الباحث القرآني
فِيهِ تِسْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿بِالْباطِلِ﴾ أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَوُجُوهُ ذَلِكَ تَكْثُرُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَقَرَةِ [[راجع ج ٢ ص ٣٣٨.]]. وَمِنْ أَكْلِ الْمَالِ [بِالْبَاطِلِ [[من ب وط وج ود.]]] بَيْعُ الْعُرْبَانِ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْكَ السِّلْعَةَ أَوْ يَكْتَرِيَ مِنْكَ الدَّابَّةَ وَيُعْطِيَكَ دِرْهَمًا فَمَا فَوْقَهُ، عَلَى أَنَّهُ إِنِ اشْتَرَاهَا أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ فَهُوَ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ أَوْ كِرَاءِ الدَّابَّةِ، وَإِنْ تَرَكَ ابْتِيَاعَ السِّلْعَةِ أَوْ كِرَاءَ الدَّابَّةِ فَمَا أَعْطَاكَ فَهُوَ لَكَ. فَهَذَا لَا يَصْلُحُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ وَالْعِرَاقِيِّينَ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الْقِمَارِ وَالْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ، وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَا هِبَةٍ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ. وَبَيْعُ الْعُرْبَانِ مَفْسُوخٌ [[كذا في ى وفي غيرها: منسوخ.]] إِذَا وَقَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَتُرَدُّ السِّلْعَةُ إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ رُدَّ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَوْمٍ مِنْهُمُ ابْنُ سِيرِينَ وَمُجَاهِدٌ ونافع ابن عَبْدِ الْحَارِثِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ الْعُرْبَانِ عَلَى مَا وَصَفْنَا. وَكَانَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ يَقُولُ: أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا لَا يُعْرَفُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا، وَهَذَا وَمِثْلُهُ لَيْسَ حُجَّةً. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْعُرْبَانِ الْجَائِزِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ مَالِكٌ وَالْفُقَهَاءُ مَعَهُ، وَذَلِكَ أَنْ يُعَرْبِنَهُ ثُمَّ يَحْسِبُ عُرْبَانَهُ مِنَ الثَّمَنِ إِذَا اخْتَارَ تَمَامَ الْبَيْعِ. وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ). قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الثِّقَةِ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَشْبَهُ مَا قِيلَ فِيهِ: أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ أَوْ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، لِأَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَرَوَاهُ عَنْهُ. حَدَّثَ بِهِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ، وَابْنُ لَهِيعَةَ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّهُ احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ فَكَانَ إِذَا حَدَّثَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ حِفْظِهِ غَلِطَ. وَمَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ وَهْبٍ فَهُوَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ صَحِيحٌ. وَمِنْهُمْ مِنْ يُضَعِّفُ حَدِيثَهُ كُلَّهُ.، وَكَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ وَاسِعٌ وَكَانَ كثير الحديث، إلا أن حال عندهم كما وصفنا.
الثَّانِيةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ﴾ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ وَلَكِنْ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ. وَالتِّجَارَةُ هِيَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) عَلَى مَا تَقَدَّمَ [[راجع ج ٣ ص ٣٥٦ وص ٣٧١.]]. وَقُرِئَ (تِجَارَةٌ)، بِالرَّفْعِ أَيْ إِلَّا أَنْ تَقَعَ تِجَارَةٌ، وَعَلَيْهِ أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
فِدًى لِبَنِي ذُهْلِ بْنِ شيبان ناقتي ... إذا كان يوم ذو كواكب أَشْهَبُ
وَتُسَمَّى هَذِهِ كَانَ التَّامَّةُ، لِأَنَّهَا تَمَّتْ بفاعلها ولم تحتج إلى مفعول. وقرى (تِجارَةً) بِالنَّصْبِ، فَتَكُونُ كَانَ نَاقِصَةً، لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ بِالِاسْمِ دُونَ الْخَبَرِ، فَاسْمُهَا مُضْمَرٌ فِيهَا، وإن شدت قَدَّرْتَهُ، أَيْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ أَمْوَالَ تِجَارَةٍ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ [[راجع ج ٣ ص ٣٥٦ وص ٣٧١.]]). الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تِجارَةً﴾ التِّجَارَةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُعَاوَضَةِ، وَمِنْهُ الْأَجْرُ الَّذِي يُعْطِيهِ الْبَارِئُ سُبْحَانُهُ الْعَبْدَ عِوَضًا عَنِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ بَعْضٌ مِنْ فِعْلِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [[راجع ج ١٨ ص ٨٦.]]) وَقَالَ تَعَالَى: (يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ [[راجع ج ١٤ ص ٣٤٥.]]). وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ [[راجع ج ٨ ص ٢٦٦.]]) الْآيَةَ. فَسَمَّى ذَلِكَ كُلَّهُ بَيْعًا وَشِرَاءً عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ، تَشْبِيهًا بِعُقُودِ الأشرية وَالْبِيَاعَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا الْأَغْرَاضُ، وَهِيَ نَوْعَانِ: تَقَلُّبٌ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ نُقْلَةٍ وَلَا سَفَرٍ، وَهَذَا تَرَبُّصٌ وَاحْتِكَارٌ قَدْ رَغِبَ عَنْهُ أُولُو الْأَقْدَارِ، وَزَهِدَ فِيهِ ذَوُو الْأَخْطَارِ. وَالثَّانِي تَقَلُّبُ الْمَالِ بِالْأَسْفَارِ وَنَقْلُهُ إِلَى الْأَمْصَارِ، فَهَذَا أَلْيَقُ بِأَهْلِ الْمُرُوءَةِ، وَأَعَمُّ جَدْوَى وَمَنْفَعَةً، غَيْرَ أَنَّهُ أَكْثَرُ خَطَرًا وَأَعْظَمُ غَرَرًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ الْمُسَافِرَ وَمَالَهُ لَعَلَى قَلَتٍ [[نسب صاحب اللسان هذه العبارة إلى أعرابي. راجع مادة (قلت). والقلت بالتحريك الهلاك.]] إِلَّا مَا وَقَى اللَّهُ). يَعْنِي عَلَى خَطَرٍ. وَقِيلَ: فِي التَّوْرَاةِ يَا ابْنَ آدَمَ، أَحْدِثْ سَفَرًا أُحْدِثْ لَكَ رِزْقًا. الطَّبَرِيُّ: وَهَذِهِ الْآيَةُ أَدَلُّ دليل على فساد قول [[بياض بالأصول. وفى الطبري: (ففي هذه الآية ابانة من الله تعالى ذكره عن تكذيب قول المتصوفة المنكرين طلب الأقوات بالتجارات والصناعات والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) اكتسابا أحل ذلك لها. راجع الطبري في تفسير الآية وسيأتي في ص ١٥٦]] ......
الرَّابِعَةُ- اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مُعَاوَضَةٍ تِجَارَةٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ الْعِوَضُ، إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ (بِالْباطِلِ) أَخْرَجَ مِنْهَا كُلَّ عِوَضٍ لَا يَجُوزُ شَرْعًا مِنْ رِبًا أَوْ جَهَالَةٍ أَوْ تَقْدِيرِ عِوَضٍ فَاسِدٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَخَرَجَ مِنْهَا أَيْضًا كُلُّ عَقْدٍ جَائِزٍ لَا عِوَضَ فِيهِ، كَالْقَرْضِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لَا لِلثَّوَابِ. وَجَازَتْ عُقُودُ التَّبَرُّعَاتِ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى مَذْكُورَةٍ فِي مَوَاضِعِهَا. فَهَذَانِ طَرَفَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَخَرَجَ مِنْهَا أَيْضًا دُعَاءُ أَخِيكَ إِيَّاكَ إِلَى طَعَامِهِ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) فَكَانَ الرَّجُلُ يُحْرَجُ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَنُسِخَ ذَلِكَ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِي (النُّورِ)، فَقَالَ: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) إِلَى قَوْلِهِ (أَشْتاتاً [[راجع ج ١٢ ص ٣١١.]])، فَكَانَ الرَّجُلُ الْغَنِيُّ يَدْعُو الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِهِ إلى طعامه فيقول: إني لا جنح أَنْ آكُلَ مِنْهُ- وَالتَّجَنُّحُ الْحَرَجُ- وَيَقُولُ: الْمِسْكِينُ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي. فَأُحِلَّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأُحِلَّ طَعَامُ أَهْلِ الْكِتَابِ. الْخَامِسَةُ- لَوِ اشْتَرَيْتَ مِنَ السُّوقِ شَيْئًا، فَقَالَ لَكَ صَاحِبُهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ: ذُقْهُ وَأَنْتَ فِي حِلٍّ، فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ، لِأَنَّ إِذْنَهُ بِالْأَكْلِ لِأَجْلِ الشِّرَاءِ، فَرُبَّمَا لَا يقع بينكما شراء [[في ط وج: بيع.]] فيكون ذلك الا كل شبهو، وَلَكِنْ لَوْ وَصَفَ لَكَ صِفَةً فَاشْتَرَيْتَهُ فَلَمْ تَجِدْهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ. السَّادِسَةُ- وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ الْغَبْنِ فِي التِّجَارَةِ، مِثْلَ أن يبيع رجل ياقوتة بِدِرْهَمٍ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَأَنَّ الْمَالِكَ الصَّحِيحَ الْمِلْكِ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ الْكَثِيرَ بِالتَّافِهِ الْيَسِيرِ، وَهَذَا مَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ إِذَا عُرِفَ قَدْرُ ذَلِكَ، كَمَا تَجُوزُ الْهِبَةُ لَوْ وُهِبَ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ ذَلِكَ، فَقَالَ قَوْمٌ: عَرَفَ قَدْرَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ فَهُوَ جَائِزٌ إِذَا كَانَ رَشِيدًا حُرًّا بَالِغًا. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْغَبْنَ إِذَا تَجَاوَزَ الثُّلُثَ مَرْدُودٌ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ الْمُتَقَارِبُ الْمُتَعَارَفُ فِي التِّجَارَاتِ، وأما المتفاحش الفادح فلا، وقال ابن وهب من أصحاب مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْأَمَةِ الزَّانِيَةِ.
(فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ) وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعُمَرَ: (لَا تَبْتَعْهُ- يَعْنِي الْفَرَسَ- وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ) وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ من بعض) وقوله عليه السلام: (لا يبغ حَاضِرٌ لِبَادٍ [[الحاضر: المقيم في المدن والقرى. والبادي: القيم بالبادية. والمنهي عنه أن يأتي البدوي البلدة ومعه قوت يبغى التسارع إلى بيعة رخيصا، فيقول له الحضري: اتركه عندي لاغالى في بيعه. فهذا الصنيع محرم لما فيه من الإضرار بالغير. والبيع إذا جرى مع المغالاة منعقد. وسل ابن عباس عن معنى الحديث فقال: لا يكون له سمسارا.
(عن ابن الأثير).]]) وَلَيْسَ فِيهَا تَفْصِيلٌ [[في ط وى وب: تفضيل.]] بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ ثُلُثٍ وَلَا غَيْرِهِ. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تعالى: (عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أي عن رضى، إِلَّا أَنَّهَا جَاءَتْ مِنَ الْمُفَاعَلَةِ إِذِ التِّجَارَةُ مِنَ اثْنَيْنِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّرَاضِي، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَمَامُهُ وَجَزْمُهُ بِافْتِرَاقِ الْأَبْدَانِ بَعْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ، أَوْ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ، فَيَقُولُ: قَدِ اخْتَرْتُ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْعُقْدَةِ أَيْضًا فَيَنْجَزِمُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا، قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بُيُوعًا ثَلَاثَةً: بَيْعُ السُّلْطَانِ الْمَغَانِمَ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْمِيرَاثِ، وَالشَّرِكَةُ فِي التِّجَارَةِ، فَإِذَا صَافَقَهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَلَيْسَا فِيهِ بِالْخِيَارِ. وَقَالَ: وَحَدُّ التَّفْرِقَةِ أَنْ يَتَوَارَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الشَّامِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: التَّفَرُّقُ أَنْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا. وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ: هُمَا بِالْخِيَارِ أَبَدًا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، وَسَوَاءً قَالَا: اخْتَرْنَا أَوْ لَمْ يَقُولَاهُ حَتَّى يَفْتَرِقَا بِأَبْدَانِهِمَا من مكانهما، وقال الشَّافِعِيُّ أَيْضًا. وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي بَرْزَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: تَمَامُ الْبَيْعِ هُوَ أَنْ يُعْقَدَ الْبَيْعُ بِالْأَلْسِنَةِ فَيَنْجَزِمُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ وَيَرْتَفِعُ الْخِيَارُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) أَنَّ الْبَائِعَ إِذَا قَالَ: قَدْ بِعْتُكَ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقُلِ الْمُشْتَرِيَ قَدْ قَبِلْتُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَنَصُّ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَيْضًا، حَكَاهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ. وَقَدْ مَضَى في (البقرة [[راجع ج ٣ ص ٣٥٧]]). واحتج الْأَوَّلُونَ بِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ وَأَبِي بَرْزَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَغَيْرِهِمْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ). رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: (أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) هُوَ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) وَقَوْلُهُ: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ) وَنَحْوِهِ أَيْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ إِنْفَاذَ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخَهُ، فَإِنِ اخْتَارَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ تَمَّ الْبَيْعُ بينها وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ إِذَا بَايَعَ أَحَدًا وَأَحَبَّ أَنْ يُنْفِذَ الْبَيْعَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ. وَفِي الْأُصُولِ: إِنَّ مَنْ رَوَى حَدِيثًا فَهُوَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ، لَا سِيَّمَا الصَّحَابَةُ إِذْ هُمْ أَعْلَمُ بِالْمَقَالِ وَأَقْعَدُ بِالْحَالِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عن أبي الوضي [[أبو الوضي.
(بفتح الواو وكسر المعجمة المخففة مهموز): عباد بن نسيب.
(عن التهذيب).]] قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ فِي عَسْكَرٍ فَأَتَى رَجُلٌ مَعَهُ فَرَسٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَّا: أَتَبِيعُ هَذَا الْفَرَسَ بِهَذَا الْغُلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَبَاعَهُ ثُمَّ بَاتَ مَعَنَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَامَ إلى فرسه، فقال له صاحبنا: مالك وَالْفَرَسُ! أَلَيْسَ قَدْ بِعْتَنِيهَا؟ فَقَالَ: مَا لِي في هذا البيع من حاجة. فقال: مالك ذَلِكَ، لَقَدْ بِعْتَنِي. فَقَالَ لَهُمَا الْقَوْمُ: هَذَا أَبُو بَرْزَةَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأْتِيَاهُ، فَقَالَ لَهُمَا: أَتَرْضَيَانِ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَا: نَعَمْ. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) وَإِنِّي لَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا. فَهَذَانَ صَحَابِيَّانِ قَدْ عَلِمَا مَخْرَجَ الْحَدِيثِ وَعَمِلَا بِمُقْتَضَاهُ، بَلْ هَذَا كَانَ عَمَلَ الصَّحَابَةِ. قَالَ سَالِمٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنَّا إِذَا تَبَايَعْنَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ منا بالخيار ما لم يفرق الْمُتَبَايِعَانِ. قَالَ: فَتَبَايَعْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ فَبِعْتُهُ مَالِي بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، قَالَ: فَلَمَّا بِعْتُهُ طَفِقْتُ أَنْكُصُ الْقَهْقَرَى، خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي عُثْمَانُ الْبَيْعَ قَبْلَ أَنْ أُفَارِقَهُ. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَرَّقُوا بَيْنَ فَرَقْتُ مُخَفَّفًا وَفَرَّقْتُ مُثَقَّلًا، فَجَعَلُوهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْكَلَامِ وبالتثقيل في الأبدان. قال أحمد ابن يَحْيَى ثَعْلَبٌ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ: يُقَالُ فَرَقْتُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مُخَفَّفًا فَافْتَرَقَا وفرقت بين اثنين مشدد افترقا، فَجَعَلَ الِافْتِرَاقَ فِي الْقَوْلِ، وَالتَّفَرُّقَ فِي الْأَبْدَانِ.
احْتَجَّتِ الْمَالِكِيَّةُ بِمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آيَةِ الدَّيْنِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [[راجع ج ٦ ص ٣١.]]) وَهَذَانِ قَدْ تَعَاقَدَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبْطَالُ الْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ. قَالُوا: وَقَدْ يَكُونُ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ الَّذِي قَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ فِرَاقًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [[راجع ص ٤٠٨ من هذا الجزء.]]) وَقَالَ تَعَالَى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا [[راجع ج ٤ ص ١٦٦.]]) وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (تَفْتَرِقُ أُمَّتِي) وَلَمْ يَقُلْ بِأَبْدَانِهَا. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ شُعَيْبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: (أَيُّمَا رَجُلٍ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ بَيْعَةً فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ مَخَافَةَ أَنْ يُقِيلَهُ (. قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا فِيمَا قَدْ تَمَّ مِنَ الْبُيُوعِ. قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ (الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ) أَيِ الْمُتَسَاوِمَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَعْقِدَا فَإِذَا عَقَدَا بطل الخيار فيه. والجواب- أماما اعْتَلُّوا بِهِ مِنَ الِافْتِرَاقِ بِالْكَلَامِ فَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْأَدْيَانُ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي (آلِ عِمْرَانَ)، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَبَيَانُهُ أَنْ يُقَالَ: خَبِّرُونَا عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الِاجْتِمَاعُ وَتَمَّ بِهِ الْبَيْعُ، أَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الِافْتِرَاقُ أَمْ غَيْرُهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ غَيْرُهُ فَقَدْ أَحَالُوا وَجَاءُوا بِمَا لَا يُعْقَلُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ كَلَامٌ غَيْرُ ذَلِكَ. وَإِنْ قَالُوا: هُوَ ذَلِكَ الْكَلَامُ بِعَيْنِهِ قِيلَ لَهُمْ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الَّذِي بِهِ اجْتَمَعَا وَتَمَّ بِهِ بَيْعُهُمَا، بِهِ افْتَرَقَا، هَذَا عَيْنُ الْمُحَالِ وَالْفَاسِدِ مِنَ الْقَوْلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَلَا يَحِلُّ [[كذا في كل الأصول.]] لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ مَخَافَةَ أَنْ يُقِيلَهُ) فَمَعْنَاهُ- إِنْ صَحَّ- عَلَى النَّدْبِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
(مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ) وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَحِلُّ لِفَاعِلِهِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَلِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ لِيَنْفُذَ بَيْعُهُ وَلَا يُقِيلَهُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ. وَفِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ رَدٌّ لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى (لَا يَحِلُّ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُ هَذَا الْخَبَرِ النَّدْبُ، وَإِلَّا فَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا تَأْوِيلُ (الْمُتَبَايِعَانِ) بِالْمُتَسَاوِمَيْنِ فَعُدُولٌ عَنْ ظاهر اللفظ، وإنما مَعْنَاهُ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ عَقْدِهِمَا مُخَيَّرَانِ مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا، إِلَّا بَيْعًا يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ فِيهِ: اخْتَرْ فَيَخْتَارُ، فَإِنَّ الْخِيَارَ يَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ فُرِضَ خِيَارٌ فَالْمَعْنَى: إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ يَبْقَى الْخِيَارُ بَعْدَ التفرق بِالْأَبْدَانِ. وَتَتْمِيمُ هَذَا الْبَابِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. وفي قول عمرو ابن شُعَيْبٍ (سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ) دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ حديثه، فسن الدَّارَقُطْنِيَّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: شُعَيْبٌ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا؟ قَالَ: يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبِي. قَالَ: فَقُلْتُ: فَأَبُوهُ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؟ قَالَ: نَعَمْ، أُرَاهُ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ: هُوَ عَمْرُو بن شعيب بن محمد ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مِنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ وَسَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. الثَّامِنَةُ- رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ الْمُسْلِمُ مَعَ النبي وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). وَيُكْرَهُ لِلتَّاجِرِ أَنْ يَحْلِفَ لِأَجْلِ تَرْوِيجِ السِّلْعَةِ وَتَزْيِينِهَا، أَوْ يُصَلِّيَ على الني ﷺ فِي عَرْضِ سِلْعَتِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ! مَا أَجْوَدَ هَذَا. وَيُسْتَحَبُّ لِلتَّاجِرِ أَلَّا تَشْغَلَهُ تِجَارَتُهُ عَنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ تِجَارَتَهُ حَتَّى يَكُونَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ: (رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) وَسَيَأْتِي [[راجع ج ١٢ ص ٢٦٤]]. التَّاسِعَةُ- وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ يُنْكِرُ طَلَبَ الْأَقْوَاتِ بِالتِّجَارَاتِ وَالصِّنَاعَاتِ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ الْجَهَلَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ أَكْلَهَا بِالْبَاطِلِ وَأَحَلَّهَا بِالتِّجَارَةِ، وَهَذَا بَيِّنٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ فِيهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ- قَرَأَ الْحَسَنُ (تُقَتِّلُوا) عَلَى التَّكْثِيرِ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ النَّهْيُ أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا. ثُمَّ لَفْظُهَا يَتَنَاوَلُ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ بِقَصْدٍ مِنْهُ لِلْقَتْلِ فِي الْحِرْصِ عَلَى الدنيا وطلب المال بِأَنْ يَحْمِلَ نَفْسُهُ عَلَى الْغَرَرِ الْمُؤَدِّيَ إِلَى التَّلَفِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) فِي حَالِ ضَجَرٍ أَوْ غَضَبٍ، فَهَذَا كُلُّهُ يتناول النَّهْيُ. وَقَدِ احْتَجَّ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِهَذِهِ الْآيَةِ حِينَ امْتَنَعَ مِنَ الِاغْتِسَالِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حِينَ أَجْنَبَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ، فَقَرَّرَ النَّبِيُّ ﷺ احْتِجَاجَهُ وَضَحِكَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَقُلْ شيئا. خرجه أبو داود وغيره، وسيأتي.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَأۡكُلُوۤا۟ أَمۡوَ ٰلَكُم بَیۡنَكُم بِٱلۡبَـٰطِلِ إِلَّاۤ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً عَن تَرَاضࣲ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق