الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾: ظَنَّ قَوْمٌ أنَّها مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾ [البقرة: ٢٨٦] . (p-٢٧١)وقالَ آخَرُونَ: لا يَجُوزُ تَقْدِيرُ نَسْخِها لِأنَّهُ خَبَرٌ ولا يُنْسَخُ الخَبَرُ، وهَذا بِعِيدٌ. فَإنَّ قَوْلَهُ: ﴿يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾، يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ: إنْ شاءَ أنْ يُحاسِبَكُمْ، إذًا لَمْ يُنْسَخْ، فَيَكُونُ في قَوْلِهِ يُحاسِبْكم إضْمارٌ وتَقْيِيدٌ. وقَدْ قِيلَ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ناسِخُهُ قَوْلَهُ ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾، [البقرة: ٢٨٦] فَإنَّ ذَلِكَ واجِبٌ لا يَجُوزُ وُرُودُ الشَّرْعِ بِخِلافِهِ، وهَذا عَلى قَوْلِ مَن لا يُجَوِّزُ تَكْلِيفَهُ ما لا يُطاقُ، عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾، [البقرة: ٢٨٦] يَمْنَعُ تَكْلِيفَ ما لا يُطاقُ، فَإنَّ قَوْلَهُ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ﴾ لَيْسَ نَصًّا فِيما لا يُطاقُ، بَلْ هو في أعْمالِ القَلْبِ: مِثْلُ الشَّكِّ، أوِ النِّفاقِ، وكِتْمانِ الشَّهادَةِ، وكِتْمانِ الحُقُوقِ، وقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى في مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿ولَكِنْ يُؤاخِذُكم بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥] وقالَ تَعالى: إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُوا. الآيَةُ.وقالَ تَعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [البقرة: ١٠] - أيْ شَكٌّ- نَعَمْ ورَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: «إنَّ اللَّهَ عَفا لِأُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ما لَمْ يَتَكَلَّمُوا أوْ يَعْمَلُوا بِهِ» . وقَدْ حَمَلَهُ العُلَماءُ عَلى ما يَلْزَمُهُ مِنَ الأحْكامِ مِثْلُ الطَّلاقِ، والعَتاقِ، (p-٢٧٢)والبَيْعِ، الَّتِي لا يَلْزَمُهُ حُكْمُها ما لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ، والَّذِي ذَكَرَهُ في الآيَةِ، فِيما يُؤاخِذُ العَبْدُ بِهِ بَيْنَهُ وبَيْنَ اللَّهِ تَعالى في الآخِرَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب