الباحث القرآني

ولَمّا عَلَّمَهم بِما يَفْعَلُونَ في الصَّلاةِ حالَ الخَوْفِ؛ أتْبَعَ ذَلِكَ ما يَفْعَلُونَ بَعْدَها؛ لِئَلّا يُظَنَّ أنَّها تُغْنِي عَنْ مُجَرَّدِ الذِّكْرِ؛ فَقالَ - مُشِيرًا إلى تَعْقِيبِهِ بِهِ -: ﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ﴾؛ أيْ: فَرَغْتُمْ مِن فِعْلِها وأدَّيْتُمُوها عَلى حالَةِ الخَوْفِ؛ أوْ غَيْرِها؛ ﴿فاذْكُرُوا اللَّهَ﴾؛ أيْ: بِغَيْرِ الصَّلاةِ؛ لِأنَّهُ لِإحاطَتِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ يَسْتَحِقُّ أنْ يُراقَبَ فَلا يُنْسى؛ ﴿قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِكُمْ﴾؛ أيْ: في كُلِّ حالَةٍ؛ فَإنَّ ذِكْرَهُ حِصْنُكم في كُلِّ حالَةٍ؛ مِن كُلِّ عَدُوٍّ ظاهِرٍ أوْ باطِنٍ. ولَمّا كانَ الذِّكْرُ أعْظَمَ حَفِيظٍ لِلْعَبْدِ؛ وحارِسٍ مِن شَياطِينِ الإنْسِ والجِنِّ؛ ومُسَكِّنٍ لِلْقُلُوبِ؛ ﴿ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨]؛ أشارَ (p-٣٨٥)إلى ذَلِكَ بِالأمْرِ بِالصَّلاةِ حالَ الطُّمَأْنِينَةِ؛ تَنْبِيهًا عَلى عِظَمِ قَدْرِها؛ وبَيانًا لِأنَّها أوْثَقُ عُرى الدِّينِ؛ وأقْوى دَعائِمِهِ؛ وأفْضَلُ مُجْلِياتِ القُلُوبِ؛ ومُهَذِّباتِ النُّفُوسِ؛ لِأنَّها مُشْتَمِلَةٌ عَلى مَجامِعِ الذِّكْرِ؛ ﴿إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ ولَذِكْرُ اللَّهِ أكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥]؛ فَقالَ: ﴿فَإذا اطْمَأْنَنْتُمْ﴾؛ أيْ: عَمّا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الخَوْفِ؛ ﴿فَأقِيمُوا الصَّلاةَ﴾؛ أيْ: فافْعَلُوها قائِمَةَ المَعالِمِ كُلِّها؛ عَلى الحالَةِ الَّتِي كُنْتُمْ تَفْعَلُونَها قَبْلَ الخَوْفِ؛ ثُمَّ عَلَّلَ الأمْرَ بِها في الأمْنِ والخَوْفِ؛ والسَّعَةِ؛ والضِّيقِ؛ سَفَرًا أوْ حَضَرًا؛ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الصَّلاةَ﴾؛ مُظْهِرًا لِما كانَ الأصْلُ فِيهِ الإضْمارَ؛ تَنْبِيهًا عَلى عَظِيمِ قَدْرِها؛ بِما لِلْعَبْدِ فِيها مِنَ الوَصْلَةِ بِمَعْبُودِهِ؛ ﴿كانَتْ عَلى المُؤْمِنِينَ كِتابًا﴾؛ أيْ: هي - مَعَ كَوْنِها فَرْضًا - جامِعَةٌ عَلى اللَّهِ جَمْعًا لا يُقارِنُها فِيهِ غَيْرُها؛ ﴿مَوْقُوتًا﴾؛ أيْ: وهي - مَعَ كَوْنِها مَحْدُودَةً - مَضْبُوطَةٌ بِأوْقاتٍ مَشْهُورَةٍ؛ فَلا يَجُوزُ إخْراجُها عَنْها؛ في أمْنٍ؛ ولا خَوْفِ فَوْتٍ - بِما أشارَتْ إلَيْهِ مادَّةُ ”وقَتَ“؛ لِلْأبْدانِ بِما تُسَبِّبُ مِنَ الأرْزاقِ؛ ولِلْقُلُوبِ بِما تَجْلِبُ مِنَ المَعارِفِ؛ والأنْوارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب