الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكُلُوا مِنها وأطْعِمُوا القانِعَ والمُعْتَرَّ﴾، قَدْ قَدَّمْنا أنَّهُ تَعالى أمَرَ بِالأكْلِ مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ وهي: الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ بِأنْواعِها الثَّمانِيَةِ، وأمَرَ بِإطْعامِ البائِسِ الفَقِيرِ مِنها، وأمَرَ بِالأكْلِ مِنَ البُدْنِ وإطْعامِ القانِعِ والمُعْتَرِّ مِنها، وما كانَ مِنَ الإبِلِ، فَهو مِنَ البُدْنِ بِلا خِلافٍ.
واخْتَلَفُوا في البَقَرَةِ، هَلْ هي بَدَنَةٌ، وقَدْ قَدَّمْنا الحَدِيثَ الصَّحِيحَ: أنَّ البَقَرَةَ مِنَ البُدْنِ، وقَدَّمْنا أيْضًا ما يَدُلُّ عَلى أنَّها غَيْرُ بَدَنَةٍ، وأظْهَرُهُما أنَّها مِنَ البُدْنِ، ولِلْعُلَماءِ في تَفْسِيرِ القانِعِ والمُعْتَرِّ أقْوالٌ مُتَعَدِّدَةٌ مُتَقارِبَةٌ أظْهَرُها عِنْدِي: أنَّ القانِعَ هو الطّامِعُ الَّذِي يَسْألُ أنْ يُعْطى مِنَ اللَّحْمِ ومِنهُ قَوْلُ الشَّمّاخِ:
؎لَمالُ المَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي مَفاقِرَهُ أعَفُّ مِنَ القُنُوعِ
(p-٢٦٠)يَعْنِي أعَفُّ مِن سُؤالِ النّاسِ، والطَّمَعِ فِيهِمْ، وأنَّ المُعْتَرَّ هو الَّذِي يَعْتَرِي مُتَعَرِّضًا لِلْإعْطاءِ مِن غَيْرِ سُؤالٍ وطَلَبٍ، واللَّهُ أعْلَمُ. وقَدْ قَدَّمْنا حُكْمَ الأكْلِ مِن أنْواعِ الهَدايا والضَّحايا، وأقْوالَ أهْلِ العِلْمِ في ذَلِكَ بِما أغْنى عَنْ إعادَتِهِ هُنا.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرْناها لَكم لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾، قَوْلُهُ كَذَلِكَ: نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ أيِ: البُدْنَ لَكم تَسْخِيرًا كَذَلِكَ أيْ: مِثْلَ ذَلِكَ التَّسْخِيرِ الَّذِي تُشاهِدُونَ أيْ: ذَلَّلْناها لَكم، وجَعَلْناها مُنْقادَةً لَكم تَفْعَلُونَ بِها ما شِئْتُمْ مِن نَحْرٍ ورُكُوبٍ، وحَلْبٍ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَنافِعِ، ولَوْلا أنَّ اللَّهَ ذَلَّلَها لَكم لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها؛ لِأنَّها أقْوى مِنكم ألا تَرى البَعِيرَ، إذا تَوَحَّشَ صارَ صاحِبُهُ غَيْرَ قادِرٍ عَلَيْهِ، ولا مُتَمَكِّنٍ مِنَ الِانْتِفاعِ بِهِ، وقَوْلُهُ هُنا: ﴿لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ قَدْ قَدَّمْنا مِرارًا أنَّ لَعَلَّ تَأْتِي في القُرْآنِ لِمَعانٍ أقْرَبُها، اثْنانِ: أحَدُهُما: أنَّها بِمَعْناها الأصْلِيِّ، الَّذِي هو التَّرَجِّي والتَّوَقُّعُ، وعَلى هَذا فالمُرادُ بِذَلِكَ خُصُوصُ الخَلْقِ؛ لِأنَّهم هُمُ الَّذِينَ يُتَرَجّى مِنهم شُكْرُ النِّعَمَ مِن غَيْرِ قَطْعٍ، بِأنَّهم يَشْكُرُونَها أوْ لا يُنْكِرُونَها لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِما تَؤُولُ إلَيْهِ الأُمُورُ، ولَيْسَ هَذا المَعْنى في حَقِّ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّهُ عالِمٌ بِما سَيَكُونُ فَلا يَجُوزُ في حَقِّهِ - جَلَّ وعَلا - إطْلاقُ التَّرَجِّي والتَّوَقُّعِ لِتَنْزِيهِهِ عَنْ ذَلِكَ، وإحاطَةِ عِلْمِهِ بِما يَنْكَشِفُ عَنْهُ الغَيْبُ، وقَدْ قالَ تَعالى لِمُوسى وهارُونَ: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشى﴾ [طه: ٤٤] أيْ عَلى رَجائِكُما وتَوَقُّعِكُما أنَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشى، مَعَ أنَّ اللَّهَ عالِمٌ في سابِقِ أزَلِهِ أنَّ فِرْعَوْنَ لا يَتَذَكَّرُ ولا يَخْشى، فَمَعْنى لَعَلَّ بِالنِّسْبَةِ إلى الخَلْقِ، لا إلى الخالِقِ - جَلَّ وعَلا -، المَعْنى الثّانِي: هو ما قَدَّمْنا مِن أنَّ بَعْضَ أهْلِ العِلْمِ، قالَ: كُلُّ لَعَلَّ في القُرْآنِ فَهي لِلتَّعْلِيلِ إلّا الَّتِي في سُورَةِ الشُّعَراءِ ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكم تَخْلُدُونَ﴾ [الشعراء: ١٢٩] قالَ: فَهي بِمَعْنى: كَأنَّكم تَخْلُدُونَ، وإتْيانُ لَفْظَةِ لَعَلَّ لِلتَّعْلِيلِ مَعْرُوفٌ في كَلامِ العَرَبِ، وقَدْ قَدَّمْناهُ مُوَضَّحًا مِرارًا وقَدْ قَدَّمْنا مِن شَواهِدِهِ العَرَبِيَّةِ قَوْلَ الشّاعِرِ:
؎فَقُلْتُمْ لَنا كَفُّوا الحُرُوبَ لَعَلَّنا نَكُفُّ ووَثَّقْتُمْ لَنا كُلَّ مَوْثِقِ
يَعْنِي كَفُّوا الحُرُوبَ لِأجْلِ أنْ نَكُفَّ، وإذا عَلِمْتَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ بَيَّنَ اللَّهُ فِيها أنَّ تَسْخِيرَهُ الأنْعامَ لِبَنِي آدَمَ نِعْمَةٌ مِن إنْعامِهِ، تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ لِقَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكم تَخْلُدُونَ﴾ .
فاعْلَمْ: أنَّهُ بَيَّنَ هَذا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ كَقَوْلِهِ تَعالى (p-٢٦١)﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا خَلَقْنا لَهم مِمّا عَمِلَتْ أيْدِينا أنْعامًا فَهم لَها مالِكُونَ﴾ ﴿وَذَلَّلْناها لَهم فَمِنها رَكُوبُهم ومِنها يَأْكُلُونَ﴾ ﴿وَلَهم فِيها مَنافِعُ ومَشارِبُ أفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [الحج: ٣٦] وقَوْلِهِ في آيَةِ ”يس“: هَذِهِ: ﴿أفَلا يَشْكُرُونَ﴾ كَقَوْلِهِ في آيَةِ ”الحَجِّ“: ﴿لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ ويُشِيرُ إلى هَذا المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى قَرِيبًا: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَها لَكم لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ﴾ الآيَةَ [الحج: ٣٧]، وقَدْ قَدَّمْنا مَعْنى شُكْرِ العَبْدِ لِرَبِّهِ وشُكْرِ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ، مِرارًا بِما أغْنى عَنْ إعادَتِهِ هُنا والتَّسْخِيرُ: التَّذْلِيلُ.
{"ayah":"وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَـٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰۤىِٕرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِیهَا خَیۡرࣱۖ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَیۡهَا صَوَاۤفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُوا۟ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُوا۟ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَ ٰلِكَ سَخَّرۡنَـٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق