الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾، أيْ: إلّا قَدْرَ طاقَتِها، لا يُكَلِّفُها فَرْضًا مِن فُرُوضِهِ، مِن صَوْمٍ، أوْ صَلاةٍ، أوْ صَدَقَةٍ، أوْ غَيْرِ ذَلِكَ، إلّا بِمِقْدارِ طاقَتِها، ومَعْنى: ﴿لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ﴾، أيْ: لا يُؤاخِذُ أحَدًا بِذَنْبِ غَيْرِهِ، كَما قالَ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [فاطر: ١٨] (p-٣٧٠)وَمَعْنى: ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا﴾، قِيلَ فِيهِ قَوْلانِ: قالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ عَلى ما جاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ”عُفِيَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَنْ نِسْيانِها، وما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها“، وقِيلَ: ”﴿إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا﴾“، أيْ: إنْ تَرَكْنا، و”أوْ أخْطَأْنا“، أيْ: كَسَبْنا خَطِيئَةً، واللَّهُ أعْلَمُ، إلّا أنَّ هَذا الدُّعاءَ أخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، والمُؤْمِنِينَ، وجَعَلَهُ في كِتابِهِ لِيَكُونَ دُعاءَ مَن يَأْتِي بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ، والصَّحابَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «أنَّ اللَّهَ - جَلَّ وعَزَّ - قالَ في كُلِّ فَصْلٍ مِن هَذا الدُّعاءِ: (فَعَلْتُ.. فَعَلْتُ)،» أيْ: اِسْتَجَبْتُ، فَهو مِنَ الدُّعاءِ الَّذِي يَنْبَغِي أنْ يُحْفَظَ، وأنْ يُدْعى بِهِ كَثِيرًا. وَقَوْلُهُ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرًا كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا﴾، كُلُّ عَقْدٍ مِن قَرابَةٍ، أوْ عَهْدٍ، فَهو إصْرٌ، العَرَبُ تَقُولُ: ”ما تَأْصِرُنِي عَلى فُلانٍ آصِرَةٌ“، أيْ: ما تَعْطِفُنِي عَلَيْهِ قَرابَةٌ، ولا مِنَّةٌ، قالَ الحُطَيْئَةُ: ؎عَطَفُوا عَلَيَّ بِغَيْرِ آ ∗∗∗ صِرَةٍ فَقَدْ عَظُمَ الأواصِرُ أيْ: عَطَفُوا عَلَيَّ بِغَيْرِ عَهْدِ قَرابَةٍ، و”اَلْمَأْصَرُ“، مِن هَذا مَأْخُوذٌ، إنَّما هو عَقْدٌ لِيُحْبَسَ بِهِ، ويُقالُ لِلشَّيْءِ الَّذِي تُعْقَدُ بِهِ الأشْياءُ: ”اَلْإصارُ“، فالمَعْنى: لا تَحْمِلْ عَلَيْنا أمْرًا يَثْقُلُ كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا، نَحْوَ ما (p-٣٧١)أُمِرَ بِهِ بَنُو إسْرائِيلَ مِن قَتْلِ أنْفُسِهِمْ، أيْ: لا تَمْتَحِنّا بِما يَثْقُلُ أيْضًا، نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِن فِضَّةٍ﴾ [الزخرف: ٣٣]، والمَعْنى: لا تَمْتَحِنّا بِمِحْنَةٍ تَثْقُلُ. وَمَعْنى: ﴿وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾ أيْ: ما يَثْقُلُ عَلَيْنا. فَإنْ قالَ قائِلٌ: فَهَلْ يَجُوزُ أنْ يُحَمِّلَ اللَّهُ أحَدًا ما لا يُطِيقُ؟ قِيلَ لَهُ: إنْ أرَدْتَ ما لَيْسَ في قُدْرَتِهِ البَتَّةَ فَهَذا مُحالٌ، وإنْ أرَدْتَ ما يَثْقُلُ ويَخِفُّ، فَلِلَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - أنْ يَفْعَلَ مِن ذَلِكَ ما أحَبَّ، لِأنَّ الَّذِي كَلَّفَهُ بَنِي إسْرائِيلَ مِن قَتْلِ أنْفُسِهِمْ يَثْقُلُ، وهَذا كَقَوْلِ القائِلِ: ”ما أُطِيقُ كَلامَ فُلانٍ“، فَلَيْسَ المَعْنى: لَيْسَ في قُدْرَتِي أنْ أُكَلِّمَهُ، ولَكِنْ مَعْناهُ في اللُّغَةِ أنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيَّ. وَمَعْنى: ﴿فانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾، أيْ: اُنْصُرْنا عَلَيْهِمْ في إقامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وفي غَلَبِنا إيّاهم في حَرْبِهِمْ، وسائِرِ أمْرِهِمْ، حَتّى تُظْهِرَ دِينَنا عَلى الدِّينِ كُلِّهِ، كَما وعَدْتَنا. (p-٣٧٢)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب