمّا الذِّكْرُ بِالقَلْبِ، وهو الفِكْرُ في عَظَمَةِ اللَّهِ وجَلالِهِ وقُدْرَتِهِ وفِيما في خَلْقِهِ وصُنْعِهِ مِنَ الدَّلائِلِ عَلَيْهِ وعَلى حُكْمِهِ وجَمِيلِ صُنْعِهِ.
والذِّكْرُ الثّانِي: الذِّكْرُ بِاللِّسانِ بِالتَّعْظِيمِ والتَّسْبِيحِ والتَّقْدِيسِ؛ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: " لَمْ يُعْذَرْ أحَدٌ في تَرْكِ الذِّكْرِ إلّا مَغْلُوبًا عَلى عَقْلِهِ "، والذِّكْرُ الأوَّلُ أشْرَفُهُما وأعْلاهُما مَنزِلَةً. والدَّلِيلُ عَلى أنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذا الذِّكْرِ الصَّلاةَ أنَّهُ أمَرَ بِهِ بَعْدَ الفَراغِ مِنها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِكُمْ﴾
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأقِيمُوا الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلى المُؤْمِنِينَ﴾ فَإنَّهُ رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ ومُجاهِدٍ وقَتادَةَ: " فَإذا رَجَعْتُمْ إلى الوَطَنِ في دارِ الإقامَةِ فَأتِمُّوا الصَّلاةَ مِن غَيْرِ قَصْرٍ " . وقالَ السُّدِّيُّ وغَيْرُهُ: " فَعَلَيْكم أنْ تُتِمُّوا رُكُوعَها وسُجُودَها غَيْرَ مُشاةٍ ولا رُكْبانٍ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: مَن تَأوَّلَ القَصْرَ المَذْكُورَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ [النساء: ١٠١] عَلى أعْدادِ الرَّكَعاتِ، جَعَلَ قَوْلَهُ: ﴿فَإذا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ عَلى إتْمامِ الرَّكَعاتِ عِنْدَ زَوالِ الخَوْفِ والسَّفَرِ. ومَن تَأوَّلَهُ عَلى صِفَةِ الصَّلاةِ مِن فِعْلِها بِالإيماءِ أوْ عَلى إباحَةِ المَشْيِ فِيها، جَعَلَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَأقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ أمْرًا بِفِعْلِ الصَّلاةِ المَعْهُودَةِ عَلى الهَيْئَةِ المَفْعُولَةِ قَبْلَ الخَوْفِ، واَللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
بابُ مَواقِيتِ الصَّلاةِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلى المُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا﴾ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: " إنَّ لِلصَّلاةِ وقْتًا كَوَقْتِ الحَجِّ " . وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ وعَطِيَّةَ: " مَفْرُوضًا " . ورُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أيْضًا أنَّهُ قالَ: " مَوْقُوتًا مُنَجَّمًا، كُلَّما مَضى نَجْمٌ جاءَ نَجْمٌ آخَرُ " . وعَنْ (p-٢٤٨)زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ مِثْلَ ذَلِكَ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدِ انْتَظَمَ ذَلِكَ إيجابَ الفَرْضِ ومَواقِيتَهُ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿كِتابًا﴾ مَعْناهُ فَرْضًا، وقَوْلُهُ: ﴿مَوْقُوتًا﴾ مَعْناهُ أنَّهُ مَفْرُوضٌ في أوْقاتٍ مَعْلُومَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَأجْمَلَ ذِكْرَ الأوْقاتِ في هَذِهِ الآيَةِ وبَيَّنَها في مَواضِعَ أُخَرَ مِنَ الكِتابِ مِن غَيْرِ ذِكْرِ تَحْدِيدِ أوائِلِها وأواخِرِها، وبَيَّنَ عَلى لِسانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَحْدِيدَها ومَقادِيرَها.
فَمِمّا ذَكَرَ اللَّهُ في الكِتابِ مِن أوْقاتِ الصَّلاةِ قَوْلُهُ: ﴿أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وقُرْآنَ الفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] ذَكَرَ مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قالَ: " إذا زالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّماءِ لِصَلاةِ الظُّهْرِ " ﴿إلى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قالَ: " بُدُوُّ اللَّيْلِ لِصَلاةِ المَغْرِبِ " . وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ في دُلُوكِها أنَّهُ زَوالُها.
ورَوى أبُو وائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: " إنَّ دُلُوكَها غُرُوبُها " وعَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ نَحْوُهُ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمّا تَأوَّلُوا الآيَةَ عَلى المَعْنَيَيْنِ مِنَ الزَّوالِ ومِنَ الغُرُوبِ دَلَّ عَلى احْتِمالِها لَهُما لَوْلا ذَلِكَ لَما تَأوَّلَهُ السَّلَفُ عَلَيْهِما؛ والدُّلُوكُ في اللُّغَةِ: المَيْلُ، فَدُلُوكُ الشَّمْسِ مَيْلُها، وقَدْ تَمِيلُ تارَةً لِلزَّوالِ وتارَةً لِلْغُرُوبِ؛ وقَدْ عَلِمْنا أنَّ دُلُوكَها هو أوَّلُ الوَقْتِ وغَسَقُ اللَّيْلِ نِهايَتُهُ وغايَتُهُ؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿إلى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] و" إلى " غايَةٌ، ومَعْلُومٌ أنَّ وقْتَ الظُّهْرِ لا يَتَّصِلُ بِغَسَقِ اللَّيْلِ؛ لِأنَّ بَيْنَهُما وقْتَ العَصْرِ، فالأظْهَرُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالدُّلُوكِ هَهُنا هو الغُرُوبُ وغَسَقُ اللَّيْلِ هَهُنا هو اجْتِماعُ الظُّلْمَةِ؛ لِأنَّ وقْتَ المَغْرِبِ يَتَّصِلُ بِغَسَقِ اللَّيْلِ ويَكُونُ نِهايَةً لَهُ؛ واحْتِمالُ الزَّوالِ مَعَ ذَلِكَ قائِمٌ؛ لِأنَّ ما بَيْنَ زَوالِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وقْتُ هَذِهِ الصَّلَواتِ وهي الظُّهْرُ والعَصْرُ والمَغْرِبُ، فَيُفِيدُ ذَلِكَ أنَّ مِن وقْتِ الزَّوالِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ لا يَنْفَكُّ مِن أنْ يَكُونَ وقْتًا لِصَلاةٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الظُّهْرُ والعَصْرُ والمَغْرِبُ.
ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِ العَتَمَةُ أيْضًا؛ لِأنَّ الغايَةَ قَدْ تَدْخُلُ في الحُكْمِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأيْدِيَكم إلى المَرافِقِ﴾ [المائدة: ٦] والمَرافِقُ داخِلَةٌ فِيها، وقَوْلِهِ: ﴿حَتّى تَغْتَسِلُوا﴾ [النساء: ٤٣] والغُسْلُ داخِلٌ في شَرْطِ الإباحَةِ؛ فَإنْ حُمِلَ المَعْنى عَلى الزَّوالِ انْتَظَمَ أرْبَعَ صَلَواتٍ.
ثُمَّ قالَ: ﴿وقُرْآنَ الفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] وهو صَلاةُ الفَجْرِ، فَتَنْتَظِمُ الآيَةُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ؛ وهَذا مَعْنًى قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ إفْرادُهُ صَلاةَ الفَجْرِ بِالذِّكْرِ؛ إذْ كانَ بَيْنَها وبَيْنَ صَلاةِ الظُّهْرِ وقْتٌ لَيْسَ مِن أوْقاتِ الصَّلَواتِ المَفْرُوضَةِ، فَأبانَ تَعالى أنَّ مِن وقْتِ الزَّوالِ إلى وقْتِ العَتَمَةِ وقْتًا لِصَلَواتٍ مَفْعُولَةٍ فِيهِ، وأفْرَدَ الفَجْرَ بِالذِّكْرِ؛ إذْ كانَ بَيْنَها وبَيْنَ الظُّهْرِ فاصِلَةُ وقْتٍ لَيْسَ مِن أوْقاتِ الصَّلَواتِ.
فَهَذِهِ الآيَةُ يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِها بَيانَ وقْتِ صَلاتَيْنِ إذا كانَ المُرادُ بِالدُّلُوكِ الغُرُوبَ وهو وقْتُ المَغْرِبِ والفَجْرِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقُرْآنَ الفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] (p-٢٤٩)ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِها الصَّلَواتِ الخَمْسَ عَلى الوَجْهِ الَّذِي بَيَّنّا، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِها الظُّهْرَ والمَغْرِبَ والفَجْرَ وذَلِكَ لِأنَّهُ جائِزٌ أنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: ﴿إلى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] أقِمِ الصَّلاةَ مَعَ غَسَقِ اللَّيْلِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَأْكُلُوا أمْوالَهم إلى أمْوالِكُمْ﴾ [النساء: ٢] ومَعْناهُ: مَعَ أمْوالِكم؛ ويَكُونُ غَسَقُ اللَّيْلِ حِينَئِذٍ وقْتًا لِصَلاةِ المَغْرِبِ.
ويَجُوزُ أنْ يُرِيدَ بِهِ وقْتَ صَلاةِ العَتَمَةِ؛ وقَدْ رَوى لَيْثٌ عَنْ مُجاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: " دُلُوكُ الشَّمْسِ حِينَ تَزُولُ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ حِينَ تَجِبُ الشَّمْسُ "؛ قالَ: وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " دُلُوكُ الشَّمْسِ: حِينَ تَجِبُ، إلى غَسَقِ: اللَّيْلِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ " . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أيْضًا أنَّهُ لَمّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قالَ: " هَذا غَسَقُ اللَّيْلِ "، وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: " غَسَقُ اللَّيْلِ غَيْبُوبَةُ الشَّمْسِ "، وقالَ الحَسَنُ: " غَسَقُ اللَّيْلِ صَلاةُ المَغْرِبِ والعِشاءِ "، وقالَ إبْراهِيمُ النَّخْعِيُّ: " غَسَقُ اللَّيْلِ العِشاءُ الآخِرَةُ " . وعَنْ أبِي جَعْفَرٍ: " غَسَقُ اللَّيْلِ انْتِصافُهُ " .
ورَوى مالِكٌ عَنْ داوُدَ بْنِ الحُصَيْنِ قالَ: أخْبَرَنِي مُخْبِرٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: " غَسَقُ اللَّيْلِ اجْتِماعُ اللَّيْلِ وظُلْمَتُهُ " . فَهَذِهِ الآيَةُ فِيها احْتِمالٌ لِلْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنا مِن مَواقِيتِ الصَّلَواتِ.
وقالَ تَعالى: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ١١٤] رَوى عَمْرٌو عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿طَرَفَيِ النَّهارِ﴾ [هود: ١١٤] قالَ: " صَلاةُ الفَجْرِ، والأُخْرى الظُّهْرُ والعَصْرُ " ﴿وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ١١٤] قالَ: " المَغْرِبُ والعِشاءُ " . فَعَلى هَذا القَوْلِ قَدِ انْتَظَمَتِ الآيَةُ الصَّلَواتِ الخَمْسَ. ورَوى يُونُسُ عَنِ الحَسَنِ: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ﴾ [هود: ١١٤] قالَ: " الفَجْرُ والعَصْرُ " .
ورَوى لَيْثٌ عَنِ الحَكَمِ عَنْ أبِي عِياضٍ قالَ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: " جَمَعَتْ هَذِهِ الآيَةُ مَواقِيتَ الصَّلاةِ: ﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ﴾ [الروم: ١٧] المَغْرِبَ والعِشاءَ ﴿وحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] الفَجْرَ ﴿وعَشِيًّا﴾ [الروم: ١٨] العَصْرَ ﴿وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] الظُّهْرَ " . وعَنِ الحَسَنِ مِثْلُهُ.
ورَوى أبُو رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ الغُرُوبِ﴾ [ق: ٣٩] قالَ: " الصَّلاةُ المَكْتُوبَةُ " وقالَ: ﴿وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِها ومِن آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وأطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى﴾ [طه: ١٣٠] وهَذِهِ الآيَةُ مُنْتَظِمَةٌ لِأوْقاتِ الصَّلَواتِ أيْضًا.
فَهَذِهِ الآياتُ كُلُّها فِيها ذِكْرُ أوْقاتِ الصَّلَواتِ مِن غَيْرِ تَحْدِيدٍ لَها، إلّا فِيما ذُكِرَ مِنَ الدُّلُوكِ فَإنَّهُ جَعَلَهُ أوَّلَ وقْتٍ لِتِلْكَ الصَّلاةِ، ووَقْتُ الزَّوالِ والغُرُوبِ مَعْلُومانِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] لَيْسَ فِيهِ بَيانُ نِهايَةِ الوَقْتِ بِلَفْظٍ غَيْرِ مُحْتَمِلٍ لِلْمَعانِي، وقَوْلُهُ: ﴿حِينَ تُمْسُونَ﴾ [الروم: ١٧] إنْ أرادَ بِهِ المَغْرِبَ كانَ مَعْلُومًا، وكَذَلِكَ ﴿تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] لِأنَّ وقْتَ الصُّبْحِ مَعْلُومٌ، وقَوْلُهُ: ﴿طَرَفَيِ النَّهارِ﴾ [هود: ١١٤] لا دَلالَةَ فِيهِ عَلى تَحْدِيدِ الوَقْتِ لاحْتِمالِهِ أنْ يُرِيدَ الظُّهْرَ والعَصْرَ وذَلِكَ لِأنَّ وسَطَ (p-٢٥٠)النَّهارِ هو وقْتُ الزَّوالِ، فَما كانَ مِنهُ في النِّصْفِ الآخِرِ فَهو طَرَفٌ، وكَذَلِكَ ما كانَ مِنهُ في النِّصْفِ الأوَّلِ فَهو طَرَفٌ.
وجائِزٌ أنْ يُرِيدَ بِهِ العَصْرَ؛ لِأنَّ آخِرَ النَّهارِ مِن طَرَفِهِ؛ والأوْلى أنْ يَكُونَ المُرادُ العَصْرَ دُونَ الظُّهْرِ؛ لِأنَّ طَرَفَ الشَّيْءِ إمّا أنْ يَكُونَ ابْتِداءَهُ أوْ نِهايَتَهُ وآخِرَهُ ويَبْعُدُ أنْ يَكُونَ ما قَرُبَ مِنَ الوَسَطِ طَرَفًا؛ إلّا أنَّ الحَسَنَ في رِوايَةِ عَمْرٍو قَدْ تَأوَّلَهُ عَلى الظُّهْرِ والعَصْرِ جَمِيعًا وقَدْ رَوى عَنْهُ يُونُسُ أنَّهُ العَصْرُ، وهو أشْبَهُ بِمَعْنى الآيَةِ، ألا تَرى أنَّ طَرَفَ الثَّوْبِ ما يَلِي نِهايَتَهُ ولا يُسَمّى ما قَرُبَ مِن وسَطِهِ طَرَفًا ؟ فَهَذِهِ الآيُ دالَّةٌ عَلى أعْدادِ الصَّلَواتِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ﴾ [البقرة: ٢٣٨] الآيَةَ، يَدُلُّ عَلى أنَّها وِتْرٌ؛ لِأنَّ الشَّفْعَ لا وسَطَ لَهُ، وقَدْ تَواتَرَتِ الآثارُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ونَقَلَتِ الأُمَّةُ عَنْهُ قَوْلًا وفِعْلًا فَرْضَ الصَّلَواتِ الخَمْسِ. وقَدْ رَوى أنَسُ بْنُ مالِكٍ وعُبادَةُ بْنُ الصّامِتِ في حَدِيثِ المِعْراجِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «أنَّهُ أُمِرَ بِخَمْسِينَ صَلاةً، وأنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْألُ رَبَّهُ التَّخْفِيفَ حَتّى اسْتَقَرَّتْ عَلى خَمْسٍ»، وهَذا عِنْدَنا كانَ فَرْضًا مَوْقُوفًا عَلى اخْتِيارِ النَّبِيِّ ﷺ كَذَلِكَ؛ لِأنَّهُ لا يَجُوزُ نَسْخُ الفَرْضِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الفِعْلِ، وقَدْ بَيَّنّاهُ في أُصُولِ الفِقْهِ؛ ولا خِلافَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ في فَرْضِ الصَّلَواتِ الخَمْسِ. وقالَ جَماعَةٌ مِنَ السَّلَفِ بِوُجُوبِ الوِتْرِ، وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ، ولَيْسَ هو بِفَرْضٍ عِنْدَهُ وإنْ كانَ واجِبًا؛ لِأنَّ الفَرْضَ ما كانَ في أعْلى مَراتِبِ الإيجابِ. وقَدْ ورَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ آثارٌ مُتَواتِرَةٌ في بَيانِ تَحْدِيدِ أوْقاتِ الصَّلَواتِ، واتَّفَقَتِ الأُمَّةُ في بَعْضِها واخْتَلَفَتْ في بَعْضٍ.
* * *
وقْتُ الفَجْرِ فَأمّا أوَّلُ وقْتِ الفَجْرِ فَلا خِلافَ فِيهِ أنَّهُ مِن حِينِ يَطْلُعُ الفَجْرُ الثّانِي الَّذِي يَعْتَرِضُ في الأُفُقِ؛ ورَوى سُلَيْمانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أبِي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ الفَجْرُ أنْ يَقُولَ هَكَذا وجَمَعَ كَفَّهُ حَتّى يَقُولَ هَكَذا ومَدَّ أُصْبُعَيْهِ السَّبّابَتَيْنِ» .
ورَوى قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ عَنْ أبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كُلُوا واشْرَبُوا ولا يَهِيدَنَّكُمُ السّاطِعُ المُصْعِدُ، فَكُلُوا واشْرَبُوا حَتّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الأحْمَرُ» .
ورَوى سُفْيانُ عَنْ عَطاءٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «الفَجْرُ فَجْرانِ فَجْرٌ يَحِلُّ فِيهِ الطَّعامُ وتَحْرُمُ فِيهِ الصَّلاةُ، وفَجْرٌ تَحِلُّ فِيهِ الصَّلاةُ ويَحْرُمُ فِيهِ الطَّعامُ» .
ورَوى نافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ في حَدِيثِ المَواقِيتِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أمَّهُ عِنْدَ البَيْتِ، فَصَلّى الفَجْرَ في اليَوْمِ الأوَّلِ (p-٢٥١)حِينَ بَرَقَ الفَجْرُ وحَرَّمَ الطَّعامَ والشَّرابَ عَلى الصّائِمِ»، فَهَذا أوَّلُ وقْتِ الفَجْرِ؛ وقَدْ تَواتَرَتْ بِهِ الآثارُ واتَّفَقَ عَلَيْهِ فُقَهاءُ الأمْصارِ.
وأمّا آخِرُ وقْتِها فَهو إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ سائِرِ الفُقَهاءِ؛ وذَكَرَ ابْنُ القاسِمِ عَنْ مالِكٍ أنَّهُ قالَ: " وقْتُ الصُّبْحِ الإغْلاسُ والنُّجُومُ بادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ، وآخِرُ وقْتِها إذا أسْفَرَ " ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُرادُهُ الوَقْتَ المُسْتَحَبَّ وكَراهَةَ التَّأْخِيرِ إلى بَعْدِ الإسْفارِ، لا عَلى مَعْنى أنَّها تَكُونُ فائِتَةً إذا أخَّرَها إلى بَعْدِ الإسْفارِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
وقَدْ رَوى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «وقْتُ الفَجْرِ ما لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ» وقَدْ رَوى الأعْمَشُ عَنْ أبِي صالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ لِلصَّلاةِ أوَّلًا وآخِرًا، وإنَّ أوَّلَ وقْتِ الفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الفَجْرُ، وإنَّ آخِرَ وقْتِها حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ» .
ورَوى أبُو هُرَيْرَةَ أيْضًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «مَن أدْرَكَ رَكْعَةً مِن صَلاةِ الفَجْرِ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أدْرَكَ»، فَألْزَمَ النَّبِيُّ ﷺ مُدْرِكَ هَذا القَدْرِ مِنَ الوَقْتِ جَمِيعَ الصَّلاةِ، مِثْلَ الحائِضِ تَطْهُرُ والصَّبِيُّ يَبْلُغُ والكافِرُ يُسْلِمُ؛ فَثَبَتَ أنَّ وقْتَ الفَجْرِ إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ.
{"ayah":"فَإِذَا قَضَیۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ كِتَـٰبࣰا مَّوۡقُوتࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق