الباحث القرآني
ولَمّا مُنُّوا بِالإيمانِ في سُؤالِ الغُفْرانِ عَلَّلُوا السُّؤالَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ﴾ أيِ المَلِكُ الأعْظَمُ الرَّحِيمُ الأكْرَمُ الَّذِي لَهُ جَمِيعُ صِفاتِ الكَمالِ ﴿نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾ أيْ ما تَسَعُهُ وتُطِيقُهُ ولا تَعْجِزُ عَنْهُ، وذَلِكَ هو المُمْكِنُ لِذاتِهِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ اخْتِيارُ العَبْدِ بِفِعْلِهِ، ولَمْ يُخْبِرِ اللَّهُ تَعالى بِأنَّهُ لا يَقَعُ لا المُحالُ لِذاتِهِ ولا المُمْكِنُ لِذاتِهِ سَواءٌ كانَ مِمّا لا مَدْخَلَ لِلْإنْسانِ في اخْتِيارِهِ كالنَّوْمِ أوْ كانَ لَهُ مَدْخَلٌ فِيهِ وقَدْ تَعَلَّقَ العِلْمُ (p-١٧٦)الأزَلِيُّ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ وأخْبَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى بِعَدَمِ وُقُوعِهِ مُعِينًا لِصاحِبِهِ، فَهَذا لا يَقَعُ التَّكْلِيفُ بِهِ ويَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِهِ؛ وهَذا الكَلامُ مِن جُمْلَةِ دُعائِهِمْ عَلى وجْهِ الثَّناءِ طَلَبًا لِلْوَفاءِ بِما أخْبَرَهم بِهِ الرَّسُولُ ﷺ عَنْهُ سُبْحانَهُ وتَعالى خَوْفًا مِن أنْ يُكَلَّفُوا بِما لِلَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ الآيَةُ وقَوْلُ المُؤْمِنِينَ عِنْدَ نُزُولِها وجَوابُ النَّبِيِّ ﷺ لَهم أنْ يُكَلَّفَ بِهِ مِنَ المُؤاخَذَةِ بِالوَساوِسِ الَّتِي لا يَقَعُ العَزْمُ عَلَيْها لِأنَّهُ مِمّا تُخْفِيهِ النُّفُوسُ ولا طاقَةَ عَلى دَفْعِهِ فَهو مِن بابِ:
؎إذا أثْنى عَلَيْكَ المَرْءُ يَوْمًا ∗∗∗ كَفاهُ مِن تَعَرُّضِهِ الثَّناءُ
ولَعَلَّ العُدُولَ عَنِ الخِطابِ إلى الغَيْبَةِ بِذِكْرِ الِاسْمِ الأعْظَمِ مِن بابِ التَّمَلُّقِ بِأنَّ لَهُ مِن صِفاتِ العَظَمَةِ ما يَقْتَضِي العَفْوَ عَنْ ضَعْفِهِمْ ومِن صِفاتِ الحِلْمِ والرَّحْمَةِ والرَّأْفَةِ ما يُرَفِّهُ عَنْهم ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِن قَوْلِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى جَزاءً لَهم عَلى قَوْلِهِمْ ﴿سَمِعْنا وأطَعْنا﴾ [البقرة: ٢٨٥] الآيَةِ، (p-١٧٧)فَأفادَهم بِذَلِكَ أنَّهُ لا يُحاسِبُهم بِحَدِيثِ النَّفْسِ الَّذِي لا عَزْمَ فِيهِ؛ فانْتَفى ما شَقَّ عَلَيْهِمْ مِن قَوْلِهِ ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٤] الآيَةِ، بِخِلافِ [ما أفادَ] بَنِي إسْرائِيلَ قَوْلُهُمْ
﴿سَمِعْنا وعَصَيْنا﴾ [البقرة: ٩٣] مِنَ الآصارِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ اسْتِئْنافًا جَوابًا لِمَن كَأنَّهُ قالَ: هَلْ أجابَ دُعاءَهُمْ؟ ويَكُونُ شَرْحَ قَوْلِهِ أوَّلَ السُّورَةِ: ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] ويُؤَيِّدُ هَذا الِاحْتِمالَ إتْباعُهُ لِحُكْمِ ما في الوُسْعِ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِئْنافِ أوِ الاسْتِفْتاحِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَها﴾ أيْ خاصًّا بِها ﴿ما كَسَبَتْ﴾ وذِكْرُ الفِعْلِ مُجَرَّدًا في الخَيْرِ إيماءً إلى أنَّهُ يَكْفِي في الِاعْتِدادِ بِهِ مُجَرَّدُ وُقُوعِهِ ولَوْ مَعَ الكَسَلِ بَلْ ومُجَرَّدُ نِيَّتِهِ. قالَ الحَرالِّيُّ: وصِيغَةُ فَعَلَ مُجَرَّدَةً تُعْرِبُ عَنْ أدْنى الكَسْبِ فَلِذَلِكَ مَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً. انْتَهى.
﴿وعَلَيْها﴾ أيْ بِخُصُوصِها ﴿ما اكْتَسَبَتْ﴾ فَشَرَطَ في الشَّرِّ صِيغَةَ الِافْتِعالِ الدّالَّةَ عَلى الِاعْتِمالِ إشارَةً إلى أنَّ [مِن] طَبْعِ النَّفْسِ المَيْلَ إلى الهَوى بِكُلِّيَّتِها وإلى أنَّ الإثْمَ لا يُكْتَبُ إلّا مَعَ (p-١٧٨)التَّصْمِيمِ والعَزْمِ القَوِيِّ الَّذِي إنْ كانَ عَنْهُ عَمَلٌ ظاهِرٌ كانَ بِجِدٍّ ونَشاطٍ ورَغْبَةٍ وانْبِساطٍ، فَلِذَلِكَ مَن هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، ورُبَّما جاءَتِ العِبارَةُ بِخِلافِ ذَلِكَ لِمَعْنىً في ذَلِكَ السِّياقِ اقْتَضاهُ المَقامُ.
ولَمّا بَشَّرَهم بِذَلِكَ عَرَّفَهم مَواقِعَ نِعَمِهِ في دُعاءٍ رَتَّبَهُ عَلى الأخَفِّ فالأخَفِّ عَلى سَبِيلِ التَّعَلِّي إعْلامًا بِأنَّهُ لَمْ يُؤاخِذْهم بِما اجْتَرَحُوهُ نِسْيانًا ولا بِما قارَفُوهُ خَطَأً ولا حَمَلَ عَلَيْهِمْ ثِقْلًا بَلْ جَعَلَ شَرِيعَتَهم حَنِيفِيَّةً سَمْحًا ولا حَمَّلَهم فَوْقَ طاقَتِهِمْ مَعَ أنَّ لَهُ جَمِيعَ ذَلِكَ، وأنَّهُ عَفا عَنْ عِقابِهِمْ ثُمَّ سَتَرَهم فَلَمْ يُخْجِلْهم بِذِكْرِ سَيِّئاتِهِمْ، ثُمَّ رَحِمَهم بِأنْ أحَلَّهم مَحَلَّ القُرْبِ فَجَعَلَهم أهْلًا لِلْخِلافَةِ؛ فَلاحَ بِذَلِكَ أنَّهُ يُعْلِي أمْرَهم عَلى كُلِّ أمْرٍ ويُظْهِرُ دِينَهم عَلى كُلِّ دِينٍ، إذْ كانَ سُبْحانَهُ وتَعالى هو الدّاعِيَ عَنْهُمْ، ولِيَكُونَ الدُّعاءُ كُلُّهُ مَحْمُولًا عَلى الإصابَةِ ومَشْمُولًا بِالإجابَةِ فَقالَ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا﴾ أيْ لا تَفْعَلْ مَعَنا فِعْلَ (p-١٧٩)مَن يُناظِرُ خَصْمًا فَهو يُناقِشُهُ عَلى كُلِّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ ﴿إنْ نَسِينا﴾ أيْ فَفَعَلْنا ما نَهَيْتَنا عَنْهُ ﴿أوْ أخْطَأْنا﴾ أيْ فَعَلْناهُ ذاكِرِينَ لَهُ لَكِنّا لَمْ نَتَعَمَّدْ سُوءًا. قالَ الحَرالِّيُّ: والخَطَأُ هو الزَّلَلُ عَنِ الحَدِّ عَنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ بَلْ مَعَ عَزْمِ الإصابَةِ أوْ وُدِّ أنْ لا يُخْطِئَ، وفي إجْرائِهِ مِن كَلامِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلى لِسانِ عِبادِهِ قَبُولُهُ. انْتَهى. وإعادَةُ رَبَّنا في صَدْرِ كُلِّ جُمْلَةٍ مِن هَذا الطِّرازِ كَما تَقَدَّمَتِ الإشارَةُ إلَيْهِ في التَّذْكِيرِ بِعِظَمِ المَقامِ في حُسْنِ التَّرْبِيَةِ ولُطْفِ الإحْسانِ والرَّأْفَةِ.
ولَمّا كانَ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ فَإنَّ لَهُ أنْ يُكَلِّفَ بِما يَشاءُ مَعَ تَحْمِيلِ ما تَعْظُمُ مَشَقَّتُهُ مِنَ التَّكالِيفِ فَإنَّهُ لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ قالَ: ﴿رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرًا﴾ أيْ ثِقْلًا.
قالَ الحَرالِّيُّ: هو العَهْدُ الثَّقِيلُ أيِ الَّذِي في تَحَمُّلِهِ أشَدُّ المَشَقَّةِ. انْتَهى. ثُمَّ عَظَّمَ المِنَّةَ (p-١٨٠)بِقَوْلِهِ: ﴿كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا﴾ إشارَةً إلى أنَّهُ كانَ حَمَلَ عَلى مَن سَبَقَ مِنَ الأحْكامِ ما يَهُدُّ الأرْكانَ تَأْكِيدًا لِما يَحْمِلُ عَلى الشُّكْرِ عَلى تَخْفِيفِ ذَلِكَ عَنّا، وأصْلُ الإصْرِ العاطِفُ، أصَرَهُ الشَّيْءُ يَأْصِرُهُ: عَطَفَهُ، ويَلْزَمُهُ الثِّقَلُ لِأنَّ الغُصْنَ إذا ثَقُلَ مالَ وانْعَطَفَ وهو المَقْصُودُ هُنا؛ وتِلْكَ الآصارُ المُشارُ إلَيْها كَثِيرَةٌ جِدًّا، مِنها ما في السِّفْرِ الثّانِي مِنَ التَّوْراةِ في القُرْبانِ أنَّهُ يَنْضَحُ مِن دَكِّ الذَّبِيحَةِ عَلى زَوايا المَذْبَحِ، ثُمَّ قالَ: ومَن تَقَرَّبَ بِذَبْحِ ثَوْرٍ أوْ غَيْرِهِ في مَكانٍ غَيْرِ بابِ قُبَّةِ الزَّمانِ بَيْتِ الرَّبِّ يُعاقَبُ ذَلِكَ الرَّجُلُ عُقُوبَةَ مَن قَتَلَ قَتِيلًا لِأنَّهُ سَفَكَ دَمًا ويَهْلَكُ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِن شَعْبِهِ، ومَن أكَلَ دَمًا نَزَلَ بِهِ الغَضَبُ وهَلَكَ لِأنَّ أنْفُسَ البَهائِمِ هي الدَّمُ، [وإنَّما أُمِرُوا أنْ يُقَرِّبُوهُ عَلى المَذْبَحِ لِغُفْرانِ خَطاياهم وتَطْهِيرِ أنْفُسِهِمْ لِأنَّهُ إنَّما يُغْفَرُ لِلنَّفْسِ بِالدَّمِ]، (p-١٨١)ومَن قَرَّبَ قُرْبانًا أكَلَ مِنهُ يَوْمَ ذَبْحِهِ وثانِيهِ، وما بَقِيَ في الثّالِثِ أُحْرِقَ بِالنّارِ، ومَن أكَلَ مِنهُ هَلَكَ مِن شَعْبِهِ؛ ومِن ذَلِكَ في ذَوِي العاهاتِ أنَّ مَن بَرِصَ مِنَ الآدَمِيِّينَ يَجْلِسُ وحْدَهُ ولا يَخْتَلِطُ مَعَ النّاسِ ويَكُونُ سَكَنُهُ خارِجًا مِن مَحَلَّةِ بَنِي إسْرائِيلَ، حَتّى ذَكَرَ البَرَصَ في الثِّيابِ والبُيُوتِ وغَيْرِها، فَما بَرِصَ مِنَ الجُلُودِ والثِّيابِ يُقْطَعُ مَوْضِعُ البَرَصِ مِنهُ، فَإنْ ظَهَرَ فِيهِ بَعْدَ القَطْعِ أُحْرِقَ [كُلُّهُ] بِالنّارِ، وإنْ ظَهَرَ في بَيْتٍ بَرَصٌ يُهْدَمُ وتُجْمَعُ حِجارَتُهُ وخَشَبُهُ وتُرابُهُ خارِجًا مِنَ القَرْيَةِ ويُحْرَقُ بِالنّارِ؛ وكَذا مَرَضُ السَّلَسِ فِيهِ تَشْدِيداتٌ كَثِيرَةٌ، مِنها أنَّ مَن جَلَسَ عَلى ثَوْبٍ عَلَيْهِ مَسْلُوسٌ يَغْسِلُ ثِيابَهُ ويَسْتَحِمُّ بِالماءِ ويَكُونُ نَجِسًا إلى اللَّيْلِ، ونَحْوُ هَذا؛ ثُمَّ قالَ: وكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسى وقالَ لَهُ: هَذِهِ سُنَّةُ الأبْرَصِ الَّذِي يَتَطَهَّرُ: يُقَدَّمُ إلى الكاهِنِ ويُخْرِجُهُ خارِجًا مِنَ العَسْكَرِ ويَنْظُرُ الحَبْرُ (p-١٨٢)إنْ كانَتْ ضَرْبَةُ البَرَصِ قَدْ بَرِأتْ وتَطَهَّرَ مِنها يَأْمُرُ الحَبْرُ فَيُقَدَّمُ، ويُؤْتى بِعُصْفُورَيْنِ حَيَّيْنِ زَكِيَّيْنِ، وعُودٍ مِن خَشَبِ الأرْزِ، وعِهْنَةٍ حَمْراءَ - وعَدَّ أشْياءَ أُخْرى؛ وقُرْبانٍ عَلى كَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ صَعْبَةٍ عَلى عَيْنِ ماءٍ، ويَغْسِلُ ثِيابَهُ وبَدَنَهُ، ويَحْلِقُ شَعْرَ رَأْسِهِ ولِحْيَتِهِ وحاجِبَيْهِ وكُلَّ شَعْرِ جَسَدِهِ، وأنَّهُ يَمْكُثُ خارِجًا مِن بَيْتِهِ سَبْعَةَ أيّامٍ، وفي اليَوْمِ الثّامِنِ يَأْتِي بِقُرْبانٍ آخَرَ [فَيُقَرَّبُ] عَلى كَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، ويَنْضَحُ الكاهِنُ مِن دَمِهِ عَلى ثِيابِ وبَدَنِ هَذا الَّذِي تَطَهَّرَ مِنَ البَرَصِ، وكَذا مِن زَيْتِ قُرْبانِهِ، ويُصَبُّ بَقِيَّتُهُ عَلى رَأْسِهِ. وكَذا في مَرَضِ السَّلَسِ إذا بَرِئَ المَسْلُوسُ [يَمْكُثُ] سَبْعَةَ أيّامٍ، [ثُمَّ] يَتَطَهَّرُ ويَغْسِلُ ثِيابَهُ، ويُقَرِّبُ قُرْبانًا في بابِ قُبَّةِ الزَّمانِ. وقالَ: وأيُّ رَجُلٍ أمْذى أوْ خَرَجَ مِنهُ مَنِيُّهُ يَغْسِلُ جَسَدَهُ كُلَّهُ بِالماءِ، ويَكُونُ نَجِسًا إلى اللَّيْلِ؛ ومَن [دَنا] مِنَ الحائِضِ يَكُونُ (p-١٨٣)نَجِسًا إلى اللَّيْلِ [وأيُّ ثَوْبٍ أوْ فِراشٍ وقَعَتْ عَلَيْهِ جَنابَةٌ يُغْسَلُ بِالماءِ ويَكُونُ نَجِسًا إلى اللَّيْلِ]، وأيُّ ثَوْبٍ رَقَدَتْ عَلَيْهِ وهي حائِضٌ كانَ نَجِسًا، ومَن دَنا مِن فِراشِها يَغْسِلُ ثِيابَهُ ويَسْتَحِمُّ بِالماءِ ويَكُونُ نَجِسًا إلى اللَّيْلِ، وكَذا المُسْتَحاضَةُ. وفِيهِ أيْضًا: وكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسى وقالَ لَهُ: كَلِّمْ بَنِي إسْرائِيلَ وقُلْ لَهُمُ: المَرْأةُ إذا حَبِلَتْ ووَلَدَتْ ذَكَرًا تَكُونُ نَجِسَةً [سَبْعَةَ] أيّامٍ كَما تَكُونُ في أيّامِ حَيْضِها، وفي اليَوْمِ الثّامِنِ يُخْتَنُ الصَّبِيُّ، وتَكُونُ نَجِسَةً وتَجْلِسُ مَكانَها ثَلاثَةً وثَلاثِينَ يَوْمًا، لا تَدْنُو مِن شَيْءٍ مُقَدَّسٍ، ولا تَدْخُلُ بَيْتَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى لِأنَّ الصَّلاةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْها حَتّى تُتِمَّ أيّامَ تَطْهِيرِها؛ فَإنْ ولَدَتْ جارِيَةً تَكُونُ مِثْلَ نَجاسَتِها في أيّامِ حَيْضِها أرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وتَجْلِسُ مَكانَها عَلى الدَّمِ الزَّكِيِّ سِتَّةً وسِتِّينَ يَوْمًا، فَإذا كَمَّلَتْ أيّامَ تَطْهِيرِها ابْنًا ولَدَتْ أوْ بِنْتًا تَجِيءُ بِحَمْلِ حَوْلٍ، فَذَكَرَ قُرْبانًا في قُبَّةِ الزَّمانِ عَلى يَدِ الكاهِنِ لِتَطْهُرَ مِمّا كانَ يَجْرِي مِنها [مِنَ] الدَّمِ. ومِنَ الآصارِ ما في السِّفْرِ الثّانِي أيْضًا مِن أنَّهم إذا حَصَدُوا أرْضًا أوْ قَطَفُوا كَرْمًا حَرُمَ عَلَيْهِمُ الاسْتِقْصاءُ وأُمِرُوا أنْ يَتْرُكُوا لِلْمَساكِينِ، ثُمَّ قالَ: (p-١٨٤)ولا تَلْتَقِطُوا ما يَنْتَثِرُ مِن زَيْتُونِكم بَلْ دَعُوهُ لِلْمَساكِينِ والَّذِينَ يُقْبِلُونَ إلَيَّ لِأنِّي أنا اللَّهُ رَبُّكُمْ، ثُمَّ قالَ: فَإذا دَخَلْتُمُ الأرْضَ وغَرَسْتُمْ فِيها كُلَّ شَجَرٍ يُثْمِرُ ثِمارًا تُؤْكَلُ فَدَعُوها ثَلاثَ سِنِينَ ولا تَأْكُلُوا مِن ثِمارِها، فَإذا كانَ في السَّنَةِ الرّابِعَةِ صَيِّرُوا جَمِيعَ ثِمارِ شَجَرِكم حُرْمَةً لِلرَّبِّ ومَجْدًا لِإكْرامِهِ، وفي السَّنَةِ الخامِسَةِ كُلُوا ثِمارَها فَإنَّها تَنْمُو وتَزْدادُ لَكم غَلّاتُها، أنا اللَّهُ رَبُّكُمْ! وقالَ في أواخِرِ السِّفْرِ الخامِسِ وهو آخِرُ أسْفارِها: لا تَحِيفُوا عَلى المِسْكِينِ واليَتِيمِ والسّاكِنِ بَيْنَكم في القَضاءِ، ولا تَأْخُذُوا ثَوْبَ الأرْمَلَةِ رَهْنًا، واذْكُرُوا أنَّكم كُنْتُمْ عَبِيدًا بِأرْضِ مِصْرَ وأنْقَذَكُمُ الرَّبُّ مِن هُناكَ، لِذَلِكَ آمُرُكم وأقُولُ لَكم إنَّهُ واجِبٌ عَلَيْكم أنْ تَفْعَلُوا مِثْلَ هَذا الفِعْلِ، وإذا حَصَدْتُمْ حَقْلَ أرْضِكم ونَسِيتُمْ حُزْمَةً لا تَرْجِعُوا في طَلَبِ أخْذِها بَلْ تَكُونُ لِلسّاكِنِ ولِلْيَتِيمِ والأرْمَلَةِ، لِيُبارِكَ اللَّهُ رَبُّكم في جَمِيعِ أعْمالِ أيْدِيكُمْ؛ وإذا نَثَرْتُمْ زَيْتُونَكم فَلا تَطْلُبُوا ما نَسِيتُمْ في حَقْلِكم بَلْ يَكُونُ لِلْيَتِيمِ والسّاكِنِ والأرْمَلَةِ؛ وإذا قَطَعْتُمْ كُرُومَكم لا تَسْتَقْصُوا ما فِيها بَلْ دَعُوها ما يَعِيشُ بِهِ السّاكِنُ (p-١٨٥)واليَتِيمُ والأرْمَلَةُ؛ واذْكُرُوا أنَّكم كُنْتُمْ عَبِيدًا بِأرْضِ مِصْرَ، لِذَلِكَ آمُرُكم أنْ تَفْعَلُوا هَذا الفِعْلَ، وأمّا ما عَلى النَّصارى مِن ذَلِكَ فَسَيَأْتِي كَثِيرٌ مِنهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في المائِدَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولْيَحْكم أهْلُ الإنْجِيلِ بِما أنْـزَلَ اللَّهُ فِيهِ﴾ [المائدة: ٤٧]
ولَمّا دَعَوْا بِما تَضَمَّنَ الإيمانَ بِما نَزَلَ إلَيْهِمْ مِمّا حَمَلَ مَن كانَ قَبْلَهم مِنَ الثِّقَلِ أتْبَعُوهُ ما يَدُلُّ عَلى اعْتِقادِهِمْ أنَّ ذَلِكَ عَدْلٌ مِنهُ في القَضاءِ، وأنَّهُ لَهُ أنْ يَفْعَلَ فَوْقَ ذَلِكَ فَيُكَلِّفُ بِما لَيْسَ في الوُسْعِ، لِأنَّهُ المالِكُ التّامُّ المِلْكِ والمَلِكُ المُنْفَرِدُ بِالمُلْكِ، وسَألُوا التَّخْفِيفَ بِرَفْعِ ذَلِكَ فَقالُوا: ﴿رَبَّنا ولا﴾ وعَبَّرَ بِالتَّفْعِيلِ لِما فِيهِ بِما يُفْهَمُ مِنَ العِلاجِ مِن مُناسَبَةِ التَّكْلِيفِ بِما لا يُطاقُ فَقالَ: ﴿تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ﴾ أيْ قُدْرَةَ ﴿لَنا بِهِ﴾
ولَمّا كانَ الإنْسانُ قَدْ يَتَعَمَّدُ الذَّنْبَ لِشَهْوَةٍ تَدْعُوهُ إلَيْهِ وغَرَضٍ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ أتْبَعُوا ذَلِكَ دُعاءً عامًّا فَقالُوا:﴿واعْفُ عَنّا﴾ أيِ ارْفَعْ عَنّا عِقابَ الذُّنُوبِ كُلِّها ﴿واغْفِرْ لَنا﴾ أيْ ولا تَذْكُرْها لَنا أصْلًا، فالأوَّلُ العَفْوُ عَنْ عِقابِ الجِسْمِ، والثّانِي العَفْوُ عَنْ عَذابِ الرُّوحِ. (p-١٨٦)وقالَ الحَرالِّيُّ: ولَمّا كانَ قَدْ يَلْحَقُ مَن يُعْفى عَنْهُ ويُغْفَرُ لَهُ قُصُورٌ في الرُّتْبَةِ عَنْ مَنالِ الحَظِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ألْحَقَ تَعالى المَعْفُوَّ عَنْهُ المَغْفُورَ لَهُ بِالمَرْحُومِ ابْتِداءً بِقَوْلِهِ: ﴿وارْحَمْنا﴾ أيْ حَتّى يَسْتَوِيَ المُذْنِبُ التّائِبُ والَّذِي لَمْ يُذْنِبْ قَطُّ في مَنالِ الرَّحْمَةِ.
ولَمّا ضاعَفَ لَهم تَعالى عَفْوَهُ ومَغْفِرَتَهُ ورَحْمَتَهُ أنْهاهم بِذَلِكَ إلى مَحَلِّ الخِلافَةِ العاصِمَةِ ﴿لا عاصِمَ اليَوْمَ مِن أمْرِ اللَّهِ إلا مَن رَحِمَ﴾ [هود: ٤٣] فَلَمّا صارُوا خُلَفاءَ تَحَقَّقَ مِنهُمُ الجِهادُ لِأعْداءِ اللَّهِ والقِيامُ بِأمْرِ اللَّهِ ومُنابَذَةُ مَن تَوَلّى غَيْرَ اللَّهِ، فَتَحَقَّقَ أنَّهُ لا بُدَّ أنْ يُشاقِقَهم أعْداءٌ ويُنابِذُوهُمْ، فَعَلَّمَهُمُ الَّذِي رَحِمَهم سُبْحانَهُ إسْنادَ أمْرِهِمْ بِالوِلايَةِ إلَيْهِ قائِلًا عَنْهُمْ: ﴿أنْتَ مَوْلانا﴾ والمَوْلى هو الوَلِيُّ اللّازِمُ الوِلايَةِ القائِمُ بِها الدّائِمُ عَلَيْها لِمَن تَوَلّاهُ بِإسْنادِ أمْرِهِ إلَيْهِ فِيما لَيْسَ هو بِمُسْتَطِيعٍ لَها. انْتَهى بِالمَعْنى. وكانَ حَقِيقَتُهُ الفاعِلَ لِثَمَرَةِ الوِلايَةِ وهي القُرْبُ والإقْبالُ، وذَلِكَ أنَّهم لَمّا سَألُوا العَفْوَ عَنْ عَذابِ الجِسْمِ والرُّوحِ سَألُوا ثَوابَهُما، فَثَوابُ الجِسْمِ الجَنَّةُ وثَوابُ الرُّوحِ لَذَّةُ الشُّهُودِ وذَلِكَ ثَمَرَةُ الوِلايَةِ وهي الإقْبالُ عَلى الوَلِيِّ بِالكُلِّيَّةِ، ثُمَّ جَعَلَ خِتامَ تَوَجُّهِ المُؤْمِنِينَ إلى رَبِّهِمُ الدُّعاءَ بِثَمَرَةِ الوِلايَةِ فَقالَ: ﴿فانْصُرْنا﴾ بِاللِّسانِ والسِّنانِ، وأشارَ إلى قُوَّةِ (p-١٨٧)المُخالِفِينَ حَثًّا عَلى تَصْحِيحِ الِالتِجاءِ والصِّدْقِ في الرَّغْبَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿عَلى القَوْمِ﴾ وأشارَ إلى أنَّ الأدِلَّةَ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ في غايَةِ الظُّهُورِ لِكُلِّ عاقِلٍ بِقَوْلِهِ: ﴿الكافِرِينَ﴾ أيِ السّاتِرِينَ لِلْأدِلَّةِ الدّالَّةِ لَهم عَلى رَبِّهِمُ المَذْكُورِينَ أوَّلَ السُّورَةِ، فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ وُجُوبَ قِتالِهِمْ وأنَّهم أعْدى الأعْداءِ، وأنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿لا إكْراهَ في الدِّينِ﴾ [البقرة: ٢٥٦] لَيْسَ ناهِيًا عَنْ ذَلِكَ وإنَّما هو إشارَةٌ إلى أنَّ الدِّينَ صارَ في الوُضُوحِ إلى حَدٍّ لا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إكْراهٌ بَلْ يَنْبَغِي لِكُلِّ عاقِلٍ أنْ يَدْخُلَ فِيهِ بِغايَةِ الرَّغْبَةِ فَضْلًا عَنِ الإحْواجِ إلى إرْهابٍ، فَمَن نَصَحَ نَفْسَهُ دَخَلَ فِيهِ بِما دَلَّهُ عَلَيْهِ عَقْلُهُ، ومَن أبى أُدْخِلَ فِيهِ قَهْرًا بِنَصِيحَةِ اللَّهِ الَّتِي هي الضَّرْبُ بِالحُسامِ ونافِذِ السِّهامِ. ولَمّا كانَ الخَتْمُ بِذَلِكَ مُشِيرًا إلى أنَّهُ تَعالى لَمّا ضاعَفَ لَهم عَفْوَهُ عَنِ الذَّنْبِ فَلا يُعاقِبُ عَلَيْهِ ومَغْفِرَتَهُ لَهُ بِحَيْثُ يَجْعَلُهُ كَأنْ لَمْ يَكُنْ فَلا يَذْكُرُهُ أصْلًا ولا يُعاقِبُ عَلَيْهِ ورَحْمَتَهُ في إيصالِ المُذْنِبِ المَعْفُوِّ عَنْهُ المَغْفُورِ لَهُ إلى المَنازِلِ العالِيَةِ أنْهاهم إلى رُتْبَةِ الخِلافَةِ في القِيامِ بِأمْرِهِ والجِهادِ لِأعْدائِهِ وإنْ جَلَّ أمْرُهم وأعْيا حَصْرُهم كانَ مُنَبِّهًا عَلى أنَّ بِدايَةَ هَذِهِ السُّورَةِ هِدايَةٌ وخاتِمَتَها خِلافَةٌ، فاسْتَوْفَتْ تَبْيِينَ أمْرِ النُّبُوَّةِ إلى حَدِّ ظُهُورِ الخِلافَةِ فَكانَتْ سَنامًا لِلْقُرْآنِ، وكانَ جِماعُ ما في القُرْآنِ مُنْضَمًّا إلى مَعانِيها إمّا لِما صَرَّحَتْ بِهِ أوْ لِما ألاحَتْهُ وأفْهَمَهُ إفْصاحٌ مِن إفْصاحِها كَما تَنْضَمُّ هي مَعَ سائِرِ القُرْآنِ إلى سُورَةِ (p-١٨٨)الفاتِحَةِ فَتَكُونُ أُمًّا لِلْجَمِيعِ، أفادَ ذَلِكَ الأُسْتاذُ أبُو الحَسَنِ الحَرالِّيُّ. وقَدْ بانَ بِذِكْرِ المُنَزَّلِ والإيمانِ بِهِ والنُّصْرَةِ عَلى الكُفّارِ بَعْدَ تَفْصِيلِ أمْرِ النَّفَقَةِ والمالِ الَّذِي يُنْفَقُ مِنهُ رَدُّ مُقَطَّعِها عَلى مَطْلَعِها وآخِرِها عَلى أوَّلِها، ومِنَ الجَوامِعِ العَظِيمَةِ في أمْرِها وشُمُولِ مَعْناها المُبَيِّنِ لِعُلُوِّ قَدْرِها ما قالَ الحَرالِّيُّ إنَّهُ لَمّا كانَ مُنَزِّلُ هَذا القُرْآنِ المُخْتَصِّ بِخاتَمِ النَّبِيِّينَ صَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِ وعَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ مُنَزِّلًا حُرُوفًا مُحِيطَةَ المَعانِي مُخاطِبًا بِها النَّبِيَّ والأئِمَّةَ وتَفْصِيلَ [آياتٍ] مُخاطِبًا بِهِ عامَّةَ الأُمَّةِ انْتَظَمَتْ هَذِهِ السُّورَةُ صِنْفَيِ الخِطابَيْنِ فافْتُتِحَتْ بِـ (الم) حُرُوفًا مُنْبِئَةً عَنْ إحاطَةٍ بِما تَضَمَّنَتْهُ مَعانِيها مِن إحاطَةِ القائِمِ مِن مَعْنى الألِفِ وإحاطَةِ المَقامِ مِن مَعْنى المِيمِ وإحاطَةِ الوَصْلَةِ مِن مَعْنى اللّامِ؛ ولَمّا كانَتِ الإحاطَةُ في ثَلاثِ رُتَبٍ إحاطَةً إلَهِيَّةً قَيُّومِيَّةً وإحاطَةً كِتابِيَّةً وإحاطَةً تَفْصِيلِيَّةً كانَتِ الإحاطَةُ الخاصَّةُ بِهَذِهِ الأحْرُفِ [الَّتِي] افْتُتِحَتْ بِها هَذِهِ السُّورَةُ إحاطَةً كِتابِيَّةً مُتَوَسِّطَةً، فَوَقَعَ الِافْتِتاحُ فِيما وقَعَ عَلَيْهِ [أمْرُ] القُرْآنِ في تِلاوَتِهِ في الأرْضِ بِالرُّتْبَةِ المُتَوَسِّطَةِ مِن حَيْثُ هي أقْرَبُ لِلطَّرَفَيْنِ وأيْسَرُ لِلِاطِّلاعِ عَلى الأعْلى والقِيامِ بِالأدْنى، فَكانَ ما كانَ (p-١٨٩)فِي القُرْآنِ مِن ﴿الم﴾ [لقمان: ١] ﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ﴾ [لقمان: ٢] ونَحْوِهِ تَفْصِيلَ إحاطَةٍ مِن إحاطَةِ [الكِتابِ] الَّتِي أُنْزِلَتْ فِيها سُورَةُ البَقَرَةِ، فَكانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلى إحاطاتِ الكُتُبِ الأرْبَعَةِ: كِتابِ التَّقْدِيرِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الخَلائِقَ بِما شاءَ اللَّهُ مِن أمَدٍ [و] عَدَدٍ، ورَدَ ”أنَّ اللَّهَ كَتَبَ الكِتابَ وقَضى القَضِيَّةَ وعَرْشُهُ عَلى الماءِ“، و”أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى قَدَّرَ مَقادِيرَ الخَلائِقِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَهم بِخَمْسِينَ ألْفَ عامٍ“ وأنَّهُ قَدَّرَ الأرْزاقَ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الصُّوَرَ بِألْفَيْ عامٍ. وكَثِيرٌ مِن ذَلِكَ مِمّا ورَدَ في الأخْبارِ؛ وفي مُقابَلَةِ هَذا الكِتابِ السّابِقِ بِالتَّقْدِيرِ الكِتابُ اللّاحِقُ بِالجَزاءِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى ويَكْتُبُهُ أثَرُ تَمامِ الإبْداءِ بِاسْتِبْقاءِ الأعْمالِ البادِيَةِ عَلى أيْدِي الخَلْقِ الَّذِينَ يَنالُهُمُ النَّعِيمُ والجَحِيمُ والأمْنُ والرَّوْعُ والكَشْفُ والحِجابُ؛ وهَذا الكِتابُ الآخَرُ مُطابِقٌ لِلْكِيانِ الأوَّلِ، ويَبِينُ بِتَطَرُّقِهِما كِتابُ الأحْكامِ المُتَضَمِّنُ لِأمْرِ الدِّينِ والدَّعْوَةِ الَّذِي وقَعَتْ فِيهِ الهِدايَةُ والفِتْنَةُ، ثُمَّ كِتابُ الأعْمالِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى في ذَواتِ المُكَلَّفِينَ مِن (p-١٩٠)أفْعالِهِمْ وأحْوالِ أنْفُسِهِمْ وما كَتَبَ في قُلُوبِهِمْ مِن إيمانٍ أوْ طَبَعَ عَلَيْها أوْ خَتَمَ عَلَيْها بِفُجُورٍ أوْ طُغْيانٍ؛ فَتَطابَقَتِ الأوائِلُ والأواخِرُ واخْتَلَفَ كِتابُ الأحْكامِ وكِتابُ الأعْمالِ بِما أبْداهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى مِن وراءِ حِجابٍ مِن مَعْنى الهُدى والفِتْنَةِ والإقْدامِ والإحْجامِ، فَتَضَمَّنَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ إحاطاتِ جَمِيعِ هَذِهِ الكُتُبِ واسْتَوْفَتْ كِتابَ الأقْدارِ بِما في صَدْرِها مِن تَبْيِينِ أمْرِ المُؤْمِنِينَ والكافِرِينَ والمُنافِقِينَ، وكِتابَ الأفْعالِ كَما ذَكَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى أمْرَ الخَتْمِ عَلى الكافِرِينَ والمَرَضِ في قُلُوبِ المُنافِقِينَ، وما يُفَصَّلُ في جَمِيعِ السُّورَةِ مِن أحْكامِ الدِّينِ وما يُذْكَرُ مَعَها مِمّا يُناسِبُها مِنَ الجَزاءِ مِنَ ابْتِداءِ الإيمانِ إلى غايَةِ الإيقانِ الَّذِي انْتَهى إلَيْهِ مَعْنى السُّورَةِ فِيما بَيْنَ الحَقِّ والخَلْقِ مِن أمْرِ الدِّينِ، وفِيما بَيْنَ الخَلْقِ والخَلْقِ مِنَ المُعامَلاتِ والمُقاوَماتِ، وفِيما بَيْنَ المَرْءِ ونَفْسِهِ مِنَ الأيْمانِ والعُهُودِ، إلى حَدِّ خَتْمِها بِما يَكُونُ مِنَ الحَقِّ لِلْخَلْقِ في اسْتِخْلافِ الخُلَفاءِ الَّذِينَ خَتَمَ بِذِكْرِهِمْ هَذِهِ السُّورَةَ الَّذِينَ قالُوا: ﴿غُفْرانَكَ رَبَّنا﴾ [البقرة: ٢٨٥] إلى انْتِهائِها؛ ولَمّا كانَ مَقْصُودُ هَذِهِ السُّورَةِ الإحاطَةَ الكِتابِيَّةَ كانَ ذَلِكَ إفْصاحَها ومُعْظَمَ آياتِها وكانَتِ الإحاطَةُ الإلَهِيَّةُ (p-١٩١)القَيُّومِيَّةُ إلاحَتَها ونُورَ آياتِها، فَكانَ ذَلِكَ في آيَةِ الكُرْسِيِّ تَصْرِيحًا وفي سائِرِ آيِها إلاحَةً بِحَسَبِ قُرْبِ الإحاطَةِ الكِتابِيَّةِ مِنَ الإحاطَةِ الإلَهِيَّةِ، وفي بَدْءٍ سابِقٍ أوْ خَتْمٍ لاحِقٍ أوْ حِكْمَةٍ جامِعَةٍ، فَلِذَلِكَ انْتَظَمَ بِالسُّورَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيها البَقَرَةُ السُّورَةَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيها آلُ عِمْرانَ، لِما نَزَلَ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ مِنَ الإحاطَةِ الإلَهِيَّةِ حَتّى كانَ في مُفْتَتَحِها اسْمُ اللَّهِ الأعْظَمُ، فَكانَ ما في البَقَرَةِ إفْصاحًا في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ إلاحَةً، وكانَ ما في البَقَرَةِ إلاحَةً في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ إفْصاحًا، إلّا ما اطَّلَعَ في كُلِّ واحِدَةٍ مِنهُما مِن تَصْرِيحِ الأُخْرى؛ فَلِذَلِكَ هُما سُورَتانِ مُرْتَبِطَتانِ وغَيايَتانِ وغَمامَتانِ تُظِلّانِ صاحِبَهُما يَوْمَ القِيامَةِ، وبِما هُما مِنَ الذِّكْرِ الأوَّلِ وبَيْنَهُما مِن ظاهِرِ التَّفاوُتِ ما بَيْنَ الإحاطَةِ الكِتابِيَّةِ وبَيْنَ الإحاطَةِ الإلَهِيَّةِ فَلِذَلِكَ كانَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ سَنامًا لَهُ والسَّنامُ أعْلى ما في الحَيَوانِ المُنْكَبِّ وأجْمَلُهُ جُمْلَةً وهو البَعِيرُ، وكانَتْ سُورَةُ آلِ عِمْرانَ تاجَ القُرْآنِ والتّاجُ هو أعْلى ما في (p-١٩٢)المَخْلُوقاتِ مِنَ الخَلْقِ القائِمِ المُسْتَخْلَفِ في الأرْضِ ظاهِرُهُ وفي جَمِيعِ المُكَوَّنِ إحاطَتُهُ؛ فَوَقَعَ انْتِظامُ هاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ عَلى نَحْوٍ مِنَ انْتِظامِ الآيِ يَتَّصِلُ الإفْصاحُ في الآيَةِ بِإلاحَةِ سابِقَتِها كَما تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ في مَواضِعَ. انْتَهى. وسِرُّ تَرْتِيبِ سُورَةِ السَّنامِ عَلى هَذا النِّظامِ أنَّهُ لَمّا افْتَتَحَها سُبْحانَهُ وتَعالى بِتَصْنِيفِ النّاسِ الَّذِينَ هم لِلدِّينِ كالقَوائِمِ الحامِلَةِ لِذِي السَّنامِ فاسْتَوى وقامَ ابْتِداءُ المَقْصُودِ بِذِكْرِ أقْرَبِ السَّنامِ إلى أفْهامِ أهْلِ القِيامِ فَقالَ مُخاطِبًا لِجَمِيعِ الأصْنافِ الَّتِي قَدَّمَها ﴿يا أيُّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: ٢١] واسْتَمَرَّ إلى أنْ بانَ الأمْرُ غايَةَ البَيانِ فَأخَذَ يَذْكُرُ مِنَنَهُ سُبْحانَهُ عَلى النّاسِ المَأْمُورِينَ بِالعِبادَةِ بِما أنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِن خَلْقِ جَمِيعِ ما في الوُجُودِ لَهم بِما أكْرَمَ بِهِ أباهم آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ثُمَّ خَصَّ العَرَبَ ومَن تَبِعَهم بِبَيانِ المِنَّةِ عَلَيْهِمْ في مُجادَلَةِ بَنِي إسْرائِيلَ وتَبْكِيتِهِمْ، وهو سُبْحانُهُ وتَعالى يُؤَكِّدُ كُلَّ قَلِيلٍ أمْرَ الرُّبُوبِيَّةِ والتَّوْحِيدِ بِالعِبادَةِ مِن غَيْرِ ذِكْرِ شَيْءٍ مِنَ الأحْكامِ إلّا ما انْسَلَخَ مِنهُ بَنُو إسْرائِيلَ، فَذَكَرَهُ عَلى وجْهِ الِامْتِنانِ بِهِ عَلى العَرَبِ وتَبْكِيتِ بَنِي إسْرائِيلَ بِتَرْكِهِ لا عَلى (p-١٩٣)أنَّهُ مَقْصُودٌ بِالذّاتِ، فَلَمّا تَزَكَّوْا فَتَرَقَّوْا فَتَأهَّلُوا لِأنْواعِ المَعارِفِ قالَ مُعْلِيًا لَهم مِن مَصاعِدِ الرُّبُوبِيَّةِ إلى مَعارِجِ الإلَهِيَّةِ
﴿وإلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ [البقرة: ١٦٣] فَلَمّا تَسَنَّمُوا هَذا الشَّرَفَ لَقَّنَهُمُ العِباداتِ المُزَكِّيَةَ ونَقّاهم أرْواحَها المُصَفِّيَةَ فَذَكَرَ أُمَّهاتِ الأعْمالِ أُصُولًا وفُرُوعًا الدَّعائِمَ الخَمْسَ والحَظِيرَةَ وما تَبِعَ ذَلِكَ مِنَ الحُدُودِ في المَآكِلِ والمَشارِبِ والمَناكِحِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَصالِحِ فَتَهَيَّؤُوا بِها وأنَّها المُوارَداتُ الغُرُّ مِن ذِي الجَلالِ فَقالَ مُرَقِّيًا لَهم إلى غَيْبِ حَضْرَتِهِ الشَّمّاءِ [ذاكِرًا] مُسَمّى جَمِيعِ الأسْماءِ ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلا هو الحَيُّ القَيُّومُ﴾ [البقرة: ٢٥٥] ولَمّا كانَ الواصِلُ إلى أعْلى مَقامِ الحُرِّيَّةِ لا بُدَّ عِنْدَ القَوْمِ مِن رُجُوعِهِ إلى رِبْقَةِ العُبُودِيَّةِ ذَكَرَ لَهم بَعْضَ الأعْمالِ اللّائِقَةِ بِهِمْ، فَحَثَّ عَلى أشْياءَ أكْثَرُها مِن وادِي الإحْسانِ الَّذِي هو مَقامُ أُولِي العِرْفانِ، فَذَكَرَ مَثَلَ النَّفَقَةِ الَّتِي هي أحَدُ مَبانِي السُّورَةِ عَقِبَ ما ذَكَرَ مَقامَ الطُّمَأْنِينَةِ (p-١٩٤)إيذانًا بِأنَّ ذَلِكَ شَأْنُ المُطْمَئِنِّ، ورَغَّبَ فِيها إشارَةً إلى أنَّهُ لا مَطْمَعَ في الوُصُولِ إلّا بِالِانْسِلاخِ مِنَ الدُّنْيا كُلِّها، وأكْثَرَ مِنَ الحَثِّ عَلى طِيبِ المَطْعَمِ الَّذِي لا بَقاءَ بِحالٍ مِنَ الأحْوالِ بِدُونِهِ، ونَهى عَنِ الرِّبا أشَدَّ نَهْيٍ إشارَةً إلى التَّقَنُّعِ بِأقَلِّ الكَفافِ ونَهْيًا عَنْ مُطْلَقِ الزِّيادَةِ لِلْخَواصِّ وعَنْ كُلِّ حَرامٍ لِلْعَوامِّ، وأرْشَدَ إلى آدابِ الدِّينِ المُوجِبِ لِلثِّقَةِ بِما عِنْدَ اللَّهِ المُقْتَضِي بِصِدْقِ التَّوَكُّلِ المُثْمِرِ لِلْعَوْنِ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى والإرْشادِ إلى ذَلِكَ، تُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ وهو مُتَلَبِّسٌ بِهِ؛ وبَنى سُبْحانَهُ وتَعالى كُلَّ ثُلُثٍ مِن هَذِهِ الأثْلاثِ عَلى مُقَدِّمَةٍ.فِي تَثْبِيتِ أمْرِهِ وتَوَجَّهَ بِخاتِمَةٍ في التَّحْذِيرِ مِنَ التَّهاوُنِ بِهِ، وزادَ الثّالِثَ لِكَوْنِهِ الخِتامَ وبِهِ بَرَكَةُ التَّمامِ أنْ أكَّدَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ خاتِمَتِهِ في الإيمانِ بِجَمِيعِ ما في السُّورَةِ، وخَتَمَ بِالإشارَةِ إلى أنَّ عُمْدَةَ ذَلِكَ الجِهادُ الَّذِي لِذَوِي الغَيِّ والعِنادِ، والِاعْتِمادَ فِيهِ عَلى مالِكِ المُلْكِ ومَلِكِ العِبادِ، وذَلِكَ هو طَرِيقُ أهْلِ الرَّشادِ، والهِدايَةِ والسَّدادِ واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى هو المُوَفِّقُ لِلصَّوابِ.
{"ayah":"لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَیۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَاۤ إِن نَّسِینَاۤ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَیۡنَاۤ إِصۡرࣰا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۤۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق