الباحث القرآني
فِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْبُدْنَ﴾ وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: "وَالْبُدْنَ" لُغَتَانِ، وَاحِدَتُهَا بَدَنَةٌ. كَمَا يُقَالُ: ثَمَرَةٌ وَثُمُرٌ وَثُمْرٌ، وَخَشَبَةٌ وَخُشُبٌ وخشب. وفى التنزيل: "وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ" [[راجع ج ١٠ ص ٢٩٨]] وقرى: "ثُمْرٌ" لُغَتَانِ. وَسُمِّيَتْ بَدَنَةً لِأَنَّهَا تَبْدُنُ، وَالْبَدَانَةُ السِّمَنُ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الِاسْمَ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ. وَقِيلَ: الْبُدْنُ جَمْعُ "بَدَنٍ" بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالدَّالِ. وَيُقَالُ: بَدُنَ الرَّجُلُ (بِضَمِّ الدَّالِ) إِذَا سَمِنَ. وَبَدَّنَ (بِتَشْدِيدِهَا) إِذَا كَبِرَ وَأَسَنَّ. وَفِي الْحَدِيثِ (إِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ) أَيْ كَبِرْتُ وَأَسْنَنْتُ. وَرُوِيَ (بَدُنْتُ) وَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى، لِأَنَّهُ خِلَافُ صِفَتِهِ ﷺ، وَمَعْنَاهُ كَثْرَةُ اللَّحْمِ. يُقَالُ: بَدُنَ الرَّجُلُ يَبْدُنُ بَدْنًا وَبَدَانَةً فَهُوَ بادن، أي ضخم.
الثَّانِيَةُ- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْبُدْنِ هَلْ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْإِبِلِ مِنَ الْبَقَرِ أَمْ لَا، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: نَعَمْ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَلَمْ يَجِدِ الْبَدَنَةَ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا وَقَدَرَ عَلَى الْبَقَرَةِ، فَهَلْ تَجْزِيهِ أَمْ لَا، فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَطَاءٍ لَا تَجْزِيهِ. وَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ تَجْزِيهِ. وَالصَّحِيحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَعَطَاءٌ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ: (مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً) الْحَدِيثَ. فَتَفْرِيقُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالْبَدَنَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَقَرَةَ لَا يُقَالُ عَلَيْهَا بَدَنَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها﴾ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَصْفَ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ. وَالْبَقَرُ يُضْجَعُ وَيُذْبَحُ كَالْغَنَمِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْبَدَنَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْبَدَانَةِ وَهُوَ الضَّخَامَةُ، وَالضَّخَامَةُ تُوجَدُ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْبَقَرَةَ فِي التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِرَاقَةِ الدَّمِ بِمَنْزِلَةِ الْإِبِلِ، حَتَّى تَجُوزَ الْبَقَرَةُ فِي الضَّحَايَا عَلَى سَبْعَةٍ كَالْإِبِلِ. وَهَذَا حُجَّةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ وَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي مَذْهَبِنَا. وَحَكَى ابْنُ شَجَرَةَ أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْغَنَمِ بَدَنَةٌ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ. وَالْبُدْنُ هِيَ الْإِبِلُ الَّتِي تُهْدَى إِلَى الْكَعْبَةِ. وَالْهَدْيُ عَامٌّ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ﴾ نص في أنها بعض الشعائر. وقوله: (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) يُرِيدُ بِهِ الْمَنَافِعَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا. وَالصَّوَابُ عُمُومُهُ فِي خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ﴾ أَيِ انْحَرُوهَا عَلَى اسْمِ اللَّهِ. وَ "صَوافَّ" أَيْ قَدْ صُفَّتْ قَوَائِمُهَا. وَالْإِبِلُ تُنْحَرُ قِيَامًا مَعْقُولَةً. وَأَصْلُ هَذَا الْوَصْفِ فِي الْخَيْلِ، يُقَالُ: صَفَنَ الْفَرَسُ فَهُوَ صَافِنٌ إِذَا قام على ثلاث قَوَائِمَ وَثَنَى سُنْبُكَ الرَّابِعَةِ، وَالسُّنْبُكُ طَرَفُ الْحَافِرِ. وَالْبَعِيرُ إِذَا أَرَادُوا نَحْرَهُ تُعْقَلُ إِحْدَى يَدَيْهِ فَيَقُومُ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَمُجَاهِدٌ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: "صَوَافِيَ" أَيْ خَوَالِصَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُشْرِكُونَ بِهِ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى نَحْرِهَا أَحَدًا. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا "صَوَافٍ" بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَنْوِينِهَا مُخَفَّفَةً، وَهِيَ بِمَعْنَى الَّتِي قَبْلَهَا، لَكِنْ حُذِفَتِ الْيَاءُ تَخْفِيفًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.
وَ "صَوافَّ" قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَشَدِّهَا، مِنْ صَفَّ يَصُفُّ. وَوَاحِدُ صَوَافَّ صَافَّةٌ، وَوَاحِدُ صَوَافِي صَافِيَةٌ. وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ "صَوَافِنُ" بِالنُّونِ جَمْعُ صَافِنَةٍ. وَلَا يَكُونُ وَاحِدُهَا صَافِنًا، لِأَنَّ فَاعِلًا [[. "فاعل" الذي لا يجمع على "فواعل" إذا كان وصفا لمذكر عاقل، أما "صافن" فليس وصفا لعاقل.]] لَا يُجْمَعُ عَلَى فَوَاعِلَ إِلَّا فِي حُرُوفٍ مُخْتَصَّةٍ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، وَهِيَ فَارِسُ وَفَوَارِسُ، وَهَالِكٌ وَهَوَالِكُ، وَخَالِفٌ وَخَوَالِفُ [[في شرح الأشموني على ألفية ابن مالك أنها فارس وناكس وهالك وغائب وشاهد.]]. وَالصَّافِنَةُ هِيَ الَّتِي قَدْ رُفِعَتْ إِحْدَى يَدَيْهَا بِالْعَقْلِ لِئَلَّا تَضْطَرِبَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" الصَّافِناتُ الْجِيادُ [[راجع ج ١٥ ص ١٩٢.]] " [ص: ٣١]. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
تَرَكْنَا الْخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ ... مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَهَا صُفُونَا
وَيَرْوِي:
تَظَلُّ جِيَادُهُ نَوْحًا عَلَيْهِ ... مُقَلَّدَةً أَعِنَّتُهَا صُفُونًا
وَقَالَ آخَرُ:
أَلِفَ الصُّفُونَ فَمَا يَزَالُ كَأَنَّهُ ... مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثَّلَاثِ كَسِيرَا
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الْجَرْمِيُّ: الصَّافِنُ عِرْقٌ فِي مُقَدَّمِ الرِّجْلِ، فَإِذَا ضُرِبَ على الْفَرَسُ رَفَعَ رِجْلَهُ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَكُلُّ كُمَيْتٍ كَجِذْعِ السَّحُو ... قِ يَرْنُو الْقِنَاءَ إِذَا مَا صَفَنْ
الْخَامِسَةُ- قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الصَّوَافِّ فَقَالَ: تُقَيِّدُهَا ثُمَّ تَصُفُّهَا. وَقَالَ لِي مالك بن أنس مثله. وكان الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيَّ فَإِنَّهُمَا أَجَازَا أَنْ تُنْحَرَ بَارِكَةً وَقِيَامًا. وَشَذَّ عَطَاءٌ فَخَالَفَ وَاسْتَحَبَّ نَحْرَهَا بَارِكَةً. وَالصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها" مَعْنَاهُ سَقَطَتْ بَعْدَ نَحْرِهَا، وَمِنْهُ وَجَبَتِ الشَّمْسُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً فَقَالَ: ابْعَثْهَا قَائِمَةً مُقَيَّدَةً سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ﷺ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ أَنَّ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بقي من قوائمها.
السَّادِسَةُ- قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ ضَعُفَ إِنْسَانٌ أَوْ تَخَوَّفَ أَنْ تَنْفَلِتَ بَدَنَتُهُ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْحَرَهَا مَعْقُولَةً. وَالِاخْتِيَارُ أَنْ تُنْحَرَ الْإِبِلُ قَائِمَةً غَيْرَ مَعْقُولَةٍ، إِلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ ذَلِكَ فَتُعْقَلُ وَلَا تُعَرْقَبُ إِلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَضْعُفَ عَنْهَا وَلَا يَقْوَى عَلَيْهَا. وَنَحْرُهَا بَارِكَةً أَفْضَلُ مِنْ أَنْ تُعَرْقَبَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ الْحَرْبَةَ بِيَدِهِ فِي عُنْفُوَانِ أَيْدِهِ فَيَنْحَرُهَا فِي صَدْرِهَا وَيُخْرِجُهَا عَلَى سَنَامِهَا، فَلَمَّا أَسَنَّ كَانَ يَنْحَرُهَا بَارِكَةً لِضَعْفِهِ، وَيُمْسِكُ مَعَهُ الْحَرْبَةَ رَجُلٌ آخَرُ، وَآخَرُ بِخِطَامِهَا. وَتُضْجَعُ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. السَّابِعَةُ- وَلَا يَجُوزُ النَّحْرُ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ بِإِجْمَاعٍ. وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ لَا تَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ. فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ حَلَّ النَّحْرُ بِمِنًى، وَلَيْسَ عَلَيْهِمُ انْتِظَارُ نَحْرِ إِمَامِهِمْ، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ. وَالْمَنْحَرُ مِنًى لِكُلِّ حَاجٍّ، وَمَكَّةُ لِكُلِّ مُعْتَمِرٍ. وَلَوْ نَحَرَ الْحَاجُّ بِمَكَّةَ وَالْمُعْتَمِرُ بِمِنًى لَمْ يُحْرَجْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها﴾ يُقَالُ: وَجَبَتِ الشَّمْسُ إِذَا سَقَطَتْ، وَوَجَبَ الْحَائِطُ إِذَا سَقَطَ. قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ:
أَطَاعَتْ بَنُو عَوْفٍ أَمِيرًا نَهَاهُمُ ... عَنِ السِّلْمِ حَتَّى كَانَ أَوَّلَ وَاجِبِ
وَقَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ:
أَلَمْ تَكْسِفِ الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ وَالْ ... كَوَاكِبُ لِلْجَبَلِ الْوَاجِبِ [[هذه رواية البيت كما في ديوانه. وروايته في الأصول:
ألم تكسف الشمس ضوء النهار ... والبدر للجبل الواجب
ويريد بالجبل: فضالة بن كلدة. وهو من قصيدة يرثيه بها، وفيها:
لهلك فضالة لا تستوي ال ... فقود ولا خلة الذاهب]]
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها﴾ يُرِيدُ إِذَا سَقَطَتْ عَلَى جُنُوبِهَا مَيِّتَةً. كَنَّى عَنِ الْمَوْتِ بِالسُّقُوطِ عَلَى الْجَنْبِ كَمَا كَنَّى عَنِ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها". وَالْكِنَايَاتُ فِي أَكْثَرِ المواضع أبلغ من التصريح. قال الشاعر:
فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ ... مَا بَيْنَ قُلَّةِ رأسه والمعصم [[البيت من معلقة عترة. والجزر: جمع جزرة، وهي الشاة والناقة تذبح وتنحر.]]
وَقَالَ عَنْتَرَةُ:
وَضَرَبْتُ قَرْنَيْ كَبْشِهَا فَتَجَدَّلَا [[هذا صدر بيت، وعجزه كما في ديوانه:
وحملت مهري وسطها فمضاها]]
أَيْ سَقَطَ مَقْتُولًا إِلَى الْجَدَالَةِ، وَهِيَ الْأَرْضُ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. وَالْوُجُوبُ لِلْجَنْبِ بَعْدَ النَّحْرِ عَلَامَةُ نَزْفِ الدَّمِ وَخُرُوجِ الرُّوحِ مِنْهَا، وَهُوَ وَقْتُ الْأَكْلِ، أَيْ وَقْتُ قُرْبِ الْأَكْلِ، لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُبْتَدَأُ بالسلخ وقطع شي مِنَ الذَّبِيحَةِ ثُمَّ يُطْبَخُ. وَلَا تُسْلَخُ حَتَّى تَبْرُدَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعْذِيبِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَعَجَّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تَزْهَقَ. التَّاسِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِنْها﴾ أَمْرٌ مَعْنَاهُ النَّدْبُ. وَكُلُّ الْعُلَمَاءِ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَأْكُلَ الْإِنْسَانُ مِنْ هَدْيِهِ، وَفِيهِ أَجْرٌ وامتثال، إذا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَأْكُلُونَ مِنْ هَدْيِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شُرَيْحٍ: الْأَكْلُ وَالْإِطْعَامُ مُسْتَحَبَّانِ، وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَكْلُ مُسْتَحَبٌّ وَالْإِطْعَامُ وَاجِبٌ، فَإِنْ أَطْعَمَ جَمِيعَهَا أَجْزَاهُ وَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهَا لَمْ يُجْزِهِ، وَهَذَا فِيمَا كَانَ تَطَوُّعًا، فَأَمَّا وَاجِبَاتُ الدِّمَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. الْعَاشِرَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالطَّبَرِيُّ: قَوْلُهُ: "وَأَطْعِمُوا" أَمْرُ إِبَاحَةٍ. وَ "الْقانِعَ" السَّائِلُ. يُقَالُ: قَنَعَ الرَّجُلُ يَقْنِعُ قُنُوعًا إِذَا سَأَلَ، بِفَتْحِ النُّونِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ [[هذه اللغة لم تجدها في المعاجم، على أن في العبارة ها هنا اضطرابا. والذي في كتب اللغة أنه يقال: قنع الرجل يقنع (بفتح النون فيهما) قنوعا إذا سأل. وقنع يقنع (بكسر النون في الماضي وفتحها في المستقيل) قناعة وقنعا وقنعانا- كما ذكر المؤلف- إذا رضى. راجع معاجم اللغة.]]، يَقْنَعُ قَنَاعَةً فَهُوَ قَنِعٌ، إِذَا تَعَفَّفَ وَاسْتَغْنَى بِبُلْغَتِهِ وَلَمْ يَسْأَلْ، مِثْلُ حَمِدَ يَحْمَدُ- قَنَاعَةً وَقَنَعًا وَقَنَعَانًا، قَالَهُ الْخَلِيلُ. وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُ الشَّمَّاخِ:
لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي ... مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ الْقُنُوعِ
وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ ذَكَرَ الْقُنُوعَ بِمَعْنَى الْقَنَاعَةِ، وَهِيَ الرِّضَا وَالتَّعَفُّفُ وَتَرْكُ الْمَسْأَلَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ أَنَّهُ قَرَأَ "وَأَطْعِمُوا الْقَنِعَ" وَمَعْنَى هَذَا مُخَالِفٌ للأول.
يُقَالُ: قَنَعَ الرَّجُلُ فَهُوَ قَنِعٌ إِذَا رَضِيَ. وَأَمَّا الْمُعْتَرُّ فَهُوَ الَّذِي يَطِيفُ بِكَ يَطْلُبُ ما عندك، سائلا كان أو ساكتا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ والكلبي والحسن ابن أَبِي الْحَسَنِ: الْمُعْتَرُّ الْمُعْتَرِضُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ. قَالَ زُهَيْرٌ:
عَلَى مُكْثِرِيهِمْ رِزْقُ مَنْ يَعْتَرِيهِمُ ... وَعِنْدَ الْمُقِلِّينَ السَّمَاحَةُ وَالْبَذْلُ
وَقَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ أَنَّ الْقَانِعَ الْفَقِيرُ، وَالْمُعْتَرَّ الزَّائِرُ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ: "وَالْمُعْتَرِي" وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى الْمُعْتَرِّ. يُقَالُ: اعْتَرَّهُ وَاعْتَرَاهُ وَعَرَّهُ وَعَرَّاهُ إِذَا تَعَرَّضَ لِمَا عِنْدَهُ أَوْ طَلَبَهُ، ذَكَرَهُ النحاس.
{"ayah":"وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَـٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰۤىِٕرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِیهَا خَیۡرࣱۖ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَیۡهَا صَوَاۤفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُوا۟ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُوا۟ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَ ٰلِكَ سَخَّرۡنَـٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق