الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أو أخْطَأْنا رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرًا كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ واعْفُ عَنّا واغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلّا وُسْعَها﴾ خَبَرُ جَزْمٍ نَصَّ عَلى أنَّهُ لا يُكَلِّفُ العِبادَ (p-١٣٩)مِن وقْتِ نُزُولِ الآيَةِ عِبادَةً مِن أعْمالِ القُلُوبِ والجَوارِحِ إلّا وهي في وُسْعِ المُكَلَّفِ، ومُقْتَضى إدْراكِهِ وبِنْيَتِهِ، وبِهَذا انْكَشَفَتِ الكُرْبَةُ عَنِ المُسْلِمِينَ في تَأوُّلِهِمْ أمْرَ الخَواطِرِ، وتَأوَّلَ مَن يُنْكِرُ جَوازَ تَكْلِيفِ ما لا يُطاقُ هَذِهِ الآيَةَ بِمَعْنى أنَّهُ لا يُكَلِّفُ ولا كَلَّفَ، ولَيْسَ ذَلِكَ بِنَصٍّ في الآيَةِ، ولا أيْضًا يَدْفَعُهُ اللَفْظُ، ولِذَلِكَ ساغَ الخِلافُ. وهَذا المَعْنى الَّذِي ذَكَرْناهُ في هَذِهِ الآيَةِ يَجْرِي مَعَ مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما جَعَلَ عَلَيْكم في الدِينِ مِن حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاتَّقُوا اللهَ ما اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]. واخْتَلَفَ الناسُ في جَوازِ تَكْلِيفِ ما لا يُطاقُ في الأحْكامِ الَّتِي هي في الدُنْيا بَعْدَ اتِّفاقِهِمْ عَلى أنَّهُ لَيْسَ واقِعًا الآنَ في الشَرْعِ، وأنَّ هَذِهِ الآيَةَ آذَنَتْ بِعَدَمِهِ، فَقالَ أبُو الحَسَنِ الأشْعَرِيُّ، وجَماعَةٌ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ: تَكْلِيفُ ما لا يُطاقُ جائِزٌ عَقْلًا، ولا يُحَرِّمُ ذَلِكَ شَيْئًا مِن عَقائِدِ الشَرْعِ، ويَكُونُ ذَلِكَ أمارَةً عَلى تَعْذِيبِ المُكَلَّفِ، وقَطْعًا بِهِ، ويُنْظَرُ إلى هَذا تَكْلِيفَ المُصَوِّرِ أنْ يَعْقِدَ شُعَيْرَةً حَسَبَ الحَدِيثِ. واخْتَلَفَ القائِلُونَ بِجَوازِهِ، هَلْ وقَعَ في رِسالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ أمْ لا؟ فَقالَتْ فِرْقَةٌ: (p-١٤٠)وَقَعَ في نازِلَةِ أبِي لَهَبٍ، لِأنَّهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِتَبِّ اليَدَيْنِ، وصَلْيِ النارِ، وذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِأنَّهُ لا يُؤْمِنُ، وتَكْلِيفُ الشَرْعِ لَهُ الإيمانَ راتِبٌ، فَكَأنَّهُ كُلِّفَ أنْ يُؤْمِنَ، وأنْ يَكُونَ في إيمانِهِ أنَّهُ لا يُؤْمِنُ لِأنَّهُ إذا آمَنَ فَلا مَحالَةَ أنَّهُ يُؤْمِنُ بِسُورَةِ: ﴿تَبَّتْ يَدا أبِي لَهَبٍ﴾ [المسد: ١]. وقالَتْ فِرْقَةٌ: لَمْ يَقَعْ قَطُّ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَيَصْلى نارًا﴾ [المسد: ٣] إنَّما مَعْناهُ إنْ وافى عَلى كُفْرِهِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وما لا يُطاقُ يَنْقَسِمُ أقْسامًا، فَمِنهُ المُحالُ عَقْلًا كالجَمْعِ بَيْنَ الضِدَّيْنِ، ومِنهُ المُحالُ عادَةً كَرَفْعِ الإنْسانِ جَبَلًا، ومِنهُ ما لا يُطاقُ مِن حَيْثُ هو مُهْلِكٌ كالِاحْتِراقِ بِالنارِ ونَحْوِهِ. ومِنهُ ما لا يُطاقُ لِلِاشْتِغالِ بِغَيْرِهِ، وهَذا إنَّما يُقالُ فِيهِ: ما لا يُطاقُ عَلى تَجَوُّزٍ كَثِيرٍ. (p-١٤١)وَ"يُكَلِّفُ" يَتَعَدّى إلى مَفْعُولَيْنِ، أحَدُهُما مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: عِبادَةً أو شَيْئًا. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "إلّا وسِعَها" بِفَتْحِ الواوِ وكَسْرِ السِينِ، وهَذا فِيهِ تَجَوُّزٌ، لِأنَّهُ مَقْلُوبٌ، وكانَ وجْهُ اللَفْظِ "إلّا وسِعَتْهُ"، كَما قالَ: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَماواتِ والأرْضَ﴾ [البقرة: ٢٥٥] وكَما قالَ: ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [طه: ٩٨] ولَكِنْ يَجِيءُ هَذا مِن بابِ أدْخَلْتُ القَلَنْسُوَةَ في رَأْسِي، وفَمِي في الحَجَرِ. (p-١٤٢)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَها ما كَسَبَتْ﴾ يُرِيدُ مِنَ الحَسَناتِ، ﴿وَعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ﴾ يُرِيدُ مِنَ السَيِّئاتِ، قالَهُ السُدِّيُّ، وجَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ. لا خِلافَ في ذَلِكَ، والخَواطِرُ ونَحْوُها لَيْسَ مِن كَسْبِ الإنْسانِ، وجاءَتِ العِبارَةُ في الحَسَناتِ بِـ"لَها" مِن حَيْثُ هي مِمّا يَفْرَحُ الإنْسانُ بِكَسْبِهِ ويُسَرُّ بِهِ، فَتُضافُ إلى مِلْكِهِ، وجاءَتْ في السَيِّئاتِ بِـ"عَلَيْها" مِن حَيْثُ هي أوزارٌ وأثْقالٌ ومُتَحَمَّلاتٌ صَعْبَةٌ، وهَذا كَما تَقُولُ: لِي مالٌ، وعَلَيَّ دَيْنٌ، وكَما قالَ المُتَصَدِّقُ بِاللُقَطَةِ: اللهُمَّ عن فُلانٍ فَإنْ أبى فَلِي وعَلَيَّ، وكَرَّرَ فِعْلَ الكَسْبِ فَخالَفَ بَيْنَ التَصْرِيفِ حَسَنًا لِنَمَطِ الكَلامِ كَما قالَ: ﴿فَمَهِّلِ الكافِرِينَ أمْهِلْهم رُوَيْدًا﴾ [الطارق: ١٧] هَذا وجْهٌ، والَّذِي يَظْهَرُ لِي في هَذا أنَّ الحَسَناتِ هي ما يُكْسَبُ دُونَ تَكَلُّفٍ، إذْ كاسِبُها عَلى جادَّةِ أمْرِ اللهِ ورَسْمِ شَرْعِهِ، والسَيِّئاتُ تُكْتَسَبُ بِبِناءِ المُبالَغَةِ، إذْ كاسِبُها يَتَكَلَّفُ في أمْرِها خَرْقَ حِجابِ نَهْيِ اللهِ تَعالى، ويَتَخَطّاهُ إلَيْها، فَيَحْسُنُ في الآيَةِ مَجِيءُ التَصْرِيفَيْنِ إحْرازًا لِهَذا المَعْنى. وقالَ المَهْدَوِيُّ، وغَيْرُهُ: وقِيلَ: مَعْنى الآيَةِ: لا يُؤْخَذُ أحَدٌ بِذَنْبِ أحَدٍ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا صَحِيحٌ في نَفْسِهِ، لَكِنْ مِن غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا﴾ مَعْناهُ: قُولُوا في دُعائِكم. واخْتَلَفَ الناسُ في مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿نَسِينا أو أخْطَأْنا﴾ - فَذَهَبَ الطَبَرِيُّ، وغَيْرُهُ إلى أنَّهُ النِسْيانُ بِمَعْنى التَرْكِ، أيْ إنْ تَرَكْنا شَيْئًا مِن طاعَتِكَ، وأنَّهُ الخَطَأُ المَقْصُودُ - قالُوا: (p-١٤٣)وَأمّا النِسْيانُ الَّذِي يَغْلِبُ المَرْءَ، والخَطَأُ الَّذِي هو عَنِ اجْتِهادٍ فَهو مَوْضُوعٌ عَنِ المَرْءِ، فَلَيْسَ بِمَأْمُورٍ في الدُعاءِ في ألّا يُؤاخَذَ بِهِ، وذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ إلى أنَّ الدُعاءَ في هَذِهِ الآيَةِ إنَّما هو في النِسْيانِ الغالِبِ، والخَطَإ غَيْرِ المَقْصُودِ، وهَذا هو الصَحِيحُ عِنْدِي. قالَ قَتادَةُ في - تَفْسِيرِ الآيَةِ: - بَلَغَنِي أنَّ النَبِيَّ ﷺ قالَ: « "إنَّ اللهَ تَجاوَزَ لِأُمَّتِي عن نِسْيانِها وخَطَئِها"،» وقالَ السُدِّيُّ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فَقالُوها، قالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: "قَدْ فَعَلَ اللهُ ذَلِكَ يا مُحَمَّدُ".» فَظاهِرُ قَوْلَيْهِما ما صَحَّحْتُهُ، وذَلِكَ أنَّ المُؤْمِنِينَ لَمّا كُشِفَ عنهم ما خافُوهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُحاسِبْكم بِهِ اللهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] أُمِرُوا بِالدُعاءِ في دَفْعِ ذَلِكَ النَوْعِ الَّذِي لَيْسَ مِن طاقَةِ الإنْسانِ دَفْعُهُ، وذَلِكَ في النِسْيانِ والخَطَإ. والإصْرُ: الثِقَلُ، وما لا يُطاقُ عَلى أتَمِّ أنْواعِهِ. وهَذِهِ الآيَةُ - عَلى هَذا القَوْلِ - تَقْضِي بِجَوازِ تَكْلِيفِ ما لا يُطاقُ، ولِذَلِكَ أُمِرَ المُؤْمِنُونَ بِالدُعاءِ في أنْ لا يَقَعَ هَذا الجائِزُ الصَعْبُ. ومَذْهَبُ الطَبَرِيِّ والزَجّاجِ أنَّ تَكْلِيفَ ما لا يُطاقُ غَيْرُ جائِزٍ، فالنِسْيانُ عِنْدَهُمُ: المَتْرُوكُ مِنَ الطاعاتِ، والخَطَأُ هو المَقْصُودُ مِنَ العِصْيانِ. والإصْرُ: هو العِباداتُ الثَقِيلَةُ كَتَكالِيفِ بَنِي إسْرائِيلَ مِن قَتْلِ أنْفُسِهِمْ، وقَرْضِ أبْدانِهِمْ، ومُعاقَباتِهِمْ عَلى مَعاصِيهِمْ في أبْدانِهِمْ حَسْبَما كانَ يُكْتَبُ عَلى أبْوابِهِمْ، وتَحْمِيلِهِمُ العُهُودَ الصَعْبَةَ. وما لا طاقَةَ لِلْمَرْءِ بِهِ: هو عِنْدَهم عَلى تَجَوُّزٍ، كَما تَقُولُ لا طاقَةَ لِي عَلى خُصُومَةِ فُلانٍ، ولِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأمْرِ تَسْتَصْعِبُهُ وإنْ كُنْتَ في الحَقِيقَةِ تُطِيقُهُ، أو يَكُونُ ذَلِكَ ما لا طاقَةَ لَنا (p-١٤٤)بِهِ مِن حَيْثُ هو مُهْلِكٌ لَنا كَعَذابِ جَهَنَّمَ وغَيْرِهِ. وأمّا لَفْظَةُ "أخْطَأ" فَقَدْ تَجِيءُ في القَصْدِ ومَعَ الِاجْتِهادِ. قالَ قَتادَةُ: الإصْرُ: العَهْدُ والمِيثاقُ الغَلِيظُ، وقالَهُ مُجاهِدٌ وابْنُ عَبّاسٍ، والسُدِّيُّ، وابْنُ جُرَيْجٍ، والرَبِيعُ، وابْنُ زَيْدٍ. وقالَ عَطاءٌ: الإصْرُ: المَسْخُ قِرَدَةً وخَنازِيرَ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ أيْضًا: الإصْرُ: الذَنْبُ لا كَفّارَةَ فِيهِ ولا تَوْبَةَ مِنهُ. وقالَ مالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: الإصْرُ: الأمْرُ الغَلِيظُ الصَعْبُ، والآصِرَةُ - في اللُغَةِ -: الأمْرُ الرابِطُ مِن ذِمامٍ أو قَرابَةٍ أو عَهْدٍ ونَحْوِهِ، فَهَذِهِ العِباراتُ كُلُّها تَنْحُو نَحْوَهُ، والإصارُ: الحَبْلُ الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ الأحْمالُ ونَحْوُها، والقِدُّ يَضُمُّ عَضُدَيِ الرَجُلِ، يُقالُ: أصَرَ يَأْصِرُ أصْرًا،والإصْرُ، بِكَسْرِ الهَمْزَةِ: مِن ذَلِكَ، وفي هَذا نَظَرٌ. ورُوِيَ عن عاصِمٍ أنَّهُ قَرَأ: أُصْرًا بِضَمِّ الهَمْزَةِ. ولا خِلافَ أنَّ "الَّذِينَ مِن قَبْلِنا" يُرادُ بِهِ اليَهُودُ. قالَ الضَحّاكُ: والنَصارى. وأمّا عِباراتُ المُفَسِّرِينَ في قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾ فَقالَ قَتادَةُ: لا تُشَدِّدْ عَلَيْنا كَما شَدَدْتَ عَلى مَن كانَ قَبْلَنا. وقالَ الضَحّاكُ: لا تُحَمِّلْنا مِنَ الأعْمالِ ما لا نُطِيقُ. وقالَ نَحْوَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لا تَمْسَخْنا قِرَدَةً وخَنازِيرَ. وقالَ سَلامُ بْنُ سابُورَ: الَّذِي لا طاقَةَ لَنا بِهِ الغُلْمَةُ، وحَكاهُ النَقّاشُ عن مُجاهِدٍ (p-١٤٥)وَعَطاءٍ ومَكْحُولٍ. ورُوِيَ أنَّ أبا الدَرْداءِ كانَ يَقُولُ في دُعائِهِ: وأعُوذُ بِكَ مِن غُلْمَةٍ لَيْسَ لَها عِدَّةٌ. وقالَ السُدِّيُّ: هو التَغْلِيظُ والأغْلالُ الَّتِي كانَتْ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ مِنَ التَحْرِيمِ. ثُمَّ قالَ تَعالى فِيما أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: "واعْفُ عَنّا" أيْ: فِيما واقَعْناهُ وانْكَشَفَ، "واغْفِرْ لَنا"، أيِ: اسْتُرْ عَلَيْنا ما عَلِمْتَ مِنّا، "وارْحَمْنا"، أيْ: تَفَضَّلْ مُبْتَدِئًا بِرَحْمَةٍ مِنكَ لَنا. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَهِيَ مَناحٍ لِلدُّعاءِ مُتَبايِنَةٌ، وإنْ كانَ الغَرَضُ المُرادُ بِكُلِّ واحِدٍ مِنها واحِدًا وهو دُخُولُ الجَنَّةِ. و"أنْتَ مَوْلانا" مَدْحٌ في ضِمْنِهِ تَقَرُّبٌ إلَيْهِ، وشُكْرٌ عَلى نِعَمِهِ، ومَوْلى: هو مِن ولِيَ فَهو مَفْعِلٌ أيْ: مَوْضِعُ الوِلايَةِ، ثُمَّ خُتِمَتِ الدَعْوَةُ بِطَلَبِ النَصْرِ عَلى الكافِرِينَ الَّذِي هو مِلاكُ قِيامِ الشَرْعِ، وعُلُوِّ الكَلِمَةِ، ووُجُودِ السَبِيلِ إلى أنْواعِ الطاعاتِ. ورُوِيَ «أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَلامُ أتى مُحَمَّدًا ﷺ فَقالَ: قُلْ: ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أو أخْطَأْنا﴾، فَقالَها فَقالَ جِبْرِيلُ: قَدْ فَعَلَ، فَقالَ: قُلْ كَذا وكَذا، فَيَقُولُها، فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: قَدْ فَعَلَ إلى آخِرِ السُورَةِ،» وتَظاهَرَتْ بِهَذا المَعْنى أحادِيثُ. ورُوِيَ عن مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ أنَّهُ كانَ إذا فَرَغَ مِن قِراءَةِ هَذِهِ السُورَةِ قالَ: آمِينَ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: هَذا يَظُنُّ بِهِ أنَّهُ رَواهُ عَنِ النَبِيِّ ﷺ، فَإنْ كانَ ذَلِكَ فَكَمالٌ، وإنْ كانَ بِقِياسٍ عَلى سُورَةِ الحَمْدِ مِن حَيْثُ هُناكَ دُعاءٌ، وهُنا دُعاءٌ فَحَسَنٌ. ورَوى أبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ النَبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "مَن قَرَأ الآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ"،» يَعْنِي مِن قِيامِ اللَيْلِ، وقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ (p-١٤٦)عنهُ: "ما أظُنُّ أحَدًا عَقَلَ وأدْرَكَ الإسْلامَ يَنامُ حَتّى يَقْرَأهُما". ورُوِيَ أنَّ النَبِيَّ ﷺ قالَ: « "أُوتِيتُ هَؤُلاءِ الآياتِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مِن كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ، لَمْ يُؤْتَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي".» كَمُلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، وصَلّى اللهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَبِيِّينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب