الباحث القرآني

(والبُدن) قرئ بضم الباء وسكون الدال وبضمهما وهما لغتان، وهذا الاسم خاص عند الشافعي بالابل، وسميت بدنة لأنها تبدن، والبدانة السمن. وقال أبو حنيفة ومالك: إنه يطلق على الإبل والبقر، والأول أولى لا سيأتي من الأوصاف التي هي ظاهرة في الابل، ولما تفيده كتب اللغة من اختصاص هذا الاسم بالابل. قال ابن لقيمة: فكلام الشافعية موافق لكلام الأزهري، وكلام الحنفية موافق لكلام الصحاح. وقال ابن كثير في تفسيره: واختلفوا في صحة إطلاق البَدَنَةْ على البقرة على قولين: أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعاً [[ابن كثير 3/ 221.]]، كما صح في الحديث قال ابن عمر: لا نعلم البدن إلا من الإبل والبقر. وقال أيضاً: البدن ذات الجوف وعن مجاهد قال: ليس البدن إلا من الإبل وعن عطاء نحو ما قال ابن عمر، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن. وقيل لا تسمى الغنم بدنة لصغرها. (جعلناها لكم من شعائر الله) أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله تعالى وإضافتها إلى اسمه تعظيم لها، وقيل لأنها تشعر، وهو أن تطعن بحديدة في سنامها فيعلم بذلك أنها هدي، وقد تقدم بيانه قريباً. (لكم فيها خير) أي منافع دينية ودنيوية كما تقدم، وهي جملة مستأنفة، مقررة لما قبلها أو حالية. قاله السمين. (فاذكروا اسم الله عليها) أي على نحرها بأن تقولوا عند ذبحها: الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، اللهم منك وإليك (صواف) أي أنها قائمات قد صفت قوائمها لأنها تنحر قائمة معقولة وقرئ صوافي أي خوالص لله لا يشركون به في التسمية على نحرها أحداً وواحد صواف صافة وهي قراءة الجمهور، وواحد صوافي صافية. وفي قراءة ابن مسعود صوافن بالنون جمع صافنة، وهي التي قد رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب، ومنه قوله تعالى: (الصافنات الجياد)، وأصل هذا الوصف في الخيل، يقال صفن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلاث قوائم وثنى الرابعة. قال ابن عباس في الآية: إذا أردت أن تنحر البدنة فأقمها على ثلاث قوائم معقولة ثم قل بسم والله أكبر. وفي الصحيحين وغيرهما عنه أنه رأى رجلاً قد أناخ بدنته وهو ينحرها ْفقال ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وكون قيامها سنّة إنما هو على سبيل الندب، ويجوز نحرها وذبحها مضجعة على جنبها كالبقر. (فإذا وجبت جنوبها) الوجوب السقوط، يقال وجبت الشمس أي سقطت ووجب الجدار سقط، ومنه الواجب الشرعي كأنه سقط علينا ولزمنا، أي فإذا سقط جنبها بعد نحرها على الأرض، وذلك عند خروج روحها فهو كناية عن الموت، وجمع الجنوب مع أن البعير إذا خر يسقط على أحد جنبيه، لأن ذلك الجمع في مقابلة جمع البدن. (فكلوا منها) إن شئتم، ذهب الجمهور إلى أن هذا الأمر للندب (وأطعموا القانع والمعتر) هذا الأمر قيل هو للندب كالأول، وبه قال مجاهد والنخعي وابن جرير وابن سريج. وقال الشافعي وجماعة: هو للوجوب، واختلف في القانع من هو؟ فقيل هو السائل؛ يقال قنع الرجل بفتح النون يقنع بكسرها إذا سأل، وقيل هو المتعفف عن السؤال المستغنى ببلغة، ذكر معناه الخليل وبه قال ابن عباس، قال ابن السكيت: من العرب من ذكر القنوع بمعنى القناعة، وهي الرضا والتعفف وترك المسألة، وبالأول قال زيد بن أسلم وابنه وسعيد بن جبير والحسن، وبالثاني قال عكرمة وقتادة. وقال ابن عمر وابن عباس: القانع الذي يقنع بما آتيته. وأما المعتر فقال محمد بن كعب القرظي ومجاهد وإبراهيم والكلبي والحسن: أنه الذي يتعرض من غير سؤال وقيل هو الذي يعتريك ويسألك، وقال مالك: أحسن ما سمعت أن القانع: الفقير والمعتر الزائر. وروي عن ابن عباس أن كليهما الذي لا يسأل ولكن القانع الذي يرضى بما عنده ولا يسأل، والمعتر الذي يتعرض لك ولا يسألك وقرأ الحسن والمعتري ومعناه كمعنى المعتر، يقال اعتره واعتراه وعره وعراه إذا تعرض لما عنده أو طلبه. ذكره النحاس. قال ابن عباس: المعتر السائل، وعنه الذي يعترض، وعنه القانع الذي يجلس في بيته، وعنه أنه سئل عن هذه الآية فقال: أما القانع فالقانع بما أرسلت إليه في بيته، والمعتر الذي يعتريك. وعنه قال: القانع الذي يسأل والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل. وقيل القانع المسكين، والمعتر الذي ليس بمسكين، وقيل القانع جارك الذي ينظر ما دخل عليك، والمعتر الذي يعتر ببابك ويريك نفسه، وقد روي عن التابعين في تفسير هذه الآية أقوال مختلفة، والمرجع المعنى اللغوي لا سيما مع الاختلاف بين الصحابة ومن بعدهم في تفسير ذلك. (كذلك) أي مثل ذلك التسخير البديع المفهوم من قوله صواف (سخرناها) أي ذللنا البدن (لكم) فصارت تنقاد لكم إلى مواضع نحرها فتنحرونها وتنتفعون بها بعد أن كانت مسخرة للحمل عليها والركوب على ظهورها والحلب لها ونحو ذلك (لعلكم تشكرون) هذه النعمة التي أنعم الله بها عليكم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب