يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ عُقَيْبَ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا مُرَغَّبًا فِيهِ أَيْضًا بَعْدَ غَيْرِهَا، وَلَكِنَّ هَاهُنَا آكَدُ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ التَّخْفِيفِ فِي أَرْكَانِهَا، وَمِنَ الرُّخْصَةِ فِي الذَّهَابِ فِيهَا وَالْإِيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا لَيْسَ يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي [[في أ: "حين ذكر".]] الْأَشْهُرِ الْحُرُمَ: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ٣٦] ، وَإِنْ كَانَ هَذَا مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي غَيْرِهَا، وَلَكِنَّ فِيهَا آكَدُ لِشِدَّةِ حُرْمَتِهَا وَعِظَمِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ أَيْ فِي سَائِرِ أَحْوَالِكُمْ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ أَيْ: فَإِذَا أَمِنْتُمْ وَذَهَبَ الْخَوْفُ، وَحَصَلَتِ الطُّمَأْنِينَةُ ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ أَيْ: فَأَتِمُّوهَا وَأَقِيمُوهَا كَمَا أُمِرْتُمْ بِحُدُودِهَا، وَخُشُوعِهَا، وَسُجُودِهَا وَرُكُوعِهَا، وَجَمِيعِ شُئُونِهَا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مَفْرُوضًا. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ، وَمُقَاتِلٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا [[في د، ر: "للصلاة وقت".]] كَوَقْتِ الْحَجِّ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ قَالَ: مُنَجَّمًا، كُلَّمَا مَضَى نَجْمٌ، جَاءَتْهُمْ يَعْنِي: كُلَّمَا مَضَى وَقْتٌ جَاءَ وَقْتٌ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾ أَيْ: لَا تَضْعُفُوا فِي طَلَبِ عَدُّوِّكُمْ، بَلْ جِدُّوا فِيهِمْ وَقَاتَلُوهُمْ، وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾ أَيْ: كَمَا يُصِيبُكُمُ الْجِرَاحُ وَالْقَتْلُ، كَذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُمْ، كَمَا قَالَ [[في د: "كقوله".]] ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٤٠] .
ثُمَّ قَالَ: ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾ أَيْ: أَنْتُمْ وَإِيَّاهُمْ [[في أ: "وهم".]] سَوَاءٌ فِيمَا يُصِيبُكُمْ وَإِيَّاهُمْ من الْجِرَاحِ وَالْآلَامِ، وَلَكِنْ أَنْتُمْ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ الْمَثُوبَةَ وَالنَّصْرَ وَالتَّأْيِيدَ، وَهُمْ لَا يَرْجُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْجِهَادِ مِنْهُمْ، وَأَشَدُّ رَغْبَةً فِي إِقَامَةِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِعْلَائِهَا.
﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ أَيْ: هُوَ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيَقْضِيهِ، وَيُنَفِّذُهُ وَيُمْضِيهِ، مِنْ أَحْكَامِهِ الْكَوْنِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
{"ayahs_start":103,"ayahs":["فَإِذَا قَضَیۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ كِتَـٰبࣰا مَّوۡقُوتࣰا","وَلَا تَهِنُوا۟ فِی ٱبۡتِغَاۤءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُوا۟ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ یَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا یَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمًا"],"ayah":"فَإِذَا قَضَیۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ كِتَـٰبࣰا مَّوۡقُوتࣰا"}