الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا﴾ الآية، قال ابن عباس [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 40 - 41، وابن أبي حاتم 4/ 1390، والبيهقي في "سننه" 10/ 10، من عدة طرق جيدة، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 88.]] والمفسرون [[أخرج الطبري 8/ 41 - 42، من طرق جيدة عن مجاهد وقتادة والسدي نحوه، وذكر هود الهواري في "تفسيره" 1/ 562، عن الحسن والكلبي نحوه، وهو قول مقاتل في "تفسيره" 1/ 591.]]: (كان المشركون يجعلون لله من حروثهم وأنعامهم وثمارهم نصيبًا ، وللأوثان نصيبًا، فما كان للصنم أنفق عليه، وما كان لله أطعم الضيفان [[في (أ): (أطعم للضيفان).]] والمساكين، ولا يأكلون من ذلك كله شيئًا، فما سقط مما جعلوه لله في نصيب الأوثان تركوه، وقالوا: إن الله غني عن هذا، وإن سقط مما جعلوه للأوثان في نصيب الله التقطوه وردّوه إلى نصيب الصنم، وقالوا: إنه فقير. فذلك قوله: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ﴾). قال ابن عباس: (خلق، ﴿مِنَ الْحَرْثِ﴾ قال: يريد التمر والقمح، وجميع ما يؤكل، (الأنعام) يريد: الضأن والماعز والإبل والبقر، ﴿نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ﴾ يريد: بكذبهم) [["تنوير المقباس" 2/ 63، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 123.]]. وقد ذكرنا تفسير الزُّعم [[يعني: بضم الزاي وفتحها. انظر: "اللسان" 3/ 1834 (زعم).]] والزَّعم في سورة النساء [: 60]. فإن قيل: أليس جميع الأشياء لله فكيف نسبوا إلى الكذب في قولهم: ﴿هَذَا لِلَّهِ﴾؟ قلنا: إفرازهم النصيبين نصيبًا لله، ونصيبًا للشيطان، وحكمهم بذلك كذب منهم [[لفظ: (منهم) ساقط من (ش).]] لم يأمر الله تعالى به، وهم كانوا يفعلون ذلك تدينًا وتعبدًا واعتقادًا أن ذلك أمر به [[في (أ): (ذلك أمره لله تعالى فإنه يرضى به).]] الله تعالى وأنه يرضى به [[انظر: "تفسير الرازي" 13/ 204.]]، قال الزجاج: (وتقدير الكلام: جعلوا لله نصيبًا ولشركائهم نصيبًا، ودل على هذا المحذوف تفصيله القسمين فيما بعد، وهو قوله: ﴿هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا﴾) [[هذا قول النحاس في "معانيه" 2/ 494، وذكره عن الزجاج الرازي في "تفسيره" 13/ 204، ولم أقف عليه في "معاني الزجاج".]]، وجعل الأوثان شركاءهم؛ لأنهم جعلوا لها نصيبًا من أموالهم ينفقونها عليها فشاركوها في مالهم [[انظر: "إعراب النحاس" 1/ 581، و"تفسير الرازي" 13/ 204.]]. وقوله تعالى: ﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ﴾ معناه ما ذكرنا عن ابن عباس [[سبق تخريجه]]: أنه كان إذا اختلط شيء مما جعلوه لله بما جعلوه للأوثان لم يخرجوه ولم يردوه، وإذا كان على الضد ردّوه. وقال الحسن [[ذكره هود الهواري في "تفسيره" 1/ 562، والماوردي 2/ 174، والواحدي في "الوسيط" 1/ 124، وابن الجوزي 3/ 129.]] والسدّي [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 401، وابن أبي حاتم 4/ 1390، بسند جيد.]]: (هو أنه إذا هلك الذي لأوثانهم أخذوا بدله مما لله، ولا يفعلون مثل ذلك فيما لله عز وجل). وقال مجاهد: (هو أنه إذا انفجر من سقي ما جعلوه للشيطان في نصيب الله سدوه، وإن كان على ضد ذلك تركوه) [["تفسير مجاهد" 1/ 223، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 40 - 41، وابن أبي حاتم 4/ 1391، بسند جيد.]]، وزاد قتادة: (إذا أصابتهم السنة استعانوا بما جزءوا لله ووفروا ما جزءوا لشركائهم) [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 218 - 219، والطبري 8/ 41، بسند جيد.]]، وزاد مقاتل: (وإن زكا ونما نصيب الآلهة ولم يترك نصيب الله تركوه للآلهة وقالوا: لو شاء الله زكا نصيبه، وإن زكا نصيب الله ولم يترك نصيب الآلهة قالوا: لا بد لآلهتنا من نفقة فأخذوا نصيب الله فأعطوه السدنة، فذلك قوله: ﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ﴾ يعني: من تمام الحرث والأنعام ﴿فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ﴾ يعني: إلى المساكين) [["تفسير مقاتل" 1/ 591.]]، وإنما قال: ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ لأنهم كانوا يفرزونه لله ويسمونه نصيب الله ﴿وَمَا كَانَ لِلَّهِ﴾ من التمام فهو يصل إلى آلهتهم ثم ذم الله فعلهم فقال: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ أي: ساء الحكم حكمهم حيث صرفوا ما جعلوا لله على جهة التبرر للأوثان [[في (ش): (التبرر إلى الأوثان).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب