الباحث القرآني
( قَضَيْتُمْ ) بِمَعْنى فَرَغْتُمْ مِن صَلاةِ الخَوْفِ، وهو أحَدُ مَعانِي القَضاءِ، ومِثْلُهُ ﴿فَإذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] ﴿فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠]، قَوْلُهُ: ﴿فاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِكم﴾ أيْ: في جَمِيعِ الأحْوالِ حَتّى في حالِ القِتالِ، وقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ العُلَماءِ إلى أنَّ هَذا الذِّكْرَ المَأْمُورَ بِهِ إنَّما هو أثَرُ صَلاةِ الخَوْفِ؛ أيْ: إذا فَرَغْتُمْ مِنَ الصَّلاةِ فاذْكُرُوا اللَّهَ في هَذِهِ الأحْوالِ، وقِيلَ: مَعْنى قَوْلِهِ: ( ﴿فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ﴾ ) إذا صَلَّيْتُمْ فَصَلُّوا قِيامًا وقُعُودًا أوْ عَلى جَنُوبِكم حَسْبَما يَقْتَضِيهِ الحالُ عِنْدَ مُلاحَمَةِ القِتالِ، فَهي مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أوْ رُكْبانًا﴾ [البقرة: ٢٣٩] .
قَوْلُهُ: ( ﴿فَإذا اطْمَأْنَنْتُمْ﴾ ) أيْ: أمِنتُمْ وسَكَنَتْ قُلُوبُكم، والطُّمَأْنِينَةُ: سُكُونُ النَّفْسِ مِنَ الخَوْفِ، فَأقِيمُوا الصَّلاةَ؛ أيْ: فائْتُوا بِالصَّلاةِ الَّتِي دَخَلَ وقْتُها عَلى الصِّفَةِ المَشْرُوعَةِ مِنَ الأذْكارِ والأرْكانِ، ولا تَفْعَلُوا ما أمْكَنَ، فَإنَّ ذَلِكَ إنَّما هو في حالِ الخَوْفِ، وقِيلَ: المَعْنى في الآيَةِ أنَّهم يَقْضُونَ ما صَلَّوْهُ في حالِ المُسايَفَةِ، لِأنَّها حالَةُ قَلَقٍ وانْزِعاجٍ وتَقْصِيرٍ في الأذْكارِ والأرْكانِ وهو مَرْوِيٌّ عَنِ الشّافِعِيِّ، والأوَّلُ أرْجَحُ ﴿إنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلى المُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا﴾ أيْ: مَحْدُودًا مُعَيَّنًا، يُقالُ: وقَتَهُ فَهو مَوْقُوتٌ ووَقَّتَّهُ فَهو مُوَقَّتٌ.
والمَعْنى: إنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلى عِبادِهِ الصَّلَواتِ وكَتَبَها عَلَيْهِمْ في أوْقاتِها المَحْدُودَةِ لا يَجُوزُ لِأحَدٍ أنْ يَأْتِيَ بِها في غَيْرِ ذَلِكَ الوَقْتِ إلّا لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ مِن نَوْمٍ أوْ سَهْوٍ أوْ نَحْوِهِما، قَوْلُهُ: ﴿ولا تَهِنُوا في ابْتِغاءِ القَوْمِ﴾ أيْ: لا تَضْعَفُوا في طَلَبِهِمْ وأظْهِرُوا القُوَّةَ والجَلَدَ، قَوْلُهُ: ﴿إنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإنَّهم يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ﴾ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ المَذْكُورِ قَبْلَهُ؛ أيْ: لَيْسَ ما تَجِدُونَهُ مِن ألَمِ الجِراحِ ومُزاوَلَةِ القِتالِ مُخْتَصًّا بِكم، بَلْ هو أمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَكم وبَيْنَهم، فَلَيْسُوا بِأوْلى مِنكم بِالصَّبْرِ عَلى حَرِّ القِتالِ ومَرارَةِ الحَرْبِ، ومَعَ ذَلِكَ فَلَكم عَلَيْهِمْ مَزِيَّةٌ لا تُوجَدُ فِيهِمْ، وهي أنَّكم تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مِنَ الأجْرِ وعَظِيمِ الجَزاءِ ما لا يَرْجُونَهُ لِكُفْرِهِمْ وجُحُودِهِمْ، فَأنْتُمْ أحَقُّ بِالصَّبْرِ مِنهم وأوْلى بِعَدَمِ الضَّعْفِ مِنهم، فَإنَّ أنْفُسَكم قَوِيَّةٌ؛ لِأنَّها تَرى المَوْتَ مَغْنَمًا، وهم يَرَوْنَهُ مَغْرَمًا، ونَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ يَمْسَسْكم قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آل عمران: ١٤٠] وقِيلَ: إنَّ الرَّجاءَ هُنا بِمَعْنى الخَوْفِ؛ لِأنَّ مَن رَجا شَيْئًا فَهو غَيْرُ قاطِعٍ بِحُصُولِهِ، فَلا يَخْلُو مِن خَوْفِ ما يَرْجُو.
وقالَ الفَرّاءُ، والزَّجّاجُ: لا يُطْلَقُ الرَّجاءُ بِمَعْنى الخَوْفِ (p-٣٢٧)إلّا مَعَ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما لَكم لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وقارًا﴾ [نوح: ١٣] أيْ: لا تَخافُونَ لَهُ عَظَمَةً، وقَرَأ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأعْرَجُ ( أنْ تَكُونُوا ) بِفَتْحِ الهَمْزَةِ؛ أيْ: لِأنْ تَكُونُوا، وقَرَأ مَنصُورُ بْنُ المُعْتَمِرِ تِيلَمُونَ - بِكَسْرِ التّاءِ - ولا يَجُوزُ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ كَسْرُ التّاءِ لِثِقَلِهِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِكم﴾ قالَ: بِاللَّيْلِ والنَّهارِ في البَرِّ والبَحْرِ وفي السَّفَرِ والحَضَرِ والغِنى والفَقْرِ والسَّقَمِ والصِّحَّةِ والسِّرِّ والعَلانِيَةِ وعَلى كُلِّ حالٍ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ بَلَغَهُ أنَّ قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِهِمْ، فَقالَ: إنَّما هَذِهِ إذا لَمْ يَسْتَطِعِ الرَّجُلُ أنْ يُصَلِّيَ قائِمًا صَلّى قاعِدًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ ( ﴿فَإذا اطْمَأْنَنْتُمْ﴾ ) قالَ: إذا خَرَجْتُمْ مِن دارِ السَّفَرِ إلى دارِ الإقامَةِ فَأقِيمُوا الصَّلاةَ قالَ: أتِمُّوها وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ قَتادَةَ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ نَحْوَهُ أيْضًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلى المُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا﴾ يَعْنِي: مَفْرُوضًا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قالَ: المَوْقُوتُ الواجِبُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ( ولا تَهِنُوا ) قالَ: ولا تَضْعُفُوا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ،، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ في قَوْلِهِ: ( ﴿تَأْلَمُونَ﴾ ) قالَ: تُوجَعُونَ ﴿وتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ﴾ قالَ: تَرْجُونَ الخَيْرَ.
{"ayahs_start":103,"ayahs":["فَإِذَا قَضَیۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ كِتَـٰبࣰا مَّوۡقُوتࣰا","وَلَا تَهِنُوا۟ فِی ٱبۡتِغَاۤءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُوا۟ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ یَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا یَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمًا"],"ayah":"فَإِذَا قَضَیۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ كِتَـٰبࣰا مَّوۡقُوتࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق