الباحث القرآني

الخطاب لرسول الله ﷺ ولمن معه. ومنكم: للبيان، كالتي في آخر سورة الفتح: وعدهم الله أن ينصر الإسلام على الكفر، ويورّثهم الأرض، ويجعلهم فيها خلفاء، كما فعل ببني إسرائيل، حين أورثهم مصر والشام بعد إهلاك الجبابرة، وأن يمكن الدين المرتضى وهو دين الإسلام. وتمكينه: تثبيته وتوطيده، وأن يؤمن سربهم ويزيل عنهم الخوف الذي كانوا عليه، وذلك أنّ النبي ﷺ وأصحابه مكثوا بمكة عشر سنين خائفين، ولما هاجروا كانوا بالمدينة يصبحون في السلاح ويمسون فيه، حتى قال رجل: ما يأتى علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال ﷺ: لا تغبرون [[قوله: «لا تغيرون إلا يسيرا» أى لا تبقون، أفاده الصحاح. (ع)]] إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليس معه حديدة [[أخرجه الطبري من طريق أبى جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبى العالية في قوله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ قال: مكث النبي ﷺ عشر سنين خائفا يدعو إلى الله سرا وعلانية. ثم أمر بالهجرة إلى المدينة فمكث بها هو وأصحابه- إلى آخره» وصله الحاكم وابن مردويه دون أوله بذكر أبى بن كعب فيه. وأوله «لما قدم النبي ﷺ وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار. رمتهم العرب عن قوس واحدة لا يبيتون إلا بالسلاح ... الحديث» .]] ، فأنجز الله وعده وأظهرهم على جزيرة العرب، وافتتحوا بعد بلاد المشرق والمغرب، ومزقوا ملك الأكاسرة وملكوا خزائنهم، واستولوا على الدنيا، ثم خرج الذين على خلاف سيرتهم فكفروا بتلك الأنعم وفسقوا، وذلك قوله ﷺ «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يملك الله من يشاء فتصير ملكا، ثم تصير بزيزى [[قوله «تصير بزيزى» في الصحاح: بزه ينزه بزا: سلبه. والاسم البزيزى مثل الخصيصى. (ع)]] : قطع سبيل، وسفك دماء، وأخذ أموال بغير حقها [[لم أجده. وأوله في السنن وابن ماجة والحاكم وأحمد والطبراني والبيهقي والثعلبي كلهم من حديث سفينة «الخلافة في أمتى ثلاثون سنة ثم ملك بعد ملك» وفي لفظ «ثم يملك الله من يشاء» وروى أحمد وابن أبى شيبة والطبراني من طريق عبد الرحمن بن سابط عن أبى ثعلبة عن أبى عبيدة ومعاذ بن جبل مرفوعا. «إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ثم يصير خلافة ... الحديث» .]] » وقرئ: كما استخلف، على البناء للمفعول وليبدلنهم: بالتشديد. فإن قلت: أين القسم الملتقى باللام والنون في لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ؟ قلت: هو محذوف تقديره: وعدهم الله، وأقسم ليستخلفنهم. أو نزّل وعد الله في تحققه منزلة القسم، فتلقى بما يتلقى به القسم، كأنه قيل: أقسم الله ليستخلفنهم. فإن قلت: ما محل يَعْبُدُونَنِي؟ قلت: إن جعلته استئنافا لم يكن له محل، كأن قائلا قال: ما لهم يستخلفون ويؤمنون؟ فقال: يعبدونني. وإن جعلته حالا عن وعدهم، أى وعدهم الله ذلك في حال عبادتهم وإخلاصهم، فمحله النصب وَمَنْ كَفَرَ يريد كفران النعمة: كقوله فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ. فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ أى: هم الكاملون في فسقهم. حيث كفروا تلك النعمة العظيمة وجسروا على غمطها [[قوله «على غمطها» أى: احتقارها. (ع)]] . فإن قلت: هل في هذه الآية دليل على أمر الخلفاء الراشدين؟ قلت: أوضح دليل وأبينه لأن المستخلفين الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم هم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب