الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾ يَعْنِي طاقَتَها، وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: وعْدٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ بِالتَّفَضُّلِ عَلى عِبادِهِ ألّا يُكَلِّفَ نَفْسًا إلّا وُسْعَها. والثّانِي: أنَّهُ إخْبارٌ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ ومِنَ المُؤْمِنِينَ عَنِ اللَّهِ، عَلى وجْهِ الثَّناءِ عَلَيْهِ، بِأنَّهُ لا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلّا وُسْعَها. ثُمَّ قالَ: ﴿لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ﴾ يَعْنِي لَها ما كَسَبَتْ مِنَ الحَسَناتِ، وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ يَعْنِي مِنَ المَعاصِي. وَفي كَسَبَتْ واكْتَسَبَتْ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ لَفْظَهُما مُخْتَلِفٌ ومَعْناهُما واحِدٌ. والثّانِي: أنَّ كَسَبَتْ مُسْتَعْمَلٌ في الخَيْرِ خاصَّةً، واكْتَسَبَتْ مُسْتَعْمَلٌ في الشَّرِّ خاصَّةً. (p-٣٦٤) ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا﴾ قالَ الحَسَنُ: مَعْناهُ: قُولُوا رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا. ﴿إنْ نَسِينا﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي إنْ تَناسَيْنا أمْرَكَ. والثّانِي: تَرَكْنا، والنِّسْيانُ: بِمَعْنى التَّرْكِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ٦٧]، قالَهُ قُطْرُبٌ. ﴿أوْ أخْطَأْنا﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: ما تَأوَّلُوهُ مِنَ المَعاصِي بِالشُّبُهاتِ. والثّانِي: ما عَمَدُوهُ مِنَ المَعاصِي الَّتِي هي خَطَأٌ تُخالِفُ الصَّوابَ. وَقَدْ فَرَّقَ أهْلُ اللِّسانِ بَيْنَ " أخْطَأ " وخَطِئَ، فَقالُوا: " أخْطَأ " يَكُونُ عَلى جِهَةِ الإثْمِ وغَيْرِ الإثْمِ، وخَطِئَ: لا يَكُونُ إلّا عَلى جِهَةِ الإثْمِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎ والنّاسُ يَلْحُونَ الأمِيرَ إذا هُمُ خَطَّئُوا الصَّوابَ ولا يُلامُ المُرْشِدُ ﴿رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرًا﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: إصْرًا أيْ عَهْدًا نَعْجِزُ عَنِ القِيامِ بِهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ. الثّانِي: أيْ لا تَمْسَخْنا قِرَدَةً وخَنازِيرَ، وهَذا قَوْلُ عَطاءٍ. الثّالِثُ: أنَّهُ الذَّنْبُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَوْبَةٌ ولا كَفّارَةٌ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. الرّابِعُ: الإصْرُ: الثِّقَلُ العَظِيمُ، قالَهُ مالِكٌ، والرَّبِيعُ، قالَ النّابِغَةُ: ؎ يا مانِعَ الضَّيْمِ أنْ يُغْشى سَراتُهُمُ ∗∗∗ والحامِلَ الإصْرِ عَنْهم بَعْدَما عَرَضُوا ﴿كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا﴾ يَعْنِي بَنِي إسْرائِيلَ فِيما حَمَلُوهُ مِن قَتْلِ أنْفُسِهِمْ. (p-٣٦٥) ﴿وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ مِمّا كُلِّفَهُ بَنُو إسْرائِيلَ. الثّانِي: ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ مِنَ العَذابِ. ﴿واعْفُ عَنّا واغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: مالِكُنا. الثّانِي: ولِيُّنا وناصِرُنا. ﴿فانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾ رَوى عَطاءُ بْنُ السّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ﴾ فَلَمّا انْتَهى إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿غُفْرانَكَ رَبَّنا﴾ قالَ اللَّهُ تَعالى: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، فَلَمّا قَرَأ: ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا﴾ قالَ اللَّهُ تَعالى: لا أُؤَخِذُكم. فَلَمّا قَرَأ: ﴿رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرًا كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا﴾ قالَ اللَّهُ تَعالى: لا أحْمِلُ عَلَيْكم. فَلَمّا قَرَأ: ﴿رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾ قالَ اللَّهُ تَعالى: لا أُحَمِّلُكم. فَلَمّا قَرَأ: ﴿واعْفُ عَنّا﴾ قالَ اللَّهُ تَعالى: قَدْ عَفَوْتُ عَنْكم. فَلَمّا قَرَأ: ﴿واغْفِرْ لَنا﴾ قالَ اللَّهُ تَعالى: قَدْ غَفَرْتُ لَكم. فَلَمّا قَرَأ: ﴿وارْحَمْنا﴾ قالَ اللَّهُ تَعالى: قَدْ رَحِمْتُكم. فَلَمّا قَرَأ: ﴿فانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾ قالَ اللَّهُ تَعالى: قَدْ نَصَرْتُكم. » ورَوى مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ الجُهَنِيِّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: " «اقْرَؤُوا هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِن خاتِمَةِ البَقَرَةِ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى أعْطانِيها مِن تَحْتِ العَرْشِ» ". ورَوى أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «السُّورَةُ الَّتِي (p-٣٦٦)تُذْكَرُ فِيها البَقَرَةُ فُسْطاطُ القُرْآنِ، فَتَعَلَّمُوها فَإنَّ تَعْلِيمَها بَرَكَةٌ وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا يَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ قِيلَ: ومَنِ البَطَلَةُ؟ قالَ: السَّحَرَةُ» ". (p-٣٦٧)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب