الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿والبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِن شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوَآفَّ فَإذا وجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنها وأَطْعِمُوا القانِعَ والمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الحج: ٣٦].
بعدَما ذكَرَ اللهُ بهيمةَ الأنعامِ على سبيلِ الإجمالِ، لم يُسَمِّ اللهُ هنا إلاَّ البُدْنَ منها، ويتَّفِقُ العلماءُ على أنّ الإبلَ مِن البُدْنِ في الآيةِ، وإنّما اختلَفُوا في دخولِ البقرِ فيها، وذلك أنّ البُدْنَ في لغةِ العربِ هو ما ضَخُمَ مِن الأشياءِ:
وقد ذهَبَ ابنُ عمرَ وعطاءٌ وابنُ المسيَّبِ والحسنُ: أنّ البقرَ داخلٌ في البُدْنِ في الآيةِ[[«تفسير ابن كثير» (٥ /٤٢٥).]].
وقد قال مجاهدٌ: ليس البُدْنُ إلاَّ الإبلَ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٨ /٢٤٩٣).]]، وذلك لنَفاسَتِها وفضلِها، ومِن هذا أخَذَ العلماءُ فضلَ البُدْنِ في الهَدْيِ على غيرِها، وذلك أنّ النبيَّ ﷺ لمّا حَجَّ في حجةِ الوداعِ، ساقَ مِئَةً مِن الإبلِ، ونحَر بيدِهِ ثلاثًا وستينَ، ولم يَنحَرْ بقرةً ولا شاةً بيدِه، وإن كان ﷺ أهدى عن نسائِهِ بالبَقَرِ، كما في «الصحيحَيْنِ»[[أخرجه البخاري (٢٩٤)، ومسلم (١٢١١).]].
ولا يختلِفُ العلماءُ: أنّ البَدَنَةَ والبَقَرةَ تُجزِئُ عن سبعةٍ، ولا يَختلِفونَ أنّ البقرةَ لا تَزِيدُ في إجزائِها عن ذلك، ولكنَّهم اختلَفوا في البَدَنةِ، وقد ثبَتَ أنّ البدَنةَ تُجزِئُ عن سبعةٍ، كما في حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، قال: «نَحَرْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عامَ الحُدَيْبِيَةِ البَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، والبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ». أخرَجَه مسلمٌ[[أخرجه مسلم (١٣١٨).]].
ومنهم: مَن جعَلَ البدَنةَ عن عَشَرةٍ، وبه قال إسحاقُ، وذلك لِما رواهُ أحمدُ وأهلُ «السنن»، عن ابنِ عبّاسٍ، أنّه قال: «كنّا مع رسولِ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَ الأَضْحى، فاشْتَرَكْنا فِي البَقَرَةِ سَبْعَةً، وفِي البَعِيرِ عَشَرَةً»[[أخرجه أحمد (١ /٢٧٥)، والترمذي (١٥٠١)، والنسائي (٤٣٩٢)، وابن ماجه (٣١٣١).]].
والشاةُ لا يجوزُ الاشتراكُ في تملُّكِها لِمَن أراد أن يُضحِّيَ بها، مع جوازِ أن يُشرِكَ غيرَهُ في الأجرِ بها، مِن أهلِ بيتِهِ وغيرِهم، كما فعَلَ النبيُّ ﷺ، وأمّا الاشتراكُ في مِلْكِ البقرةِ والبعيرِ، فيجوزُ لمَن أراد أن يُضحِّيَ أو يُهدِيَ هَدْيًا واجبًا أن يُشرِكَ غيرَهُ فيها إلى سبعةِ أشخاصٍ، لِما تقدَّمَ، ولم يكنِ الصحابةُ يتشارَكونَ في مِلْكِ الهَدْيِ والأُضْحِيَّةِ إلاَّ في الإبلِ والبقرِ، ولم يثبُتْ عنهم ذلك في الغنمِ.
وأمّا ما رواهُ أحمدُ، مِن حديثِ أبي الأشَدِّ، عن أبيه، عن جدِّه، قال: «كُنْتُ سابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قالَ: فَأَمَرَنا نَجْمَعُ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنّا دِرْهَمًا، فاشْتَرَيْنا أُضْحِيَّةً بِسَبْعَةِ الدَّراهِمِ، فَقُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ أغْلَيْنا بِها؟ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: (إنَّ أفْضَلَ الضَّحايا أغْلاها وأَسْمَنُها)، فأَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَأَخَذَ رَجُلٌ بِرِجْلٍ، ورَجُلٌ بِرِجْلٍ، ورَجُلٌ بِيَدٍ، ورَجُلٌ بِيَدٍ، ورَجُلٌ بِقَرْنٍ، ورَجُلٌ بِقَرْنٍ، وذَبَحَها السّابِعُ، وكَبَّرْنا عَلَيْها جَمِيعًا»[[أخرجه أحمد (٣ /٤٢٤).]]، فلا يصحُّ، وذلك أنّ في سندِهِ جهالةً، ولو صحَّ، فليس في الحديثِ أنّ الأُضْحِيَّةَ مِن الغنمِ.
ويجوزُ أن يشترِكَ اثنانِ في مِلْكِ شاةٍ يُريدانِ أن يُضَحِّيا عن شخصٍ واحدٍ غيرِهما، لأنّه مِن التبرُّعِ، وبابُه واسعٌ، وذلك كما لو قاما بدفعِ قيمتِها إلى المُضحّى عنه، ليَشترِيَها ثمَّ يَذْبَحَها.
وقولُه تعالى: ﴿لَكُمْ فِيها خَيْرٌ﴾، يعني: الأجرَ في الآخِرةِ، والنفعَ في الدُّنيا مِن اللبنِ والركوبِ.
وقولُه تعالى: ﴿فاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوَآفَّ﴾ فيه مشروعيَّةُ نحرِ الإبلِ قائمةً معقولةً، وفي «الصحيحَيْنِ»، عن ابنِ عمرَ: «أنّه أتى عَلى رَجُلٍ قَدْ أناخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُها، قالَ: ابْعَثْها قِيامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ»[[أخرجه البخاري (١٧١٣)، ومسلم (١٣٢٠).]].
وبهذا كان يعملُ الصحابةُ كما عندَ أبي داودَ، مِن حديثِ جابرٍ[[أخرجه أبو داود (١٧٦٧).]]، وقد قال ابنُ عبّاسٍ: «إذا أردتَّ أن تنحَرَ البدَنةَ، فأَقِمْها على ثلاثِ قوائمَ معقولةً، ثمَّ قلْ: باسمِ اللهِ واللهُ أكبرُ، اللَّهُمَّ منك ولك»[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٨ /٢٤٩٤).]].
وقولُه تعالى: ﴿فَإذا وجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنها وأَطْعِمُوا القانِعَ والمُعْتَرَّ﴾ وجَبَتْ جُنُوبُها، يعني: سقَطَتْ، ثمَّ أمَرَ بالأكلِ منها، والفاءُ هنا للتعقيبِ، مع أنّها لا تُؤكَلُ نِيئَةً، ولكنْ للإشعارِ بالإسراعِ بذلك، كما فعَلَ النبيُّ ﷺ بهَدْيِهِ فنحَرَ ثلاثًا وستينَ بيدِه، ثمَّ جُزِرَتْ وقُطِّعَتْ وطُبِخَتْ، وأكَلَ مِن جميعِها، وهو ما زال في ضُحا يومِ النحرِ.
وفيه: مشروعيَّةُ الإطعامِ مِن الهَدْيِ، والتماسُ الفقيرِ، وهو المُعتَرُّ، والتماسُ المتعفِّفِ الذي يُظهِرُ القناعةَ وهو محتاجٌ، وهو القانعُ، وفي هذه الآيةِ تأكيدٌ على تتبُّعِ أحوالِ الناسِ في مِثْلِ هذا اليومِ، ومِثلِ هذا المكانِ، والتماسِ المحتاجِ منهم.
وقد اختلَفَ العلماءُ في صفةِ تقسيمِ الهَدْيِ، وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك عندَ قولِهِ تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنها وأَطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ ﴾ [الحج: ٢٨]، مِن هذه السورةِ.
{"ayah":"وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَـٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰۤىِٕرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِیهَا خَیۡرࣱۖ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَیۡهَا صَوَاۤفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُوا۟ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُوا۟ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَ ٰلِكَ سَخَّرۡنَـٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق