الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد كان في قصص يوسف وإخوته عبرة لأهل الحجا والعقول يعتبرون بها، وموعظة يتّعظون بها. [[انظر تفسير" القصص" فيما سلف ١٥: ٥٥٨، تعليق: ١، والمراجع هناك. = وتفسير" العبرة" فيما سلف ٦: ٢٤٢، ٢٤٣.]] وذلك أن الله جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجبّ ليهلك، ثم بِيع بَيْع العبيد بالخسيس من الثمن، وبعد الإسار والحبس الطويل، ملّكه مصر، ومكّن له في الأرض، وأعلاه على من بغاه سوءًا من إخوته، وجمع بينه وبين والديه وإخوته بقدرته، بعد المدة الطويلة، وجاء بهم إليه من الشُّقّة النائية البعيدة، فقال جل ثناؤه للمشركين من قريش من قوم نبيّه محمدٍ ﷺ: لقد كان لكم، أيها القوم، في قصصهم عبرةٌ لو اعتبرتم به، أن الذي فعل ذلك بيوسف وإخوته، لا يتعذَّر عليه فعلُ مثله بمحمد ﷺ، [[في المطبوعة:" أن يفعل مثله"، أساء قراءة المخطوطة، وزاد" أن" من عند نفسه.]] فيخرجه من بين أظهُرِكم، ثم يظهره عليكم، ويمكن له في البلاد، ويؤيده بالجند والرجال من الأتباع والأصحاب، وإن مرَّت به شدائد، وأتت دونه الأيام والليالي والدهور والأزمان. * * * وكان مجاهد يقول: معنى ذلك: لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف وإخوته. * ذكر الرواية بذلك: ٢٠٠٣٨ - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ﴿لقد كان في قصصهم عبرة﴾ ، ليوسف وإخوته. ٢٠٠٣٩ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: عبرة ليوسف وإخوته. ٢٠٠٤٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٢٠٠٤١ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب﴾ ، قال: يوسف وإخوته. * * * قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله مجاهد، وإن كان له وجه يحتمله التأويل، فإن الذي قلنا في ذلك أولى به ؛ لأنّ ذلك عَقِيب الخبر عن نبينا ﷺ وعن قومه من المشركين، وعَقِيب تهديدهم ووعيدهم على الكفر بالله وبرسوله محمد ﷺ، ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته، ومع ذلك أنه خبرٌ عام عن جميع ذوي الألباب، أنَّ قصصهم لهم عبرة، وغير مخصوص بعض به دون بعض. فإذا كان الأمر على ما وصفنا في ذلك، فهو بأن يكون خبرًا عن أنه عبرة لغيرهم أشبه. [[قوله:" أشبه" ليست في المخطوطة، لأنها مضطربة هنا، وهي زيادة حكمية.]] والرواية التي ذكرناها عن مجاهد [من] رواية ابن جريج [[زدت" من" بين القوسين ليستقيم الكلام، وليست في المطبوعة ولا المخطوطة.]] أشبه به أن تكون من قوله ؛ لأن ذلك موافقٌ القولَ الذي قلناه في ذلك. * * * وقوله: ﴿ما كان حديثًا يفترى﴾ ، يقول تعالى ذكره: ما كان هذا القول حديثًا يختلق ويُتَكذَّب ويُتَخَرَّص، [[انظر تفسير" الافتراء" فيما سلف من فهارس اللغة (فرى) .]] كما:- ٢٠٠٤٢ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿ما كان حديثًا يفترى﴾ ، و"الفرية": الكذب. * * * ﴿= ولكن تصديق الذي بين يديه﴾ ، يقول: ولكنه تصديق الذي بين يديه من كتب الله التي أنزلها قبله على أنبيائه، كالتوراة والإنجيل والزبور، يصدِّق ذلك كله ويشهد عليه أنّ جميعه حق من عند الله، كما:- ٢٠٠٤٣ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿ولكن تصديق الذي بين يديه﴾ ، والفرقان تصديق الكتب التي قبله، ويشهد عليها. * * * وقوله: ﴿وتفصيل كل شيء﴾ ، يقول تعالى ذكره: وهو أيضًا تفصيل كل ما بالعباد إليه حاجة من بيان أمر الله ونهيه، وحلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته. [[انظر تفسير" التفصيل" فيما سلف من فهرس اللغة (فصل) .]] * * * وقوله: ﴿وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾ ، يقول تعالى ذكره: وهو بيان أمره، ورشاده لمن جهل سبيل الحق فعمي عنه، [[في المطبوعة:" ورشاد من جهل ... " وفي المخطوطة:" ورشاده من جهل"، فجعلتها" لمن جهل"، وهو صواب إن شاء الله.]] إذا اتبعه فاهتدى به من ضلالته ="ورحمة" لمن آمن به وعمل بما فيه، ينقذه من سخط الله وأليم عذابه، ويورِّثه في الآخرة جنانه، والخلودَ في النعيم المقيم = ﴿لقوم يؤمنون﴾ ، يقول: لقوم يصدِّقون بالقرآن وبما فيه من وعد الله ووعيده، وأمره ونهيه، فيعملون بما فيه من أمره، وينتهون عما فيه من نهيه. * * * آخر تفسير سورة يوسف ﷺ [[في المخطوطة هنا، بعد هذا، ما نصه " يتلوه: تفسير السورة التي يذكر فيها الرعد وصلي الله على محمد وآله وسلم كثيرًا".]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب