الباحث القرآني
(p-٢٨٤)قَوْلُهُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ أيْ: نِكاحُهُنَّ، وقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحانَهُ في هَذِهِ الآيَةِ ما يَحِلُّ وما يَحْرُمُ مِنَ النِّساءِ فَحَرَّمَ سَبْعًا مِنَ النَّسَبِ، وسِتًّا مِنَ الرَّضاعِ والصِّهْرِ، وألْحَقَتِ السُّنَّةُ المُتَواتِرَةُ تَحْرِيمَ الجَمْعِ بَيْنَ المَرْأةِ وعَمَّتِها، وبَيْنَ المَرْأةِ وخالَتِها، ووَقَعَ عَلَيْهِ الإجْماعُ. فالسَّبْعُ المُحَرَّماتُ مِنَ النَّسَبِ الأُمَّهاتُ والبَناتُ والأخَواتُ والعَمّاتُ والخالاتُ وبَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ.
والمُحَرَّماتُ بِالصِّهْرِ والرَّضاعِ: الأُمَّهاتُ مِنَ الرَّضاعَةِ والأخَواتُ مِنَ الرَّضاعَةِ وأُمَّهاتُ النِّساءِ والرَّبائِبُ وحَلائِلُ الأبْناءِ والجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ، فَهَؤُلاءِ سِتٌّ، والسّابِعَةُ مَنكُوحاتُ الآباءِ، والثّامِنَةُ الجَمْعُ بَيْنَ المَرْأةِ وعَمَّتِها. قالَ الطَّحاوِيُّ: وكُلُّ هَذا مِنَ المُحْكَمِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وغَيْرُ جائِزٍ نِكاحُ واحِدَةٍ مِنهُنَّ بِالإجْماعِ إلّا أُمَّهاتُ النِّساءِ اللَّواتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ أزْواجُهُنَّ، فَإنْ جُمْهُورَ السَّلَفِ ذَهَبُوا إلى أنَّ الأُمَّ تَحْرُمُ بِالعَقْدِ عَلى الِابْنَةِ، ولا تَحْرُمُ الِابْنَةُ إلّا بِالدُّخُولِ بِالأُمِّ.
وقالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الأُمُّ والرَّبِيبَةُ سَواءٌ لا تُحْرُمُ مِنهُما واحِدَةٌ إلّا بِالدُّخُولِ بِالأُخْرى. قالُوا: ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾ أيِ: اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، وزَعَمُوا أنَّ قَيْدَ الدُّخُولِ راجِعٌ إلى الأُمَّهاتِ والرَّبائِبِ جَمِيعًا، رَواهُ خِلاسٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ.
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وجابِرٍ وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ وابْنِ الزُّبَيْرِ ومُجاهِدٍ، قالَ القُرْطُبِيُّ: ورِوايَةُ خِلاسٍ عَنْ عَلِيٍّ لا تَقُومُ بِها حُجَّةٌ، ولا تَصِحُّ رِوايَتُهُ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيثِ، والصَّحِيحُ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الجَماعَةِ. وقَدْ أُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ قَيْدَ الدُّخُولِ راجِعٌ إلى الأُمَّهاتِ والرَّبائِبِ بِأنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ مِن جِهَةِ الإعْرابِ، وبَيانُهُ أنَّ الخَبَرَيْنِ إذا اخْتَلَفا في العامِلِ لَمْ يَكُنْ نَعْتُهُما واحِدًا، فَلا يَجُوزُ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ: مَرَرْتُ بِنِسائِكَ وهَوَيْتُ نِساءَ زَيْدٍ الظَّرِيفاتِ، عَلى أنْ يَكُونَ الظَّرِيفُ نَعْتًا لِلْجَمِيعِ، فَكَذَلِكَ في الآيَةِ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ نَعْتًا لَهم جَمِيعًا؛ لِأنَّ الخَبَرَيْنِ مُخْتَلِفانِ.
قالَ ابْنُ المُنْذِرِ: والصَّحِيحُ قَوْلُ الجُمْهُورِ لِدُخُولِ جَمِيعِ أُمَّهاتِ النِّساءِ في قَوْلِهِ: ﴿وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾ . ومِمّا يَدُلُّ عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ الجُمْهُورُ ما أخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ مِن طَرِيقَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: «إذا نَكَحَ الرَّجُلُ المَرْأةَ فَلا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّها دَخَلَ بِالِابْنَةِ أوْ لَمْ يَدْخُلْ، وإذا تَزَوَّجَ الأُمَّ فَلَمْ يَدْخُلْ بِها ثُمَّ طَلَّقَها، فَإنْ شاءَ تَزَوَّجَ الِابْنَةَ» قالَ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ مُسْتَدِلًّا لِلْجُمْهُورِ: وقَدْ رُوِيَ في ذَلِكَ خَبَرٌ غَيْرَ أنَّ في إسْنادِهِ نَظَرًا، فَذَكَرَ هَذا الحَدِيثَ ثُمَّ قالَ: وهَذا الخَبَرُ وإنْ كانَ في إسْنادِهِ ما فِيهِ، فَإنَّ إجْماعَ الحُجَّةِ عَلى صِحَّةِ القَوْلِ بِهِ يُغْنِي عَنِ الِاسْتِشْهادِ عَلى صِحَّتِهِ بِغَيْرِهِ، قالَ في الكَشّافِ: وقَدِ اتَّفَقُوا عَلى أنَّ تَحْرِيمَ أُمَّهاتِ النِّساءِ مُبْهَمٌ دُونَ تَحْرِيمِ الرَّبائِبِ عَلى ما عَلَيْهِ ظاهِرُ كَلامِ اللَّهِ تَعالى انْتَهى.
ودَعْوى الإجْماعِ مَدْفُوعَةٌ بِخِلافِ مَن تَقَدَّمَ. واعْلَمْ أنَّهُ يَدْخُلُ في لَفْظِ الأُمَّهاتِ أُمَّهاتُهُنَّ وجَدّاتُهُنَّ وأُمُّ الأبِ وجَدّاتُهُ وإنْ عَلَوْنَ؛ لِأنَّ كُلَّهُنَّ أُمَّهاتٌ لِمَن ولَدَهُ مِن وِلْدَتِهِ وإنْ سَفَلَ. ويَدْخُلُ في لَفْظِ البَناتِ بَناتُ الأوْلادِ وإنْ سَفَلْنَ، والأخَواتُ تَصْدُقُ عَلى الأُخْتِ لِأبَوَيْنِ أوْ لِأحَدِهِما، والعَمَّةُ اسْمٌ لِكُلِّ أُنْثى شارَكَتْ أباكَ أوْ جَدَّكَ في أصْلَيْهِ أوْ أحَدِهِما. وقَدْ تَكُونُ العَمَّةُ مِن جِهَةِ الأُمِّ وهي أُخْتُ أبِ الأُمِّ.
والخالَةُ اسْمٌ لِكُلِّ أُنْثى شارَكَتْ أُمَّكَ في أصْلَيْها أوْ في أحَدِهِما، وقَدْ تَكُونُ الخالَةُ مِن جِهَةِ الأبِ وهي أُخْتُ أُمِّ أبِيكَ، وبِنْتُ الأخِ اسْمٌ لِكُلِّ أُنْثى لِأخِيكَ عَلَيْها وِلادَةٌ بِواسِطَةٍ ومُباشَرَةٍ وإنْ بَعُدَتْ، وكَذَلِكَ بِنْتُ الأُخْتِ. قَوْلُهُ:﴿وأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أرْضَعْنَكُمْ﴾ هَذا مُطْلَقٌ مُقَيَّدٌ بِما ورَدَ في السُّنَّةِ مِن كَوْنِ الرَّضاعِ في الحَوْلَيْنِ إلّا في مِثْلِ قِصَّةِ إرْضاعِ سالِمٍ مَوْلى أبِي حُذَيْفَةَ، وظاهِرُ النَّظْمِ القُرْآنِيِّ أنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الرَّضاعِ بِما يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمّى الرَّضاعِ لُغَةً وشَرْعًا، ولَكِنَّهُ قَدْ ورَدَ تَقْيِيدُهُ بِخَمْسِ رَضَعاتٍ في أحادِيثَ صَحِيحَةٍ، والبَحْثُ عَنْ تَقْرِيرِ ذَلِكَ وتَحْقِيقِهِ يَطُولُ، وقَدِ اسْتَوْفَيْناهُ في مُصَنَّفاتِنا وقَرَّرْنا ما هو الحَقُّ في كَثِيرٍ مِن مَباحِثِ الرَّضاعِ.
قَوْلُهُ: ﴿وأخَواتُكم مِنَ الرَّضاعَةِ﴾ الأُخْتُ مِنَ الرَّضاعِ هي الَّتِي أرْضَعَتْها أُمُّكَ بِلِبانِ أبِيكَ سَواءٌ أرْضَعَتْها مَعَكَ أوْ مَعَ مَن قَبْلَكَ أوْ بَعْدَكَ مِنَ الإخْوَةِ والأخَواتِ، والأُخْتُ مِنَ الأُمِّ هي الَّتِي أرْضَعَتْها أُمُّكَ بِلِبانِ رَجُلٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: ﴿وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ الكَلامَ عَلى اعْتِبارِ الدُّخُولِ وعَدَمِهِ.
والمُحَرَّماتُ بِالمُصاهَرَةِ أرْبَعٌ: أُمُّ المَرْأةِ وابْنَتُها وزَوْجَةُ الأبِ وزَوْجَةُ الِابْنِ. قَوْلُهُ: ﴿ورَبائِبُكُمُ﴾ الرَّبِيبَةُ بِنْتُ امْرَأةِ الرَّجُلِ مِن غَيْرِهِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّهُ يُرَبِّيها في حِجْرِهِ فَهي مَرْبُوبَةٌ فَعِيلَةٌ بِمَعْنى مَفْعُولَةٍ. قالَ القُرْطُبِيُّ: واتَّفَقَ الفُقَهاءُ عَلى أنَّ الرَّبِيبَةَ تَحْرُمُ عَلى زَوْجِ أُمِّها إذا دَخَلَ بِالأُمِّ وإنْ لَمْ تَكُنِ الرَّبِيبَةُ في حِجْرِهِ، وشَذَّ بَعْضُ المُتَقَدِّمِينَ وأهْلُ الظّاهِرِ، فَقالُوا: لا تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ إلّا أنْ تَكُونَ في حِجْرِ المُتَزَوِّجِ، فَلَوْ كانَتْ في بَلَدٍ آخَرَ وفارَقَ الأُمَّ فَلَهُ أنْ يَتَزَوَّجَ بِها، وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. قالَ ابْنُ المُنْذِرِ والطَّحاوِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأنَّ راوِيَهُ إبْراهِيمُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ مالِكِ بْنِ أوْسِ بْنِ الحَدَثانِ عَنْ عَلِيٍّ، وإبْراهِيمُ هَذا لا يُعْرَفُ.
وقالَ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ بَعْدَ إخْراجِ هَذا عَنْ عَلِيٍّ: وهَذا إسْنادٌ قَوِيٌّ ثابِتٌ إلى عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ عَلى شَرْطِ مُسْلِمٍ. والحُجُورُ جَمْعُ حِجْرٍ. والرّاجِحُ أنَّهُنَّ في حَضانَةِ أُمَّهاتِهِنَّ تَحْتَ حِمايَةِ أزْواجِهِنَّ كَما هو الغالِبُ - وقِيلَ: المُرادُ بِالحُجُورِ البُيُوتُ؛ أيْ: في بُيُوتِكم، حَكاهُ الأثْرَمُ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ. قَوْلُهُ: ﴿فَإنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكم﴾ أيْ: في نِكاحِ الرَّبائِبِ، وهو تَصْرِيحٌ بِما دَلَّ عَلَيْهِ مَفْهُومُ ما قَبْلَهُ.
وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في مَعْنى الدُّخُولِ المُوجِبِ لِتَحْرِيمِ الرَّبائِبِ: فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: الدُّخُولُ الجِماعُ وهو قَوْلُ طاوُسٍ وعَمْرِو بْنِ دِينارٍ وغَيْرِهِما. وقالَ مالِكٌ والثَّوْرِيُّ وأبُو حَنِيفَةَ والأوْزاعِيُّ واللَّيْثُ والزَّيْدِيَّةُ: إنَّ الزَّوْجَ إذا لَمَسَ الأُمَّ لِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ ابْنَتُها وهو أحَدُ قَوْلَيِ الشّافِعِيِّ.
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: وفي إجْماعِ الجَمِيعِ أنَّ خَلْوَةَ الرَّجُلِ بِامْرَأتِهِ لا تُحَرِّمُ ابْنَتَها عَلَيْهِ إذا طَلَّقَها قَبْلَ (p-٢٨٥)مَسِيسِها ومُباشَرَتِها وقَبْلَ النَّظَرِ إلى فَرْجِها لِشَهْوَةٍ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ مَعْنى ذَلِكَ هو الوُصُولُ إلَيْها بِالجِماعِ، انْتَهى. وهَكَذا حَكى الإجْماعَ القُرْطُبِيُّ فَقالَ: وأجْمَعَ العُلَماءُ عَلى أنَّ الرَّجُلَ إذا تَزَوَّجَ المَرْأةَ ثُمَّ طَلَّقَها أوْ ماتَتْ قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِها حَلَّ لَهُ نِكاحُ ابْنَتِها.
واخْتَلَفُوا في النَّظَرِ، فَقالَ مالِكٌ: إذا نَظَرَ إلى شَعْرِها أوْ صَدْرِها أوْ شَيْءٍ مِن مَحاسِنِها لِلَذَّةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّها وابْنَتُها. وقالَ الكُوفِيُّونَ: إذا نَظَرَ إلى فَرْجِها لِلشَّهْوَةِ كانَ بِمَنزِلَةِ اللَّمْسِ لِلشَّهْوَةِ، وكَذا قالَ الثَّوْرِيُّ ولَمْ يَذْكُرِ الشَّهْوَةَ. وقالَ ابْنُ أبِي لَيْلى: لا تَحْرُمُ بِالنَّظَرِ حَتّى يَلْمِسَ، وهو قَوْلُ الشّافِعِيِّ. والَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ في مِثْلِ هَذا الخِلافِ هو النَّظَرُ في مَعْنى الدُّخُولِ شَرْعًا أوْ لُغَةً، فَإنْ كانَ خاصًّا بِالجِماعِ فَلا وجْهَ لِإلْحاقِ غَيْرِهِ بِهِ مِن لَمْسٍ أوْ نَظَرٍ أوْ غَيْرِهِما، وإنْ كانَ مَعْناهُ أوْسَعَ مِنَ الجِماعِ بِحَيْثُ يَصْدُقُ عَلى ما حَصَلَ فِيهِ نَوْعُ اسْتِمْتاعٍ كانَ مَناطُ التَّحْرِيمِ هو ذَلِكَ.
وأمّا الرَّبِيبَةُ في مِلْكِ اليَمِينِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أحَلَّتْهُما آيَةٌ وحَرَّمَتْهُما آيَةٌ ولَمْ أكُنْ لِأفْعَلَهُ. وقالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: لا خِلافَ بَيْنِ العُلَماءِ أنَّهُ لا يَحِلُّ لِأحَدٍ أنْ يَطَأ امْرَأةً وابْنَتَها مِن مِلْكِ اليَمِينِ؛ لِأنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ذَلِكَ في النِّكاحِ قالَ: ﴿وأُمَّهاتُ نِسائِكم ورَبائِبُكُمُ اللّاتِي في حُجُورِكم مِن نِسائِكُمُ﴾ ومِلْكُ اليَمِينِ عِنْدَهم تَبَعٌ لِلنِّكاحِ إلّا ما رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وابْنِ عَبّاسٍ، ولَيْسَ عَلى ذَلِكَ أحَدٌ مِن أئِمَّةِ الفَتْوى ولا مَن تَبِعَهُمُ، انْتَهى. قَوْلُهُ: ﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ﴾ الحَلائِلُ: جَمْعُ حَلِيلَةٍ وهي الزَّوْجَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّها تَحِلُّ مَعَ الزَّوْجِ حَيْثُ حَلَّ فَهي فَعِيلَةٌ بِمَعْنى فاعِلَةٍ.
وذَهَبَ الزَّجّاجُ وقَوْمٌ إلى أنَّها مِن لَفْظَةِ الحَلالِ فَهي حَلِيلَةٌ بِمَعْنى مُحَلَّلَةٍ. وقِيلَ: لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما يَحُلُّ إزارَ صاحِبِهِ. وقَدْ أجْمَعَ العُلَماءُ عَلى تَحْرِيمِ ما عَقَدَ عَلَيْهِ الآباءُ عَلى الأبْناءِ وما عَقَدَ عَلَيْهِ الأبْناءُ عَلى الآباءِ سَواءً كانَ مَعَ العَقْدِ وطْءٌ أوْ لَمْ يَكُنْ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكم مِنَ النِّساءِ﴾ وقَوْلِهِ: ﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ﴾ . واخْتَلَفَ الفُقَهاءُ في العَقْدِ إذا كانَ فاسِدًا هَلْ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ أمْ لا ؟ كَما هو مُبَيَّنٌ في كُتُبِ الفُرُوعِ.
قالَ ابْنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كُلُّ مَن يُحْفَظُ عَنْهُ العِلْمُ مِن عُلَماءِ الأمْصارِ أنَّ الرَّجُلَ إذا وطِئَ امْرَأةً بِنِكاحٍ فاسِدٍ أنَّها تَحْرُمُ عَلى أبِيهِ وابْنِهِ وعَلى أجْدادِهِ. وأجْمَعَ العُلَماءُ عَلى أنَّ عَقْدَ الشِّراءِ عَلى الجارِيَةِ لا يُحَرِّمُها عَلى أبِيهِ وابْنِهِ، فَإذا اشْتَرى جارِيَةً فَلَمَسَ أوْ قَبَّلَ حُرِّمَتْ عَلى أبِيهِ وابْنِهِ لا أعْلَمُهم يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَوَجَبَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ تَسْلِيمًا لَهم.
ولَمّا اخْتَلَفُوا في تَحْرِيمِها بِالنَّظَرِ دُونَ اللَّمْسِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِاخْتِلافِهِمْ قالَ: لا يَصِحُّ عَنْ أحَدٍ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ خِلافُ ما قُلْناهُ. قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ مِن أصْلابِكُمْ﴾ وصْفٌ لِلْأبْناءِ؛ أيْ: دُونَ مَن تَبَنَّيْتُمْ مِن أوْلادِ غَيْرِكم كَما كانُوا يَفْعَلُونَهُ في الجاهِلِيَّةِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنها وطَرًا زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أزْواجِ أدْعِيائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنهُنَّ وطَرًا﴾ [الأحزاب: ٣٧] ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وما جَعَلَ أدْعِياءَكم أبْناءَكم﴾ [الأحزاب: ٤] ومِنهُ: ﴿ما كانَ مُحَمَّدٌ أبا أحَدٍ مِن رِجالِكم﴾ [الأحزاب: ٤] وأمّا زَوْجَةُ الِابْنِ مِنَ الرَّضاعِ فَقَدْ ذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّها تَحْرُمُ عَلى أبِيهِ، وقَدْ قِيلَ: إنَّهُ إجْماعٌ مَعَ أنَّ الِابْنَ مِنَ الرَّضاعِ لَيْسَ مِن أوْلادِ الصُّلْبِ.
ووَجْهُهُ ما صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مِن قَوْلِهِ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ولا خِلافَ أنَّ أوْلادَ الأوْلادِ وإنْ سَفَلُوا بِمَنزِلَةِ أوْلادِ الصُّلْبِ في تَحْرِيمِ نِكاحِ نِسائِهِمْ عَلى آبائِهِمْ. وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في وطْءِ الزِّنا هَلْ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ أمْ لا ؟ فَقالَ أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ: إذا أصابَ رَجُلٌ امْرَأةً بِزِنًا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ نِكاحُها بِذَلِكَ، وكَذَلِكَ لا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأتُهُ إذا زَنا بِأُمِّها أوْ بِابْنَتِها، وحَسْبُهُ أنْ يُقامَ عَلَيْهِ الحَدُّ، وكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ عِنْدَهم أنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّ مَن زَنى بِها وبِابْنَتِها.
وقالَتْ طائِفَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ: إنَّ الزِّنا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ والشَّعْبِيِّ وعَطاءٍ والحَسَنِ وسُفْيانَ الثَّوْرِيِّ وأحْمَدَ وإسْحاقَ وأصْحابِ الرَّأْيِ، وحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مالِكٍ، والصَّحِيحُ عَنْهُ كَقَوْلِ الجُمْهُورِ.
احْتَجَّ الجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾ وبِقَوْلِهِ: ﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ﴾ والمَوْطُوءَةُ بِالزِّنا لا يَصْدُقُ عَلَيْها أنَّها مِن نِسائِهِمْ ولا مِن حَلائِلِ أبْنائِهِمْ. وقَدْ أخْرَجَ الدّارَقُطْنِيُّ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ زَنى بِامْرَأةٍ فَأرادَ أنْ يَتَزَوَّجَها أوِ ابْنَتَها، فَقالَ: لا يُحَرِّمُ الحَرامُ الحَلالَ» .
واحْتَجَّ المُحَرِّمُونَ بِما رُوِيَ في قِصَّةِ جُرَيْجٍ الثّابِتَةِ في الصَّحِيحِ أنَّهُ قالَ: يا غُلامُ مَن أبُوكَ ؟ فَقالَ: فُلانٌ الرّاعِي، فَنَسَبَ الِابْنُ نَفْسَهُ إلى أبِيهِ مِنَ الزِّنا، وهَذا احْتِجاجٌ ساقِطٌ، واحْتَجُّوا أيْضًا بِقَوْلِهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «لا يَنْظُرُ اللَّهُ إلى رَجُلٍ نَظَرَ إلى فَرْجِ امْرَأةٍ وابْنَتِها» ولَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الحَلالِ والحَرامِ. ويُجابُ عَنْهُ بِأنَّ هَذا مُطْلَقٌ مُقَيَّدٌ بِما ورَدَ مِنَ الأدِلَّةِ الدّالَّةِ عَلى أنَّ الحَرامَ لا يُحَرِّمُ الحَلالَ.
واخْتَلَفُوا في اللِّواطِ هَلْ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ أمْ لا ؟ فَقالَ الثَّوْرِيُّ: إذا لاطَ بِالصَّبِيِّ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُ، وهو قَوْلُ أحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قالَ: إذا تَلَوَّطَ بِابْنِ امْرَأتِهِ أوْ أبِيها أوْ أخِيها حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأتُهُ. وقالَ الأوْزاعِيُّ: إذا لاطَ بِغُلامٍ ووُلِدَ لِلْمَفْجُورِ بِهِ بِنْتٌ لَمْ يَجُزْ لِلْفاجِرِ أنْ يَتَزَوَّجَها لِأنَّها بِنْتُ مَن قَدْ دَخَلَ بِهِ.
ولا يَخْفى ما في قَوْلِ هَؤُلاءِ مِنَ الضَّعْفِ والسُّقُوطِ النّازِلِ عَنْ قَوْلِ القائِلِينَ بِأنَّ وطْءَ الحَرامِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ بِدَرَجاتٍ لِعَدَمِ صَلاحِيَةِ ما تَمَسَّكَ بِهِ أُولَئِكَ مِنَ الشُّبَهِ عَلى ما زَعَمَهُ هَؤُلاءِ مِنِ اقْتِضاءِ اللِّواطِ لِلتَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: ﴿وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ أيْ: وحُرِّمَ عَلَيْكم أنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ فَهو في مَحَلِّ رَفْعٍ عَطْفًا عَلى المُحَرَّماتِ السّابِقَةِ، وهو يَشْمَلُ الجَمْعَ بَيْنَهُما بِالنِّكاحِ والوَطْءِ بِمِلْكِ اليَمِينِ.
وقِيلَ: إنَّ الآيَةَ خاصَّةٌ بِالجَمْعِ في النِّكاحِ لا في مِلْكِ اليَمِينِ، وأمّا في الوَطْءِ بِالمِلْكِ فَلا حَقَّ بِالنِّكاحِ، وقَدْ أجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلى مَنعِ جَمْعِهِما في عَقْدِ النِّكاحِ. واخْتَلَفُوا في الأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ اليَمِينِ، فَذَهَبَ كافَّةُ العُلَماءِ إلى (p-٢٨٦)أنَّهُ يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَهُما في الوَطْءِ بِالمِلْكِ، وأجْمَعُوا عَلى أنَّهُ يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَهُما في المِلْكِ فَقَطْ. وقَدْ تَوَقَّفَ بَعْضُ السَّلَفِ في الجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ في الوَطْءِ بِالمِلْكِ، وسَيَأْتِي بَيانُ ذَلِكَ. واخْتَلَفُوا في جَوازِ عَقْدِ النِّكاحِ عَلى أُخْتِ الجارِيَةِ الَّتِي تُوطَأُ بِالمِلْكِ.
فَقالَ الأوْزاعِيُّ: إذا وطِئَ جارِيَةً لَهُ بِمِلْكِ يَمِينٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَها. وقالَ الشّافِعِيُّ: مِلْكُ اليَمِينِ لا يَمْنَعُ نِكاحَ الأُخْتِ. وقَدْ ذَهَبَتِ الظّاهِرِيَّةُ إلى جَوازِ الجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ اليَمِينِ في الوَطْءِ كَما يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَهُما في المِلْكِ. قالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ بَعْدَ أنْ ذَكَرَ ما رُوِيَ عَنْ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ مِن جَوازِ الجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ في الوَطْءِ بِالمِلْكِ: وقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ عُثْمانَ عَنْ طائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنهُمُ ابْنُ عَبّاسٍ، ولَكِنَّهُمُ اخْتُلِفَ عَلَيْهِمْ ولَمْ يَلْتَفِتْ إلى ذَلِكَ أحَدٌ مِن فُقَهاءِ الأمْصارِ بِالحِجازِ ولا بِالعِراقِ ولا ما وراءَها مِنَ المَشْرِقِ ولا بِالشّامِ ولا المَغْرِبِ إلّا مَن شَذَّ عَنْ جَماعَتِهِمْ بِاتِّباعِ الظّاهِرِ ونَفْيِ القِياسِ.
وقَدْ تُرِكَ مَن تَعَمَّدَ ذَلِكَ. وجَماعَةُ الفُقَهاءِ مُتَّفِقُونَ عَلى أنَّهُ لا يَحِلُّ الجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ اليَمِينِ في الوَطْءِ كَما لا يَحِلُّ ذَلِكَ في النِّكاحِ.
وقَدْ أجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلى أنَّ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكم وأخَواتُكُمْ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ، أنَّ النِّكاحَ بِمِلْكِ اليَمِينِ في هَؤُلاءِ كُلِّهِنَّ سَواءٌ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ قِياسًا ونَظَرًا الجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ وأُمَّهاتِ النِّساءِ والرَّبائِبِ، وكَذا هو عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ، وهي الحُجَّةُ المَحْجُوجُ بِها مَن خالَفَها وشَذَّ عَنْها، واللَّهُ المَحْمُودُ انْتَهى. وأقُولُ: هاهُنا إشْكالٌ، وهو أنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أنَّ النِّكاحَ يُقالُ عَلى العَقْدِ فَقَطْ، وعَلى الوَطْءِ فَقَطْ، والخِلافُ في كَوْنِ أحَدِهِما حَقِيقَةً والآخَرِ مَجازًا، أوْ كَوْنِهِما حَقِيقَتَيْنِ مَعْرُوفٌ، فَإنْ حَمْلَنا هَذا التَّحْرِيمَ المَذْكُورَ في هَذِهِ الآيَةِ وهي قَوْلُهُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ إلى آخِرِها، عَلى أنَّ المُرادَ تَحْرِيمُ العَقْدِ عَلَيْهِنَّ لَمْ يَكُنْ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ دَلالَةٌ عَلى تَحْرِيمِ الجَمْعِ بَيْنَ المَمْلُوكَتَيْنِ في الوَطْءِ بِالمِلْكِ، وما وقَعَ مِن إجْماعِ المُسْلِمِينَ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكم وأخَواتُكم﴾ إلى آخِرِهِ، يَسْتَوِي فِيهِ الحَرائِرُ والإماءُ، والعَقْدُ والمِلْكُ لا يَسْتَلْزِمُ أنْ يَكُونَ مَحَلَّ الخِلافِ، وهو الجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ في الوَطْءِ بِمِلْكِ اليَمِينِ مِثْلُ مَحَلِّ الإجْماعِ، ومُجَرَّدُ القِياسِ في مِثْلِ هَذا المَوْطِنِ لا تَقُومُ بِهِ الحُجَّةُ لِما يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ النُّقُوضِ، وإنَّ حَمْلَنا التَّحْرِيمَ المَذْكُورَ في الآيَةِ عَلى الوَطْءِ فَقَطْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِلْإجْماعِ عَلى تَحْرِيمِ عَقْدِ النِّكاحِ عَلى جَمِيعِ المَذْكُوراتِ مِن أوَّلِ الآيَةِ إلى آخِرِها، فَلَمْ يَبْقَ إلّا حَمْلُ التَّحْرِيمِ في الآيَةِ عَلى تَحْرِيمِ عَقْدِ النِّكاحِ، فَيَحْتاجُ القائِلُ بِتَحْرِيمِ الجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ في الوَطْءِ بِالمِلْكِ إلى دَلِيلٍ ولا يَنْفَعُهُ أنَّ ذَلِكَ قَوْلُ الجُمْهُورِ، فالحَقُّ لا يُعْرَفُ بِالرِّجالِ، فَإنْ جاءَ بِهِ خالِصًا عَنْ شَوْبِ الكَدَرِ فَبِها ونِعْمَتْ، وإلّا كانَ الأصْلُ الحِلُّ، ولا يَصِحُّ حَمْلُ النِّكاحِ في الآيَةِ عَلى مَعْنَيَيْهِ جَمِيعًا - أعْنِي العَقْدَ والوَطْءَ - لِأنَّهُ مِن بابِ الجَمْعِ بَيْنَ الحَقِيقَةِ والمَجازِ وهو مَمْنُوعٌ، أوْ مِن بابِ الجَمْعِ بَيْنَ مَعْنَيَيِ المُشْتَرَكِ، وفِيهِ الخِلافُ المَعْرُوفُ في الأُصُولِ فَتَدَبَّرْ هَذا.
وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ إذا كانَ الرَّجُلُ يَطَأُ مَمْلُوكَتَهُ بِالمِلْكِ ثُمَّ أرادَ أنْ يَطَأ أُخْتَها بِالمِلْكِ، فَقالَ عَلِيٌّ وابْنُ عُمَرَ والحَسَنُ البَصْرِيُّ والأوْزاعِيُّ والشّافِعِيُّ وأحْمَدُ وإسْحاقُ: لا يَجُوزُ لَهُ وطْءُ الثّانِيَةِ حَتّى يَحْرُمَ فَرْجُ الأُخْرى بِإخْراجِها مِن مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أوْ عِتْقٍ أوْ بِأنْ يُزَوِّجَها. قالَ ابْنُ المُنْذِرِ: وفِيهِ قَوْلٌ ثانٍ لِقَتادَةَ، وهو أنَّهُ يَنْوِي تَحْرِيمَ الأُولى عَلى نَفْسِهِ ولا يَقْرَبُها، ثُمَّ يُمْسِكُ عَنْها حَتّى تَسْتَبْرِئَ المُحَرَّمَةُ ثُمَّ يَغْشى الثّانِيَةَ. وفِيهِ قَوْلٌ ثالِثٌ، وهو أنَّهُ لا يَقْرَبُ واحِدَةً مِنهُما، هَكَذا قالَ الحَكِيمُ وحَمّادٌ. ورُوِيَ مَعْنى ذَلِكَ عَنِ النَّخَعِيِّ.
وقالَ مالِكٌ: إذا كانَ عِنْدَهُ أُخْتانِ بِمِلْكٍ فَلَهُ أنْ يَطَأ أيَّتَهُما شاءَ والكَفُّ عَنِ الأُخْرى مَوْكُولٌ إلى أمانَتِهِ، فَإنْ أرادَ وطْءَ الأُخْرى فَيَلْزَمُهُ أنْ يُحَرِّمَ عَلى نَفْسِهِ فَرَجَ الأُولى بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ مِن إخْراجٍ عَنِ المِلْكِ أوْ تَزْوِيجٍ أوْ بَيْعٍ أوْ عِتْقٍ أوْ كِتابَةٍ أوْ إخْدامٍ طَوِيلٍ، فَإنْ كانَ يَطَأُ إحْداهُما ثُمَّ وثَبَ عَلى الأُخْرى دُونَ أنْ يُحَرِّمَ الأُولى وقَفَ عَنْهُما ولَمْ يَجُزْ لَهُ قُرْبَ إحْداهُما حَتّى يُحَرِّمَ الأُخْرى ولَمْ يُوكَلْ ذَلِكَ إلى أمانَتِهِ؛ لِأنَّهُ مُتَّهَمٌ. قالَ القُرْطُبِيُّ: وقَدْ أجْمَعَ العُلَماءُ عَلى أنَّ الرَّجُلَ إذا طَلَقَّ زَوْجَتَهُ طَلاقًا يَمْلِكُ رَجْعَتَها أنَّهُ لَيْسَ لَهُ أنْ يَنْكِحَ أُخْتَها حَتّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ المُطَلَّقَةِ.
واخْتَلَفُوا إذا طَلَّقَها طَلاقًا لا يَمْلِكُ رَجْعَتَها، فَقالَتْ طائِفَةٌ: لَيْسَ لَهُ أنْ يَنْكِحَ أُخْتَها ولا رابِعَةً حَتّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الَّتِي طَلَّقَ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ ومُجاهِدٍ وعَطاءٍ والنَّخَعِيِّ والثَّوْرِيِّ وأحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وأصْحابِ الرَّأْيِ. وقالَ طائِفَةٌ: لَهُ أنْ يَنْكِحَ أُخْتَها ويَنْكِحَ الرّابِعَةَ لِمَن كانَ تَحْتَهُ أرْبَعٌ وطَلَّقَ واحِدَةً مِنهُنَّ طَلاقًا بائِنًا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ والحَسَنِ والقاسِمِ وعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وابْنِ أبِي لَيْلى والشّافِعِيِّ وأبِي ثَوْرٍ وأبِي عُبَيْدٍ. قالَ ابْنُ المُنْذِرِ: ولا أحْسَبُهُ إلّا قَوْلَ مالِكٍ. وهو أيْضًا إحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ وعَطاءٍ.
قَوْلُهُ: ﴿إلّا ما قَدْ سَلَفَ﴾ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ مَعْنى ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكم مِنَ النِّساءِ إلّا ما قَدْ سَلَفَ﴾ ويَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرَ، وهو جَوازُ ما سَلَفَ وأنَّهُ إذا جَرى الجَمْعُ في الجاهِلِيَّةِ كانَ النِّكاحُ صَحِيحًا، وإذا جَرى في الإسْلامِ خُيِّرَ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ. والصَّوابُ الِاحْتِمالُ الأوَّلُ.
قَوْلُهُ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ﴾ عَطْفٌ عَلى المُحَرَّماتِ المَذْكُوراتِ. وأصْلُ التَّحَصُّنِ التَّمَنُّعُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِتُحْصِنَكم مِن بَأْسِكُمْ﴾ [الأنبياء: ٨٠] أيْ لِتَمْنَعَكم، ومِنهُ الحِصانُ بِكَسْرِ الحاءِ لِلْفَرَسِ لِأنَّهُ يَمْنَعُ صاحِبَهُ مِنَ الهَلاكِ. والحَصانُ بِفَتْحِ الحاءِ: المَرْأةُ العَفِيفَةُ لِمَنعِها نَفْسَها، ومِنهُ قَوْلُ حَسّانَ:
؎حَصانٌ رَزانٌ ما تَزِنُّ بِرِيبَةٍ وتُصْبِحُ غَرْثى مِن لُحُومِ الغَوافِلِ
والمَصْدَرُ الحَصانَةُ بِفَتْحِ الحاءِ. والمُرادُ بِالمُحْصَناتِ هُنا ذَواتُ الأزْواجِ.
وقَدْ ورَدَ الإحْصانُ في القُرْآنِ لَمَعانٍ، هَذا أحُدُها. والثّانِي يُرادُ بِهِ الحُرَّةُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكم طَوْلًا أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ﴾ [النساء: ٢٥] وقَوْلُهُ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤْمِناتِ والمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكم﴾ [المائدة: ٥] . (p-٢٨٧)والثّالِثُ يُرادُ بِهِ العَفِيفَةُ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ﴾ [النساء: ٢٥]، ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ﴾ [ النِّساءِ: ٢٥، المائِدَةِ: ٥ ] . والرّابِعُ المُسْلِمَةُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا أُحْصِنَّ﴾ .
وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ، أعْنِي قَوْلَهُ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلّا ما مَلَكَتْ أيْمانُكم﴾ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وأبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ وأبُو قِلابَةَ ومَكْحُولٌ والزُّهْرِيُّ: المُرادُ بِالمُحْصَناتِ هُنا: المَسْبِيّاتُ ذَواتُ الأزْواجِ خاصَّةً، أيْ هُنَّ مُحَرَّماتٌ عَلَيْكم إلّا ما مَلَكَتْ أيْمانُكم بِالسَّبْيِ مِن أرْضِ الحَرْبِ، فَإنَّ تِلْكَ حَلالٌ وإنْ كانَ لَها زَوْجٌ، وهو قَوْلُ الشّافِعِيِّ؛ أيْ: إنَّ السِّباءَ يَقْطَعُ العِصْمَةَ، وبِهِ قالَ ابْنُ وهْبٍ وابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ ورَوَياهُ عَنْ مالِكٍ، وبِهِ قالَ أبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ وأحْمَدُ وإسْحاقُ وأبُو ثَوْرٍ. واخْتَلَفُوا في اسْتِبْرائِها بِماذا يَكُونُ ؟ كَما هو مُدَوَّنٌ في كُتُبِ الفُرُوعِ.
وقالَتْ طائِفَةٌ: المُحْصَناتُ في هَذِهِ الآيَةِ العَفائِفُ، وبِهِ قالَ أبُو العالِيَةِ وعَبِيدَةُ السَّلْمانِيُّ وطاوُسٌ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وعَطاءٌ، ورَواهُ عَبِيدَةُ عَنْ عُمَرَ. ومَعْنى الآيَةِ عِنْدَهم: كُلُّ النِّساءِ حَرامٌ إلّا ما مَلَكَتْ أيْمانُكم؛ أيْ: تَمْلِكُونَ عِصْمَتَهُنَّ بِالنِّكاحِ وتَمْلِكُونَ الرَّقَبَةَ بِالشِّراءِ. وحَكى ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ أنَّ رَجُلًا قالَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أما رَأيْتَ ابْنَ عَبّاسٍ حِينَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ فَلَمْ يَقُلْ فِيها شَيْئًا ؟ فَقالَ: كانَ ابْنُ عَبّاسٍ لا يَعْلَمُها. ورَوى ابْنُ جَرِيرٍ أيْضًا عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ قالَ: لَوْ أعْلَمُ مَن يُفَسِّرُ لِي هَذِهِ الآيَةَ لَضَرَبْتُ إلَيْهِ أكْبادَ الإبِلِ انْتَهى.
ومَعْنى الآيَةِ واللَّهُ أعْلَمُ واضِحٌ لا سُتْرَةَ بِهِ. أيْ وحُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ؛ أيِ: المُزَوَّجاتُ أعَمُّ مِن أنْ يَكُنَّ مُسْلِماتٍ أوْ كافِراتٍ إلّا ما مَلَكَتْ أيْمانُكم مِنهُنَّ، إمّا بِسَبْيٍ فَإنَّها تَحِلُّ ولَوْ كانَتْ ذاتَ زَوْجٍ، أوْ بِشِراءٍ فَإنَّها تَحِلُّ ولَوْ كانَتْ مُزَوَّجَةً، ويَنْفَسِخُ النِّكاحُ الَّذِي كانَ عَلَيْها بِخُرُوجِها عَنْ مِلْكِ سَيِّدِها الَّذِي زَوَّجَها، وسَيَأْتِي ذِكْرُ سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ إنْ شاءَ اللَّهُ، والِاعْتِبارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.
وقَدْ قُرِئَ ( المُحْصَناتُ ) بِفَتْحِ الصّادِ وكَسْرِها، فالفَتْحُ عَلى أنَّ الأزْواجَ أحْصَنُوهُنَّ، والكَسْرُ عَلى أنَّهُنَّ أحْصَنَّ فُرُوجَهُنَّ عَنْ غَيْرِ أزْواجِهِنَّ أوْ أحْصَنَّ أزْواجَهُنَّ. قَوْلُهُ: ﴿كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ مَنصُوبٌ عَلى المَصْدَرِيَّةِ؛ أيْ: كَتَبَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْكم كِتابًا.
وقالَ الزَّجّاجُ والكُوفِيُّونَ: إنَّهُ مَنصُوبٌ عَلى الإغْراءِ؛ أيِ: الزَمُوا كِتابَ اللَّهِ، أوْ عَلَيْكم كِتابَ اللَّهِ، واعْتَرَضَهُ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ بِأنَّ الإغْراءَ لا يَجُوزُ فِيهِ تَقْدِيمُ المَنصُوبِ وهَذا الِاعْتِراضُ إنَّما يَتَوَجَّهُ عَلى قَوْلِ مَن قالَ: إنَّهُ مَنصُوبٌ بِعَلَيْكُمُ المَذْكُورُ في الآيَةِ، ورُوِيَ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمانِيِّ أنَّهُ قالَ: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكم﴾ إشارَةٌ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ﴾ وهو بَعِيدٌ، بَلْ هو إشارَةٌ إلى التَّحْرِيمِ المَذْكُورِ في قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ. قَوْلُهُ: ﴿وأُحِلَّ لَكم ما وراءَ ذَلِكم﴾ قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وعاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ " وأُحِلَّ " عَلى البِناءِ لِلْمَجْهُولِ، وقَرَأ الباقُونَ عَلى البِناءِ لِلْمَعْلُومِ عَطْفًا عَلى الفِعْلِ المُقَدَّرِ في قَوْلِهِ: ﴿كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ وقِيلَ: عَلى قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ﴾ ولا يَقْدَحُ في ذَلِكَ اخْتِلافُ الفِعْلَيْنِ، وفِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ يَحِلُّ لَهم نِكاحُ ما سِوى المَذْكُوراتِ، وهَذا عامٌّ مَخْصُوصٌ بِما صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مِن تَحْرِيمِ الجَمْعِ بَيْنَ المَرْأةِ وعَمَّتِها وبَيْنَ المَرْأةِ وخالَتِها.
وقَدْ أبْعَدَ مَن قالَ: إنَّ تَحْرِيمَ الجَمْعِ بَيْنَ المَذْكُوراتِ مَأْخُوذٌ مِنَ الآيَةِ هَذِهِ؛ لِأنَّهُ حَرَّمُ الجَمْعَ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ، فَيَكُونُ ما في مَعْناهُ في حُكْمِهِ، وهو الجَمْعُ بَيْنَ المَرْأةِ وعَمَّتِها وبَيْنَ المَرْأةِ وخالَتِها، وكَذَلِكَ تَحْرِيمُ نِكاحِ الأمَةِ لِمَن يَسْتَطِيعُ نِكاحَ حُرَّةٍ كَما سَيَأْتِي، فَإنَّهُ يُخَصِّصُ هَذا العُمُومَ. قَوْلُهُ: ﴿أنْ تَبْتَغُوا بِأمْوالِكُمْ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى العِلَّةِ؛ أيْ: حُرِّمَ عَلَيْكم ما حُرِّمَ وأُحِلَّ لَكم ما أُحِلَّ لِأجْلِ أنْ تَبْتَغُوا بِأمْوالِكُمُ النِّساءَ اللّاتِي أحَلَّهُنَّ اللَّهُ لَكم ولا تَبْتَغُوا بِها الحَرامَ فَتَذْهَبَ حالَ كَوْنِكم مُحْصِنِينَ أيْ مُتَعَفِّفِينَ عَنِ الزِّنا ﴿غَيْرَ مُسافِحِينَ﴾ أيْ غَيْرَ زانِينَ.
والسِّفاحُ: الزِّنا وهو مَأْخُوذٌ مِن سَفْحِ الماءِ؛ أيْ: صَبِّهِ وسَيَلانِهِ، فَكَأنَّهُ سُبْحانَهُ أمَرَهم بِأنْ يَطْلُبُوا بِأمْوالِهِمُ النِّساءَ عَلى وجْهِ النِّكاحِ، لا عَلى وجْهِ السِّفاحِ، وقِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿أنْ تَبْتَغُوا بِأمْوالِكُمْ﴾ بَدَلٌ مِن ما في قَوْلِهِ: ﴿ما وراءَ ذَلِكُمْ﴾ أيْ وأُحِلَّ لَكُمُ الِابْتِغاءُ بِأمْوالِكم. والأوَّلُ أوْلى، وأرادَ سُبْحانَهُ بِالأمْوالِ المَذْكُورَةِ ما يَدْفَعُونَهُ في مُهُورِ الحَرائِرِ وأثْمانِ الإماءِ. قَوْلُهُ: ﴿فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ " ما " مَوْصُولَةٌ فِيها مَعْنى الشَّرْطِ، والفاءُ في قَوْلِهِ: فَآتُوهُنَّ لِتَضَمُّنِ المَوْصُولِ مَعْنى الشَّرْطِ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ عَلَيْهِ. وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في مَعْنى الآيَةِ: فَقالَ الحَسَنُ ومُجاهِدٌ وغَيْرُهُما: المَعْنى فَما انْتَفَعْتُمْ وتَلَذَّذْتُمْ بِالجِماعِ مِنَ النِّساءِ بِالنِّكاحِ الشَّرْعِيِّ ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أيْ مُهُورَهُنَّ. وقالَ الجُمْهُورُ: إنَّ المُرادَ بِهَذِهِ الآيَةِ نِكاحُ المُتْعَةِ الَّذِي كانَ في صَدْرِ الإسْلامِ، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ قِراءَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وابْنِ عَبّاسٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنهُنَّ إلى أجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ثُمَّ نَهى عَنْها النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ كَما صَحَّ ذَلِكَ مِن حَدِيثِ عَلِيٍّ قالَ: «نَهى النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ عَنْ نِكاحِ المُتْعَةِ وعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ» . وهو في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما، وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِن حَدِيثِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أنَّهُ «قالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: يا أيُّها النّاسُ إنِّي كُنْتُ أذِنْتُ لَكم في الِاسْتِمْتاعِ مِنَ النِّساءِ، واللَّهُ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، فَمَن كانَ عِنْدَهُ مِنهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَها ولا تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا» . وفي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ إنَّ ذَلِكَ كانَ في حَجَّةِ الوَداعِ، فَهَذا هو النّاسِخُ.
وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَسَخَتْها آياتُ المِيراثِ؛ إذِ المُتْعَةُ لا مِيراثَ فِيها. وقالَتْ عائِشَةُ والقاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: تَحْرِيمُها ونَسْخُها في القُرْآنِ، وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ ﴿إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المعارج: ٢٩] ولَيْسَتِ المَنكُوحَةُ (p-٢٨٨)بِالمُتْعَةِ مِن أزْواجِهِمْ ولا مِمّا مَلَكَتْ أيْمانُهم، فَإنَّ مِن شَأْنِ الزَّوْجَةِ أنْ تَرِثَ وتُورَثَ، ولَيْسَتِ المُسْتَمْتَعُ بِها كَذَلِكَ.
وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ بِجَوازِ المُتْعَةِ وأنَّها باقِيَةٌ لَمْ تُنْسَخْ. ورُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ أنْ بَلَغَهُ النّاسِخُ. وقَدْ قالَ بِجَوازِها جَماعَةٌ مِنَ الرَّوافِضِ ولا اعْتِبارَ بِأقْوالِهِمْ. وقَدْ أتْعَبَ نَفْسَهُ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ بِتَكْثِيرِ الكَلامِ عَلى هَذِهِ المَسْألَةِ وتَقْوِيَةِ ما قالَهُ المُجَوِّزُونَ لَها، ولَيْسَ هَذا المَقامُ مَقامَ بَيانِ بُطْلانِ كَلامِهِ.
وقَدْ طَوَّلْنا البَحْثَ ودَفَعْنا الشُّبَهَ الباطِلَةَ الَّتِي تَمَسَّكَ بِها المُجَوِّزُونَ لَها في شَرْحِنا لِلْمُنْتَقى فَلْيُرْجَعْ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: ﴿فَرِيضَةً﴾ مُنْتَصِبٌ عَلى المَصْدَرِيَّةِ المُؤَكَّدَةِ أوْ عَلى الحالِ؛ أيْ: مَفْرُوضَةً.
قَوْلُهُ: ﴿ولا جُناحَ عَلَيْكم فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفَرِيضَةِ﴾ أيْ: مِن زِيادَةٍ أوْ نُقْصانٍ في المَهْرِ فَإنَّ ذَلِكَ سائِغٌ عِنْدَ التَّراضِي، هَذا عِنْدَ مَن قالَ بِأنَّ الآيَةَ في النِّكاحِ الشَّرْعِيِّ، وأمّا عِنْدَ الجُمْهُورِ القائِلِينَ بِأنَّها في المُتْعَةِ، فالمَعْنى التَّراضِي في زِيادَةِ مُدَّةِ المُتْعَةِ أوْ نُقْصانِها أوْ في زِيادَةِ ما دَفَعَهُ إلَيْها إلى مُقابِلِ الِاسْتِمْتاعِ بِها أوْ نُقْصانِهِ. قَوْلُهُ: ﴿ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكم طَوْلًا أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ﴾ الطَّوْلُ: الغِنى والسَّعَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والسُّدِّيُّ وابْنُ زَيْدٍ ومالِكٌ والشّافِعِيُّ وأحْمَدُ وإسْحاقُ وأبُو ثَوْرٍ وجُمْهُورُ أهْلِ العِلْمِ.
ومَعْنى الآيَةِ: فَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكم غِنًى وسَعَةً في مالِهِ يَقْدِرُ بِها عَلى نِكاحِ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ فَلْيَنْكِحْ مِن فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ، يُقالُ: طالَ يَطُولُ طَوْلًا في الإفْضالِ والقُدْرَةِ، وفُلانٌ ذُو طَوْلٍ؛ أيْ: ذُو قُدْرَةٍ في مالِهِ. والطُّولُ بِالضَّمِّ: ضِدُّ القِصَرِ.
وقالَ قَتادَةُ والنَّخَعِيُّ وعَطاءٌ والثَّوْرِيُّ: إنَّ الطَّوْلَ الصَّبْرُ. ومَعْنى الآيَةِ عِنْدَهم أنَّ مَن كانَ يَهْوى أمَةً حَتّى صارَ لِذَلِكَ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَها، فَإنَّ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَها إذا لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ وخافَ أنْ يَبْغِيَ بِها، وإنْ كانَ يَجِدُ سِعَةً في المالِ لِنِكاحِ حُرَّةٍ.
وقالَ أبُو حَنِيفَةَ وهو مَرْوِيٌّ عَنْ مالِكٍ: إنِ الطَّوْلَ المَرْأةُ الحُرَّةُ، فَمَن كانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أنْ يَنْكِحَ الأمَةَ، ومَن لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ جازَ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَ أمَةً ولَوْ كانَ غَنِيًّا، وبِهِ قالَ أبُو يُوسُفَ، واخْتارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ واحْتَجَّ لَهُ. والقَوْلُ الأوَّلُ هو المُطابِقُ لِمَعْنى الآيَةِ، ولا يَخْلُو ما عَداهُ عَنْ تَكَلُّفٍ، فَلا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أنْ يَتَزَوَّجَ بِالأمَةِ إلّا إذا كانَ لا يَقْدِرُ عَلى أنْ يَتَزَوَّجَ بِالحُرَّةِ لِعَدَمِ وُجُودِ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ في نِكاحِها مِن مَهْرٍ وغَيْرِهِ.
وقَدِ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ﴾ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ نِكاحُ الأمَةِ الكِتابِيَّةِ، وبِهِ قالَ أهْلُ الحِجازِ وجَوَّزَهُ أهْلُ العِراقِ، ودَخَلَتِ الفاءُ في قَوْلِهِ: ﴿فَمِن ما مَلَكَتْ أيْمانُكم﴾ لِتُضَمِّنِ المُبْتَدَأ مَعْنى الشَّرْطِ. وقَوْلُهُ: ﴿مِن فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، فَقَدْ عَرَفْتَ أنَّهُ لا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الحُرِّ أنْ يَتَزَوَّجَ بِالمَمْلُوكَةِ إلّا بِشَرْطِ عَدَمِ القُدْرَةِ عَلى الحُرَّةِ. والشَّرْطُ الثّانِي ما سَيَذْكُرُهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ آخِرَ الآيَةِ مِن قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ العَنَتَ مِنكُمْ﴾ فَلا يَحِلُّ لِلْفَقِيرِ أنْ يَتَزَوَّجَ بِالمَمْلُوكَةِ إلّا إذا كانَ يَخْشى عَلى نَفْسِهِ العَنَتَ. والمُرادُ هُنا الأمَةُ المَمْلُوكَةُ لِلْغَيْرِ، وأمّا أمَةُ الإنْسانِ نَفْسِهِ فَقَدْ وقَعَ الإجْماعُ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَها، وهي تَحْتَ مِلْكِهِ لِتَعارُضِ الحُقُوقِ واخْتِلافِها. والفَتَياتُ جَمْعُ فَتاةٍ، والعَرَبُ تَقُولُ لِلْمَمْلُوكِ فَتًى ولِلْمَمْلُوكَةِ فَتاةً. وفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ«لا يَقُولَنَّ أحَدُكم: عَبْدِي وأمَتِي، ولَكِنْ لِيَقُلْ: فَتايَ وفَتاتِي» .
قَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ أعْلَمُ بِإيمانِكُمْ﴾ فِيهِ تَسْلِيَةٌ لِمَن يَنْكِحُ الأمَةَ إذا اجْتَمَعَ فِيهِ الشَّرْطانِ المَذْكُورانِ؛ أيْ: كُلُّكم بَنُو آدَمَ وأكْرَمُكم عِنْدَ اللَّهِ أتْقاكم، فَلا تَسْتَنْكِفُوا مِنَ الزَّواجِ بِالإماءِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، فَرُبَّما كانَ إيمانُ بَعْضِ الإماءِ أفْضَلَ مِن إيمانِ بَعْضِ الحَرائِرِ. والجُمْلَةُ اعْتِراضِيَّةٌ.
وقَوْلُهُ: ﴿بَعْضُكم مِن بَعْضٍ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ ومَعْناهُ: أنَّهم مُتَّصِلُونَ في الأنْسابِ؛ لِأنَّهم جَمِيعًا بَنُو آدَمَ، أوْ مُتَّصِلُونَ في الدِّينِ لِأنَّهم جَمِيعًا أهْلُ مِلَّةٍ واحِدَةٍ وكِتابُهم واحِدٌ ونَبِيُّهم واحِدٌ. والمُرادُ بِهَذا تَوْطِئَةُ نُفُوسِ العَرَبِ؛ لِأنَّهم كانُوا يَسْتَهْجِنُونَ أوْلادَ الإماءِ ويَسْتَصْغِرُونَهم ويَغُضُّونَ مِنهم ﴿فانْكِحُوهُنَّ بِإذْنِ أهْلِهِنَّ﴾ أيْ بِإذْنِ المالِكِينَ لَهُنَّ؛ لِأنَّ مَنافِعَهُنَّ لَهم لا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ أنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنها إلّا بِإذْنِ مَن هي لَهُ.
قَوْلُهُ: ﴿وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾ أيْ: أدُّوا إلَيْهِنَّ مُهُورَهُنَّ بِما هو بِالمَعْرُوفِ في الشَّرْعِ، وقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذا مَن قالَ: إنَّ الأمَةَ أحَقُّ بِمَهْرِها مِن سَيِّدِها، وإلَيْهِ ذَهَبَ مالِكٌ، وذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّ المَهْرَ لِلسَّيِّدِ، وإنَّما أضافَها إلَيْهِنَّ؛ لِأنَّ التَّأْدِيَةَ إلَيْهِنَّ تَأْدِيَةٌ إلى سَيِّدِهِنَّ لِكَوْنِهِنَّ مالَهُ. قَوْلُهُ: ﴿مُحْصَناتٍ﴾ أيْ: عَفائِفَ.
وقَرَأ الكِسائِيُّ ( مُحْصِناتٍ ) بِكَسْرِ الصّادِ في جَمِيعِ القُرْآنِ إلّا في قَوْلِهِ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ﴾ وقَرَأ الباقُونَ بِالفَتْحِ في جَمِيعِ القُرْآنِ. قَوْلُهُ: ﴿غَيْرَ مُسافِحاتٍ﴾ أيْ غَيْرَ مُعْلِناتٍ بِالزِّنا.
والأخْدانُ: الأخِلّاءُ، والخِدْنُ والخَدِينُ المُخادِنُ؛ أيِ: المُصاحِبُ - وقِيلَ: ذاتُ الخِدْنِ: هي الَّتِي تَزْنِي سِرًّا، فَهو مُقابِلٌ لِلْمُسافِحَةِ، وهي الَّتِي تُجاهِرُ بِالزِّنا، وقِيلَ: المُسافِحَةُ: المَبْذُولَةُ. وذاتُ الخِدْنِ: الَّتِي تَزْنِي بِواحِدٍ. وكانَتِ العَرَبُ تَعِيبُ الإعْلانَ بِالزِّنا ولا تَعِيبُ اتِّخاذَ الأخْدانِ، ثُمَّ رَفَعَ الإسْلامُ جَمِيعَ ذَلِكَ، قالَ اللَّهُ: ﴿ولا تَقْرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١] .
قَوْلُهُ: ﴿فَإذا أُحْصِنَّ﴾ قَرَأ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ. وقَرَأ الباقُونَ بِضَمِّها، والمُرادُ بِالإحْصانِ هُنا الإسْلامُ.
رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ عُمَرَ وأنَسٍ والأسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وعَطاءٍ وإبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ والشَّعْبِيِّ والسُّدِّيِّ ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ بِإسْنادٍ مُنْقَطِعٍ وهو الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشّافِعِيُّ، وبِهِ قالَ الجُمْهُورُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وأبُو الدَّرْداءِ ومُجاهِدٌ وعِكْرِمَةُ وطاوُسٌ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والحَسَنُ وقَتادَةُ وغَيْرُهم: إنَّهُ التَّزْوِيجُ. ورُوِيَ عَنِ الشّافِعِيِّ فَعَلى القَوْلِ الأوَّلِ لا حَدَّ عَلى الأمَةِ الكافِرَةِ. وعَلى القَوْلِ الثّانِي لا حَدَّ عَلى الأمَةِ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ.
وقالَ القاسِمُ وسالِمٌ: إحْصانُها إسْلامُها وعَفافُها. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إنَّ مَعْنى القِراءَتَيْنِ مُخْتَلِفٌ، فَمَن قَرَأ ( أُحْصِنَّ ) بِضَمِّ الهَمْزَةِ فَمَعْناهُ التَّزْوِيجُ، ومَن قَرَأ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ فَمَعْناهُ (p-٢٨٩)الإسْلامُ.
وقالَ قَوْمٌ: إنَّ الإحْصانَ المَذْكُورَ في الآيَةِ هو التَّزْوِيجُ، ولَكِنَّ الحَدَّ واجِبٌ عَلى الأمَةِ المُسْلِمَةِ إذا زَنَتْ قَبْلَ أنْ تَتَزَوَّجَ بِالسُّنَّةِ، وبِهِ قالَ الزُّهْرِيُّ. قالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: ظاهِرُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ يَقْتَضِي أنَّهُ لا حَدَّ عَلى الأمَةِ وإنْ كانَتْ مُسْلِمَةً إلّا بَعْدَ التَّزْوِيجِ، ثُمَّ جاءَتِ السُّنَّةُ بِجَلْدِها وإنْ لَمْ تُحْصَنْ، وكانَ ذَلِكَ زِيادَةَ بَيانٍ. قالَ القُرْطُبِيُّ: ظَهْرُ المُسْلِمِ حِمًى لا يُسْتَباحُ إلّا بِيَقِينٍ، ولا يَقِينَ مَعَ الِاخْتِلافِ لَوْلا ما جاءَ في صَحِيحِ السُّنَّةِ مِنَ الجَلْدِ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ: والأظْهَرُ - واللَّهُ أعْلَمُ - أنَّ المُرادَ بِالإحْصانِ هُنا التَّزْوِيجُ؛ لِأنَّ سِياقَ الآيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ يَقُولُ سُبْحانَهُ: ﴿ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكم طَوْلًا﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿فَإذا أُحْصِنَّ فَإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلى المُحْصَناتِ مِنَ العَذابِ﴾ فالسِّياقُ كُلُّهُ في الفَتَياتِ المُؤْمِناتِ، فَتَعَيَّنَ أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإذا أُحْصِنَّ﴾ أيْ: تَزَوَّجْنَ كَما فَسَّرَهُ بِهِ ابْنُ عَبّاسٍ ومَن تَبِعَهُ، قالَ: وعَلى كُلٍّ مِنَ القَوْلَيْنِ إشْكالٌ عَلى مَذْهَبِ الجُمْهُورِ؛ لِأنَّهم يَقُولُونَ: إنَّ الأمَةَ إذا زَنَتْ فَعَلَيْها خَمْسُونَ جَلْدَةً سَواءٌ كانَتْ مُسْلِمَةً أوْ كافِرَةً مُزَوَّجَةً أوْ بِكْرًا، مَعَ أنَّ مَفْهُومَ الآيَةِ يَقْتَضِي أنَّهُ لا حَدَّ عَلى غَيْرِ المُحْصَنَةِ مِنَ الإماءِ.
وقَدِ اخْتَلَفَتْ أجْوِبَتُهم عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ ذُكِرَ أنَّ مِنهم مَن أجابَ وهُمُ الجُمْهُورَ بِتَقْدِيمِ مَنطُوقِ الأحادِيثِ عَلى هَذا المَفْهُومِ، ومِنهم مَن عَمِلَ عَلى مَفْهُومِ الآيَةِ، وقالَ: إذا زَنَتْ ولَمْ تُحْصَنْ فَلا حَدَّ عَلَيْها وإنَّما تُضْرَبُ تَأْدِيبًا. قالَ: وهو المَحْكِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وإلَيْهِ ذَهَبَ طاوُسٌ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وأبُو عُبَيْدٍ وداوُدُ الظّاهِرِيُّ في رِوايَةٍ عَنْهُ، فَهَؤُلاءِ قَدَّمُوا مَفْهُومَ الآيَةِ عَلى العُمُومِ، وأجابُوا عَنْ مَثَلِ حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بْنِ خالِدٍ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الأمَةِ: إذا زَنَتْ ولَمْ تُحْصَنْ، قالَ: إنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها ثُمَّ إنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها ثُمَّ بِيعُوها ولَوْ بِضَفِيرٍ» بِأنَّ المُرادَ بِالجَلْدِ هُنا التَّأْدِيبُ وهو تَعَسُّفٌ، وأيْضًا قَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «إذا زَنَتْ أمَةُ أحَدِكم فَلْيَجْلِدْها الحَدَّ ولا يُثَرِّبَ عَلَيْها، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْها الحَدَّ» الحَدِيثَ. ولِمُسْلِمٍ مِن حَدِيثِ عَلِيٍّ قالَ: ( «يا أيُّها النّاسُ أقِيمُوا عَلى أرِقّائِكُمُ الحَدَّ مَن أُحْصِنَ ومَن لَمْ يُحْصَنْ، فَإنَّ أمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ زَنَتْ فَأمَرَنِي أنْ أجْلِدَها» ) الحَدِيثَ. وأمّا ما أخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ خُزَيْمَةَ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «لَيْسَ عَلى الأمَةِ حَدٌّ حَتّى تُحْصَنَ بِزَوْجٍ، فَإذا أُحْصِنَتْ بِزَوْجٍ فَعَلَيْها نِصْفُ ما عَلى المُحْصَناتِ مِنَ العَذابِ» فَقَدْ قالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ والبَيْهَقِيُّ: إنَّ رَفْعَهُ خَطَأٌ، والصَّوابُ وقْفُهُ.
قَوْلُهُ: ﴿فَإنْ أتَيْنَ بِفاحِشَةٍ﴾ الفاحِشَةُ هُنا الزِّنا ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلى المُحْصَناتِ﴾ أيِ الحَرائِرِ الأبْكارِ؛ لِأنَّ الثَّيِّبَ عَلَيْها الرَّجْمُ وهو لا يَتَبَعَّضُ، وقِيلَ: المُرادُ بِالمُحْصَناتِ هُنا المُزَوَّجاتُ؛ لِأنَّ عَلَيْهِنَّ الجَلْدَ والرَّجْمَ، والرَّجْمُ لا يَتَبَعَّضُ، فَصارَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَيْهِنَّ مِنَ الجَلْدِ.
والمُرادُ بِالعَذابِ هُنا الجَلْدُ، وإنَّما نَقَصَ حَدُّ الإماءِ عَنْ حَدِّ الحَرائِرِ لِأنَّهُنَّ أضْعَفُ، وقِيلَ: لِأنَّهُنَّ لا يَصِلْنَ إلى مُرادِهِنَّ كَما تَصِلُ الحَرائِرُ، وقِيلَ: لِأنَّ العُقُوبَةَ تَجِبُ عَلى قَدْرِ النِّعْمَةِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ [الأحزاب: ٣٠] ولَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ سُبْحانَهُ في هَذِهِ الآيَةِ العَبِيدَ وهم لاحِقُونَ بِالإماءِ بِطَرِيقِ القِياسِ، وكَما يَكُونُ عَلى الإماءِ والعَبِيدِ نِصْفُ الحَدِّ في الزِّنا، كَذَلِكَ يَكُونُ عَلَيْهِمْ نِصْفُ الحَدِّ في القَذْفِ والشُّرْبِ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ العَنَتَ مِنكُمْ﴾ إلى نِكاحِ الإماءِ. والعَنَتُ: الوُقُوعُ في الإثْمِ، وأصْلُهُ في اللُّغَةِ انْكِسارُ العَظْمِ بَعْدَ الجَبْرِ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِكُلِّ مَشَقَّةٍ ﴿وأنْ تَصْبِرُوا﴾ عَنْ نِكاحِ الإماءِ خَيْرٌ لَكم مِن نِكاحِهِنَّ؛ أيْ: صَبْرُكم خَيْرٌ لَكم؛ لِأنَّ نِكاحَهُنَّ يُفْضِي إلى إرْقاقِ الوَلَدِ والغَضِّ مِنَ النَّفْسِ.
قَوْلُهُ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ اللّامُ هُنا هي لامُ كَيِ الَّتِي تُعاقِبُ أنْ. قالَ الفَرّاءُ: العَرَبُ تُعاقِبُ بَيْنَ لامِ كَيْ وأنْ، فَتَأْتِي بِاللّامِ الَّتِي عَلى مَعْنى كَيْ في مَوْضِعِ أنْ في أرَدْتُ وأمَرْتُ، فَيَقُولُونَ: أرَدْتُ أنْ تَفْعَلَ وأرَدْتُ لِتَفْعَلَ، ومِنهُ ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأفْواهِهِمْ﴾ [الصف: ٨] ﴿وأُمِرْتُ لِأعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ [الشورى: ١٥] ٣٠ ﴿وأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الأنعام: ٧١] ومِنهُ:
؎أُرِيدُ لِأنْسى ذِكْرَها فَكَأنَّما ∗∗∗ تُمَثَّلُ لِي لَيْلى بِكُلِّ سَبِيلِ
وحَكى الزَّجّاجُ هَذا القَوْلَ وقالَ: لَوْ كانَتِ اللّامُ بِمَعْنى أنْ لَدَخَلَتْ عَلَيْها لامٌ أُخْرى كَما تَقُولُ: جِئْتُ كَيْ تُكْرِمَنِي، ثُمَّ تَقُولُ: جِئْتُ لِكَيْ تُكْرِمَنِي، وأنْشَدَ:
؎أرَدْتُ لِكَيْما يَعْلَمَ النّاسُ أنَّها ∗∗∗ سَراوِيلُ قَيْسٍ والوُفُودُ شُهُودُ
وقِيلَ: اللّامُ زائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ مَعْنى الِاسْتِقْبالِ، أوْ لِتَأْكِيدِ إرادَةِ التَّبْيِينِ، ومَفْعُولُ ( يُبَيِّنَ ) مَحْذُوفٌ؛ أيْ: لِيُبَيِّنَ لَكم ما خَفِيَ عَلَيْكم مِنَ الخَيْرِ، وقِيلَ: مَفْعُولُ يُرِيدُ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: يُرِيدُ اللَّهُ هَذا لِيُبَيِّنَ لَكم، وبِهِ قالَ البَصْرِيُّونَ، وهو مَرْوِيٌّ عَنْ سِيبَوَيْهِ، وقِيلَ: اللّامُ بِنَفْسِها ناصِبَةٌ لِلْفِعْلِ مِن غَيْرِ إضْمارِ أنْ، وهي وما بَعْدَها مَفْعُولٌ لِلْفِعْلِ المُتَقَدِّمِ، وهو مِثْلُ قَوْلِ الفَرّاءِ السّابِقِ، وقالَ بَعْضُ البَصْرِيِّينَ: إنَّ قَوْلَهُ: ( يُرِيدُ ) مُئَوَّلٌ بِالمَصْدَرِ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِداءِ مِثْلَ: تَسْمَعُ بِالمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِن أنْ تَراهُ.
ومَعْنى الآيَةِ: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكم مَصالِحَ دِينِكم وما يَحِلُّ لَكم وما يَحْرُمُ عَلَيْكم ويَهْدِيَكم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم أيْ: طُرُقَهم، وهُمُ الأنْبِياءُ وأتْباعُهم لِتَقْتَدُوا بِهِمْ ويَتُوبَ عَلَيْكم أيْ: ويُرِيدُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكم فَتُوبُوا إلَيْهِ وتَلافَوْا ما فُرِّطَ مِنكم بِالتَّوْبَةِ يَغْفِرْ لَكم ذُنُوبَكم. واللَّهُ يُرِيدُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكم هَذا تَأْكِيدٌ لِما قَدْ فُهِمْ مِن قَوْلِهِ: ويَتُوبَ عَلَيْكم المُتَقَدِّمِ، وقِيلَ: الأوَّلُ مَعْناهُ لِلْإرْشادِ إلى الطّاعاتِ، والثّانِي فِعْلُ أسْبابِها، وقِيلَ: إنَّ الثّانِيَ لِبَيانِ كَمالِ مَنفَعَةِ إرادَتِهِ سُبْحانَهُ وكَمالِ ضَرَرِ ما يُرِيدُهُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ، ولَيْسَ المُرادُ بِهِ مُجَرَّدَ إرادَةِ التَّوْبَةِ حَتّى يَكُونَ مِن بابِ التَّكْرِيرِ لِلتَّأْكِيدِ، قِيلَ: هَذِهِ الإرادَةُ مِنهُ سُبْحانَهُ في جَمِيعِ أحْكامِ الشَّرْعِ، وقِيلَ: في نِكاحِ الأمَةِ فَقَطْ.
واخْتُلِفَ في تَعْيِينِ المُتَّبِعِينَ لِلشَّهَواتِ، فَقِيلَ: هُمُ الزُّناةُ، وقِيلَ: اليَهُودُ والنَّصارى، وقِيلَ: اليَهُودُ خاصَّةً، وقِيلَ: هُمُ (p-٢٩٠)المَجُوسُ لِأنَّهم أرادُوا أنْ يَتَّبِعَهُمُ المُسْلِمُونَ في نِكاحِ الأخَواتِ مِنَ الأبِ. والأوَّلُ أوْلى. والمَيْلُ: العُدُولُ عَنْ طَرِيقِ الِاسْتِواءِ. والمُرادُ بِالشَّهَواتِ هُنا ما حَرَّمَهُ الشَّرْعُ ودُونَ ما أحَلَّهُ، ووَصَفَ المَيْلَ بِالعِظَمِ بِالنِّسْبَةِ إلى مَيْلِ مَنِ اقْتَرَفَ خَطِيئَةً نادِرًا.
قَوْلُهُ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ بِما مَرَّ مِنَ التَّرْخِيصِ لَكم، أوْ بِكُلِّ ما فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْكم ﴿وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفًا﴾ عاجِزًا غَيْرَ قادِرٍ عَلى مَلْكِ نَفْسِهِ ودَفْعِها عَنْ شَهَواتِها وفاءً بِحَقِّ التَّكْلِيفِ، فَهو مُحْتاجٌ مِن هَذِهِ الحَيْثِيَّةِ إلى التَّخْفِيفِ. فَلِهَذا أرادَ اللَّهُ سُبْحانَهُ التَّخْفِيفَ عَنْهُ.
وقَدْ أخْرَجَ البُخارِيُّ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: حُرِّمَ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ ومِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ، ثُمَّ قَرَأ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وبَناتُ الأُخْتِ﴾ هَذا مِنَ النَّسَبِ، وباقِي الآيَةِ مِنَ الصِّهْرِ، والسّابِعَةُ ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكم مِنَ النِّساءِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ والبَيْهَقِيُّ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ في قَوْلِهِ: ﴿وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ﴾ قالَ: هي مُبْهَمَةٌ.
وأخْرَجَ هَؤُلاءِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: هي مُبْهَمَةٌ إذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأتَهُ قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِها أوْ ماتَتْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّها. وأخْرَجَ هَؤُلاءِ إلّا البَيْهَقِيَّ عَنْ عَلِيٍّ في الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ المَرْأةَ ثُمَّ يُطَلِّقُها، أوْ ماتَتْ قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِها هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّها ؟ قالَ: هي بِمَنزِلَةِ الرَّبِيبَةِ. وأخْرَجَ هَؤُلاءِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: إذا ماتَتْ عِنْدَهُ فَأخَذَ مِيراثَها كُرِهَ أنْ يَخْلُفَ عَلى أُمِّها، وإذا طَلَّقَها قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِها فَلا بَأْسَ أنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّها. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ في قَوْلِهِ: ﴿وأُمَّهاتُ نِسائِكم ورَبائِبُكُمُ اللّاتِي في حُجُورِكُمْ﴾: أُرِيدَ بِهِما الدُّخُولُ جَمِيعًا.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: الرَّبِيبَةُ والأُمُّ سَواءٌ لا بَأْسَ بِهِما إذا لَمْ يَدْخُلْ بِالمَرْأةِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مالِكِ بْنِ أوْسِ بْنِ الحَدَثانِ قالَ: كانَتْ عِنْدِي امْرَأةٌ فَتُوُفِّيَتْ وقَدْ ولَدَتْ لِي فَوَجَدْتُ عَلَيْها، فَلَقِيَنِي عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ فَقالَ: ما لَكَ ؟ فَقُلْتُ: تُوُفِّيَتِ المَرْأةُ، فَقالَ عَلِيٌّ: لَها ابْنَةٌ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وهي بِالطّائِفِ، قالَ: كانَتْ في حِجْرِكَ ؟ قُلْتُ: لا. قالَ: فانْكِحْها. قُلْتُ: فَأيْنَ قَوْلُ اللَّهِ ﴿ورَبائِبُكُمُ اللّاتِي في حُجُورِكُمْ﴾ ؟ قالَ: إنَّها لَمْ تَكُنْ في حِجْرِكَ. وقَدْ قَدَّمْنا قَوْلَ مَن قالَ: إنَّهُ إسْنادٌ ثابِتٌ عَلى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الدُّخُولُ الجِماعُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ في المُصَنَّفِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَطاءٍ قالَ: كُنّا نَتَحَدَّثُ أنَّ مُحَمَّدًا صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ لَمّا نَكَحَ امْرَأةَ زَيْدٍ قالَ المُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ في ذَلِكَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِن أصْلابِكُمْ﴾ ونَزَلَتْ ﴿وما جَعَلَ أدْعِياءَكم أبْناءَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤] ونَزَلَتْ ﴿ما كانَ مُحَمَّدٌ أبا أحَدٍ مِن رِجالِكم﴾ [الأحزاب: ٤٠] .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ قالَ: يَعْنِي في النِّكاحِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: ذَلِكَ في الحَرائِرِ، فَأمّا المَمالِيكُ فَلا بَأْسَ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ نَحْوَهُ مِن طَرِيقٍ أُخْرى. وأخْرَجَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ وعَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ: أنَّ رَجُلًا سَألَهُ عَنِ الأُخْتَيْنِ في مِلْكِ اليَمِينِ هَلْ يَجْمَعُ بَيْنَهُما ؟ قالَ: أحَلَّتْهُما آيَةٌ وحَرَّمَتْهُما آيَةٌ، وما كُنْتُ لِأصْنَعَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ مِن عِنْدِهِ، فَلَقِيَ رَجُلًا مِن أصْحابِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أراهُ عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ، فَسَألَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقالَ: لَوْ كانَ لِي مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وجَدْتُ أحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَجَعَلْتُهُ نَكالًا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ المُنْذِرِ والبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ: أنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ أمَتانِ أُخْتانِ، وطِئَ إحْداهُما وأرادَ أنْ يَطَأ الأُخْرى، فَقالَ: لا؛ حَتّى يُخْرِجَها مِن مِلْكِهِ، وقِيلَ: فَإنْ زَوَّجَها عَبْدَهُ ؟ قالَ: لا؛ حَتّى يُخْرِجَها مِن مِلْكِهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَجْمَعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ الأمَتَيْنِ فَكَرِهَهُ، فَقِيلَ: يَقُولُ اللَّهُ: ﴿إلّا ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ فَقالَ: وبَعِيرُكَ أيْضًا مِمّا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ والبَيْهَقِيُّ مِن طَرِيقِ أبِي صالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ في الأُخْتَيْنِ المَمْلُوكَتَيْنِ: أحَلَّتْهُما آيَةٌ وحَرَّمَتْهُما آيَةٌ ولا آمُرُ ولا أُنْهِي، ولا أُحِلُّ ولا أُحَرِّمُ، ولا أفْعَلُ أنا وأهْلَ بَيْتِي. وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ قَيْسٍ قالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبّاسٍ: أيَقَعُ الرَّجُلُ عَلى المَرْأةِ وابْنَتِها مَمْلُوكَتَيْنِ لَهُ ؟ فَقالَ: أحَلَّتْهُما آيَةٌ وحَرَّمَتْهُما آيَةٌ، ولَمْ أكُنْ لِأفْعَلَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ والبَيْهَقِيُّ عَنْهُ في الأُخْتَيْنِ مِن مِلْكِ اليَمِينِ: أحَلَّتْهُما آيَةٌ وحَرَّمَتْهُما آيَةٌ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: إذا كانَ لِلرَّجُلِ جارِيَتانِ أُخْتانِ فَغَشِيَ إحْداهُما فَلا يَقْرَبُ الأُخْرى حَتّى يُخْرِجَ الَّتِي غَشِيَ مِن مِلْكِهِ.
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنْ مُقاتِلِ بْنِ سُلَيْمانَ قالَ: إنَّما قالَ اللَّهُ في نِساءِ الآباءِ: ﴿إلّا ما قَدْ سَلَفَ﴾؛ لِأنَّ العَرَبَ كانُوا يَنْكِحُونَ نِساءَ الآباءِ، ثُمَّ حُرِّمَ النَّسَبُ والصِّهْرُ فَلَمْ يَقُلْ إلّا ما قَدْ سَلَفَ؛ لِأنَّ العَرَبَ كانَتْ لا تَنْكِحُ النَّسَبَ والصِّهْرَ. وقالَ في الأُخْتَيْنِ: ﴿إلّا ما قَدْ سَلَفَ﴾؛ لِأنَّهم كانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَهُما فَحَرَّمَ جَمْعَهُما جَمِيعًا إلّا ما قَدْ سَلَفَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ لِما كانَ مِن جِماعِ الأُخْتَيْنِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ ومُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وغَيْرُهم عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ بَعَثَ يَوْمَ حُنَيْنٍ جَيْشًا إلى أوْطاسٍ، فَلَقُوا عَدُوًّا فَقاتَلُوهم، فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وأصابُوا لَهم سَبايا، فَكَأنَّ ناسًا مِن أصْحابِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ تَحَرَّجُوا مِن غِشْيانِهِنَّ مِن أجْلِ أزْواجِهِنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ في ذَلِكَ ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلّا ما مَلَكَتْ أيْمانُكم﴾ يَقُولُ: إلّا ما أفاءَ اللَّهُ عَلَيْكم» . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: (p-٢٩١)﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ﴾ قالَ: كُلُّ ذاتِ زَوْجٍ إتْيانُها زِنًا إلّا ما سُبِيَتَ.
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ والطَّبَرانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلّا ما مَلَكَتْ أيْمانُكم قالَ: عَلى المُشْرِكاتِ إذا سُبِينَ حَلَّتْ لَهُ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: المُشْرِكاتُ والمُسْلِماتُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: إذا بِيعَتِ الأمَةُ ولَها زَوْجٌ فَسَيِّدُها أحَقُّ بِبُضْعِها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ﴾ قالَ: ذَواتُ الأزْواجِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿والمُحْصَناتُ﴾ قالَ: العَفِيفَةُ العاقِلَةُ مِن مُسْلِمَةٍ أوْ مِن أهْلِ الكِتابِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: لا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَ فَوْقَ الأرْبَعِ، فَما زادَ فَهو عَلَيْهِ حَرامٌ كَأُمِّهِ وأُخْتِهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ في قَوْلِهِ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ﴾ قالَ: يَقُولُ انْكِحُوا ما طابَ لَكم مِنَ النِّساءِ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ، ثُمَّ حَرَّمَ ما حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ والصِّهْرِ، ثُمَّ قالَ: ﴿والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ﴾ فَرَجَعَ إلى أوَّلِ السُّورَةِ فَقالَ: هُنَّ حَرامٌ أيْضًا، إلّا لِمَن نَكَحَ بِصَداقٍ وسُنَّةٍ وشُهُودٍ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبِيدَةَ قالَ: أحَلَّ اللَّهُ لَكَ أرْبَعًا في أوَّلِ السُّورَةِ، وحَرَّمَ نِكاحَ كُلِّ مُحْصَنَةٍ بَعْدَ الأرْبَعِ إلّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «الإحْصانُ إحْصانانِ: إحْصانُ نِكاحٍ، وإحْصانُ عَفافٍ؛ فَمَن قَرَأها والمُحْصِناتُ بِكَسْرِ الصّادِ فَهُنَّ العَفائِفُ، ومَن قَرَأها والمُحْصَناتُ بِالفَتْحِ فَهُنَّ المُتَزَوِّجاتُ». قالَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ: قالَ أبِي: هَذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وأُحِلَّ لَكم ما وراءَ ذَلِكم﴾ قالَ: ما وراءَ هَذا النَّسَبِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: ما دُونَ الأرْبَعِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطاءٍ قالَ: ما وراءَ ذاتِ القَرابَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وأُحِلَّ لَكم ما وراءَ ذَلِكم﴾ قالَ: ما مَلَكَتْ أيْمانُكم. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمانِيِّ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ﴾ قالَ: غَيْرَ زانِينَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ يَقُولُ: إذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ مِنكُمُ المَرْأةَ ثُمَّ نَكَحَها مَرَّةً واحِدَةً فَقَدْ وجَبَ صَداقُها كُلُّهُ والِاسْتِمْتاعُ هو النِّكاحُ، وهو قَوْلُهُ: ﴿وآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ﴾ [النساء: ٤] . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَتِ المُتْعَةُ في أوَّلِ الإسْلامِ، وكانُوا يَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ ( فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنهُنَّ إلى أجَلٍ مُسَمًّى ) الآيَةَ، فَكانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ البَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِها مَعْرِفَةٌ فَيَتَزَوَّجُ بِقَدْرِ ما يَرى أنَّهُ يَفْرَغُ مِن حاجَتِهِ لِيَحْفَظَ مَتاعَهُ ويُصْلِحَ شَأْنَهُ. حَتّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ فَنَسَخَتِ الأُولى فَحُرِّمَتِ المُتْعَةُ وتَصْدِيقُها مِنَ القُرْآنِ إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهم [المؤمنون: ٦] وما سِوى هَذا الفَرْجِ فَهو حَرامٌ. وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ الأنْبارِيِّ في المَصاحِفِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ قَرَأ فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنهُنَّ إلى أجَلٍ مُسَمًّى. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أنَّهُ قَرَأها كَذَلِكَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ، أنَّ هَذِهِ الآيَةَ في نِكاحِ المُتْعَةِ، وكَذَلِكَ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ السُّدِّيِّ والأحادِيثُ في تَحْلِيلِ المُتْعَةِ ثُمَّ تَحْرِيمِها، وهَلْ كانَ نَسْخُها مَرَّةً أوْ مَرَّتَيْنِ ؟ مَذْكُورَةٌ في كُتُبِ الحَدِيثِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ في تَهْذِيبِهِ وابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ والبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبّاسٍ: ماذا صَنَعْتَ ؟ ذَهَبَتِ الرِّكابُ بِفُتْياكَ، وقالَتْ فِيها الشُّعَراءُ، قالَ: وما قالُوا ؟ قُلْتُ: قالُوا:
؎أقُولُ لِلشَّيْخِ لَمّا طالَ مَجْلِسُهُ ∗∗∗ يا صاحِ هَلْ لَكَ في فُتْيا ابْنِ عَبّاسِ
؎هَلْ لَكَ في رَحْضَةِ الأعْطافِ آنِسَةً ∗∗∗ تَكُونُ مَثْواكَ حَتّى مَصْدَرِ النّاسِ
فَقالَ: إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ، لا واللَّهِ ما بِهَذا أفْتَيْتُ ولا هَذا أرَدْتُ ولا أحْلَلْتُها إلّا لِلْمُضْطَرِّ، وفي لَفْظٍ ولا أحْلَلْتُ مِنها إلّا ما أحَلَّ اللَّهُ مِنَ المَيْتَةِ والدَّمِ ولَحْمِ الخِنْزِيرِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ حَضْرَمِيٍّ أنَّ رِجالًا كانُوا يَفْرِضُونَ المَهْرَ ثُمَّ عَسى أنْ تُدْرِكَ أحَدَهُمُ العُسْرَةُ، فَقالَ اللَّهُ: ﴿ولا جُناحَ عَلَيْكم فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفَرِيضَةِ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولا جُناحَ عَلَيْكم فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ﴾ قالَ: الرّاضِي أنْ يُوَفِّيَ لَها صَداقَها ثُمَّ يُخَيِّرُها.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ زَيْدٍ في الآيَةِ قالَ: إنْ وضَعَتْ لَكَ مِنهُ شَيْئًا فَهو سائِغٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكم طَوْلًا﴾ يَقُولُ: مَن لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ ﴿أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ﴾ يَقُولُ: الحَرائِرُ ﴿فَمِن ما مَلَكَتْ أيْمانُكم مِن فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ﴾ فَلْيَنْكِحْ مِن إماءِ المُؤْمِنِينَ ﴿مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ﴾ يَعْنِي عَفائِفَ غَيْرَ زَوانِي في سِرٍّ ولا عَلانِيَةٍ ﴿ولا مُتَّخِذاتِ أخْدانٍ﴾ يَعْنِي أخِلّاءَ ﴿فَإذا أُحْصِنَّ﴾ ثُمَّ إذا تَزَوَّجَتْ حُرًّا ثُمَّ زَنَتْ ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلى المُحْصَناتِ مِنَ العَذابِ﴾ قالَ: مِنَ الجَلْدِ ﴿ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ العَنَتَ مِنكُمْ﴾ هو الزِّنا، فَلَيْسَ لِأحَدٍ مِنَ الأحْرارِ أنْ يَنْكِحَ الأمَةَ إلّا أنْ لا يَقْدِرَ عَلى حُرَّةٍ وهو يَخْشى العَنَتَ ﴿وأنْ تَصْبِرُوا﴾ عَنْ نِكاحِ الإماءِ ( فَهو خَيْرٌ لَكم ) .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ والبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجاهِدٍ ﴿ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكم طَوْلًا﴾ يَعْنِي: مَن لا يَجِدْ مِنكم غِنًى أنْ يَنْكِحَ المُحْصَناتِ يَعْنِي الحَرائِرَ فَلْيَنْكِحِ الأمَةَ المُؤْمِنَةَ وأنْ تَصْبِرُوا عَنْ نِكاحِ الإماءِ خَيْرٌ لَكم وهو حَلالٌ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ قالَ: مِمّا وسَّعَ اللَّهُ بِهِ عَلى هَذِهِ الأُمَّةِ نِكاحُ الأمَةِ النَّصْرانِيَّةِ (p-٢٩٢)واليَهُودِيَّةِ وإنْ كانَ مُوسِرًا.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ والبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قالَ: لا يَصْلُحُ نِكاحُ إماءِ أهْلِ الكِتابِ، لِأنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿مِن فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنِ الحَسَنِ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ نَهى أنْ تُنْكَحَ الأمَةُ عَلى الحُرَّةِ، والحُرَّةُ عَلى الأمَةِ، ومَن وجَدَ طَوْلًا لِحُرَّةٍ فَلا يَنْكِحْ أمَةً» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لا يَتَزَوَّجُ الحُرُّ مِنَ الإماءِ إلّا واحِدَةً وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ قَتادَةَ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُقاتِلٍ في قَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ أعْلَمُ بِإيمانِكم بَعْضُكم مِن بَعْضٍ﴾ يَقُولُ: أنْتُمْ إخْوَةٌ بَعْضُكم مِن بَعْضٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ السُّدِّيِّ ﴿فانْكِحُوهُنَّ بِإذْنِ أهْلِهِنَّ﴾ قالَ: بِإذْنِ مُوالِيهِنَّ وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ قالَ: مُهُورُهُنَّ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: المُسافِحاتُ المُعْلِناتُ بِالزِّنا، والمُتَّخِذاتُ أخْدانٍ: ذاتُ الخَلِيلِ الواحِدِ.
قالَ: كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ ما ظَهَرَ مِنَ الزِّنا ويَسْتَحِلُّونَ ما خَفِيَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿ولا تَقْرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١] . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: ﴿فَإذا أُحْصِنَّ﴾ قالَ: إحْصانُها إسْلامُها» .
وقالَ عَلِيٌّ: اجْلِدُوهُنَّ. قالَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وقالَ ابْنُ كَثِيرٍ: في إسْنادِهِ ضَعِيفٌ ومُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ، ومِثْلُهُ لا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: حَدُّ العَبْدِ يَفْتَرِي عَلى الحُرِّ أرْبَعُونَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قالَ: العَنَتُ الزِّنا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ﴿ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ﴾ قالَ: هُمُ اليَهُودُ والنَّصارى. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ﴾ قالَ: الزِّنا.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ يَقُولُ: في نِكاحِ الأمَةِ وفي كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ يُسْرٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُخَفِّفَ عَنْكم﴾ قالَ: رَخَّصَ لَكم في نِكاحِ الإماءِ ﴿وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفًا﴾ قالَ: لَوْ لَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِيها.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: ثَمانُ آياتٍ نَزَلَتْ في سُورَةِ النِّساءِ هُنَّ خَيْرٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وغَرَبَتْ: أوَّلُهُنَّ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكم ويَهْدِيَكم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم ويَتُوبَ عَلَيْكم واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء: ٢٦]، والثّانِيَةُ ﴿واللَّهُ يُرِيدُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكم ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧]، والثّالِثَةُ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُخَفِّفَ عَنْكم وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨]، والرّابِعَةُ ﴿إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكم ونُدْخِلْكم مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: ٣١]، والخامِسَةُ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾ الآيَةَ [النساء: ٤٠]، والسّادِسَةُ ﴿ومَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ﴾ الآيَةَ [النساء: ١١٠]، والسّابِعَةُ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨، ١١٦] الآيَةَ، والثّامِنَةُ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ ولَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أحَدٍ مِنهم أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهم﴾ وكانَ اللَّهُ لِلَّذِينِ عَمِلُوا مِنَ الذُّنُوبِ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: ١٥٢] .
{"ayahs_start":23,"ayahs":["حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمۡ أُمَّهَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَ ٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَـٰلَـٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَـٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِیۤ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَ ٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ وَأُمَّهَـٰتُ نِسَاۤىِٕكُمۡ وَرَبَـٰۤىِٕبُكُمُ ٱلَّـٰتِی فِی حُجُورِكُم مِّن نِّسَاۤىِٕكُمُ ٱلَّـٰتِی دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُوا۟ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ وَحَلَـٰۤىِٕلُ أَبۡنَاۤىِٕكُمُ ٱلَّذِینَ مِنۡ أَصۡلَـٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُوا۟ بَیۡنَ ٱلۡأُخۡتَیۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا","۞ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۖ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاۤءَ ذَ ٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِكُم مُّحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا تَرَ ٰضَیۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِیضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا","وَمَن لَّمۡ یَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن یَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُم مِّن فَتَیَـٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِیمَـٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضࣲۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَـٰتٍ غَیۡرَ مُسَـٰفِحَـٰتࣲ وَلَا مُتَّخِذَ ٰتِ أَخۡدَانࣲۚ فَإِذَاۤ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَیۡنَ بِفَـٰحِشَةࣲ فَعَلَیۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَ ٰلِكَ لِمَنۡ خَشِیَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُبَیِّنَ لَكُمۡ وَیَهۡدِیَكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَیَتُوبَ عَلَیۡكُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ","وَٱللَّهُ یُرِیدُ أَن یَتُوبَ عَلَیۡكُمۡ وَیُرِیدُ ٱلَّذِینَ یَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَ ٰتِ أَن تَمِیلُوا۟ مَیۡلًا عَظِیمࣰا","یُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَـٰنُ ضَعِیفࣰا","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَأۡكُلُوۤا۟ أَمۡوَ ٰلَكُم بَیۡنَكُم بِٱلۡبَـٰطِلِ إِلَّاۤ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً عَن تَرَاضࣲ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِیمࣰا","وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ عُدۡوَ ٰنࣰا وَظُلۡمࣰا فَسَوۡفَ نُصۡلِیهِ نَارࣰاۚ وَكَانَ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرًا"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَأۡكُلُوۤا۟ أَمۡوَ ٰلَكُم بَیۡنَكُم بِٱلۡبَـٰطِلِ إِلَّاۤ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً عَن تَرَاضࣲ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق