الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلَّهِ ما في السَّماواتِ﴾ الآيَةَ.
(p-٤١١)أخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ مُجاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾ قالَ: نَزَلَتْ في الشَّهادَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، مِن طَرِيقِ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ﴾ الآيَةَ، قالَ: نَزَلَتْ في كِتْمانِ الشَّهادَةِ وإقامَتِها.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ في ”ناسِخِهِ“، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلى أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ جَثَوْا عَلى الرُّكَبِ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، كُلِّفْنا مِنَ الأعْمالِ ما نُطِيقُ؛ الصَّلاةَ والصِّيامَ والجِهادَ والصَّدَقَةَ وقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ ولا نُطِيقُها. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولُوا كَما قالَ أهْلُ الكِتابَيْنِ مِن قَبْلِكم: سَمِعْنا وعَصَيْنا ؟ بَلْ قُولُوا: ﴿سَمِعْنا وأطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ﴾ [البقرة: ٢٨٥]“ فَلَمّا اقْتَرَأها القَوْمُ وذَلَّتْ بِها ألْسِنَتُهم أنْزَلَ اللَّهُ في أثَرِها: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] الآيَةَ، فَلَمّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَها اللَّهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾ [البقرة: ٢٨٦] إلى آخِرِها» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ، والبَيْهَقِيُّ في ”الأسْماءِ والصِّفاتِ“، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾ دَخَلَ في قُلُوبِهِمْ مِنهُ شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ مِن شَيْءٍ فَقالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ: ”قُولُوا سَمِعْنا وأطَعْنا وسَلَّمْنا“ . فَألْقى اللَّهُ الإيمانَ في قُلُوبِهِمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] الآيَةَ - ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قالَ: قَدْ فَعَلَتْ ﴿رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرًا كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قالَ: قَدْ فَعَلْتُ. ﴿رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] . قالَ: قَدْ فَعَلْتُ. ﴿واعْفُ عَنّا واغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا﴾ [البقرة: ٢٨٦] الآيَةَ قالَ: قَدْ فَعَلْتُ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وأحْمَدُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: «دَخَلْتُ عَلى ابْنِ عَبّاسٍ فَقُلْتُ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرِ فَقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ فَبَكى، قالَ: أيَّةُ آيَةٍ ؟ قُلْتُ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ حِينَ أُنْزِلَتْ غَمَّتْ أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَمًّا شَدِيدًا (p-٤١٣)وغاظَتْهم غَيْظًا شَدِيدًا وقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْنا إنْ كُنّا نُؤاخَذُ بِما تَكَلَّمْنا وبِما نَعْمَلُ، فَأمّا قُلُوبُنا فَلَيْسَتْ بِأيْدِينا. فَقالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قُولُوا سَمْعْنا وأطَعْنا، قالَ: فَنَسَخَتْها هَذِهِ الآيَةُ: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] إلى: ﴿وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَتُجُوِّزَ لَهم عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وأُخِذُوا بِالأعْمالِ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وأبُو داوُدَ في ”ناسِخِهِ“، وابْنُ جَرِيرٍ والطَّبَرانِيُّ، والبَيْهَقِيُّ في ”الشُّعَبِ“ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجانَةَ، أنَّهُ بَيْنَما هو جالِسٌ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ﴾ الآيَةَ، فَقالَ: واللَّهِ لَئِنْ آخَذَنا اللَّهُ بِهَذا لَنَهْلِكَنَّ. ثُمَّ بَكى حَتّى سُمِعَ نَشِيجُهُ، قالَ ابْنُ مَرْجانَةَ: فَقُمْتُ حَتّى أتَيْتُ ابْنَ عَبّاسٍ فَذَكَرْتُ لَهُ ما قالَ ابْنُ عُمَرَ وما فَعَلَ حِينَ تَلاها. فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِأبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَعَمْرِي، لَقَدْ وجَدَ المُسْلِمُونَ مِنها حِينَ أُنْزِلَتْ مِثْلَ ما وجَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَها: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾ [البقرة: ٢٨٦] إلى آخِرِ السُّورَةِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَكانَتْ هَذِهِ الوَسْوَسَةُ مِمّا لا طاقَةَ لِلْمُسْلِمِينَ بِها، وصارَ الأمْرُ إلى أنْ قَضى اللَّهُ أنَّ لِلنَّفْسِ ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ مِنَ القَوْلِ والعَمَلِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، والنَّحّاسُ في ”ناسِخِهِ“، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عَنْ سالِمٍ أنَّ أباهُ قَرَأ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾ فَدَمَعَتْ عَيْناهُ، فَبَلَغَ صَنِيعُهُ ابْنَ عَبّاسٍ فَقالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أبا (p-٤١٤)عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَقَدْ صَنَعَ كَما صَنَعَ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ أُنْزِلَتْ، فَنَسَخَتْها الآيَةُ الَّتِي بَعْدَها: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾ [البقرة: ٢٨٦] .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ في ”الزُّهْدِ“، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ نافِعٍ قالَ: لَقَلَّما أتى ابْنُ عُمَرَ عَلى هَذِهِ الآيَةِ إلّا بَكى: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ. ويَقُولُ: إنَّ هَذا لَإحْصاءٌ شَدِيدٌ.
وأخْرَجَ البُخارِيُّ، والبَيْهَقِيُّ في ”الشُّعَبِ“، عَنْ مَرْوانَ الأصْغَرِ، عَنْ رَجُلٍ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ أحْسَبُهُ ابْنَ عُمَرَ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ﴾ قالَ: نَسَخَتْها الآيَةُ الَّتِي بَعْدَها.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والتِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، قالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾ الآيَةَ. أحْزَنَتْنا، قُلْنا: أيُحَدِّثُ أحَدُنا نَفْسَهُ فَيُحاسَبُ بِهِ ؟ لا نَدْرِي ما يُغْفَرُ مِنهُ ولا ما لا يُغْفَرُ مِنهُ ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بَعْدَها فَنَسَخَتْها: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]،
واخْرُجْ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، والطَّبَرانِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في الآيَةِ قالَ: كانَتِ المُحاسَبَةُ قَبْلَ أنْ تَنْزِلَ: ﴿لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] . فَلَمّا (p-٤١٥)نَزَلَتْ نَسَخَتِ الآيَةَ الَّتِي كانَتْ قَبْلَها.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، مِن طَرِيقِ قَتادَةَ، عَنْ عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ في الآيَةِ قالَ: نَسَخَتْها: ﴿لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] .
وأخْرَجَ سُفْيانُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «”إنَّ اللَّهَ تَجاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ما لَمْ تَتَكَلَّمْ وتَعْمَلْ بِهِ“» .
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قالَ: «ما بَعَثَ اللَّهُ مِن نَبِيٍّ ولا أرْسَلَ مِن رَسُولٍ أنْزَلَ عَلَيْهِمُ الكِتابَ إلّا أنْزَلَ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فَكانَتِ الأُمَمُ تَأْبى عَلى أنْبِيائِها ورُسُلِها ويَقُولُونَ: نُؤاخَذُ بِما نُحَدِّثُ بِهِ أنْفُسَنا (p-٤١٦)ولَمْ تَعْمَلْهُ جَوارِحُنا فَيَكْفُرُونَ ويَضِلُّونَ، فَلَمّا نَزَلَتْ عَلى النَّبِيِّ ﷺ اشْتَدَّ عَلى المُسْلِمِينَ ما اشْتَدَّ عَلى الأُمَمِ قَبْلَهم. فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، أنُؤاخَذُ بِما نُحَدِّثُ بِهِ أنْفُسَنا ولَمْ تَعْمَلْهُ جَوارِحُنا ؟ قالَ: ”نَعَمْ، فاسْمَعُوا وأطِيعُوا واطْلُبُوا إلى رَبِّكم“ . فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] الآيَةَ. فَوَضَعَ اللَّهُ عَنْهم حَدِيثَ النَّفْسِ إلّا ما عَمِلَتِ الجَوارِحُ ﴿لَها ما كَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] مِن خَيْرٍ ﴿وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] مِن شَرٍّ، ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قالَ: فَوَضَعَ عَنْهُمُ الخَطَأ والنِّسْيانَ، ﴿رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرًا﴾ [البقرة: ٢٨٦] الآيَةَ. قالَ: فَلَمْ يُكَلَّفُوا ما لَمْ يُطِيقُوا ولَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهِمُ الإصْرَ الَّذِي جُعِلَ عَلى الأُمَمِ قَبْلَهم، وعَفا عَنْهم وغَفَرَ لَهم ونَصَرَهم» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، مِن طَرِيقِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ﴾ فَذَلِكَ سِرُّ أمْرِكَ وعَلانِيَتُكَ، ﴿يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾ فَإنَّها لَمْ تُنْسَخْ، ولَكِنَّ اللَّهَ إذا جَمَعَ الخَلائِقَ يَوْمَ القِيامَةِ يَقُولُ: إنِّي أُخْبِرُكم بِما أخْفَيْتُمْ في أنْفُسِكم مِمّا لَمْ تَطَّلِعْ عَلَيْهِ مَلائِكَتِي؛ فَأمّا المُؤْمِنُونَ فَيُخْبِرُهم ويَغْفِرُ لَهم ما حَدَّثُوا بِهِ أنْفُسَهم وهو قَوْلُهُ: ﴿يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾ يَقُولُ: يُخْبِرُكم وأمّا أهْلُ الشَّكِّ والرَّيْبِ فَيُخْبِرُهم بِما أخْفَوْا مِنَ التَّكْذِيبِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿ولَكِنْ يُؤاخِذُكم بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥] (p-٤١٧)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وأبُو داوُدَ في ”ناسِخِهِ“، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والنَّحّاسُ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ﴾ قالَ: مِنَ اليَقِينِ والشَّكِّ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ﴾ فَذَلِكَ سِرُّ عَمَلِكَ وعَلانِيَتُهُ، ﴿يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾ فَما مِن عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُسِرُّ في نَفْسِهِ خَيْرًا لِيَعْمَلَ بِهِ فَإنْ عَمِلَ بِهِ كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، وإنْ هو لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ أنْ يَعْمَلَ كُتِبَتْ لَهُ بِهِ حَسَنَةٌ مِن أجْلِ أنَّهُ مُؤْمِنٌ، واللَّهُ يَرْضى سِرَّ المُؤْمِنِينَ وعَلانِيَتَهُمْ، وإنْ كانَ سُوءًا حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ أخْبَرَهُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ تُبْلى السَّرائِرُ، فَإنْ هو لَمْ يَعْمَلْ بِهِ لَمْ يُؤاخِذْهُ اللَّهُ بِهِ حَتّى يَعْمَلَ بِهِ، فَإنْ هو عَمِلَ بِهِ تَجاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ كَما قالَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهم أحْسَنَ ما عَمِلُوا ونَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ﴾ [الأحقاف: ١٦] .
وأخْرَجَ أبُو داوُدَ في ”ناسِخِهِ“، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾: نُسِخَتْ فَقالَ: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾ [البقرة: ٢٨٦] (p-٤١٨)وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، والبَيْهَقِيُّ في ”الشُّعَبِ“، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾ قالَ: لَمّا نَزَلَتِ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلى المُسْلِمِينَ وشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَنَسَخَها اللَّهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾ [البقرة: ٢٨٦] .
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ في ”مُسْنَدِ الشّامِيِّينَ“، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ﴾ الآيَةَ. أتى أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ ومُعاذُ بْنُ جَبَلٍ وسَعْدُ بْنُ زُرارَةَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالُوا: ما نَزَلَ عَلَيْنا آيَةٌ أشَدُّ مِن هَذِهِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، مِن طَرِيقِ الضَّحّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: إنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ القِيامَةِ: إنْ كُتّابِي لَمْ يَكْتُبُوا مِن أعْمالِكم إلّا ما ظَهَرَ مِنها، فَأمّا ما أسْرَرْتُمْ في أنْفُسِكم فَأنا أُحاسِبُكم بِهِ اليَوْمَ فَأغْفِرُ لِمَن شِئْتُ وأُعَذِّبُ مَن شِئْتُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ في الآيَةِ قالَ: هي مُحْكَمَةٌ لَمْ يَنْسَخْها شَيْءٌ، يُعَرِّفُهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ أنَّكَ أخْفَيْتَ في صَدْرِكَ كَذا وكَذا ولا يُؤاخِذُهُ. (p-٤١٩)وأخْرَجَ الطَّيالِسِيُّ، وأحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في ”الشُّعَبِ“، «عَنْ أُمَيَّةَ أنَّها سَألَتْ عائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعالى: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾ وعَنْ قَوْلِهِ: ﴿مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] . فَقالَتْ: ما سَألَنِي عَنْها أحَدٌ مُنْذُ سَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ: هَذِهِ مُعاتَبَةُ اللَّهِ العَبْدَ فِيما يُصِيبُهُ مِنَ الحُمّى والنَّكْبَةِ حَتّى البِضاعَةِ يَضَعُها في يَدِ قَمِيصِهِ فَيَفْقِدُها فَيَفْزَعُ لَها ثُمَّ يَجِدُها في ضِبْنِهِ حَتّى أنَّ العَبْدَ لَيَخْرُجُ مِن ذُنُوبِهِ كَما يَخْرُجُ التِّبْرُ الأحْمَرُ مِنَ الكِيرِ» .
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، مِن طَرِيقِ الضَّحّاكِ، عَنْ عائِشَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ﴾ الآيَةَ، قالَتْ: هو الرَّجُلُ يَهُمُّ بِالمَعْصِيَةِ ولا يَعْمَلُها فَيُرْسَلُ عَلَيْهِ مِنَ الغَمِّ والحُزْنِ بِقَدْرِ ما كانَ هَمَّ مِنَ المَعْصِيَةِ، فَتِلْكَ مُحاسَبَتُهُ. (p-٤٢٠)وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كُلُّ عَبْدٍ هَمَّ بِسُوءٍ ومَعْصِيَةٍ وحَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ حاسَبَهُ اللَّهُ بِهِ في الدُّنْيا يَخافُ ويَحْزَنُ ويَشْتَدُّ هَمُّهُ لا يَنالُهُ مِن ذَلِكَ شَيْءٌ كَما هَمَّ بِالسُّوءِ ولَمْ يَعْمَلْ مِنهُ شَيْئًا.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عاصِمٍ أنَّهُ قَرَأ: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ﴾ بِالرَّفْعِ فِيهِما.
وأخْرَجَ عَنِ الأعْمَشِ: أنَّهُ قَرَأ بِجَزْمِهِما.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي داوُدَ في ”المَصاحِفِ“ عَنِ الأعْمَشِ، أنَّهُ قالَ: في قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: ( يُحاسِبُكم بِهِ اللَّهُ يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ) بِغَيْرِ فاءٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ﴾ الآيَةَ، قالَ: يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ الكَبِيرَ مِنَ الذُّنُوبِ ﴿ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ﴾ عَلى الصَّغِيرِ.
{"ayah":"لِّلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ وَإِن تُبۡدُوا۟ مَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ یُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ فَیَغۡفِرُ لِمَن یَشَاۤءُ وَیُعَذِّبُ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق