الباحث القرآني

وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كانوا يسمون لله جزءاً من الحرث، ولأوثانهم جزءاً. فما ذهبت به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه. وما ذهبت به الريح من الجزء الذي سموه لله إلى جزء الأصنام تركوه وقالوا إن الله غني عن هذا. وقال السدي: ما خرج من نصيب الأصنام أنفقوه عليها، وما خرج من نصيب الله تصدقوا به. فإذا هلك الذي لشركائهم وكثر الذي لله قالوا: ليس لآلهتنا بدّ من النفقة. فأخذوا الذي لله، وأنفقوه على الأصنام. وإذا هلك الذي لله وكثر الذي للأصنام قالوا: لو شاء الله لأزكى ماله فلا يزيدون عليه شيئاً. فذلك قوله تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ يعني: مما خلق من الحرث والأنعام نَصِيباً يعني: جعلوا لله نصيباً، ولشركائهم نصيباً، فاقتصر على المذكور لأن في الكلام دليلاً على المسكوت عنه فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ يقول بقولهم ولم يأمرهم الله بذلك وَهذا لِشُرَكائِنا يعني: للأصنام فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ يعني: لأصنامهم فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ يقول: فلا يضعون شيئاً في نصيب الله وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ يقول: يوضع في نصيبهم ساءَ مَا يَحْكُمُونَ يعني: لو كان معه شريك كما يقولون ما عدلوا في القسمة. ويقال: ساءَ مَا يَحْكُمُونَ حيث وصفوا لله شريكاً. قرأ الكسائي (بزعمهم) بضم الزاي وقرأ الباقون بالنصب وهما لغتان ومعناهما واحد. ثم قال تعالى: وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ يعني: زين لهم شركاؤهم وهم الشياطين قتل أولادهم، لأنهم يقتلون أولادهم مخافة الفقر والحمية، ويدفنون بناتهم أحياء فزين لهم الشيطان ذلك، كما زيّن لهم تحريم الحرث والأنعام. ويقال: كان واحد منهم ينذر أنه إذا ولد كذا وكذا ولد يذبح واحداً منهم كما فعل عبد المطلب. فزين لهم الشيطان قتل أولادهم. فذلك قوله وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ قرأ ابن عامر ومن تابعه من أهل الشام وَكَذلِكَ زَيَّنَ بضم الزاي قَتْلَ بضم اللام أَوْلادِهِمْ بفتح الدال شُرَكائِهِمْ بالخفض. وإنما قرئ زَيَّنَ بالضم على فعل ما لم يسم فاعله ومعناه: قتل شركائهم على معنى التقديم، وهم أولادهم لأن أولادهم شركاؤهم في أموالهم، فصار شركاؤهم نعتاً للأولاد، وصار الأولاد نصباً على وجه التفسير. وقرأ الباقون زَيَّنَ بالنصب لأنه فعل ماض شُرَكاؤُهُمْ بالضم لأنه جعل الشركاء على وجه الفاعل. ثم قال: لِيُرْدُوهُمْ يعني: ليهلكوهم بذلك وَلِيَلْبِسُوا يعني: ليخلطوا وليشبهوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ يعني: دين إبراهيم وإسماعيل. ثم قال: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ يعني: لو شاء الله لمنعهم من ذلك منع اضطرار وقهر وأهلكهم فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ يعني: دعهم وما يكذبون بأن الله أمرهم بذلك، ومعناه: أن الله مع قدرته عليهم قد تركهم إلى وقت قدرهم، فاتركهم أنت أيضاً إلى الوقت الذي تؤمر بقتالهم. ويقال: معناه دعهم فإنّ لهم موعداً بين يدي الله فيحاسبهم ويجازيهم بها. قوله تعالى: وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ وهي البحيرة والسائبة والوصيلة والحرث وهو نوع من الزرع حرموها على النساء. حِجْرٌ يعني: حرام والحجر يكون عبارة عن العقل كقوله تعالى: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر: 5] أي: لذي لب وعقل ويكون عبارة عن الحرام كقوله: حِجْراً مَحْجُوراً [الفرقان: 22] يعني: حراما محرما وكقوله هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ [الأنعام: 138] يعني: حراماً لاَّ يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ من الرجال دون النساء، وهو مالك بن عوف كان يفتيهم بالحل والحرمة. وكان يقول: هذا يجوز وهذا لا يجوز لأشياء كانوا حرموها برأيهم. ثم قال وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وهي الحام من الإبل كانوا يتركونها ولا يركبونها وَأَنْعامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا يعني: عند الذبيحة ويقال: عند الركوب وهي البحيرة افْتِراءً عَلَيْهِ يعني: اختلاقاً وكذباً على الله بأنه أمرهم بذلك سَيَجْزِيهِمْ يعني: سيعاقبهم بِما كانُوا يَفْتَرُونَ يعني: يكذبون على الله بأنه أمرهم وَقالُوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا قال الكلبي يعني: البحيرة والوصيلة حلال لذكورنا ما دامت في الأحياء، وليس للنساء فيه شركة ولا نصيب. فذلك قوله: وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً يعني: من هذه الأنعام فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ يعني: الرجال والنساء في أكلها. وقال الضحاك: كانت الناقة إذا ولدت فصيلاً ذكراً حرموا لحم الفصيل ولبن الناقة على النساء دون الرجال، وإن وضعت فصيلاً ميتاً اشتركت الرجال والنساء في لحم الفصيل ولبن الناقة. ذكر في أول الكلام خالِصَةٌ لفظ التأنيث، لأنه انصرف إلى المعنى، ومعناه: حمله ما في بطون هذه الأنعام. ثم قال وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا ذكر بلفظ التذكير، لأنه انصرف إلى قوله: مَا فِي بُطُونِ قرأ عاصم في رواية أبي بكر وأن تَكُنْ بالتاء على معنى التأنيث مَيْتَةً بالنصب يعني: وإن تكن الجماعة ميتة صارت الميتة خبر كان. وقرأ ابن عامر وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً بالضم يعني: وإن كانت ميتة جعلها اسم كان رفعاً وقرأ ابن كثير وَإِنْ يَكُنْ بالياء مَيْتَةً بالضم يعني وإن: كان ما فيه ميتة بلفظ التذكير وجعل الميتة اسم كان. وقرأ الباقون وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً جعلوا الميتة خبر كان بلفظ التذكير. ثم قال: سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ صار نصباً لنزع الخافض يعني: سيعاقبهم بكذبهم إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ حَكِيمٌ عليهم بالعذاب عَلِيمٌ بهم. وفي الآية دليل أن العالم ينبغي أن يتعلم قول من خالفه وإن لم يأخذ به حتى يعلم فساد قوله، ويعلم كيف يرد عليه لأن الله تعالى أعلم النبيّ ﷺ وأصحابه قول من خالفهم في زمانهم، ليعرفوا فساد قولهم. قوله تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ يعنوا: دفنوا بناتهم أحياء وقتلوهن سَفَهاً صار نصباً لنزع الخافض يعني: جهلاً منهم بِغَيْرِ عِلْمٍ يعني: بغير حجة منهم في قتلهن وهم ربيعة ومضر كانوا يقتلون بناتهم لأجل الحمية. وروي عن رسول الله ﷺ أن رجلاً من أصحابه كان لا يزال مغتماً بين يديه فقال له رسول الله ﷺ «مَا لَكَ تَكن مَحْزُوناً» ؟ فقال: يا رسول الله إني قد أذنبت في الجاهلية ذنباً، فأخاف أن لا يغفر لي وإني أسلمت فقال له: «أَخْبِرْنِي عَنْ ذَنْبِكَ» فقال: يا رسول الله: إني كنت من الذين يقتلون بناتهم فولدت لي بنت، فتشفعت إليَّ امرأتي بأن أتركها فتركتها حتى كبرت، وأدركت فصارت من أجمل النساء فخطبوها، فدخلت عليَّ الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زوج. فقلت للمرأة: إني أريد أن أذهب بها إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي فسرت بذلك وزيّنتها بالثياب والحلي، وأخذت عليَّ المواثيق بأن لا أخونها فذهبت بها إلى رأس بئر، فنظرت إلى البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر، فالتزمت بي وجعلت تبكي وتقول: يا أبت أي شيء تريد أن تفعل بي فرحمتها، ثم نظرت في البئر فدخلت عليّ الحمية، ثم التزمتني وجعلت تقول: يا أبت لا تضيع أمانة أمي فجعلت مرة أنظر في البئر، ومرة أنظر إليها، وأرحمها حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة وهي تنادي في البئر يا أبت قتلتني. فمكثت هناك حتى انقطع صوتها. فرجعت فبكى رسول الله ﷺ وأصحابه وقال «لَوْ أُمِرْتُ أَنْ أعَاقِبَ أَحَداً بِمَا فَعَلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ لَعَاقَبْتُكَ بِمَا فَعَلْتَ» . ثم قال: وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ يعني: ما أعطاهم افْتِراءً يعني: كذباً عَلَى اللَّهِ بأنه قد حرم ذلك عليهم قَدْ أَضَلُّوا عن الهدى وَما كانُوا مُهْتَدِينَ يعني: وما هم بمهتدين ويقال: وَما كانُوا مُهْتَدِينَ من قبل فخذلهم الله بذلك قرأ ابن كثير وابن عامر قتلوا بالتشديد لتكثير الفعل والباقون بالتخفيف. قوله تعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب