الباحث القرآني

وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ يتعلق بظاهره من لا يرى صلاة الخوف بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، حيث شرط كونه فيهم: وقال من رآها بعده: إن الأئمة نواب عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في كل عصر، قوّام بما كان يقوم به فكان الخطاب له متناولا لكل إمام يكون حاضر الجماعة في حال الخوف، عليه أن يؤمّهم كما أمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الجماعات التي كان يحضرها. والضمير في: (فِيهِمْ) للخائفين فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ فاجعلهم طائفتين فلتقم إحداهما معك فصل بهم وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ الضمير إمّا للمصلين [[قال محمود: قيل المأمور بأخذ الأسلحة المصلون ... الخ» قال أحمد: والظاهر أن المخاطب بأخذ الأسلحة المصلون، إذ من لم يصل إنما أعد للحرس، فالظاهر الاستغناء عن أمرهم بذلك وتنبيههم عليه، وهم إنما أخروا الصلاة لذلك. أما المصدر فهم في مظنة طرح الأسلحة، لأنهم لم يعتادوا حملها في الصلاة، فنبهوا على أنهم لا ينبغي لهم طرح الأسلحة وإن كانوا في الصلاة، لضرورة الخوف وخشية الغرة. وأيضا فصنيع الآية يعطى ذلك، لأنه قال: فلتقم طائفة منهم معك، وعقب ذلك بقوله: (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) فالظاهر رجوع الضمير إليهم، وحيث يعاد إلى غير المصلين يحتاج إلى تكلف في صحة العود إليهم، بدلالة قوة الكلام عليهم وإن لم يذكروا.]] وإمّا لغيرهم فإن كان للمصلين فقالوا: يأخذون من السلاح ما لا يشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر ونحوهما. وإن كان لغيرهم فلا كلام فيه فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا يعنى غير المصلين [[عاد كلامه. قال «والمراد بقوله فليكونوا من ورائكم غير المصلين» قال أحمد: والظاهر أن معنى السجود هاهنا الصلاة. وقد عبر عنها بالسجود كثيراً والمراد: فإذا صلت الطائفة أى أتمت صلاتها، فليكونوا من ورائكم. وفيه دليل لمشهور مذهب مالك من أن الطائفة الأولى تتم صلاتها والامام منتظر للطائفة الأخرى. وقوله: (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى) يعنى إذا أتمت الأولى صلاتها ووقفت من ورائكم، فلتأت الطائفة الأخرى التي لم تصل بعد شيئا فليصلوا معك. وفيه دليل بين أيضاً لأحد القولين في مذهب مالك، من أن الامام ينتظر الثانية حتى تتم صلاتها ويسلم بهم، لأن ظاهر المعية المطلقة يوجب ذلك، إذ لو كانوا يقضون بعد سلامه لم يكونوا مصلين معه على الإطلاق، واللَّه أعلم. فهذه الآية منطبقة على أكثر مشهور مذهبه في تفاصيل صلاة الخوف، واللَّه الموفق للصواب.]] مِنْ وَرائِكُمْ يحرسونكم وصفة صلاة الخوف عند أبى حنيفة: أن يصلى الإمام بإحدى الطائفتين ركعة إن كانت الصلاة ركعتين- والأخرى بإزاء العدو- ثم تقف هذه الطائفة بإزاء العدو وتأتى الأخرى فيصلى بها ركعة ويتم صلاته. ثم تقف بإزاء العدوّ، وتأتى الأولى فتؤدي الركعة بغير قراءة وتتم صلاتها ثم تحرس، وتأتى الأخرى فتؤدي الركعة بقراءة وتتم صلاتها. والسجود على ظاهره عند أبى حنيفة. وعند مالك بمعنى الصلاة، لأن الإمام يصلى عنده بطائفة ركعة ويقف قائما حتى تتم صلاتها وتسلم وتذهب، ثم يصلى بالثانية ركعة ويقف قاعداً حتى تتم صلاتها، ويسلم بهم. ويعضده وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ. وقرئ: وأمتعاتكم: فإن قلت: كيف جمع بين الأسلحة وبين الحذر في الأخذ [[عاد كلامه. قال «فان قلت كيف جمع بين الأسلحة ... الخ» ؟ قال أحمد: وحسن هذا المجاز وبلغ به ذروة الفصاحة، عطف الحقيقة عليه.]] . قلت: جعل الحذر وهو التحرّز والتيقظ آلة يستعملها الغازي، فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ، وجعلا مأخوذين. ونحوه قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) جعل الإيمان مستقراً لهم ومتبوأ لتمكّنهم فيه فلذلك جمع بينه وبين الدار في التبوّء فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ فيشدون عليكم شدة واحدة. ورخص لهم في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم في مطر أو يضعفهم من مرض، وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدو. فإن قلت: كيف طابق الأمر بالحذر قوله إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً؟ قلت: الأمر بالحذر من العدو يوهم توقع غلبته واعتزازه، فنفى عنهم ذلك الإيهام بإخبارهم أنّ اللَّه يهين عدوهم ويخذله وينصرهم عليه، لتقوى قلوبهم، وليعلموا أن الأمر بالحذر ليس لذلك، وإنما هو تعبد من اللَّه كما قال: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) . فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فإذا صليتم في حال الخوف والقتال فَاذْكُرُوا اللَّهَ فصلوها قِياماً مسايفين ومقارعين وَقُعُوداً جاثين على الركب مرامين وَعَلى جُنُوبِكُمْ مثخنين بالجراح فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ حين تضع الحرب أوزارها وأمنتم فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فاقضوا ما صليتم في تلك الأحوال التي هي أحوال القلق والانزعاج إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً محدوداً بأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها على أى حال كنتم، خوف أو أمن. وهذا ظاهر على مذهب الشافعي رحمه اللَّه في إيجابه الصلاة على المحارب في حالة المسايفة والمشي والاضطراب في المعركة إذا حضر وقتها، فإذا اطمأن فعليه القضاء. وأما عند أبى حنيفة رحمه اللَّه فهو معذور في تركها إلى أن يطمئن. وقيل: معناه فإذا قضيتم صلاة الخوف فأديموا ذكر اللَّه مهللين مكبرين مسبحين داعين بالنصرة والتأييد في كافة أحوالكم من قيام وقعود واضطجاع، فإن ما أنتم فيه من خوف وحرب جدير بذكر اللَّه ودعائه واللجأ إليه (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) فإذا أقمتم (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فأتموها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب