الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات﴾ قَالَ أَبُو الْعَالِيَة الريَاحي: بعث الله مُحَمَّدًا، فَمَكثَ هُوَ وَأَصْحَابه بِمَكَّة عشر سِنِين، وَأمرُوا ﴿وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا لصالحات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم﴾ بِالصبرِ على أَذَى الْكفَّار، فَكَانُوا يُصْبِحُونَ خَائِفين وَيُمْسُونَ خَائِفين، ثمَّ إِنَّه هَاجر إِلَى الْمَدِينَة، وَأمرُوا بِالْقِتَالِ وهم على خوفهم، فَكَانَ لَا يُفَارق أحد مِنْهُم سلاحه، فَقَالَ رجل من الْمُسلمين: أما نَأْمَن يَوْمًا من الدَّهْر؟ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَذكر بعض أهل التَّفْسِير: أَن أَصْحَاب رَسُول الله تمنوا أَن يظهروا على مَكَّة، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة: ﴿وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم﴾ قَالَ قَتَادَة: كَمَا اسْتخْلف دَاوُد وَسليمَان وَغَيرهمَا من الْأَنْبِيَاء الَّذين ملكوا. وَاسْتدلَّ أهل الْعلم بِهَذِهِ الْآيَة على صِحَة خلَافَة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وهم: أَبُو بكر، وَعمر، وَعُثْمَان، وَعلي - رَضِي الله عَنْهُم - وَمن الْمَشْهُور الْمَعْرُوف بِرِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة، عَن سعيد بن جمْهَان، عَن سفينة أَن النَّبِي قَالَ: " الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ". قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو الْحُسَيْن بن النقور بِبَغْدَاد، أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم بن حبابة، أخبرنَا ابْن بنت منيع عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ، عَن هدبة [بن] خَالِد، عَن حَمَّاد بن سَلمَة ... الْخَبَر. خرجه مُسلم فِي الصَّحِيح. وَقَوله: ﴿وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم﴾ أَي: لَيظْهرَن دينهم على جَمِيع الْأَدْيَان، قَالَ أهل الْعلم: يعين: فَارس وَالروم وَمن أشبههم، وَفِي بعض الغرائب من الْأَخْبَار: أَن النَّبِي قَالَ: " مَا من بَيت مدر وَلَا وبر فِي الأَرْض إِلَّا ويدخله الله ﴿وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا﴾ الْإِسْلَام كرها ". وَقَوله: ﴿ارتضى لَهُم﴾ اخْتَار لَهُم. وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ لعدي بن حَاتِم: " لَيظْهرَن الله هَذَا الدّين، حَتَّى تخرج الظعينة من الْحيرَة تؤم بَيت الله، لَا تخَاف إِلَّا الله وَالذِّئْب على غنمها ". قَالَ عدي بن حَاتِم: فَقلت فِي نَفسِي: فَأَيْنَ اللُّصُوص؟ قَالَ عدي: وَلَقَد رَأَيْت مَا قَالَه رَسُول الله. وَقَوله: ﴿وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا﴾ . هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَقد رُوِيَ أَن أَصْحَاب رَسُول الله حِين كَانُوا بِمَكَّة لم يَكُونُوا يصلونَ إِلَّا مختفين، وَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُم يحفظ صَاحبه حَتَّى يُصَلِّي، وَصَاحبه يحفظه حَتَّى يُصَلِّي، ثمَّ إِنَّهُم لما هَاجرُوا أمنُوا وعبدوا الله جَهرا، ومازال يزْدَاد الْأَمْن إِلَى زَمَاننَا هَذَا ... الحَدِيث. وَقَوله: ﴿يعبدونني لَا يشركُونَ بِي شَيْئا﴾ يَعْنِي: يعبدونني آمِنين وَلَا يشركُونَ. وَقَوله: ﴿وَمن كفر بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ﴾ أَكثر أهل التَّفْسِير على أَنه لَيْسَ الْكفْر هَاهُنَا هُوَ الْكفْر بِاللَّه، وَإِنَّمَا المُرَاد بِهِ كفران النِّعْمَة بترك الطَّاعَة، فَلهَذَا قَالَ: ﴿فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ﴾ وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ الْكفْر بِاللَّه، وَالأَصَح هُوَ الأول.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب