الباحث القرآني
ولَمّا قَدَّمَ سُبْحانَهُ الحَثَّ عَلى التَّقَرُّبِ بِالأنْعامِ كُلِّها، وكانَتِ الإبِلُ أعْظَمَها خَلْقًا، وأجَلَّها في أنْفُسِهِمْ أمْرًا، خَصَّها بِالذِّكْرِ في سِياقٍ تَكُونُ فِيهِ مَذْكُورَةً مَرَّتَيْنِ مُعَبِّرًا بِالِاسْمِ الدّالِّ عَلى عِظَمِها، أوْ أنَّهُ خَصَّها لِأنَّهُ خَصَّ العَرَبَ بِها دُونَ الأُمَمِ الماضِيَةِ، فَقالَ عاطِفًا عَلى قَوْلِهِ ﴿جَعَلْنا مَنسَكًا﴾ [الحج: ٣٤] أوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ واللَّهُ أعْلَمُ: فَأشْرَكْناكم مَعَ الأُمَمِ الماضِيَةِ (p-٥٠)فِي البَقَرِ والغَنَمِ ﴿والبُدْنَ﴾ أيِ الإبِلِ أيِ المَعْرُوفَةِ بِعِظَمِ الأبْدانِ - ﴿جَعَلْناها﴾ أيْ بِعَظْمَتِنا، وزادَ في التَّذْكِيرِ بِالعَظَمَةِ بِذِكْرِ الِاسْمِ العَلَمِ فَقالَ: ﴿لَكم مِن شَعائِرِ اللَّهِ﴾ أيْ أعْلامِ دِينِ المَلِكِ الأعْظَمِ ومَناسِكِهِ الَّتِي شَرَعَها لَكم وشَرَعَ فِيها الإشْعارَ، وهو أنْ يَطْعَنَ بِحَدِيدَةٍ في سَنامِها، تَمْيِيزًا لِما يَكُونُ مِنها هَدْيًا عَنْ غَيْرِهِ.
ولَمّا نَبَّهَ عَلى ما فِيها مِنَ النَّفْعِ الدِّينِيِّ، نَبَّهَ عَلى ما هو أعَمُّ مِنهُ فَقالَ: ﴿لَكم فِيها خَيْرٌ﴾ بِالتَّسْخِيرِ الَّذِي هو مِن مَنافِعِ الدُّنْيا، والتَّقْرِيبِ الَّذِي هو مِن مَنافِعِ الآخِرَةِ؛ رَوى التِّرْمِذَيُّ وحَسَّنَهُ وابْنُ ماجَّةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «ما عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أحَبَّ إلى اللَّهِ مِن هِراقَةِ الدَّمِ، وإنَّهُ لِيُؤْتى يَوْمَ القِيامَةِ بِقُرُونِها وأظْلافِها وأشْعارِها، وإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكانٍ قَبْلَ أنْ يَقَعَ مِنَ الأرْضِ فَطِيبُوا بِها نَفْسًا» والدّارَقُطْنِيُّ في السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: "قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ما أُنْفِقَتِ الوَرِقُ في شَيْءٍ أفْضَلَ مِن نَحِيرَةٍ في يَوْمِ عِيدٍ»
ولَمّا ذَكَرَ ما فِيها، سَبَّبَ عَنْهُ الشُّكْرَ فَقالَ: ﴿فاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ﴾ أيِ الَّذِي لا سَمِيَّ لَهُ ﴿عَلَيْها﴾ أيْ عَلى ذَبْحِها بِالتَّكْبِيرِ، حالَ كَوْنِها (p-٥١)﴿صَوافَّ﴾ قِيامًا مُعْقَلَةَ الأيْدِي اليُسْرى، فَلَوْلا تَعْظِيمُهُ بِامْتِثالِ شَرائِعِهِ، ما شَرَعَ لَكم ذَبَحَها وسَلَّطَكم عَلَيْها مَعَ أنَّها أعْظَمُ مِنكم جِرْمًا وأقْوى ﴿فَإذا وجَبَتْ جُنُوبُها﴾ أيْ سَقَطَتْ سُقُوطًا بَرُدَتْ بِهِ بِزَوالِ أرْواحِها فَلا حَرَكَةَ لَها أصْلًا، قالَ ابْنُ كَثِيرٍ وقَدْ جاءَ في حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ «ولا تَعْجَلُوا النَّفْسَ أنْ تَزْهَقَ» وقَدْ رَواهُ الثَّوْرِيُّ في جامِعِهِ عَنْ أيُّوبَ عَنْ يَحْيى ابْنِ أبِي كَثِيرٍ عَنْ فَرافِصَةَ الحَنَفِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ ذَلِكَ.
ولَمّا كانَ رُبَّما ظَنَّ أنَّهُ يُحَرَّمُ الأكْلُ مِنها لِلْأمْرِ بِتَقْرِيبِها لِلَّهِ تَعالى، قالَ نافِيًا لِذَلِكَ: ﴿فَكُلُوا مِنها﴾ إذا كانَتْ تَطَوُّعًا إنْ شِئْتُمُ الأكْلَ، فَإنَّ ذَلِكَ لا يُخْرِجُها عَنْ كَوْنِها قُرْبانًا ﴿وأطْعِمُوا القانِعَ﴾ أيِ المُتَعَرِّضَ لِلسُّؤالِ بِخُضُوعٍ وانْكِسارٍ ﴿والمُعْتَرَّ﴾ أيِ السّائِلِ، وقِيلَ: بِالعَكْسِ، وهو قَوْلُ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قالَ في كِتابِ اخْتِلافِ الحَدِيثِ: والقانِعُ هو السّائِلُ، والمُعْتَرُّ هو الزّائِرُ والمارُّ، قالَ الرّازِي في اللَّوامِعِ: وأصْلُهُ في اللُّغَةِ أنَّ القافَ والنُّونَ والعَيْنَ تَدُلُّ عَلى الإقْبالِ عَلى الشَّيْءِ، ثُمَّ تَخْتَلِفُ مَعانِيهِ مَعَ اتِّفاقِ القِياسِ، فالقانِعُ: السّائِلُ، لِإقْبالِهِ عَلى مَن يَسالُهُ، والقانِعُ: الرّاضِي الَّذِي لا يَسْألُ، كَأنَّهُ مُقْبِلٌ عَلى الشَّيْءِ الَّذِي هو راضٍ بِهِ.
ولَمّا كانَ تَسْخِيرُها لِمِثْلِ هَذا القَتْلِ عَلى هَذِهِ الكَيْفِيَّةِ مَعَ قُوَّتِها (p-٥٢)وكِبَرَها أمْرًا باهِرًا لِلْعَقْلِ عِنْدَ التَّأمُّلِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ بِالتَّحْرِيكِ لِلسُّؤالِ عَمّا هو أعْظَمُ مِنهُ فَقالَ: ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ مِثْلَ هَذا التَّسْخِيرِ العَظِيمِ المِقْدارِ ﴿سَخَّرْناها﴾ بِعَظْمَتِنا الَّتِي لَوْلاها ما كانَ ذَلِكَ ﴿لَكُمْ﴾ وذَلَّلْناها لَيْلًا ونَهارًا مَعَ عِظَمِها وقُوَّتِها، ولَوْ شِئْنا جَعَلْناها وحْشِيَّةً ﴿لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ أيْ لِتَتَأمَّلُوا ذَلِكَ فَتَعْرِفُوا أنَّهُ ما قادَها لَكم إلّا اللَّهُ فَيَكُونُ حالُكم حالَ مَن يُرْجى شُكْرُهُ، فَتُوقِعُوا الشُّكْرَ بِأنْ لا تُحَرِّمُوا مِنها إلّا ما حَرَّمَ، ولا تُحِلُّوا إلّا ما أحَلَّ، وتَشْهَدُوا مِنها ما حَثَّ عَلى إهْدائِهِ، وتَتَصَرَّفُوا فِيها بِحَسَبِ ما أمَرَكم.
{"ayah":"وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَـٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰۤىِٕرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِیهَا خَیۡرࣱۖ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَیۡهَا صَوَاۤفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُوا۟ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُوا۟ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَ ٰلِكَ سَخَّرۡنَـٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











