الباحث القرآني

﴿وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلۡحَرۡثِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ نَصِیبࣰا فَقَالُوا۟ هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعۡمِهِمۡ وَهَـٰذَا لِشُرَكَاۤىِٕنَاۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَاۤىِٕهِمۡ فَلَا یَصِلُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ یَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَاۤىِٕهِمۡۗ سَاۤءَ مَا یَحۡكُمُونَ ۝١٣٦﴾ - تفسير

٢٦٢٧٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي بن أبي طلحة- في قوله: ﴿وجعلوا لله مما ذرأ﴾ الآية، قال: جعَلوا لله مِن ثمارهم ومائهم نصيبًا، وللشيطان والأوثان نصيبًا، فإن سقَط مِن ثمرةِ ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن سقط مِمّا جعلوا للشيطان في نصيب الله ردُّوه إلى نصيب الشيطان، وإن انفَجَر مِن سَقْيِ ما جعلوا لله في نصيب الشيطان ترَكوه، وإن انفجَر مِن سَقْيِ ما جعلوا للشيطان في نصيب الله سرَّحوه، فهذا ما جُعِل لله مِن الحرث وسَقْيِ الماء، وأمّا ما جعَلوا للشيطان من الأنعام فهو قول الله: ﴿ما جعل الله من بحيرة﴾ [المائدة:١٠٣] الآية[[أخرجه ابن جرير ٩/٥٦٩-٥٧٠، وابن أبي حاتم ٤/١٣٩٠، والبيهقي في سننه ١٠/١٠. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (٦/٢١٠)

٢٦٢٧٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- في قوله: ﴿وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا﴾ الآية، قال: كانوا إذا احتَرَثوا حَرْثًا أو كانت لهم ثمرة جعَلوا لله منه جزءًا، وجزءًا للوثن، فما كان مِن حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان حَفِظوه وأحْصَوه، فإن سقَط منه شيء فيما سُمِّي للصَّمَد ردُّوه إلى ما جعَلوه للوثن، وإن سبَقهم الماء الذي جعَلوه للوثن فسقى شيئًا مِمّا جعَلوه لله جعَلوه للوثن، وإن سقَط شيء مِن الحرث والثمرة الذي جعلوه لله فاختَلَط بالذي جعلوه للوَثَن قالوا: هذا فقير. ولم يردُّوه إلى ما جعَلُوا لله، وإن سبَقهم الماء الذي سمَّوا لله فسَقى ما سمَّوا للوثن ترَكوه للوثن، وكانوا يُحرِّمون من أنعامهم البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحامِيَ، فيجعلونه للأوثان، ويزعمون أنهم يُحَرِّمونه لله[[أخرجه ابن جرير ٩/٥٧٠، وابن أبي حاتم ٤/١٣٩١.]]. (٦/٢١١)

٢٦٢٧٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق عكرمة- ﴿فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إلى اللَّهِ﴾ الآية، قال: كانوا إذا أدخلوا الطعام فجعلوه حِزَمًا جعلوا منها لله سهمًا، وسهمًا لآلهتهم، وكان إذا هَبَّت الريح من نحو الذي جعلوه لآلهتهم إلى الذي جعلوه لله ردُّوه إلى الذي جعلوه لآلهتهم، وإذا هبَّت الريح من نحو الذي جعلوه لله إلى الذي جعلوه لآلهتهم أقرُّوه ولم يرُدُّوه، فذلك قوله: ﴿ساء ما يحكمون﴾[[أخرجه ابن جرير ٩/٥٦٩.]]. (ز)

٢٦٢٧٧- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث﴾، قال: يُسَمُّون لله جزءًا من الحرث، ولشركائِهم وأوثانهم جزءًا، فما ذهَب به الريح مما سمَّوا لله إلى جزء أوثانِهم ترَكوه، وقالوا: اللهُ عن هذا غنيٌّ. وما ذهَبَت به الريح مِن جزء أوثانهم إلى جزء الله أخَذوه. والأنعام التي سمَّوا لله: البحيرةُ، والسائبة[[تفسير مجاهد ص٣٢٨، وأخرجه ابن جرير ٩/٥٧٠-٥٧١، وابن أبي حاتم ٤/١٣٩١. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبي الشيخ.]]. (٦/٢١٢)

٢٦٢٧٨- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قوله: ﴿وجَعَلُوا لِلَّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الحَرْثِ والأَنْعامِ نَصِيبًا﴾ الآية، عمد ناسٌ من أهل الضلالة فجزَّؤوا مِن حروثهم ومواشيهم جزءًا لله، وجزءًا لشركائهم، وكانوا إذا خالط شيءٌ مما جزَّؤوا لله فيما جزَّؤوا لشركائهم خَلَّوه، فإذا خالط شيء مما جزَّؤوا لشركائهم فيما جزَّؤوا لله ردُّوه على شركائهم، وكانوا إذا أصابتهم السَّنَةُ استعانوا بما جزَّؤوا لله، وأقرُّوا ما جزَّؤوا لشركائهم. قال الله: ﴿ساء ما يحكمون﴾[[أخرجه ابن جرير ٩/٥٧١.]]. (ز)

٢٦٢٧٩- عن قتادة بن دعامة -من طريق مَعْمَر- ﴿وجَعَلُوا لِلَّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الحَرْثِ والأَنْعامِ نَصِيبًا﴾، قال: كانوا يُجَزِّئون من أموالهم شيئًا، فيقولون: هذا لله، وهذا للأصنام التي يعبدون. فإذا ذهب بعيرٌ مما جعلوا لشركائهم فخالَط ما جعلوا لله ردُّوه، وإن ذهب مِمّا جعلوه لله فخالط شيئًا مِمّا جعلوه لشركائهم تركوه، وإن أصابتهم سَنَةٌ أكلوا ما جعلوا لله، وتركوا ما جعلوا لشركائهم؛ فقال الله: ﴿ساء ما يحكمون﴾[[أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ١/٢١٨، وابن جرير ٩/٥٧١.]]. (ز)

٢٦٢٨٠- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- ﴿وجَعَلُوا لِلَّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الحَرْثِ والأَنْعامِ نَصِيبًا﴾ إلى ﴿يحكمون﴾، قال: كانوا يقسمون من أموالهم قسمًا فيجعلونه لله، ويزرعون زرعًا فيجعلونه لله، ويجعلون لآلهتهم مثل ذلك، فما خرج للآلهة أنفقوه عليها، وما خرج لله تصدَّقوا به، فإذا هلك الذي يصنعون لشركائهم وكثُر الذي لله قالوا: ليس بُدٌّ لآلهتنا من نفقة. وأخذوا الذي لله، فأنفقوه على آلهتهم، وإذا أجدب الذي لله وكثُر الذي لآلهتهم قالوا: لو شاء أزكى الذي له. فلا يَرُدُّون عليه شيئًا مِمّا للآلهة. قال الله: لو كانوا صادقين فيما قسموا لبئس إذًا ما حكموا أن يأخذوا مِنِّي ولا يعطوني. فذلك حين يقول: ﴿ساء ما يحكمون﴾[[أخرجه ابن جرير ٩/٥٧٢، وابن أبي حاتم ٤/١٣٩٢.]]. (ز)

٢٦٢٨١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وجعلوا لله﴾ يعني: وصفوا لله ﴿مما ذرأ﴾ يعني: مِمّا خلق ﴿من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا﴾ يعني: النصيب لآلهتهم مثل ذلك، فما أخرج الله من بطون الأنعام وظهورها من الحرث قالوا: هذا لله. فيتصدقون به على المساكين، وما أخرج الله من نصيب الآلهة أنفقوه عليها، فإن زكا نصيب الآلهة ولم يَزْكُ نصيبُ الله تركوه للآلهة، وقالوا: لو شاء اللهُ لأزكى نصيبَه. وإن زكا نصيبُ الله ولم يزكُ نصيبُ الآلهة خدجت أنعامهم وأَجْدَبَتْ أرضهم، وقالوا: ليس لآلهتنا بُدٌّ من نفقة. فأخذوا نصيب الله، فقسموه بين المساكين والآلهة نصفين، فذلك قوله: ﴿فما كان لشركائهم﴾ يعني: لآلهتهم مِمّا خرج من الحرث والأنعام ﴿فلا يصل إلى الله﴾ يعني: إلى المساكين، ﴿وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم﴾ يعني: آلهتهم. يقول الله: ﴿ساء﴾ يعني: بئس ﴿ما يحكمون﴾ يقول: لو كان معي شريك كما يقولون ما عَدَلوا في القسمة أن يأخذوا مِنِّي ولا يُعطوني[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٥٩١.]]. (ز)

٢٦٢٨٢- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿وجَعَلُوا لِلَّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الحَرْثِ والأَنْعامِ نَصِيبًا﴾ حتى بلغ: ﴿وما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إلى شُرَكائِهِمْ﴾، قال: كلُّ شيء جعلوه لله من ذَبْح يذبحونه لا يأكلونه أبدًا حتى يذكروا معه أسماء الآلهة، وما كان للآلهة لم يذكروا اسم الله معه. وقرأ الآية حتى بلغ: ﴿ساء ما يحكمون﴾[[أخرجه ابن جرير ٩/٥٧٢، وابن أبي حاتم ٤/١٣٩٢ من طريق أصبغ.]]٢٤١٠. (ز)

٢٤١٠ أفادت الآثارُ الاختلافَ في صفة النصيب الذي جعلوا لله، والذي جعلوه لشركائهم من الأوثان والشيطان، على قولين: أحدهما: أنهم كانوا يقسمون جزءًا من حُروثهم وأنعامهم لله، وجزءًا آخر لهؤلاء. وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسديّ، وغيرهم. والآخر: أنهم كانوا لا يأكلون ما ذبحوا لله حتى يسمّوا الآلهة، وكانوا ما ذبحوه للآلهة يأكلونه ولا يسمون الله عليه. وهذا قول ابن زيد. ورجَّحَ ابن جرير (٩/٥٧٣) القولَ الأولَ، وانتَقَدَ القولَ الثاني، مستندًا إلى السياق، والإجماع، والدلالة العقلية، فقال: «أوْلى التأويلين بالآية ما قال ابنُ عباس ومَن قال بمثل قوله في ذلك؛ لأنّ الله -جلَّ ثناؤه- أخبر أنهم جعلوا لله من حرثهم وأنعامهم قسمًا مُقَدَّرًا، فقالوا: ﴿هذا لله﴾. وجعلوا مثله لشركائهم، وهم أوثانهم بإجماع من أهل التأويل عليه، فقالوا: ﴿هذا لشركائنا﴾. وأنّ نصيب شركائهم لا يصل منه إلى الله، بمعنى: لا يصل إلى نصيب الله، وما كان لله وصَل إلى نصيب شركائهم. فلو كان وصول ذلك بالتسمية وترك التسمية كان أعيانُ ما أخبر الله عنه أنّه لم يصل جائزًا أن تكون قد وصلت، وما أخبر عنه أنه قد وصل لم يصل. وذلك خلاف ما دلّ عليه ظاهر الكلام؛ لأنّ الذبيحتين تُذبح إحداهما لله والأخرى للآلهة جائزٌ أن تكون لحومهما قد اختلطت وخلطوهما، إذ كان المكروه كان عندهم تسمية الله على ما كان مذبوحًا للآلهة، دون اختلاط الأعيان واتصال بعضها ببعض».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب