الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم وعَمِلُوا الصالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهم دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهم ولَيُبَدِّلَنَّهم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ومَن كَفَرَ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ ﴿وَأقِيمُوا الصَلاةَ وآتُوا الزَكاةَ وأطِيعُوا الرَسُولَ لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ في الأرْضِ ومَأْواهُمُ النارُ ولَبِئْسَ المَصِيرُ﴾
قَرَأ الجُمْهُورُ: "اسْتُخْلِفَ" عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ، ورُوِيَ أنَّ سَبَبَ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ بَعْضَ أصْحابِ النَبِيِّ ﷺ شَكا جُهْدَ مُكافَحَةِ العَدُوِّ، وما كانُوا فِيهِ مِنَ الخَوْفِ عَلى (p-٤٠٥)أنْفُسِهِمْ، وأنَّهم لا يَضَعُونَ أسْلِحَتَهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عامَّةً لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "فِي الأرْضِ" يُرِيدُ: في البِلادِ الَّتِي تُجاوِرُهم والأصْقاعِ الَّتِي قَضى بِامْتِدادِهِمْ إلَيْها، واسْتِخْلافُهم هو أنْ يُمَلِّكَهُمُ البِلادَ ويَجْعَلَهم أهْلَها كَما جَرى في الشامِ وفي العِراقِ وخُراسانَ والمَغْرِبِ، وقالَ الضِحاكُ في كِتابِ النَقاشِ: هَذِهِ الآيَةُ تَتَضَمَّنُ خِلافَةَ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمانَ وعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهم لَأنَّهم أهْلُ الإيمانِ وعَمَلِ الصالِحاتِ، وقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الخِلافَةُ بَعْدِي ثَلاثُونَ سَنَةً».
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والصَحِيحُ في الآيَةِ أنَّها في اسْتِخْلافِ الجُمْهُورِ.
واللامُ في قَوْلِهِ تَعالى: "لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ" لامُ القَسَمِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وابْنُ عامِرٍ: "وَلِيُبَدِّلَنَّهُمْ" بِفَتْحِ الباءِ وشَدِّ الدالِّ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وعاصِمْ -فِي رِوايَةٍ أبِي بَكْرٍ - والحَسَنِ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ بِسُكُونِ الباءِ وتَخْفِيفِ الدالِّ، وجاءَ في مَعْنى تَبْدِيلِ خَوْفِهِمْ بِالأمْنِ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمّا قالَ أصْحابُهُ: أما يَأْتِي عَلَيْنا يَوْمٌ نَأْمَنُ فِيهِ ونَضَعُ السَلامَ؟ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: لا تُغَبَّرُونَ إلّا قَلِيلًا حَتّى يَجْلِسَ الرَجُلُ مِنكم في المَلَأِ العَظِيمِ مُحْتَبِيًا لَيْسَ فِيهِ حَدِيدَةٌ»، وقَوْلُهُ: "يَعْبُدُونَنِي" فِعْلٌ مُسْتَأْنَفٌ، أيْ هم (p-٤٠٦)يَعْبُدُونَنِي، وقَوْلُهُ: "وَمَن كَفَرَ" يُرِيدُ: كَفَرَ هَذِهِ النِعَمَ إذا وقَعَتْ، ويَكُونُ الفِسْقُ -عَلى هَذا- غَيْرَ المُخْرِجِ عَنِ المِلَّةِ، قالَ بَعْضُ الناسِ في كِتابِ الطَبَرِيِّ: ظَهَرَ ذَلِكَ في قَتَلَةِ عُثْمانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ الكُفْرَ والفِسْقَ المُخْرِجَيْنِ عَنِ المِلَّةِ، وهو ظاهِرُ قَوْلِ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ، فَإنَّهُ قالَ: كانَ عَلى عَهْدِ النَبِيِّ ﷺ نِفاقٌ وقَدْ ذَهَبَ ولَمْ يَبْقَ إلّا كُفْرٌ بَعْدَ إيمانٍ.
ولِما قَدَّمَ تَعالى عَمَلَ الصالِحاتِ بَيَّنَها في هَذِهِ الآيَةِ، فَنَصَّ عَلى عَظْمِها وهي إقامَةُ الصَلاةِ وإيتاءُ الزَكاةِ، وعَمَّ بِطاعَةِ الرَسُولِ لَأنَّها عامَّةٌ لِجَمِيعِ الطاعاتِ. و"لَعَلَّكُمْ" مَعْناهُ: في حَقِّكم ومُعْتَقَدِكم.
ثُمْ أنْحى القَوْلَ عَلى الكَفَرَةِ بِأنْ نَبَّهَ عَلى أنَّهم لَيْسُوا بِمُفَلَّتِينَ مِن عَذابِ اللهِ تَعالى.
وقَرَأ جُمْهُورُ السَبْعَةِ: "لا تَحْسَبَنَّ" بِالتاءِ عَلى المُخاطَبَةِ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وقَرَأها الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ بِفَتْحِ السِينِ، وقَرَأ حَمْزَةُ، وابْنُ عامِرٍ: "لا يَحْسَبَنَّ" بِالياءِ، قالَ أبُو عَلِيٍّ: وذَلِكَ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما أنْ يَكُونَ التَقْدِيرُ: لا يَحْسَبَنَّ مُحَمَّدٌ، والآخَرُ أنْ يُسْنَدَ الفِعْلُ إلى الَّذِينَ كَفَرُوا والمَفْعُولُ أنْفُسُهُمْ، وأعْجَزَ الرَجُلَ إذا ذَهَبَ في الأرْضِ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ، ثُمْ أخْبَرَ بِأنَّ مَأْواهُمُ النارُ، وأنَّها بِئْسَ الخاتِمَةِ والمَصِيرِ.
{"ayahs_start":55,"ayahs":["وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَیَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَیُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِینَهُمُ ٱلَّذِی ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنࣰاۚ یَعۡبُدُونَنِی لَا یُشۡرِكُونَ بِی شَیۡـࣰٔاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ","وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ","لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ"],"ayah":"وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَیَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَیُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِینَهُمُ ٱلَّذِی ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنࣰاۚ یَعۡبُدُونَنِی لَا یُشۡرِكُونَ بِی شَیۡـࣰٔاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق