الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾
[[لم تثبت المخطوطة ولا المطبوعة قوله تعالى: "فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" في هذا الموضع ولا في غيره إلى القول في تفسير تمام الآية، وأثبتها في مكانها.]]
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"لله ما في السموات وما في الأرض"، لله ملك كل ما في السموات وما في الأرض من صغير وكبير، وإليه تدبير جميعه، وبيده صرفه وتقليبه، لا يخفى عليه منه شيء، لأنه مدبره ومالكه ومصرّفه.
وإنما عنى بذلك جل ثناؤه كتمانَ الشهود الشهادةَ، يقول: لا تكتموا الشهادة أيها الشهود، ومن يكتمها يفجُرْ قلبه، ولن يخفى عليّ كتمانه ذلك، لأني بكل شيء عليم، وبيدي صَرْف كل شيء في السموات والأرض ومِلكه، أعلمُ خفيّ ذلك وَجليّه، [[في المخطوطة والمطبوعة: "أعلمه خفي. . "، والسياق يقتضي ما أثبت. وفي المخطوطة: "وجليله"، ولا بأس بها، ولكن ما في المطبوعة أمثل بالسياق.]] فاتقوا عقابي إياكم على كتمانكم الشهادة = وعيدًا من الله بذلك مَنْ كتمها، وتخويفًا منه له به. ثم أخبرهم عما هو فاعل بهم في آخرتهم وبمن كان من نظرَائهم ممن انطوى كشحًا على معصية فأضمرها، أو أظهر مُوبقة فأبداها من نفسه - من المحاسبة عليها فقال:"وإن تُبدُوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، يقول: وإن تظهروا فيما عندكم من الشهادة على حقّ ربّ المالِ الجحودَ والإنكار، أو تخفوا ذلك فتضمروه في أنفسكم، وغير ذلك من سيئ أعمالكم ="يحاسبكم به الله"، يعني بذلك: يحتسب به عليكم من أعمالكم، [[في المطبوعة والمخطوطة: "يحسب به عليه من أعماله" بالضمير المفرد، والسياق يقتضي الجمع كما أثبته. ويقال: "احتسب عليه بالمال"، أي: عددته عليه وحاسبته به. و"احتسب" من"الحساب" مثل"اعتد" من"العد".]] فمجازٍ من شاء منكم من المسيئين بسوء عمله، [[في المخطوطة والمطبوعة: "فيجازي من شاء. . " والسياق يقتضي ما أثبت.]] وغافرٌ لمن شاء منكم من المسيئين. [[في المخطوطة والمطبوعة: "وغافر منكم لمن شاء. . . "، وهو تقديم من عجلة الناسخ، والصواب ما أثبت.]]
* * *
ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله:"وإن تُبدُوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله".
فقال بعضهم بما قلنا: من أنه عنى به الشهودَ في كتمانهم الشهادة، وأنه لاحق بهم كل من كان من نظرائهم ممن أضمر معصية أو أبداها.
* ذكر من قال ذلك:
٦٤٤٩ - حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يُحاسبكم به الله"، يقول: يعني في الشهادة. [[الأثر: ٦٤٤٩-"ابن فضيل"، هو محمد بن فضيل، وقد سلف مرارًا. وكان في المخطوطة والمطبوعة"أبو نفيل" وليس في الرواة من يقال له"أبو نفيل" يروي عن يزيد بن أبي زياد، والذي يروي عنه هو ابن فضيل.]]
٦٤٥٠ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس في قوله:"وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، قال: في الشهادة.
٦٤٥١ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال: سئل داود عن قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، فحدثنا عن عكرمة قال: هي الشهادة إذا كتمتها.
٦٤٥٢ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمرو وأبي سعيد: أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية:"وإنْ تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، قال: في الشهادة.
٦٤٥٣ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن الشعبي في قوله:"وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" قال: في الشهادة.
٦٤٥٤ - حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية،"وإنْ تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها.
٦٤٥٥ - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن عكرمة في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، يعني: كتمان الشهادة وإقامتها على وجهها.
* * *
وقال آخرون:"بل نزلت هذه الآية إعلامًا من الله تبارك وتعالى عبادَه أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وحدثتهم به أنفسهم مما لم يعملوه".
ثم اختلف متأوِّلو ذلك كذلك.
فقال بعضهم:"ثم نسخ الله ذلك بقوله: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [سورة البقرة: ٢٨٦] "
* ذكر من قال ذلك:
٦٤٥٦ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن مصعب بن ثابت، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: لما نزلتْ:"لله ما في السموات وما في الأرض وإن تُبدُوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، اشتد ذلك على القوم، فقالوا: يا رسول الله، إنا لمؤاخذون بما نحدّث به أنفسنا! هلكنا! فأنزل الله عز وجل: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ الآية إلى قوله: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ ، قال أبي: قال أبو هريرة: قال رسول الله ﷺ: قال اللهُ: نعم = ﴿رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ إلى آخر الآية = قال أبي: قال أبو هريرة: قال رسول الله ﷺ: قال الله عز وجل: نعم. [[الحديث: ٦٤٥٦- إسحاق بن سليمان الرازي العبدي: ثقة ثبت في الحديث، متعبد كبير، من خيار المسلمين. أخرج له الجماعة.
مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير: تكلم فيه الأئمة، فضعفه أحمد، وابن معين، وغيرهم. وأثنى عليه الزهري. وقال أبو حاتم: "صدوق كثير الغلط، ليس بالقوي، ويروي عنه إسحاق بن سليمان"، ولكن ترجمه البخاري في الكبير ٤/١/٣٥٣، فلم يذكر فيه جرحًا. والظاهر أن من ضعفه فإنما ذهب إلى كثرة غلطه، كما فعل أبو حاتم. وأيًا ما كان، فهو لم ينفرد بهذا الحديث، كما سيأتي في التخريج.
والحديث سيأتي بعضه: ٦٥٣٨، بهذا الإسناد.
ورواه أحمد في المسند: ٩٣٣٣ (٢: ٤١٢ حلبي) ، عن عفان، عن عبد الرحمن بن إبراهيم القاص المدني، عن العلاء بن عبد الرحمن، به، مطولا عما هنا.
وعبد الرحمن بن إبراهيم - هذا - ثقة، وثقه ابن معين وغيره. مترجم في التعجيل، وابن أبي حاتم ٢/٢/٢١١.
ورواه مسلم -مطولا أيضًا- ١١: ٤٦-٤٧، وابن حبان في صحيحه: ١٣٩ (١: ٢٢٥-٢٢٦- من مخطوطة الإحسان) - كلاهما من طريق يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن العلاء، به.
ونقله ابن كثير ٢: ٧٩-٨٠، عن رواية المسند.
وأشار إليه الحافظ في الفتح ٨: ١٥٤، من رواية مسلم.
وذكره السيوطي ١: ٣٧٤، وزاد نسبته لأبي داود في ناسخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. ولم ينسبه لصحيح ابن حبان.]]
٦٤٥٧ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا أبي = قال، حدثنا سفيان، عن آدم بن سليمان مولى خالد بن خالد، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدّث، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفرُ لمن يشاء ويعذب من يشاء"، دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء، فقال رسول الله ﷺ:"سمعنا وأطعنا وسلَّمنا. قال: فألقى الله عز وجل الإيمان في قلوبهم، قال: فأنزل الله عز وجل: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ = قال أبو كريب: فقرأ: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ = قال فقال: قد فعلت = ﴿رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبِلْنَا﴾ = قال: قد فعلت = ﴿رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ = قال: قال: قد فعلت = ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ = قال: قد فعلت. [[الحديث: ٦٤٥٧- سفيان بن وكيع يرويه عن أبيه. وأبوه يرويه عن سفيان، وهو الثوري، ووقع في المطبوعة هنا حذف قوله"قال: حدثنا أبي". وهو خطأ. وسيأتي الإسناد على الصواب: ٦٥٣٧، حيث روى الطبري بعضه مختصرًا. بهذا الإسناد.
آدم بن سليمان القرشي، مولى خالد بن بن خالد بن عقبة بن أبي معيط: ثقة، وهو والد يحيى بن آدم صاحب كتاب الخراج.
والحديث رواه أحمد في المسند: ٢٠٧٠، عن وكيع، بهذا الإسناد.
وكذلك رواه مسلم ١: ٤٧، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي كريب، وإسحاق بن إبراهيم - وهو ابن راهويه-: ثلاثتهم عن وكيع، به.
وفي التهذيب، في ترجمة آدم بن سليمان، أن مسلمًا أخرج له هذا الحديث الواحد متابعة؛ وليس كذلك، بل هو أصل لا متابعة، إذ لم يروه مسلم من طريق غيره.
ورواه الحاكم في المستدرك ٢: ٢٨٦، من طريق ابن راهويه، عن وكيع. وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
وذكره ابن كثير ٢: ٨١، عن رواية المسند. ثم أشار إلى رواية مسلم.
وأشار إليه الحافظ في الفتح ٨: ١٥٤، من رواية مسلم.
وذكره السيوطي ١: ٣٧٤، وزاد نسبته للترمذي، والنسائي، وابن المنذر، والبيهقي في الأسماء والصفات.
وسيأتي بعض معناه: ٦٤٦٤، عن سعيد بن جبير، مرسلا غير متصل، فيستفاد وصله من هذه الرواية.]]
٦٤٥٨ - حدثني أبو الردّاد المصري عبد الله بن عبد السلام قال، حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد، عن حيوة بن شريح قال، سمعت يزيد بن أبي حبيب يقول: قال ابن شهاب، حدثني سعيد ابن مرجانة قال: جئتُ عبد الله بن عمر فتلا هذه الآية:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاءُ ويعذب من يشاء". ثم قال ابن عمر: لئن آخذَنا بهذه الآية، لنهلِكنّ! ثم بكى ابن عمر حتى سالت دُموعه. قال، ثم جئتُ عبدَ الله بن العباس فقلت: يا أبا عباس، إني جئت ابن عمر فتلا هذه الآية:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" الآية، ثم قال: لئن وَاخذنا بهذه الآية لنهلكنّ! ثم بكى حتى سالت دموعه! فقال ابن عباس: يغفر الله لعبد الله بن عمر! لقد فَرِق أصحابُ رسول الله ﷺ منها كما فَرِق ابن عمر منها، فأنزل الله: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ ، فنسخ الله الوَسوسة، وأثبت القول والفعلَ. [[الحديث: ٦٤٥٨- أبو الرداد المصري، عبد الله بن عبد السلام - شيخ الطبري: ثقة ترجمة ابن أبي حاتم ٢/٢/١٠٧، وقال: "سمعنا منه بمصر، وهو صدوق".
أبو زرعة وهب الله بن راشد: هذه أول مرة يثبت فيها اسمه في المطبوعة على الصواب، فقد مضى في: ٢٣٧٧، ٢٨٩١، ٥٣٨٦- وكان فيها كلها محرفًا في المطبوعة. وترجمنا له في أولهن.
سعيد ابن مرجانة: هو سعيد بن عبد الله، مولى قريش. ومرجانة - بفتح الميم وسكون الراء: أمه. قال الحافظ في التهذيب: "فعلى هذا فيكتب: ابن مرجانة - بالألف". وهو تابعي ثقة. ثبت سماعه من أبي هريرة، خلافًا لمن زعم غير ذلك، كما بينا في المسند: ٧٥٨٣.
والحديث سيأتي عقبه: ٦٤٥٩، من وجه آخر عن ابن شهاب. ونذكر تخريجه هناك.]]
٦٤٥٩- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن مرجانة يحدث: أنه بينا هو جالس سمع عبد الله بن عمر تلا هذه الآية،"لله ما في السموات وما في الأرض وَإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" الآية، فقال: والله لئن آخذنا الله بهذا لنهلِكنّ! ثم بكى ابن عمر حتى سُمع نَشيجه، فقال ابن مرجانة: فقمت حتى أتيت ابن عباس فذكرتُ لهُ ما تلا ابن عمر، وما فعل حين تلاها، فقال عبد الله بن عباس: يغفر الله لأبي عبد الرحمن! لعمري لقد وَجَد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وَجد عبد الله بن عمر، فأنزل اللهُ بعدها ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ إلى آخر السورة. قال ابن عباس: فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها، وصار الأمر إلى أن قضى الله عز وجل أنّ للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القوْل والفعل. [[الحديث: ٦٤٥٩- هو الحديث السابق، نحوه.
وقد ذكره ابن كثير ٢: ٨١-٨٢، عن هذا الموضع من الطبري.
وذكره الحافظ في الفتح ٨: ١٥٤، مختصرًا، عن هذا الموضع أيضًا. قال: "أخرج الطبري، بإسناد صحيح عن الزهري. . . "- إلخ.
وذكره السيوطي ١: ٣٧٤، ونسبه لعبد بن حميد، وأبي داود في ناسخه، وابن جرير، والطبراني، والبيهقي في الشعب.
وانظر الأحاديث الآتية: ٦٤٦٠-٦٤٦٤.]]
٦٤٦٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، سمعتُ الزهري يقول في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، قال: قرأها ابن عمر فبكى وقال: إنا لمؤاخذون بما نحدِّث به أنفسنا! فبكى حتى سُمع نشيجه، فقام رجل من عنده فأتى ابن عباس فذكر ذلك له، فقال: رَحم الله ابن عُمر! لقد وَجَد المسلمون نحوًا مما وَجدَ، حتى نزلت: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ . [[الحديث: ٦٤٦٠- هذا حديث مرسل، لم يسمعه الزهري، من ابن عمر، ولا من ابن عباس. وهو مختصر من الحديثين قبله، ومن الحديث: ٦٤٦٢. فقد سمع الزهري القصة من سعيد ابن مرجانة، ومن سالم بن عبد الله بن عمر.]]
٦٤٦١ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد قال: كنت عند ابن عمر فقال:"وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" الآية، فبكى. فدخلت على ابن عباس فذكرت له ذلك، فضحك ابن عباس فقال: يرحم الله ابن عمر! أوَ ما يدري فيم أنزلت؟ إن هذه الآية حين أنزلت غَمَّت أصحاب رسول الله ﷺ غمًّا شديدًا وقالوا: يا رسول الله، هلكنا! فقال لهم رسول الله ﷺ: قولوا:"سمعنا وأطعنا"، فنسختها: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ فَتُجُوِّز لهم منْ حديث النفس، وأخِذوا بالأعمال. [[الحديث: ٦٤٦١- جعفر بن سليمان: هو الضبعي، وقد مضى توثيقه في: ٢٩٠٥.
حميد الأعرج: هو حميد بن قيس المكي، قارئ أهل مكة. مضى توثيقه في: ٣٣٥٢.
والحديث رواه أحمد في المسند: ٣٠٧١، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن حميد الأعرج، به.
فظهر من رواية الطبري هذه: أن عبد الرزاق سمعه من شيخين، من معمر، ومن جعفر بن سليمان - كلاهما حدثه به عن حميد الأعرج.
وقد ذكره ابن كثير ٢: ٨١، عن رواية أحمد في المسند، وكذلك ذكره الحافظ في الفتح ٨: ١٥٤، عن رواية أحمد.
وذكره السيوطي ١: ٣٧٤، وزاد نسبته لعبد الرزاق، وابن المنذر.
وهو في معنى الأحاديث السابقة: ٦٤٥٨-٦٤٦٠.
وقوله: "كنت عند ابن عمر فقال: (وإن تبدوا ما في أنفسكم) . . . " - هكذا في المخطوطة والمطبوعة. ولعل صوابه: "فقرأ"، بدل"فقال". وهو الثابت في رواية المسند ومن نقل عنه.
وقوله في آخر الحديث: "فتجوز لهم من حديث النفس" - هكذا في المخطوطة والمطبوعة أيضًا. ولعل صوابه"عن حديث النفس"، كرواية المسند.]]
٦٤٦٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم: أن أباه قرأ:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، فدمعت عينه، فبلغ صَنِيعه ابنَ عباس، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن! لقد صَنعَ كما صنع أصحاب رسول الله ﷺ حين أنزلتْ، فنسختها الآية التي بعدها: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ . [[الحديث: ٦٤٦٢- سفيان بن حسين الواسطي: مضى الكلام في روايته عن الزهري، وأن فيها تخاليط، في ٣٤٧١. ولكن يظهر لي الآن أن في هذا غلوًا من ابن حبان. فإن البخاري ترجم له في الكبير ٢/٢/٩٠، وأشار إلى رواية عن الزهري، فلم يذكر فيها قدحًا، ثم إن الأئمة صححوا هذا الحديث من روايته عن الزهري، كما سيجيء.
فالحديث رواه أبو جعفر بن النحاس في الناسخ والمنسوخ، ص: ٨٦. والحاكم في المستدرك ٢: ٢٨٧ - كلاهما من طريق يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، بهذا الإسناد. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
ثم قد ذكره ابن كثير ٢: ٨٢، عن هذا الموضع - بعد الروايات السابقة، ثم قال: "فهذه طرق صحيحة عن ابن عباس".
وقد رجحت توثيق سفيان بن حسين - وفي روايته عن الزهري - فيما كتبت تعليقًا على تهذيب السنن للمنذري، ج٣ ص: ٤٠٢، فأنسيته حين كتبت ما مضى في: ٣٤٧١.
والحديث ذكره أيضًا السيوطي ١: ٣٧٤، وزاد نسبته لابن أبي شيبة.]]
٦٤٦٣ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال: نسخت هذه الآية:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" - ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ . [[الحديث: ٦٤٦٣- أبو أحمد: هو الزبيري، محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي. وهو يروي عن سفيان الثوري. ويروي عنه محمد بن بشار.
وهذا الحديث مرسل، لأنه حكاية من سعيد بن جبير عن إخبار بنسخ الآية.
وقد سبقت رواية لسعيد بن جبير عن ابن عباس: ٦٤٥٧، لعلها تشير إلى هذا المعنى.]]
٦٤٦٤ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان، عن آدم بن سليمان، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت هذه الآية:"إن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، قالوا: أنؤاخذ بما حدِّثنا به أنفسنا، ولم تعمل به جوارحنا؟ قال: فنزلت هذه الآية: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ ، قال: ويقول: قد فعلت. قال: فأعطيت هذه الأمة خواتيم"سورة البقرة"، لم تُعطها الأمم قبلها. [[الحديث: ٦٤٦٤- وهذا حديث مرسل أيضًا، من رواية سعيد بن جبير، ولكنه بعض معنى الحديث السابق: ٦٤٥٧، الذي رواه سعيد عن ابن عباس متصلا.
وسيأتي بعضه: ٦٥٣٩، بهذا الإسناد، مع تحريف في اسم الراوي عن سفيان، كما سنذكر هناك، إن شاء الله.]]
٦٤٦٥ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح قال، حدثنا إسماعيل، عن عامر:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء"، قال: فنسختها الآية بعدها، قوله: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ .
٦٤٦٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: نسختها الآية التي بعدها: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ = وقوله:"وإن تُبدوا"، قال: يحاسب بما أبدَى من سرّ أو أخفى من سر، فنسختها التي بعدها.
٦٤٦٧- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا سيّار، عن الشعبي، قال: لما نزلت هذه الآية:"وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفرُ لمن يشاء ويعذب من يشاء"، قال: فكان فيها شدّة، حتى نزلت هذه الآية التي بعدها: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ ، قال: فنسخت ما كان قبلها.
٦٤٦٨ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون قال: ذكروا عند الشعبي:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" حتى بلغ ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ ، قال، فقال الشعبي: إلى هذا صار، رجَعتْ إلى آخر الآية.
٦٤٦٩ - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:"وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، قال قال ابن مسعود: كانت المحاسبة قبل أن تنزل: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ ، فلما نزلت نسخت الآية التي كانت قبلها.
٦٤٧٠- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يذكر، عن ابن مسعود نحوه.
٦٤٧١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن بيان، عن الشعبي قال: نسخت"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" = ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ .
٦٤٧٢ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب = وسفيان، عن جابر، عن مجاهد = وعن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد قالوا: نسخت هذه الآية ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ ،"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه"، الآية.
٦٤٧٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أ، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة وعامر بمثله.
٦٤٧٤ - حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج قال: حدثنا حماد، عن حميد، عن الحسن في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" إلى آخر الآية، قال: محتها: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ . [[الأثر: ٦٤٧٤-"حماد" هو حماد بن سلمة، و"حميد" هو حميد الطويل. وكان في المطبوعة والمخطوطة"حماد بن حميد"، وليس في رواة الأثر من يعرف بهذا الاسم، وحجاج بن المنهال يروي عن حماد بن سلمة، وحماد يروي عن خاله حميد الطويل، وحميد الطويل يروي عن الحسن.]]
٦٤٧٥ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أنه قال: نسخت هذه الآية = يعني قوله: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ = الآية التي كانت قبلها:"وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله".
٦٤٧٦ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: نسختها قوله: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ .
٦٤٧٧ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني ابن زيد قال: لما نزلت هذه الآية:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" إلى آخر الآية، اشتدّت على المسلمين، وشقَّتْ مشقةً شديدة، فقالوا: يا رسول الله، لو وَقع في أنفسنا شيء لم نعمل به وَأخذنا الله به؟ قال:"فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل:"سمعنا وعصينا"! قالوا: بل سمعنا وأطعنا يا رسول الله! قال: فنزل القرآن يفرِّجها عنهم:"آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله" إلى قوله: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ ، قال: فصيَّره إلى الأعمال، وترك ما يقع في القلوب.
٦٤٧٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا هشيم، عن سيارٍ عن أبي الحكم، عن الشعبي، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود في قوله:"وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: نسخت هذه الآية التي بعدَها: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ .
٦٤٧٩ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"وإن تبدُوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: يوم نزلت هذه الآية كانوا يؤاخذون بما وَسْوست به أنفسهم وما عملوا، فشكوا ذلك إلى النبي ﷺ، فقالوا: إن عمل أحدُنا وإن لم يعملْ أخِذنا به؟ والله ما نملك الوَسوسة!! فنسخها الله بهذه الآية التي بعدُ بقوله: [[في المطبوعة: "التي بعدها بقوله"، وأثبت ما في المخطوطة.]] ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ الآية، فكان حديث النفس مما لم تطيقوا. [[في المخطوطة والمطبوعة: "مما لم تطيقوا، الآية" أخر الناسخ"الآية"، فرددتها إلى مكانها قبل.]]
* * *
٦٤٨٠ - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: نسختها قوله: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ .
وقال آخرون = ممن قال معنى ذلك:"الإعلام من الله عز وجل عبادَه أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وعملته جوارحهم، وبما حدثتهم به أنفسهم مما لم يعلموه"= [[انظر ما سلف ص: ١٠٣ وما بعدها.]] "هذه الآية محكمة غيرُ منسوخة، والله عز وجل محاسبٌ خلقَه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما أصرّوه في أنفسهم ونووه وأرادُوه، فيغفره للمؤمنين، ويؤاخذ به أهلَ الكفر والنفاق".
* ذكر من قال ذلك:
٦٤٨١ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله:"وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، فإنها لم تنسخ، ولكن الله عز وجل إذا جَمع الخلائق يوم القيامة، يقول الله عز وجل:"إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي"، فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدَّثوا به أنفسهم، وهو قوله:"يحاسبكم به الله"، يقول: يخبركم. وأما أهل الشك والرَّيْب، فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب، [[في المخطوطة والمطبوعة بعد قوله: "من التكذيب" ما نصه: "وهو قوله: فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء". وهي زيادة بلا شك من الناسخ. فإلا تكن منه، فمكانها قبل ذلك بعد قوله"يحاسبكم به الله" وقبل قوله: "وأما أهل الشك والريب. . . "، ولكني آثرت إسقاطها، لأن السيوطي خرجه في الدر المنثور ١: ٣٧٥ بغير ذكر هذه الزيادة في الموضعين.]] وهو قوله: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [سورة البقرة: ٢٢٥] ، من الشكّ والنفاق.
٦٤٨٢ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، فذلك سِرُّ عملكم وعلانيته، يحاسبكم به الله، فليس من عبد مؤمن يُسرّ في نفسه خيرًا ليعمل به، فإن عمل به كُتبت له به عشرُ حسنات، وإن هو لم يُقدَر له أن يعمل به كتبت له به حسنة، من أجل أنه مؤمن، والله يَرْضى سرّ المؤمنين وعلانيتهم. وإن كان سُوءًا حدَّث به نفسه، اطلع الله عليه وأخبره به يوم تُبلى السرائر، وإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه الله به حتى يعمل به، فإن هو عمل به تجاوَز الله عنه، كما قال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ [سورة الأحقاف: ١٦] .
٦٤٨٣ - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ ، الآية، قال: قال ابن عباس: إن الله يقول يوم القيامة:"إن كُتّابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظَهر منها، فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليومَ، فأغفر لمن شئت وأعذّب من شئت".
٦٤٨٤ - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا علي بن عاصم قال، أخبرنا بيان، عن بشر، عن قيس بن أبي حازم قال: إذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل يُسمع الخلائق:"إنما كان كُتّابي يكتبون عليكم ما ظهر منكم، فإما ما أسررتم فلم يكونوا يكتبونه ولا يعلمونه، أنا اللهُ أعلم بذلك كله منكم، فأغفر لمن شئتُ، وأعذّب من شئت".
٦٤٨٥ - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، كان ابن عباس يقول: إذا دعي الناس للحساب أخبرَهم الله بما كانوا يسرُّون في أنفسهم مما لم يعملوه فيقول:"إنه كان لا يعزُب عني شيء، وإني مخبركم بما كنتم تسرُّون من السُّوء، ولم تكن حفظتكم عليكم مطَّلعين عليه". فهذه المحاسبة.
٦٤٨٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك، عن ابن عباس نحوه.
٦٤٨٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: هي محكمة، لم ينسخها شيء يقول:"يحاسبكم به الله"، يقول: يعرّفه الله يوم القيامة:"إنك أخفيتَ في صدرك كذا وكذا"! لا يؤاخذه.
٦٤٨٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن قال: هي محكمة لم تنسخ.
٦٤٨٩ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، قال، حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: من الشك واليقين.
٦٤٩٠ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، يقول: في الشك واليقين. [[في المطبوعة: "في اليقين والشك"، قدم وأخر، وأثبت ما في المخطوطة.]]
٦٤٩١ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل هذه الآية على قول ابن عباس الذي رواه على بن أبي طلحة: [[هو رقم: ٦٤٨١.]] وإن تبدوا ما في أنفسكم من شيء من الأعمال فتظهروه بأبدانكم وجوارحكم، أو تخفوه فتسروه في أنفسكم، فلم يطلع عليه أحد من خلقي، أحاسبكم به، فأغفر كل ذلك لأهل الإيمان، وأعذِّب أهلَ الشرك والنفاق في ديني.
* * *
وأما على الرواية التي رواها عنه الضحاك من رواية عبيد بن سليمان عنه، [[هي رقم: ٦٤٨٦.]] وعلى ما قاله الربيع بن أنس، [[هو رقم: ٦٤٨٧.]] فإن تأويلها: إنْ تظهروا ما في أنفسكم فتعملوه من المعاصي، أو تضمروا إرادته في أنفسكم فتخفوه، يُعْلمكم به الله يوم القيامة، فيغفر لمن يشاء، ويعذّب من يشاء.
* * *
وأما قول مجاهد، [[هو رقم: ٦٤٨٩ وما بعده.]] فشبيهٌ معناه بمعنى قول ابن عباس الذي رواه علي بن أبي طلحة.
* * *
وقال آخرون = ممن قال:"هذه الآية محكمة، وهي غير منسوخة"، ووافقوا الذين قالوا:"معنى ذلك: أن الله عز وجل أعلم عبادَه ما هو فاعل بهم فيما أبدَوْا وأخفوا من أعمالهم" = معناها: إن الله محاسبٌ جميعَ خلقه بجميع ما أبدَوْا من سيئ أعمالهم، وجميع ما أسروه، وُمعاقبهم عليه. غيرَ أن عقوبته إياهم على ما أخفوه مما لم يعملوه، ما يحدث لهم في الدنيا من المصائب والأمور التي يحزَنون عليها ويألمون منها.
* ذكر من قال ذلك:
٦٤٩٢ - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، الآية، قال: كانت عائشة رضي الله عنها تقول: من همّ بسيئة فلم يعملها، أرسل الله عليه من الهم والحزَن مثل الذي همّ به من السيئة فلم يعملها، فكانت كفّارته.
٦٤٩٣ - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: كانت عائشة تقول: كل عبد يهمّ بمعصية، أو يحدّث بها نفسه، حاسبه الله بها في الدنيا، يخافُ ويحزن ويهتم.
٦٤٩٤ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني أبو تميلة، عن عبيد، عن الضحاك قال: قالت عائشة في ذلك: كل عبد همّ بسوء ومعصية، وحدّث نفسه به، حاسبه الله في الدنيا، يخاف ويحزَن ويشتدّ همّه، لا يناله من ذلك شيء، كما همّ بالسوء ولم يعمل منه شيئًا.
٦٤٩٥ - حدثنا الربيع قال، حدثنا أسد بن موسى قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أميّة أنها سألت عائشة عن هذه الآية:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" و ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [سورة النساء: ١٢٣] فقالت: ما سألني عنها أحد مذْ سألت رسول الله ﷺ، فقال: يا عائشة، هذه متابعة الله العبدَ بما يصيبه من الحمَّى والنكبة والشَّوكة، حتى البضاعة يضعها في كمِّه فيفقدها، فيفزع لها فيجدُها في ضِبْنه، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرُج التبر الأحمر من الكير. [[الحديث: ٦٤٩٥ - علي بن زيد: هو ابن جدعان.
أمية: هي بنت عبد الله، وهي تابعية لم ترو عن عائشة غير هذا الحديث. وعلي بن زيد، هو بن زوجها. وقد مضى البيان عن ترجمتها في: ٤٨٩٧.
ووقع في المطبوعة هنا: "عن أمه". وهو خطأ. وقع مثل ذلك في بعض نسخ الترمذي. ولو صحت هذه النسخ لم يكن بذلك بأس، إذ لا يبعد أن يسميها ربيبها"أمه".
والحديث رواه الطيالسي: ١٥٨٤، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن"أمية بنت عبد الله".
ورواه أحمد في المسند ٦: ٢١٨ (حلبي) ، عن بهز، عن حماد - وهو ابن سلمة، وفيه: "عن أمية".
ورواه الترمذي ٤: ٧٨-٧٩، من طريق روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة، به. وفيه: "عن أمية"، قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من حديث عائشة، لا نعرفه إلا من حديث حماد ابن سلمة".
ورواه ابن أبي حاتم - فيما نقله عنه ابن كثير ٢: ٨٥- من طريق سليمان بن حرب، عن حماد ابن سلمة. وفيه"عن أبيه" بدل"عن أمية"؛ وهو تحريف مطبعي.
وقال ابن كثير: "علي بن زيد بن جدعان: ضعيف يغرب في رواياته. وهو يروي هذا الحديث عن امرأة أبيه: أم محمد أمية بنت عبد الله عن عائشة، وليس لها عنها في الكتب سواه".
أقول: وعلي بن زيد ليس بضعيف، كما قلنا في: ٤٨٩٧، وكما رجحنا في شرح المسند: ٧٨٣.
وذكره السيوطي ١: ٣٧٥، وزاد نسبته لابن المنذر، والبيهقي في الشعب.
قول"هذه متابعة الله العبد" - يعني ما يصيب الإنسان ما يؤلمه، يتابعه الله به ليكفر عنه من سيئاته. وهذا هو الثابت في الطبري والمسند. والذي في الطيالسي والترمذي والدر المنثور: "معاتبة الله" ومعناه قريب من هذا. وفي ابن كثير: "مبايعة". وهو تحريف.
النكبة - بفتح النون: أن ينكبه الحجر إذا أصاب ظفره أو إصبعه. ومنه قيل لما يصيب الإنسان: نكبة.
البضاعة: اليسير من المال تبعثه في التجارة، ثم سميت السلعة: بضاعة.
الضبن - بكسر فسكون: ما بين الإبط والكشح.
التبر: فتات الذهب والفضة قبل أن يصاغ، فإذا صيغ فهو ذهب أو فضة.
الكير- بكسر الكاف، كير الحداد: وهو زق أو جلد غليظ ذو حافات، ينفخ النار حتى تتوهج.]]
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية قول من قال:"إنها محكمة، وليست بمنسوخة". وذلك أن النسخ لا يكون في حكم إلا بنفيه بآخر، هو له ناف من كل وجوهه. [[في المطبوعة: "إلا ينفيه"، بالياء في أوله، وهو في المخطوطة غير منقوط. وفيهما معًا"بآخر له ناف"، والصواب زيادة"هو" كما أثبت. وبذلك يستقيم الكلام.
وانظر ما قال في"النسخ" فيما سلف ص: ٥٤، والتعليق: ١.]] وليس في قوله جل وعز:"لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"، نفى الحكم الذي أعلم عبادَه بقوله:"أو تخفوه يحاسبكم به الله". لأن المحاسبة ليست بموجبة عقوبةً، ولا مؤاخذةً بما حوسب عليه العبد من ذنوبه.
وقد أخبر الله عز وجل عن المجرمين أنهم حين تعرض عليهم كتب أعمالهم يوم القيامة يقولون: (يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا) [سورة الكهف: ٤٩] . فأخبر أن كتبهم محصيةٌ عليهم صغائرَ أعمالهم وكبائرَها، فلم تكن الكتب - وإن أحصت صغائرَ الذنوب وكبائرَها - بموجبِ إحصاؤها على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأهل الطاعة له، أن يكونوا بكل ما أحصته الكتب من الذنوب معاقبين. لأن الله عز وجل وَعدهم العفوَ عن الصغائر، باجتنابهم الكبائر فقال في تنزيله: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا﴾ [سورة النساء: ٣١] . فذلك محاسبة الله عبادَه المؤمنين بما هو محاسبهم به من الأمور التي أخفتها أنفسهم، غيرَ موجبٍ لهم منه عقوبة، [[في المطبوعة: "فدل أن محاسبة الله. . . "، وأثبت ما في المخطوطة. وفي المطبوعة والمخطوطة بعد: "غير موجبة لهم منه عقوبة"، والسياق يقتضي: "غير موجب. . " كما أثبتها.]] بل محاسبته إياهم - إن شاء الله - عليها، ليعرّفهم تفضُّله عليهم بعفوه لهم عنها، كما بلغنا عن رسول الله ﷺ في الخبر الذي:-
٦٤٩٦ - حدثني به أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت أبي، عن قتادة، عن صَفوان بن مُحْرز، عن ابن عمر، عن نبي الله ﷺ قال: يُدْني الله عبدَه المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كَنَفه، فيقرِّره بسيئاته يقول: هل تعرف؟ فيقول: نعم! فيقول: سترتها في الدنيا وأغفرها اليوم! ثم يظهر له حسناته فيقول: ﴿هَاؤُمُ اقْرَأُوا كِتَابِيَهْ﴾ [سورة الحاقة: ١٩] أو كما قال = وأما الكافر فإنه ينادي به على رؤوس الأشهاد. [[الحديث: ٦٤٩٦- صفوان بن محرز المازني: تابعي ثقة جليل، له فضل وورع. والحديث مختصر من الذي بعده. وسنذكر تخريجه فيه، إن شاء الله.]]
٦٤٩٧ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، وهشام = وحدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا هشام = قالا جميعا في حديثهما عن قتادة، عن صفوان بن محرز قال: بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف، إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر، أما سمعت رسول الله ﷺ يقول في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه فيقول:"هل تعرف كذا"؟ فيقول:"رب اغفر" - مرتين - حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال:"فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم". قال: فيعطى صحيفة حسناته - أو: كتابه - بيمينه، وأما الكفار والمنافقون فينادي بهم على رؤوس الأشهاد: ﴿هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ . [[الحديث: ٦٤٩٧- سعيد: هو ابن أبي عروبة، الثقة المأمون الحافظ. وهشام: هو ابن أبي عبد الله الدستوائي.
ووقع في المطبوعة: "حدثنا ابن أبي عدي، وسعيد، وهشام"، وهو تحريف.
وصوابه: "عن سعيد"، لأن ابن أبي عدي - وهو محمد بن إبراهيم - إنما يروي عن ابن أبي عروبة وعن هشام الدستوائي. فهو ليس من طبقتهما. ثم هو لم يدرك أن يروي عن قتادة. وكذلك ابن بشار - وهو محمد بن بشار. شيخ الطبري - إنما يروي عن ابن أبي عدي وطبقته، لم يدرك أن يروي عن ابن أبي عروبة والدستوائي.
وأيضًا، فإن قوله في الإسناد - بعد تحويله إلى ابن علية عن هشام-"قالا جميعا في حديثهما عن قتادة"، يرجع ضمير المثنى فيه إلى سعيد وهشام، دون ابن أبي عدي. إذ لو كان معهما لكان القول أن يقول: "قالوا جميعا".
ثم قد ثبت أنه"عن سعيد" في نقل ابن كثير هذا الحديث عن هذا الموضع ٢: ٨٤، وإن وقع فيه خطأ مطبعي آخر، إذ فيه: "عن سعيد بن هشام" بدل"وهشام". وفيه بعد ابن علية"حدثنا ابن هشام" بزيادة"ابن" زيادة هي غلط غير مستساغ.
ثم الحديث سيأتي في تفسر الطبري ١٢: ١٤ (بولاق) ، بهذا الإسناد، على الصواب. ولكنه جعله هناك إسنادين: فصل إسناد ابن علية عن إسناد ابن أبي عدي.
والحديث رواه أحمد في المسند: ٥٤٣٦، عن بهز وعفان، كلاهما عن همام - وهو ابن يحيى- عن قتادة، بهذا الإسناد.
ورواه أيضًا: ٥٨٢٥، عن عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، وهو ابن أبي عروبة، عن قتادة، به.
ورواه البخاري ٥: ٧٠ (فتح) ، ومسلم ٢: ٣٢٩ - كلاهما من طريق هشام الدستوائي، عن قتادة، به.
ورواه البخاري أيضًا ٨: ٢٦٦-٢٦٧، من طريق سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي، عن قتادة.
ورواه أيضًا: ١٠: ٤٠٦-٤٠٧، و ١٣: ٣٩٧-٣٩٨، من طريق أبي عوانة، عن قتادة
ورواه أبو جعفر بن النحاس، في كتاب الناسخ والمنسوخ، ص: ٨٦-٨٧، من طريق ابن علية، عن هشام. وقال: "وإسناده إسناد لا يدخل القلب منه لبس. وهو من أحاديث أهل السنة والجماعة".
وذكره ابن كثير ٢: ٨٤-٨٥، كما قلنا من قبل، عن هذا الموضع من الطبري.
وذكره أيضًا ٤: ٣٥٣، عن رواية المسند الأولى.
وذكره السيوطي ٣: ٣٢٥. وزاد نسبته لابن المبارك، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات.
ونسبه القسطلاني ٤: ٢٠٦، للنسائي في التفسير والرقائق، وابن ماجه في السنة.
ووقع في المخطوطة - هنا -"وأما الكفار أو المنافقين"، وهو خطأ واضح.]] [سورة هود: ١٨] .
* * *
= أن الله يفعل بعبده المؤمن: [[سياق هذه الجملة من قبل الخبرين السالفين: "كما بلغنا عن رسول الله ﷺ. . . أن الله يفعل بعبده المؤمن. . . "، فجملة"أن الله يفعل"، هي فاعل قوله: "بلغنا".]] من تعريفه إياه سيئات أعماله، حتى يعرفه تفضله عليه بعفوه له عنها. فكذلك فعله تعالى ذكره في محاسبته إياه بما أبداه من نفسه وبما أخفاه من ذلك، ثم يغفر له كل ذلك بعد تعريفه تفضله وتكرمه عليه، فيستره عليه. وذلك هو المغفرة التي وعد الله عباده المؤمنين فقال:"فيغفر لمن يشاء". [[في المطبوعة: "يغفر لمن يشاء" بغير فاء، وأثبت نص الآية كما في المخطوطة.]]
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فإن قوله:"لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"، ينبئ عن أن جميع الخلق غير مؤاخذين إلا بما كسبته أنفسهم من ذنب، ولا مثابين إلا بما كسبته من خير؟
قيل: إن ذلك كذلك، وغير مؤاخذ العبد بشيء من ذلك إلا بفعل ما نهي عن فعله، أو ترك ما أمر بفعله.
فإن قال: فإذ كان ذلك كذلك، فما معنى وعيد الله عز وجل إيانا على ما أخفته أنفسنا بقوله:"ويعذب من يشاء"، إن كان لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وما أضمرته قلوبنا وأخفته أنفسنا -: من هم بذنب، أو إرادة لمعصية - لم تكتسبه جوارحنا؟
قيل له: إن الله جل ثناؤه قد وعد المؤمنين أن يعفو لهم عما هو أعظم مما هم به أحدهم من المعاصي فلم يفعله، وهو ما ذكرنا من وعده إياهم العفو عن صغائر ذنوبهم إذا هم اجتنبوا كبائرها، وإنما الوعيد من الله عز وجل بقوله:"ويعذب من يشاء"، سعلى ما أخفته نفوس الذين كانت أنفسهم تخفي الشك في الله، والمرية في وحدانيته، أو في نبوة نبيه ﷺ وما جاء به من عند الله، أو في المعاد والبعث - من المنافقين، [[سياق الجملة: "على ما أخفته نفوس الذين كانت أنفسهم تخفي الشك في الله. . من المنافقين"، وما بينهما صفات فاصلة.]] على نحو ما قال ابن عباس ومجاهد، ومن قال بمثل قولهما، إن تأويل قوله:"أو تخفوه يحاسبكم به الله"، على الشك واليقين.
غير أنا نقول إن المتوعد بقوله:"ويعذب من يشاء"، هو من كان إخفاء نفسه ما تخفيه الشك والمرية في الله، [[قوله: "الشك والمرية. . . " خبر"كان".]] وفيما يكون الشك فيه بالله كفرا = والموعود الغفران بقوله: [[قوله: "الموعود" منصوب معطوف على قوله"إن المتوعد. . . "، وقوله: "الغفران" منصوب باسم المفعول وهو"الموعود"، أي الذي وعد الغفران.]] "فيغفر لمن يشاء" هو الذي إخفاء ما يخفيه، [[في المطبوعة: "هو الذي أخفى وما يخفيه الهمة بالتقدم. . . " وفي المخطوطة: "هو الذي إحفا وما يخفيه +الهمه" غير منقوطة بهذا الرسم: وصواب قراءة المخطوطة هو ما أثبت.]] الهمة بالتقدم على بعض ما نهاه الله عنه من الأمور التي كان جائزا ابتداءً تحليلُه وإباحته، فحرمه على خلقه جل ثناؤه = [[قوله: "أو على ترك. . . " معطوف على قوله آنفًا: "بالتقدم على بعض ما نهاه. . . "]] أو على ترك بعض ما أمر الله بفعله، مما كان جائزا ابتداءً إباحة تركه، فأوجب فعله على خلقه. فإن الذي يهم بذلك من المؤمنين - إذا هو لم يصحح همه بما يهم به، ويحقق ما أخفته نفسه من ذلك بالتقدم عليه - لم يكن مأخوذا به، كما روي عن رسول الله ﷺ أنه قال:
٦٤٩٨ -"من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه". [[الأثر: ٦٤٩٨- لم يذكر الطبري إسناده، وأحاديث تجاوز الله عن حديث النفس في مسلم ٢: ١٤٦- ١٥٢ بغير هذا اللفظ، ثم سائر كتب السنة.]]
* * *
فهذا الذي وصفنا هو الذي يحاسب الله به مؤمني عباده، ثم لا يعاقبهم عليه. فأما من كان ما أخفته نفسه شكا في الله وارتيابا في نبوة أنبيائه، فذلك هو الهالك المخلد في النار الذي أوعده جل ثناؤه العذاب الأليم بقوله:"ويعذب من يشاء".
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذا:"وإن تبدوا ما في أنفسكم"، أيها الناس، فتظهروه ="أو تخفوه"، فتنطوي عليه نفوسكم ="يحاسبكم به الله"، فيعرف مؤمنكم تفضله بعفوه عنه ومغفرته له فيغفره له، ويعذب منافقكم على الشك الذي انطوت عليه نفسه في وحدانية خالقه ونبوة أنبيائه. [[في المخطوطة: "فيعرف مؤمنيكم. . . ويعذب منافقيكم" بالجمع، والذي في المطبوعة أصح وأجود.]]
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: والله عز وجل = على العفو عما أخفته نفس هذا المؤمن من الهمة بالخطيئة، وعلى عقاب هذا الكافر على ما أخفته نفسه من الشك في توحيد الله عز وجل ونبوة أنبيائه، ومجازاة كل واحد منهما على كل ما كان منه، وعلى غير ذلك من الأمور = قادر.
{"ayah":"لِّلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ وَإِن تُبۡدُوا۟ مَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ یُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ فَیَغۡفِرُ لِمَن یَشَاۤءُ وَیُعَذِّبُ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق