الباحث القرآني
﴿وجَعَلُوا﴾ أيْ مُشْرِكُو العَرَبِ ﴿لِلَّهِ مِمّا ذَرَأ﴾ أيْ خَلَقَ قالَ الرّاغِبُ: الذَّرْءُ إظْهارُ اللَّهِ تَعالى ما أبْدَعَهُ يُقالُ: ذَرَأ اللَّهُ تَعالى الخَلْقَ أيْ أوْجَدَ أشْخاصَهم وقالَ الطَّبَرْسِيُّ: الذَّرْءُ الخَلْقُ عَلى وجْهِ الِاخْتِراعِ وأصْلُهُ الظُّهُورُ ومِنهُ مُلِحٌّ ذَرانِيٌّ لِظُهُورِ بَياضِهِ ومِن مُتَعَلِّقَةٌ بِجَعَلَ وما مَوْصُولَةٌ وجُمْلَةُ ذَرَأ صِلَتُهُ والعائِدُ مَحْذُوفٌ وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِذَرَأ.
وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ مِمّا مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿نَصِيبًا﴾ وأنْ يَكُونَ ﴿مِنَ الحَرْثِ﴾ حالًا أيْضًا مِن ما أوْ مِنَ العائِدِ المَحْذُوفِ و﴿نَصِيبًا﴾ عَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ مَفْعُولُ جَعَلَ وهو مُتَعَدٍّ لِواحِدٍ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا لِاثْنَيْنِ أوَّلُهُما ﴿مِمّا ذَرَأ﴾ عَلى أنَّ مِن تَبْعِيضِيَّةٌ وثانِيهِما ﴿نَصِيبًا﴾ وقِيلَ: الأمْرُ بِالعَكْسِ.
واعْتُرِضَ بِأنَّهُ لا يُساعِدُ سَدادَ المَعْنى وأيًّا ما كانَ فَهَذا شُرُوعٌ في تَقْبِيحِ أحْوالِهِمُ الفَظِيعَةِ بِحِكايَةِ أقْوالِهِمْ وأفْعالِهِمُ الشَّنِيعَةِ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ العَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُ قالَ في الآيَةِ: إنَّهم كانُوا إذا حَرَثُوا حَرْثًا أوْ كانَتْ لَهم ثَمَرَةٌ جَعَلُوا لِلَّهِ تَعالى مِنهُ جُزْءًا وجُزْءًا لِلْوَثَنِ فَما كانَ مِن حَرْثٍ أوْ ثَمَرَةٍ أوْ شَيْءٍ مِن نَصِيبِ الأوْثانِ حَفِظُوهُ وأحْصَوْهُ فَإنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِمّا سُمِّيَ لِلصَّمَدِ رَدُّوهُ إلى ما جَعَلُوهُ لِلْوَثَنِ وإنْ سَبَقَهُمُ الماءُ الَّذِي جَعَلُوهُ لِلْوَثَنِ فَسَقى شَيْئًا مِمّا جَعَلُوهُ لِلَّهِ تَعالى جَعَلُوهُ لِلْوَثَنِ وإنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنَ الحَرْثِ والثَّمَرَةِ الَّذِي جَعَلُوهُ لِلَّهِ تَعالى فَسَقى ما سَمَّوْهُ لِلْوَثَنِ تَرَكُوهُ لِلْوَثَنِ وكانُوا يُحَرِّمُونَ مِن أنْعامِهِمُ البُحَيْرَةَ والسّائِبَةَ والوَصِيلَةَ والحامِيَ فَيَجْعَلُونَهُ لِلْأوْثانِ ويَزْعُمُونَ أنَّهم يُحَرِّمُونَ لِلَّهِ سُبْحانَهُ ورُوِيَ أنَّهم كانُوا يُعَيِّنُونَ شَيْئًا مِن حَرْثٍ ونِتاجٍ لِلَّهِ تَعالى فَيَصْرِفُونَهُ إلى الضِّيفانِ والمَساكِينِ وأشْياءَ مِنهُما لِآلِهَتِهِمْ فَيُنْفِقُونَ مِنها لِسَدَنَتِها (p-32)ويَذْبَحُونَ عِنْدَها فَإذا رَأوْا ما جَعَلُوهُ لِلَّهِ تَعالى زاكِيًا نامِيًا يَزِيدُ في نَفْسِهِ خَيْرًا رَجَعُوا فَجَعَلُوهُ لِآلِهَتِهِمْ وإذا زَكا ما جَعَلُوهُ لِآلِهَتِهِمْ تَرَكُوهُ مُعْتَلِّينَ بِأنَّ اللَّهَ تَعالى غَنِيٌّ وما ذاكَ إلّا لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ حَيْثُ أشْرَكُوا الخالِقَ القادِرَ جَمادًا لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ثُمَّ رَجَّحُوهُ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ بِأنْ جَعَلُوا الزّاكِيَ لَهُ واخْتارَ هَذِهِ الرِّوايَةَ الزَّجّاجُ وغَيْرُهُ.
وأصْلُ النَّظْمِ الكَرِيمِ وجَعَلُوا لِلَّهِ .. إلَخْ. ولِشُرَكائِهِمْ فَطُوِيَ ذِكْرُ الشُّرَكاءِ لِأنَّهُ عَلى ما قِيلَ أمْرٌ مُحَقَّقٌ عِنْدَهم وأُشِيرَ إلى تَقْدِيرِهِ بِالتَّصْرِيحِ بِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَقالُوا هَذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهَذا لِشُرَكائِنا﴾ أيِ الأوْثانِ وسَمَّوْهم شُرَكاءَهم لِأنَّهم جَعَلُوا لَهم نَصِيبًا مِن أمْوالِهِمْ فَهم شُرَكاؤُهم فِيها ويُحْتَمَلُ أنَّ الإضافَةَ لِأدْنى مُلابَسَةٍ حَيْثُ إنَّهم زَعَمُوا كَوْنَهم شُرَكاءَ لِلَّهِ تَعالى وقَرَأ الكِسائِيُّ ويَحْيى بْنُ وثّابٍ والأعْمَشُ ( بِزُعْمِهِمْ ) بِضَمِّ الزّايِ وهو لُغَةٌ فِيهِ وجاءَ الكَسْرُ أيْضًا فَهو مُثَلَّثٌ كالوِدِّ وقَدْ تَقَدَّمَ مَعْناهُ وإنَّما قُيِّدَ بِهِ الأوَّلُ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهُ في الحَقِيقَةِ لَيْسَ يُجْعَلُ لِلَّهِ سُبْحانَهُ غَيْرَ مُسْتَتْبَعٍ لِشَيْءٍ مِنَ الثَّوابِ كالتَّطَوُّعاتِ الَّتِي يُبْتَغى بِها وجْهُ اللَّهِ تَعالى وقِيلَ: لِلْإيذانِ بِأنَّ ذَلِكَ مِمّا اخْتَرَعُوهُ لَمْ يَأْمُرْهُمُ اللَّهُ تَعالى بِهِ ورُدَّ بِأنَّ ذَلِكَ مُسْتَفادٌ مِنَ الجَعْلِ ولِذَلِكَ لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ الثّانِي.
وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَمْهِيدًا لِما بَعْدَهُ عَلى أنَّ مَعْنى قَوْلِهِمْ ﴿هَذا لِلَّهِ﴾ مُجَرَّدُ زَعْمٍ مِنهم لا يَعْلَمُونَ بِمُقْتَضاهُ الَّذِي هو اخْتِصاصُهُ بِهِ تَعالى فَقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إلى اللَّهِ وما كانَ لِلَّهِ فَهو يَصِلُ إلى شُرَكائِهِمْ﴾ بَيانٌ وتَفْصِيلٌ لَهُ أيْ فَما عَيَّنُوهُ لِشُرَكائِهِمْ لا يُصْرَفُ إلى الوُجُوهِ الَّتِي يُصْرَفُ إلَيْها ما عَيَّنُوهُ لِلَّهِ تَعالى وما عَيَّنُوهُ لِلَّهِ تَعالى يُصْرَفُ إلى الوُجُوهِ الَّتِي يُصْرَفُ إلَيْها ما عَيَّنُوهُ لِآلِهَتِهِمْ ﴿ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ (136) فِيما فَعَلُوا مِن إيثارِ مَخْلُوقٍ عاجِزٍ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ عَلى خالِقٍ قادِرٍ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وعَمَلِهِمْ بِما لَمْ يُشْرَّعْ لَهم و( ساءَ ) يَجْرِي مَجْرى بِئْسَ فَما سَواءٌ كانَتْ مَوْصُولَةً أوْ مَوْصُوفَةً فاعِلٌ والمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ أيْ حُكْمُهم هَذا وقِيلَ: إنَّ ( ساءَ ) هُنا غَيْرُ الجارِيَةِ مَجْرى بِئْسَ فَلا تَحْتاجُ إلى مَخْصُوصٍ بِالذَّمِّ بَلْ إلى فاعِلٍ فَقَطْ فَإنَّ فاعِلَ الجارِيَةَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مُعَرَّفًا بِاللّامِ أوْ مُضافًا في الأشْهَرِ واخْتارَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ.
{"ayah":"وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلۡحَرۡثِ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ نَصِیبࣰا فَقَالُوا۟ هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعۡمِهِمۡ وَهَـٰذَا لِشُرَكَاۤىِٕنَاۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَاۤىِٕهِمۡ فَلَا یَصِلُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ یَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَاۤىِٕهِمۡۗ سَاۤءَ مَا یَحۡكُمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق