الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ إلى آخره.
فسرنا قوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ وفسرنا: ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ إلى آخره، كذا ولَّا لا؟
قال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ يعني آمن بما أنزل إليه من الوحي في كتاب الله وفيما يُوحي إليه من سنة رسوله ﷺ.
وفي قوله: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ ربوبية خاصة؛ لأنها أُضيفت إلى الرسول ﷺ، والربوبية المضافة إلى الرسل هي أخص أنواع الربوبية، ويليها الربوبية المضافة إلى المؤمنين، ثم أعمها الربوبية المضافة إلى جميع الناس، مثل: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة ٢]، هذه الربوبية الخاصة لا شك أنها تقتضي تربية خاصة لا يماثلها تربية أحد من المربوبين.
وقوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ بالرفع عطفًا على قوله: ﴿الرَّسُولُ﴾ يعني: والمؤمنون كذلك آمنوا بما أنزل على النبي ﷺ من الله، فيؤمنون بالرسول، ويؤمنون بالمرسِل، ويؤمنون بالمرسَل به، ثلاثة أشياء: المرسِل وهو الله، المرسَل وهو الرسول ﷺ، المرسَل به، وهو الوحي؛ الكتاب والسنة.
وقوله: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، إذا قال قائل: كيف قال: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ فوصفهم بالإيمان مع أنهم مؤمنون؟ فنقول: هذا من باب التحقيق، يعني أن المؤمنين حققوا الإيمان، وليس إيمانهم إيمانًا ظاهرًا فقط كما يكون من المنافق الذي يُظهر الإيمان، ولكنه مبطن للكفر.
﴿كُلٌّ﴾ يعني من الرسول والمؤمنين ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ إلى آخره ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ (آمن) مرت علينا كثيرًا بأن المراد بها الإقرار المتضمن للقبول والإذعان، وليس مجرد الإيمان بوجود الله فقط، هذا ليس بإيمان حتى يستلزم قبول ما جاء به أو قبول ما أخبر به وما أمر به مع الإذعان والتسليم.
وقوله: ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور؛ الأمر الأول: الإيمان بوجوده، والثاني: الإيمان بربوبيته، والثالث: الإيمان بألوهيته، والرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته، لا بد أن يكون الإيمان متضمنًا لهذه الأشياء الأربعة، الإيمان بوجود الله احترازًا من الذين أنكروا وجود الله، وقالوا: إن هذا الكون ما هو إلا أشياء تتفاعل ويأتي بعضها ببعض أرحام تدفع، وأراضٍ تبلع، وليس هناك شيء والعياذ بالله، لا بد أن نؤمن بوجود الله عز وجل، ولا بد أن نؤمن بربوبيته، وهنا عندما نقول: نؤمن بربوبيته؛ يعني بانفراده بالربوبية، وأنه الرب المطلق، وربوبية ما سواه مقيدة ليست شاملة ولا عامة ولا كاملة بل هي ناقصة مقيدة أيضًا، ناقصة من حيث حدودها وناقصة من حيث سلطانها، أما ربوبية الله عز وجل فإنها كاملة واسعة، لا معقب لحكمه وهو السميع العليم.
الثالث: الإيمان بألوهيته؛ الألوهية الحق، ولا ألوهية لغيره، وكل ما ادُّعيت فيه الألوهية فإنه باطل كما قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج ٦٢].
الرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته؛ بأن له أسماء وصفات انفرد بها، لا يماثله أحد فيها، فنثبت الأسماء والصفات وننفي المشاركة أو المماثلة؛ لأن هذا هو حقيقة التوحيد.
إذن من لم يؤمن بوجود الله فليس بمؤمن، من آمن بوجوده دون ربوبيته بأن قال: إن له مشاركًا أو معينًا في خلق السماوات والأرض، أو أن هناك إلهًا آخر منفردًا بما خلق، فنقول: إن هذا لم يؤمن بالله، ومن آمن بوجود الله وربوبيته، وأنه منفرد بالربوبية الكاملة، لكن أنكر ألوهيته بأن قال كما قال الكفار: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص ٥] فإنه لم يؤمن بالله، من آمن بوجود الله وربوبيته وألوهيته، لكن لم يؤمن بأسمائه وصفاته فإنه لم يؤمن بالله، قد يكون إيمانه معدومًا وقد يكون ناقصًا حسب ما قام عنده من الإيمان والتصديق أو الإنكار والتكذيب.
إذن الذين يؤمنون ببعض الأسماء دون بعض، نقول: لم يحققوا الإيمان بالله، والذين يؤمنون بالأسماء دون الصفات لم يحققوا الإيمان بالله، والذين يؤمنون ببعض الصفات ويكفرون ببعض لم يحققوا الإيمان بالله، ثم إن كان إنكارهم لما أنكروه من ذلك تكذيبًا وجحودًا فهم أيش؟
* الطلبة: كفار.
* الشيخ: كفرة، وإن كان تأويلًا فليسوا بكفار، ولكن ينظر في تأويلهم هل له مساغ أو يكون تأويلًا يُنزل منزلة الإنكار فيُحكم لهم بما يقتضيه حالهم.
لو قال قائل: كيف نقيم الأدلة على وجود الله عز وجل؟ قلنا: نقيمها من عدة أوجه؛ بالحس، والعقل، والشرع والفطرة، أما العقل فلأننا نقول: هذه الموجودات الكائنات التي تتغير صباحًا ومساءً بعدم، ووجود، وتغير حال، من الذي يغيرها؟ ننظر من؟ يغيرها فلان أو فلان أو فلان؟! أبدًا، لا يستطيعون أن يغيروا بل هم مغيَّرون، إذن لا بد لهذه الكائنات من مكون محدِث مغير، ولا نجد إلا الله عز وجل، لا نجد إلا الله، ولهذا أشار الله إلى ذلك بقوله: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور ٣٥]. نجد السماوات والأرض، من خلق هذه الأرض؟ هل هم عمال خلقوها وأوجدوا فيها الرمال والجبال والأودية والأنهار والبحار؟
الجواب: لا، لو اجتمعت الدنيا كلها بعمالها ما استطاعوا ذلك؛ إذن لا بد لها من خالق، السماوات كذلك وأعظم لا أحد يستطيع خلقها إلا الله عز وجل، ولهذا قال: ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الطور ٣٦]. والجواب: لا، ﴿بَلْ لَا يُوقِنُونَ﴾. هذا دليل عقلي على وجود الله ولا أحد ينكره.
لو قال لك قائل: هذه اللمبة ما صنعها أحد، وأيش تقول؟ تقول: عجلوا بهذا الرجل إلى المارستان؛ لأنه مجنون، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: ولو قال: هذا المسجل ما صنعه أحد، قلنا: كذلك، ولهذا يذكر أن طائفة من السمنية من ملاحدة من الهنود جاؤوا إلى أبي حنيفة في بغداد قالوا له: يعني كيف نثبت وجود خالق؟ فأطرق وسكت وقالوا: أجب؟ ظنوه قد انقطع وعجز، قال: أنا أفكر في سفينة أرست في ماء الفرات أو دجلة بدون أن يكون لها ملاح، ونزلت الحمل بدون عمال، وانصرفت بدون قائد، شوفوا هل هذا ممكن ولَّا غير ممكن؟
* الطلبة: غير ممكن.
* الشيخ: هو يقول لهم كذا، فشوفوا ممكن هذا ولَّا ما هو ممكن؟ قالوا: ما يكون هذا، تصور هذا جنون، معقول أن السفينة تيجي محملة وتنزل حملها وتروح بدون الملاح وبدون عمال؟! قال: والله إذا كان أنكم تدعون أن السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم وُجدت بلا مُوجد وتسير بلا مسيِّر فإن هذه السفينة أهون، ﴿فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾ [الأعراف ١١٩]، إذن هذا دليل عقلي.
الدليل الحسي على وجود الله أيضًا واقع، من أكبر شواهده إجابة الدعوة، إذا دعا الإنسان ربه أجابه، والقرآن مملوء بهذا، قال الله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ [القمر ٩ - ١١] لما قال: يا رب إن قومي كذبون ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح ٢٦] أجابه الرب وأرسل عليهم الطوفان، ففتح أبواب السماء بماء منهمر ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا﴾ [القمر ١٢] فغرقوا عن آخرهم إلا من آمن، هذا يدل على عدم وجود الرب ولَّا على وجوده؟
* الطلبة: على وجوده.
* الشيخ: على وجوده، وما زال هذا أمرًا محسوسًا مشهودًا ملموسًا، حتى الإنسان يدعو ربه بأمر، ثم يراه بعينه رأي العين قد حصل، إذن دل على وجود الله عز وجل أيش؟ الحس والواقع.
أما الفطرة فإن كل إنسان لم تجتله الشياطين ولم تغيره البيئة يعترف اعترافًا ضروريًّا بأن له خالقًا انفرد بخلقه بدون أن يسأل أحدًا، لكن قد تفسده البيئة وتجتاله الشياطين فينكر هذا، بقينا بإيه؟
* الطلبة: الشرع.
* الشيخ: الرابع: الشرع والكتاب السنة والكتب السابقة كلها مملوءة بإثبات وجود الله عز وجل، ولهذا لا يمكن أن تقوم قدم ملحد على إنكار الرب إلا على سبيل المكابرة، والإنسان المكابر مشكلة ما فيه علاج، اللي يكابر فيقول: ليست هذه الشمس الشمس يمكن تعالجه وتقنعه؟ لا يمكن، وأما الإيمان بالربوبية والإيمان بالإلوهية والإيمان بالأسماء والصفات فأمرها واضح، إن الله رب كل شيء ومليكه ومدبره ومتصرف فيه.
ثم قال الله عز وجل: ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ﴾ يعني: وآمن بملائكته، الرسول والمؤمنون كلهم آمنوا بملائكة الله، والملائكة قال النحويون: إنها جمع (مَلْأَك) الذي أصله (مَأْلَك)؛ لأنه من (الأَلُوكَة)، وهي الرسالة، وقالوا: إن فيه تقديمًا وتأخيرًا في حروفه، إعلالًا بالتقديم والتأخير. الملائكة رسل كما قال تعالى: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ [فاطر ١] وهم ذوات أو أرواح ومعاني؟
* الطلبة: ذوات.
* الشيخ: ذوات، يُشاهَدون لهم أجنحة، ثبت في الصحيح «أن النبي ﷺ رأى جبريل على صورته التي خُلق عليها له ست مئة جناح قد سَدَّ الأُفُق »[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٣٢) ومسلم (١٧٤ / ٢٨٠) من حديث ابن مسعود بنحوه.]]، ست مئة جناح قد سد الأفق، كيف يكون سرعة هذا الملك؟ سرعته عظيمة كلمح البصر؛ لأن ست مئة جناح كلها تطير بقوة هائلة معناها أنه يعني أسرع من لمح البصر، ولهذا جعله الله تعالى هو السفير بينه وبين الرسل يرسله بالوحي.
الملائكة خُلقوا من نور، كما ثبت ذلك في الصحيح[[أخرجه مسلم (٢٩٩٦ / ٦٠) من حديث عائشة.]]، الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، لأنهم صمد ليس لهم أجواف، حتى يحتاجون إلى الأكل والشرب، وإنما ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء ٢٠] يعني لا يسأمون ولا يملون ولا يتعبون؛ لأنه ليس هناك شيء يُذهب طاقتهم وينقصها، ولهذا لا يحتاجون للأكل والشرب.
الملائكة أقسام في وظائفهم منهم الموكَّل بالوحي؛ وهو جبريل، والموكل بالقطر والنبات؛ وهو ميكائيل، والموكل بنفخ الصور وبحمل العرش؛ وهو إسرافيل، والموكل بالجنة؛ وهو رضوان، وبالنار؛ وهو مالِك، وبالموت؛ وهو ملك الموت، وأما ما جاء من تسميته بـ (عزرائيل) فهذا لا يصح، لكن هو ملك الموت كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [السجدة ١١].
ومنهم من يعبدون الله تعالى ليلًا ونهارًا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا مِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ لِلَّهِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ»[[أخرجه الترمذي (٢٣١٢) وابن ماجة (٤١٩٠) من حديث أبي ذر. ]] وهذا يدل على كثرتهم، ومنهم الموكلون ببني آدم بحفظ أعمالهم يكتبونها ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق ١٧]، ومنهم الموكلون ببني آدم بحفظهم ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد ١١]. وكل ما جاء في الكتاب والسنة من هذه الأعمال والأوصاف بالنسبة للملائكة فإنه يجب علينا الإيمان به وقبوله متى صح في كتاب الله أو سنة رسوله ﷺ.
وقوله: ﴿آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ﴾ وفي قراءة: ﴿وَكَتَابِهِ﴾ فأما على قراءة (كُتُب) فلا إشكال؛ لأن الكتب كثيرة، وأما على قراءة الإفراد ﴿وَكَتَابِهِ﴾ فهو مفرد مضاف فيفيد العموم.
والكتب المنزلة على الأنبياء الذي يظهر من نصوص الكتاب والسنة أنها بعدد الأنبياء كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد ٢٥] ﴿أَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾.
وقال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة ٢١٣]. ولكن مع ذلك نحن لا نعرف على التعيين إلا عددًا قليلًا منها: القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وصحف موسى إن كانت غير التوراة، وإن كانت هي التوراة فالأمر ظاهر، نعرف هذه ونؤمن بها بأعيانها والباقي نؤمن به على سبيل الإجمال.
ولكن كيف الإيمان بهذه الكتب؟ نقول: الإيمان بالقرآن إيمان بأنه من عند الله وأن الله تكلم به حقيقة بلفظه ومعناه، فهو كلام الله تعالى الحروف والمعاني، هذا واحد، نؤمن أيضًا بكل خبر أخبر الله به في القرآن.
ثالثًا: نقبل كل حكم حكمَ الله به في القرآن.
رابعًا ننفذ كل حكمٍ حكمَ الله به في القرآن.
هذه أربعة أشياء الأول نعيدها مرة ثانية: أن القرآن من عند الله نزل من الله، وأنه كلامه الحروف والمعاني.
ثانيًا: نصدق بكل خبر في الكتاب.
ثالثًا: نقبل كل حكم ما نرفضه.
رابعًا: ننفذ الأحكام؛ لأن هناك فرقًا بين القبول والتنفيذ، قد أنفذ ولا أقبل، وقد أقبل ولا أنفذ كيف؟ قد يقبل الإنسان أن الصلاة فريضة لكن ما ينفذها، وقد ينفذ الصلاة لكن لا يقبل أنها فرض يقول: هي تطوع، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها؛ ولهذا كانت الأحكام الشرعية لا بد فيها من أمرين: قبول الحكم وأيش بعد؟ وتنفيذ الحكم والقيام به، فلا يكفي أحدهما عن الآخر.
أما الكتب السابقة فيجب علينا أن نؤمن بأنها من عند الله؛ يعني أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى، ولكن لا يلزمنا أن نؤمن بالتوراة الموجودة بأيدي اليهود أنها هي التوراة التي أنزلها الله على موسى، لماذا؟ لأنها مُحرَّفة مكتومة ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا﴾ [الأنعام ٩١] وأيش بعد؟ ﴿وَتُخْفُونَ كَثِيرًا﴾ فيه أشياء أُخفيت أُزيلت، فيه أشياء حُرفت. إذن نؤمن بأن التوراة التي أنزلها الله على موسى حق، وأن كل خبر فيها فهو حق، وأن كل حكم فيها فهو حق، صح؟
* الطلبة: صح.
* الشيخ: وننفذ هذه الأحكام أو لا؟ لا، لا ننفذها إلا بدليل من شرعنا. وشرعنا اختلف علماؤنا هل شرع من قبلنا شرع لنا أو ليس بشرع لنا؟ فقيل: ليس بشرع مطلقًا، وقيل: شرع لنا ما لم يأتِ شرعنا بخلافه، والمسألة معروفة في أصول الفقه، كذلك بالنسبة للإنجيل نؤمن بأن الله أنزل على عيسى ابن مريم كتابًا اسمه (الإنجيل)، وأن هذا الكتاب نزل من عند الله حقًّا، وأن كل خبر فيه فهو حق، وأن كل حكم فيه فهو حق، أما امتثاله وتنفيذه فعلى التفصيل الذي في التوراة، والإنجيل أيضًا متمم للتوراة، متمم لها ومكمل لها، وليس مستقلًّا كاستقلال التوراة، ولهذا يذكر الله تعالى التوراة في القرآن كثيرًا، ولا يذكر الإنجيل بالنسبة إلى التوراة إلا قليلًا، الزبور أيضًا نُؤمن بأن الله آتى داود زبورًا، وأنه من عند الله حق، وأن أخباره حق، وأن أحكامه حق، وأما امتثالها، فعلى ما سبق، وكذلك نقول في صحف إبراهيم هكذا الإيمان بالكتب.
إنزال الله تعالى الكتب على عباده لا شك أنها من رحمة الله بهم؛ لأنها هي الطريق التي يمشون عليها ويرفضون ما سواها، ومن عدل عنها إلى حكم سواها كان كافرًا.
وقوله: ﴿وَرُسُلِهِ﴾ جمع: رسول (فَعُول) بمعنى (مُفْعَل) لا بمعنى (فاعِل) فالرسول بمعنى مُرسَل أرسله من؟ أرسله الله تعالى إلى الخلق ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر ٢٤] كل أمة جاءها نذير، ولكن هل كل نذير جاء إلى الخلق نعلم به؟
لا، هل كل نذير جاء إلى الخلق قُص علينا؟ لا، ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر ٧٨] ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [الرعد ٣٨]، فنحن نؤمن بأن الله تعالى أرسل رسلًا، وأن هؤلاء الرسل كانوا رسلًا من عند الله حقًّا، وما نزل عليهم من الكتب فهو حق، وما جاؤوا به من الأحكام فهو حق، وأما الاتباع فنتبع من؟ نتبع محمدًا ﷺ، وأما جاء به أولئك الرسل فعلى الخلاف الذي أشرنا إليه من قبل، هل شرع من قبلنا شرع لنا أو ليس بشرع لنا؟ والصحيح أنه شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه.
قال: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ لا نفرق، هنا فيه التفات من أين إلى أين؟
* طالب: من الغيبة إلى التكلم.
* الشيخ: من الغيبة إلى التكلم نعم، والتكلم حضور؛ لأنه لم يقل: لا يُفرقون ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ﴾، ومقتضى السياق لو كان على نهج واحد لقال: لا يفرقون بين أحد من رسله، لكنه قال: ﴿لَا نُفَرِّقُ﴾ وفائدة الالتفات التي يشترك فيها جميع أنواع الالتفات هي التنبيه، فائدة الالتفات التنبيه؛ لأن الكلام إذا كان على نسق واحد، فإن الإنسان ينسجم معه وربما يغيب ذِكره، وأما إذا جاء الالتفات فكأنه يقرع الذهن يقول: انتبه؛ لأنه طبعًا الإنسان إذا سار ينساق في سياق واحد ماشي منسجم، يمكن يجيه النوم، لكن إذا جاء التفات فكأنه يدق فكره ليقول: انتبه. إذن هذا الالتفات من الغيبة إلى التكلم له فائدة غير ها التنبيه، له فائدة غير التنبيه، وهو أن يقول هؤلاء المؤمنون: لا نفرق؛ يعني كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله قائلين ومعتقدين: لا نفرق بين أحد من رسله. كل الرسل عندنا في صدق ما جاؤوا به من الرسالة على حد سواء، فمحمد رسول الله ﷺ صادِق فيما جاء به من الرسالة، وعيسى بن مريم صادق، وموسى صادق، وصالح صادق، ولوط صادق، وإبراهيم صادق، وهكذا، لا نفرق بينهم في هذا الأمر؛ أي: في صدق رسالتهم والإيمان بها، لكن نفرق بينهم فيما كُلفنا به فنعمل بشريعة محمد، وأما شريعة أولئك فعلى ما ذكرنا من الخلاف.
وهل نفي التفريق هنا نفي للتفضيل؛ يعني لا نفرق بين أحد منهم حتى في المفاضلة؟
الجواب: لا؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الإسراء ٥٥]، وقال تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة ٢٥٣]، ففي المفاضلة نفرق، ونُنزل كل إنسان منهم منزلته، لكن في مقام النبوة وصِدق ما جاؤوا به هم على حد سواء، نؤمن بهم جميعًا.
وقوله: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا﴾ هذا معطوف على قوله: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ يعني (وقالوا) أي: الرسول ومن آمن معه ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ﴾ (غفرانَ): مفعول سمعنا وأطعنا.
* طالب: سمعنا وأطعنا.
* الشيخ: (سمعنا) فعل وفاعل و(أطعنا) فعل وفاعل، و(غفرانَ) منصوب، أفلا يكون مفعولًا به لـ (سمعنا) و(أطعنا)؟
* الطلبة: لا (...).
* الشيخ: لا، لا، ولهذا يحسن أن تقف فتقول: ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ ثم تستأنف فتقول: ﴿غُفْرَانَكَ﴾؛ لأن (غفرانَ) مفعول لفعل محذوف تقديره: نسألك غفرانَك.
قوله: ﴿وَقَالُوا﴾ أي: الرسول والمؤمنون ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ يعني: سمعنا ما أمرتنا به وأطعناه، سمعنا ما نهيتنا عنه وأطعناك؛ فالأول: الأمر نمتثل، والثاني: أيش؟ نجتنبه.
واعلم أن الناس في مقام الوحي وتلقيه ينقسمون إلى أقسام: منهم من لا يسمع فيعرض إعراضًا كليًّا ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [النور ٤٨] لا يسمع إطلاقًا، ومنهم من يسمع ولا يطيع، ومنهم من يسمع ويطيع، هل يمكن أن تأتي القسمة الرابعة من يطيع ولا يسمع؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ما يمكن؛ لأنه لن يطيع إلا ما سمع، فالناس إذن بالنسبة لتلقي الوحي ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم مُعرض لا يسمع، ولا يطيع، ولا يلتفت، بل هو مستكبر، وقسم معاند، يسمع ولكن لا يطيع، فعنده علم بما أنزل الله وبحدود الله، ولكنه لا يطيع؛ يقولون: سمعنا وعصينا نسأل الله العافية، قسم ثالث: يسمع ويطيع، وهؤلاء هم المؤمنون، هم المؤمنون الذين يقولون: سمعنا وأطعنا، ولكن مع ذلك هل يحاولون التسهيل بعد الانقياد والطاعة؟
الجواب: نعم، يحاولون التسهيل إذا أمكن، ولهذا لما أمر النبي ﷺ بكسر أواني اللحم الذي طُبخ من الحُمُر لما أمر بكسر هذه الأواني التي طُبخت فيها الحمر قالوا: أو نغسلها؟ فقال: «أَوْ ذَاكَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤١٩٦) ومسلم (١٢٣) من حديث سلمة بن الأكوع.]] ما عاندوا، لكن طلبوا التخفيف، فطلب التخفيف لا ينافي الانقياد، أما لو قالوا: لا نفعل فهذا -لا شك- أنه معصية، لكن المؤمنون يقولون: سمعنا وأطعنا، ومع ذلك ربما يسألون التخفيف.
﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ قال الله تعالى في كتابه: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال ٢١ - ٢٣].
* طالب: ما الفرق بين طلب التخفيف وبين السؤال عمومًا في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة ١٠١]؟
* الشيخ: هذا يسألون عن أشياء ما أنزل الله بها حكمًا فيقولون: أهذا حرام؟ أهذا واجب؟ وما أشبه ذلك، فربما أنزل الله التحريم أو الوجوب فساءهم ذلك لكونه أُوجب عليهم بسبب سؤالهم وتعنتهم كما جرى لبني إسرائيل لما قال لهم موسى: اذبحوا بقرة قالوا: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ [البقرة ٦٨]، لما أخبرهم قالوا: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا﴾ [البقرة: ٦٩]﴾ لما أخبرهم قالوا: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ في عملها، الأول: في سنها، والثاني: في لونها، والثالث: في عملها، فشددوا فشدد الله عليهم، لو أنهم ذبحوا بقرة من أول الأمر سهل الأمر.
* طالب: بالنسبة لقراءة الكتاب، ما يمكن نقول مثلًا: إنه قرآن والإيمان بالقرآن يستلزم الإيمان بالكتب؟
* الشيخ: لا يمكن أن نقول ذلك؛ لأن القراءتين يفسر بعضهما بعضًا، فلما جُمعت في القراءة الثانية عُرف أن المراد بالقراءة الإفراد المراد به الجمع، ثم من أجل أن تتلاءم الكلمات كلها دالة على الجمع.
* طالب: قول النبي ﷺ في صحيح البخاري: «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ ابْنِ مَتَّى»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٩٥) ومسلم (٢٣٧٧ / ١٦٧) من حديث ابن عباس.]] (...).
* الشيخ: لا، قال ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام لما رأى ما حصل بين الأنصار واليهود من المشاجرة خاف أن يكون هناك فتنة فقال: لا تفضلوني على هذا؛ لأن هذا قد يُفسر بأنه عصبية، وأنكم أيها الأنصار أو أيها العرب متعصبون للنبي العربي ما هو للحق.
* الطالب: الذي لا يعلم هذه الأحكام، الذي لا يعلم بعض ما في القرآن من أحكام هل يُقال: إنه ليس بمؤمن بالقرآن؟
* الشيخ: نعم، ليس بمؤمن الإيمان الكامل فيُعطى ما يستحقه من الوصف ما لم يكن تركه لهذا العمل المعين موجبًا للكفر فيكون كافرًا.
* * *
* طالب: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة ٢٨٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾. أولًا: قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ ما المراد بالتكليف هنا؟
* طالب: الإلزام.
* الشيخ: الإلزام، والوسع بمعنى؟
* الطالب: الطاقة.
* الشيخ: بمعنى الطاقة، أحسنت، هذا النفي كوني، يعني قدري أو شرعي؟
* طالب: شرعي.
* الشيخ: شرعي.
* الطالب: لأن الله سبحانه وتعالى برحمته وفضله لم يكلفنا إلا ما نطيق.
* الشيخ: نعم، قال: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ ما الفرق بين كسبت واكتسبت؟
* طالب: الفرق.
* الشيخ: نعم، يلَّا.
* طالب: ما كسبت من الخير، وما اكتسبت من.
* الشيخ: من الإثم.
* الطالب: نعم، لها ما كسبت من ..
* الشيخ: يعني كسب واكتسب بمعنى واحد، لكن يُفرق بينهما المتعلق، وهي لها أوعليها، توافق؟
* الطالب: لا يا شيخ، فيه فرق تاني.
* الشيخ: طيب ما هو؟
* الطالب: أن كسبت في أفعال الخير والطاعة، واكتسبت في الآثام يعني هكذا يعني الواقع، هذا المعنى.
* الشيخ: يعني المعنى إذن بينهما فرق، فيه قول: أنهما بمعنى واحد، وقول: أن بينهما فرقًا.
* طالب: ما هم بمعنى واحد، لا بد يقولون: بحسب المتعلق.
* الشيخ: إيه بمعنى واحد واللي يعين المعنى المتعلق، والقول الثاني؟
* طالب: أن أصل الكلمة فيها فرق.
* الشيخ: طيب ما هو الفرق؟
* الطالب: أن الكسب من أعمال الخير، تساوي أعمال الخير.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: لأن تغيير بنية الكلمة إنما يتم لتغيير المعنى.
* الشيخ: ما هو بظاهر!
* طالب: شيخ، إن هذا عدي بـ(اللام)، والفعل عدي بـ (على)، وإذا عدي باللام بمعنى (...) قوله تعالى، وإذا عدي بـ(على) مثل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء ٧].
* الشيخ: نعم، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ [فصلت ٤٦]؟ هذا هو اللي قاله الأخ، وقاله أيضًا.
* الطالب: (ما كسب) تختلف عن (اكتسب) فاكتسب من افتعل تدل على الافتعال والمعالجة، بينما (كسب) ذلك يحدث بأدنى سبب.
* الشيخ: أحسنت.
* الطالب: أما الاكتساب فلا يكون إلا بفعل.
* الشيخ: نعم، تمام، ويحصل أيضًا من الغير للغير، العمل الصالح يحصل من الغير للغير، بخلاف الاكتساب؛ يعني لو أن رجلًا سرق، وقال: اللهم اجعل وزرها على فلان، حصل؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لكن لو تصدق وقال اللهم: اجعله لفلان حصل؟
* الطلبة: حصل.
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ ما الفرق بين النسيان والخطأ؟
قوله تعالى: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ [البقرة ١٣٦] نفي التفريق هنا بأيش؟
* طالب: لا نفرق بينهم يعني بينهم في التبليغ والتصديق؛ تبليغ الرسالة، أو صدقه في التبليغ.
* الشيخ: أيش تبليغ الرسالة؟
* الطالب: (...) الرسل يعني..
* الشيخ: وأيش معنى لا نفرق؟ التفريق من فعلنا نحن ليس من فعلهم هم.
* الطالب: يعني لا نفرق بينهم بين هؤلاء الرسل في تبليغ الرسالة يعني كله مصدق أو في العقيدة نفسها، أو ما جاء به شرع الله، العقيدة واحدة.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: لا نفرق بالتصديق أنهم من عند الله بكل رسالاته، فنؤمن بكل رسول أتى..
* الشيخ: في صحة رسالتهم، وفي صدق خبرهم، وفي قبول خبرهم، أما بالاتباع؟
* الطالب: بالاتباع.
* الشيخ: فنتبع محمد عليه الصلاة والسلام، وأما في المفاضلة؟
* الطالب: فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة ٢٥٣].
* الشيخ: فنفاضل بينهما كذا ولَّا لا؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: إذن لا نفرق في أمور أربعة، لا، لا نفرق في أمور ثلاثة في صحة رسالتهم، في صدق أخبارهم، في قبول ما جاؤوا به، أما في الاتباع فنتبع محمدًا ﷺ. وهل نفرق بينهم في التفاضل؟ الجواب: نعم.
قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ﴾ غفرانك، وأيش إعرابها؟
* طالب: فعل.
* الشيخ: أنت ما قرأت النحو؟! الظاهر أنه ليس بينك وبين سيبويه نسب! منين قلت: إنه فعل؟!
* طالب: مصدر.
* الشيخ: إيه، لكن وأيش إعرابها؟
* الطالب: منصوبة.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: مفعول به لفعل محذوف تقديره (نسألك).
* الشيخ: نعم، تقديره (نسألك غفرانك) تمام، المغفرة وأيش المغفرة؟
* الطالب: المغفرة يعني الستر على الذنب والتجاوز.
* الشيخ: والتجاوز عنه، ستر الذنب والتجاوز عنه، ما هو الدليل لما قلت من حيث الاشتقاق؟
* طالب: المغفرة، الغفر، والغفران.
* الشيخ: لا.
* الطالب: يعني معناها باللغة التغطية.
* الشيخ: سبحان الله!!
* الطالب: إنه المغفرة من (الْمِغْفَر).
* الشيخ: من (الْمِغْفَر).
* الطالب: ما يضعه المقاتل ليتقي به.
* الشيخ: يتقي به السهام، وفيه ستر ووقاية، ما هو الدليل من حيث الشرع أو النص الدليل على أن المغفرة هي الستر والتجاوز من الشرع؟ هذا الدليل من حيث اللغة الدليل من حيث النص؟
* طالب: قال الرسول ﷺ «إِذَا خَلَا بِالْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
* الشيخ: «إِنَّ اللَّهَ يَخْلُو بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٦٨٥) ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) من حديث ابن عمر بنحوه.]].
* الطالب: «ثُمَّ يَقُولُ: سَتَرْتُها عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْآنَ».
* الشيخ: صح، «سَتَرْتُها عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ».
قوله: ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾، المصير يعني يوم القيامة ولَّا شيء أعم من ذلك؟
* طالب: إليك المصير عام، كل شيء إلى الله ويشمل يوم القيامة.
* الشيخ: أحسنت، يشمل يوم القيامة وغيرها، فمرجع الخلق إلى الله في الدنيا والآخرة.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾. ثم قال: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ الجملة هذه مقول لقول محذوف؛ أي: قولوا: ربنا، أو يقولون عودًا على قوله: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّه﴾ ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ قالوا: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ المهم أن الجملة هنا مقول لقول محذوف.
وقوله: ﴿رَبَّنَا﴾ منادى حُذفت منه ياء النداء اختصارًا وإيجازًا للكلام وتيمنًا بالبداءة باسم الله عز وجل ﴿رَبَّنَا﴾، وتوسلوا بالربوبية؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر، وهنا يسألون الله شيئًا، وإعطاء هذا الشيء من متعلقات الربوبية، ولهذا تجدون في أكثر القرآن، تجدون الدعاء مقرونًا بالربوبية؛ لأنه إعطاء، والإعطاء فعل، وكل الأفعال متعلقها أيش؟ الربوبية.
وفي قوله: ﴿رَبَّنَا﴾ الإضافة من التعطف وإظهار الحاجة والفقر ما هو ظاهر. ﴿رَبَّنَا﴾ فإن هذا الذي يضيف إلى نفسه ربوبية الله لا شك أنه مظهِر لفقره إلى هذا الرب، وأنه مربوب عابد ذليل لهذا الرب.
﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ المؤاخذة بالذنب: المجازاة عليه، والإنسان محل النسيان ومحل الخطأ، وما أكثر نسيانه وخطأه!
فالنسيان: هو ذهول القلب عن معلوم، يكون الإنسان يعلم الشيء ثم يغيب عنه، نسمي هذا نسيانًا، كما لو سألتك ماذا صنعت أمس؟ فقلت: والله نسيت. أنت فاعل لكن نسيت، فتعريف النسيان إذن أيش؟ ذهول القلب عن شيء معلوم، هذا النسيان.
الخطأ: ارتكاب المعصية -أو بعبارة أعم المخالفة- عن غير عمد، أو شئت: المخالفة بلا قصد المخالفة. فيشمل ذلك الجهل، فإن الجاهل إذا ارتكب ما نُهي عنه فإنه قد ارتكب المخالفة من غير قصد المخالفة، وسواء كان جاهلًا بالحكم أو بالحال فهو داخل في قوله: ﴿أَوْ أَخْطَأْنَا﴾. هل هذا الدعاء أُجيب؟ الجواب: نعم، قال الله تعالى: «قَدْ فَعَلْتُ»[[أخرجه مسلم (١٢٦ / ٢٠٠) من حديث ابن عباس. ]] يعني فلا يؤاخذنا لا بالنسيان ولا بالخطأ.
واعلم أنه يُقال: أخطأ، ويقال: خطِئ، ويقال في اسم الفاعل من الأول؟
* طالب: خاطئ.
* الشيخ: لا، (مُخطئ)، ومن الثاني (خاطِئ)، فالثلاثي من هذا الفعل هو مرتكب المخالفة بقصد المخالفة، والرباعي مرتكب المخالفة بغير قصد المخالفة، فمثلًا الرجل الذي يفعل المعصية وهو عالم بها لكنه قاصد المعصية، نقول لهذا: خاطِئ، والذي يفعلها غير قاصد لها نقول: مخطِئ، ولهذا قال الله تعالى: ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ [العلق ١٦] يعني: مرتكبة للمخالَفة عن قصد، وهنا قال: ﴿أَخْطَأْنَا﴾ وقال تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ [الأحزاب ٥]، وهو ارتكاب المخالفة عن غير قصد المخالفة قال الله تعالى: «قَدْ فَعَلْتُ».
﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ نقول في ﴿رَبَّنَا﴾ في الإعراب وفي الإضافة، وفي فائدة الإضافة ما قلناه في الأولى، ولكنه قال: ﴿وَلَا تُحَمِّلْنَا﴾ فأتى بالواو ليفيد أن هذه الجملة معطوفة على التي قبلها، وكُرِّر النداء تبركًا بهذا الاسم الكريم وتعطُّفًا إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن ذلك من أسباب إجابة الدعاء.
﴿وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾، الإصر: هو الشيء الثقيل الذي يثقُل على الإنسان من التكاليف أو العقوبات.
و﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ عليهم تكاليف عظيمة، وحُمِّلوا عقوبات عظيمة فمثلًا قيل لبني إسرائيل الذين عبدوا العجل قيل لهم في التوبة: لا نقبل التوبة حتى تقتلوا أنفسكم، عرفتم؟ وهذا لا شك أنه تكليف عظيم أُمروا أن يكونوا في ظلمة، وأن يأخذ كل واحد منهم سكينًا أو خنجرًا، وأن يطعن من أمامه سواء كان أباه أو ابنه أو أخاه أو عمه هو (...)، وهذا لا شك أن فيه إصرًا عظيمًا وعبئًا ثقيلًا، أما نحن فقيل لنا: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان ٧٠] حتى في الشرك ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ﴾ [الفرقان ٦٨ - ٧٠] إذن لم يحمِّلنا الله -وله الحمد والمنة- إصرًا كما حمله على الذين من قبلنا، حُرِّم عليهم الشحوم: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [الأنعام ١٤٦]. وقال: ﴿يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ﴾ [الأعراف ١٥٧]. مُنع النصارى من أخذ الثأر للنفس فقيل لهم: إنه إذا قُتل لكم قتيل فلا يجوز القصاص فالواجب العفو، ولا قصاص، وهذا لا شك أنه قد يكون فيه إذلال للنفس؛ أن يرى الإنسان قاتل أبيه أو قاتل ابنه يمشي في السوق لم يعوضه عن أعز الناس عليه إلا أيش؟ إلا دُريهمات أو نحوها، هذا فيه غضاضة على النفس.
وقيل لليهود: لا طريق لكم إلى العفو من قتل فليقُتل ولو كان أعز الناس إليك فاقتله، ولا طريق إلى العفو، وهذا فيه مشقة على النفس، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: ربما يقتل ابنك مثلًا شخص من أعز الناس عليك يمكن أحب إليك من ابنك فيقال لك: اقتله، اقتله وجوبًا، نحن -ولله الحمد- قيل لنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة ١٧٨]، وفُتح لنا باب العفو، بل نُدبنا للعفو إذا كان فيه إصلاح ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ٤٠].
وإذا تأملت أشياء كثيرة وجدت أن الله سبحانه وتعالى خفف عن هذه الأمة، ووضع عنها الآصار التي كانت على من قبلهم.
﴿كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ من هم؟ اليهود والنصارى وغيرهم من الناس إن هذا يشمل كل أحد، كل الأمم السابقة.
﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ هل المراد من الأمور الكونية أو من الأمور الشرعية أو منهما؟ إن قلت: منهما أشكل علينا ما سبق ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾.
وفتح لنا باب العفو، بل ندبنا للعفو إذا كان فيه إصلاح ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ٤٠]، وإذا تأملت أشياء كثيرة وجدت أن الله سبحانه وتعالى خفف عن هذه الأمة، ووضع عنها الآصار التي كانت على من قبلهم.
﴿كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة ٢٨٦] من هم؟ اليهود والنصارى، وغيرهم من الناس؛ لأن هذا يشمل كل أحد كل الأمم السابقة.
﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ هل المراد من الأمور الكونية أو من الأمور الشرعية أو منهما؟
* طالب: منهما.
* الشيخ: إن قلت منهما أشكل علينا ما سبق ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ فإنا قلنا إن معناها لا يكلف الله شرعا نفسا إلا وسعها، وهذا خبر، والخبر لا بد أن يكون واقعا، لا بد أن يكون واقعا، وإذا كان واقعا صار الدعاء في قولك: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ لغوا لا حاجة إليه؛ لأنه من الأصل ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ فهو مسقط عنا من الأصل، وحينئذ يكون المراد: ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به شرعا أو قدرا، لا باعتبار أصل الشرع، ولكن باعتبار حال العبد، أحيانا يحصل للإنسان ما يمنعه من فعل الطاعة، ولا يطيقها لمرض أو غيره، كذا؟ فإذا قال قائل: نعم، هذا حاصل لكن في هذه الحال لا يكلفك الله ما لا تستطيع؛ قال النبي ﷺ لعمران بن حصين: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»[[أخرجه البخاري برقم (١١١٧) من حديث عمران بن حصين.]]، وقال تعالى في الصيام: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر﴾ [البقرة ١٨٥] فقد سقط عنك ولم تكلف به، فالجواب، والله أعلم، أن يقال: إنه إذا رفع عنك التكليف بهذا مع عدم الطاقة فإن معنى ذلك أنك تسأل الله تعالى أن يتمم لك الأجر، أن يتمم لك الأجر الحاصل بهذا الفعل الذي لا تطيقه، فيكون هذا هو فائدة الدعاء بأن لا تحمل ما لا طاقة لك به في الأمور الشرعية؛ لأنه إذا ارتفع التحميل، إذا ارتفع التحميل صار الإنسان كأنه فعله فلا يتحمل المسؤولية فيه وحينئذ يكتب له الأجر.
فإن قال قائل: وعلى هذا المعنى أيضًا يرد عليكم قوله ﷺ: «مَنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا»[[أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (١٠٩٠١)، والطبراني في الأوسط برقم (٢٣٦) من حديث أبي موسى. ]] والإنسان العاجز عن العبادة التي كان يفعلها في حال صحته إذا مرض كتب له أجر العبادة التامة؛ إذن الدعاء بهذا أيضًا لغو لا فائدة منه؟
قلنا: الجواب على ذلك أنه وإن كان الرسول أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام، فقد لا يكون ذلك متيسرا لي أنا إما لتخلف صدق النية والعزيمة أو لأي سبب آخر، صحيح أن الرسول ﷺ قال هذا الكلام: «مَنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ» لكن هذا لا ينطبق على كل واحد بعينه، كما أننا نحن نعلم جميعا أن كل مؤمن يدخل الجنة، لكن هل ينطبق على كل واحد بعينه؟ ما يمكن أن ينطبق على كل واحد بعينه إلا من شهد له الرسول ﷺ؛ إذن فيكون فائدة الدعاء هنا أن تسأل الله تحقيق هذا الذي أخبر به الرسول ﷺ.
أما ما لا طاقة لنا به من الأمور الكونية فأمرها ظاهر، ولَّا لا؟ ما لا طاقة لنا به من الأمور الكونية فأمرها ظاهر. انتبه! وسؤال الإنسان أن لا يحمله الله ما لا طاقة له به يتضمن شيئين: أحدهما: دفع هذا الشيء أن لا يرد عليك أصلا، والثاني: أن يقويك الله عليه حتى تتحمله ويدخل في طاقتك، انتبه! ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ نقول يشمل أمرين: أن لا يحملك الله إياه أصلا يعني يدفعه عنك، أو إذا حملك إياه يخففه عليك حتى يكون داخلا تحت طاقتك، مثل أيش الأمور الكونية اللي ما تدخل تحت الطاقة؟ مثل ظلم الإنسان، إنسان ظلمك في مالك، في بدنك، ألزمك بأن تحفر عشرة أمتار في خلال ساعة وتنقل الطين حقها، يسلط عليك، قال: افعل وإلا فالحبس مدى الحياة ولَّا القتل، طيب فيه طاقة هذه ولا؟ ما فيه طاقة، عشرة أمتار في ساعة؟ يمكن تكون الأرض صلبة، هذا لا طاقة لنا به، فتسأل الله أن لا يسلط عليك أحدًا أن يحملك ما لا طاقة لك به، أو أن الله عز وجل بحكمته قد ينزل عليك مرضًا يشق عليك حتى الحركة، أليس كذلك؟ طيب أو قد يبتليك الله تعالى بعسر البول، أو بعسر الغائط، أو ما أشبه ذلك من الأمور التي لا طاقة لك بها، نحن الآن - ولله الحمد والمنة - نقول تحدثا بنعمة الله يسهل علينا الأكل والشرب، نأكل هنيئا مريئا ميسر، وكذلك الخروج، لكن يبتلى بعض الناس بأن لا يستطيع الأكل لا يستطيع الشرب، لا يستسيغ الأكل ولا الشرب، إنسان آخر يفعل ذلك لكن يشق عليه خروجهما، إذن كل هذا داخل في قولك: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾، إذن ما لا طاقة لنا به من التكاليف الشرعية وأيش بعد؟ والأمور القدرية.
وهنا نشوف أصحاب سيبويه وأيش إعراب ﴿مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾؟
* طالب: ﴿مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ ما في محل نصب مفعول به.
* الشيخ: أيش مفعول به أيش؟
* الطالب: ﴿تُؤَاخِذْنَا﴾.
* الشيخ: لا، ﴿تُؤَاخِذْنَا﴾ كيف؟
* الطالب: ﴿وَلَا تُحَمِّلْنَا﴾
* الشيخ: مفعول أول، ولَّا ثاني، ولَّا ثالث، ولَّا رابع؟
* الطالب: مفعول ثاني.
* الشيخ: ثاني طيب.
* الطالب: ﴿لَا﴾، لا نافية.
* الشيخ: نافية لأيش؟
* الطالب: نافية لـ﴿طَاقَةَ﴾.
* الشيخ: إيه لكن وأيش نوع هذا النفي؟ طيب إذن عليك درجتان؟
* طالب: ربنا ولا تحملنا
* الشيخ: لا، لا، نافية.
* طالب: لا نافية للجنس.
* الشيخ: طيب وأيش عملها؟
* الطالب: عملها عمل إن، نعم.
* الشيخ: اصبر وش عمل إن؟
* الطالب: عمل إن تنصب الاسم وترفع الخبر، و﴿طَاقَةَ﴾ اسمها.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: مبنية على الفتح في محل نصب.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: والجار والمجرور في محل رفع خبر.
* الشيخ: أيهم؟ به ولا لنا؟
* الطالب: به.
* الشيخ: طيب ولنا.
* الطالب: الأول، الجار والمجرور الأول ﴿مَا لَا طَاقَةَ لَنَا﴾ أي: ما لا طاقة كائنة لنا.
* الشيخ: صفة لطاقة؟ نعم، طيب.
ثم قال: ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا﴾ [البقرة ٢٨٦] إلى آخره لما كان الإنسان له أحوال، بل له حالان: حال مضت وحال مستقبلة، الحال التي مضت قد يكون مخلا بفعل الأوامر، وقد يكون مرتكبا لفعل المحظور، والحال المستقبلة علمها عند الله، قال: ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾ هذا في مقابل فعل المحظور يعني اغفر لنا الذنوب التي فعلناها، اغفر لنا الذنوب التي عملناها، والإنسان لا يخلو من ذنب «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»[[أخرجه الترمذي برقم (٢٤٩٩)، وابن ماجه برقم (٤٢٥١) من حديث أنس بن مالك.]] والذنوب قد تكون في القلوب، وقد تكون في اللسان، وقد تكون في الجوارح، أو يكون الإنسان قد فرط في مأمور، فرط في مأمور قصر فيه، يقابله قوله: ﴿اعْفُ عَنَّا﴾ فالعفو في مقابل التقصير في المأمور به، والمغفرة في مقابل أيش؟ فعل المحظور، في مقابل فعل المحظور.
﴿وَارْحَمْنَا﴾ في المستقبل، يعني تفضل علينا بالرحمة؛ حتى لا نقع في فعل محظور أو في تهاون في مأمور، وهذا أحسن من قول بعض المفسرين: إن هذه من باب التأكيد؛ لأن العفو والمغفرة كلها محو الذنوب، والرحمة حصول المطلوب، نحن نقول: لا، للإنسان حالان: حال مضت وحال مستقبلة، الحال الماضية إما أن يكون منه تقصير في مأمور، أو ارتكاب لمحظور.
﴿اعْفُ عَنَّا﴾ في مقابل التقصير في المأمور، ﴿اغْفِرْ لَنَا﴾ في مقابل فعل المحظور، ﴿ارْحَمْنَا﴾ بالنسبة للمستقبل حتى تعصمنا من المحظورات، وترك المأمورات، فيكون هذا الدعاء شاملا، من أشمل ما يكون من الدعاء مثل هذا الدعاء.
لو أن رجلا قصر في الصلاة مثلا، ولم يصلها في أول الوقت، هذا نقول تقصير في مأمور، لو التفت وهو يصلي هذا ارتكاب لمحظور لمنهي عنه؛ لأن الرسول ﷺ نهي عن الالتفات في الصلاة[[أخرجه أحمد في المسند برقم (٧٥٩٥)، والطبراني في الأوسط برقم (٥٢٧٥) من حديث أبي هريرة.]] وإن كان الالتفات هنا مكروها، لكنه منهي عنه.
﴿أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ الجملة هنا خبرية، الجملة خبرية مكونة من مبتدأ وخبر كلاهما معرفة، توافقون على هذا ولَّا لا؟ توافقونني؟
* طالب: لا مبتدأ فقط.
* طالب: لا يا شيخ مبتدأ وخبر.
* الشيخ: الجملة اسمية خبرية مكونة من مبتدأ وخبر معرفتين، صح؟
* الطلبة: صح.
* الشيخ: إي نعم، صح، وقد قال علماء البلاغة: إن الجملة المكونة من مبتدأ وخبر كلاهما معرفة تفيد الحصر، فقوله: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ ليست كقول: أنت مولى لنا، قوله: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ تفيد أنه لا مولى لنا غيرك، صح؟ طيب، لكن أنت مولى لنا ما تفيد هذا، تفيد إنك مولى من الموالي، تقول للشخص: أنت حبيبي، وتقول: أنت حبيب لي، بينهما فرق ولَّا لا؟ نعم، الأول وأيش يدل عليه؟ الحصر، والثاني لا يدل على الحصر، وتقول للكافر: أنت عدو لي، لا يفيد الحصر، وتقول: أنت عدوي، يفيد الحصر؛ ولهذا قال الله عز وجل في المنافقين: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ [المنافقون ٤] هم العدو كأنه قال: لا عدو سواهم، ولا شك أن عداوة المنافق للمؤمن أشد من عداوة الكافر للمؤمن، أو لا، صحيح؟ يا شيخ، المنافق يجيئك يقول أهلا وسهلا بالأخ الكريم المؤمن الصالح، هذا المشكل، إي نعم، نقول: عداوة المنافق للمؤمن أشد من عداوة الكافر؛ لأن الكافر يبدي عداوته ونتحرز منه، لكن البلاء كل البلاء هذا الذي يتقي، ويظهر أنه صديق وهو عدو، إذن ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ جملة خبرية تفيد الحصر ولَّا لا؟ نعم، تفيد الحصر، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [محمد ١١] حتى أولياؤهم يتولونهم ما ينفعونهم.
﴿أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ ما معنى المولى؟ هل المراد بالمولى الناصر أو المتولي لجميع شؤوننا؟ الثاني، الثاني أحسن؛ لأن الثاني يعم ويشمل، يعني: أنت المتولي لجميع أمورنا، ومن تمام ولايتك لنا أنك لم تكلفنا إلا ما نطيق، وأنك ملجؤنا وملاذنا ومحل دعوتنا ورغبتنا ورهبتنا، وأنك شرعت لنا هذا الدين الميسر، كل ما يترتب على هذه الولاية فهو داخل في قوله: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا﴾.
ثم قال: ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ الفاء هذه للتفريع، يعني: فبولايتك الخاصة انصرنا على القوم الكافرين، والولاية ولاية الله عز وجل للخلق نوعان: ولاية خاصة، وولاية عامة، فالولاية الخاصة ولاية الله للمؤمنين، والعامة ولايته لكل أحد، فالله تعالى ولي لكل أحد بمعنى تولي الأمور، أو لا؟ كما قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ [الأنعام ٦١، ٦٢] هذه عامة، الخاصة: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة ٢٥٧]، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [محمد ١١]، وهذه الخاصة فيها أيضًا خاص أخص، وهي ولاية الله لرسوله مثل: ﴿أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [يوسف ١٠١]، ومثل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ﴾ [التحريم ٤] هو وحده عز وجل مولاه، والملائكة إلى آخره ﴿وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
إذن نقول: الولاية قسمان أو نوعان، ثم نقول: ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ انصرنا عليهم يعني اجعل النصر لنا عليهم، والنصر على الكافرين يكون بأمرين: بالحجة والبيان، وكذلك بالسيف والسلاح، يكون بالسيف والسلاح، أما السيف والسلاح فظاهر، وأما الحجة والبيان فقد يجتمع كافر ومسلم، ويتناظران في أمر من أمور العقيدة، إذا لم ينصر الله المسلم خذل وكان في هذا خذلان له وللدين الذي هو عليه، هذا النوع من النصر بالحجة والبيان يتعين في المنافقين، المنافق الانتصار عليه مو بالسلاح، لكن بالحجة والبيان؛ لأن المنافق يظهر أنه معك وأنه منك، ولهذا لما استئذن الرسول ﷺ في قتل المنافقين قال: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري برقم (٤٩٠٥)، ومسلم برقم (٢٥٨٤ (٦٣)) من حديث جابر بن عبد الله.]] مسلم ظاهره أنه مثلك، ومشكلة لو نسلط سيوفنا على المنافقين ربما نقتل من هو مؤمن؛ لأن ما في القلب ليس معلوما، إلا من أظهر نفاقه وتبين وظهر فهذا على القول الراجح يدعى للإيمان، إن آمن وعلم حسن إيمانه ترك وإلا فلا، وقال بعض أهل العلم: لا يقبل إيمانه المنافق ما نقبل إيمانه، لأيش؟ قال: لأنه من الأصل يظهر أيش؟ يظهر الإيمان وأنه مؤمن، لو مسكناه وقلنا: تعال أُومِنْ وإلا قتلناك، وأيش يقول؟ يقول هو مؤمن، ما في إشكال، أومن أنا أقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأقيم الصلاة، ما تشفوني وأنا كل يوم آجي معكم؟، نعم، أوتي الزكاة، طيب، ونعطيكم عطيناكم الآن، أصوم نعم، مشكل، لكن إذا علم يقينا أنه منافق بحيث إنه إذا لقي الذين آمنوا قال آمنت، وإذا خلا إلى شياطينه قال إني معكم إنما أنا مستهزئ ألعب عليهم، إذا علمنا هذا وثبت قتلناه، لكن هل تقبل توبته؟ المشهور من المذهب أن توبته لا تقبل وأنه يقتل، فإن كان صادقا في توبته فأجره على الله، أجره على الله، وإن كان كاذبا فقد وقع القتل محله ولَّا لا، والقول الثاني: إذا علمنا حقيقة أنه تاب رفعنا عنه القتل؛ لأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ [النساء ١٤٥، ١٤٦] لكن شوف في توبة المنافق ذكر قيود ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّه﴾ أربعة شروط إذا تحققت فأولئك مع المؤمنين.
وقوله: ﴿انْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ هل المراد بالكافرين هنا الكافرون من بني آدم أو حتى من الشياطين؟ يشمل، يشمل الكافرين من بني آدم والكافرين من الشياطين؛ لأن الشيطان كافر لا شك، فيكون في هذا الدعاء دعاء بنصرك على الكافر من بني آدم، وعلى الكافر من الشياطين، فيكون بمنزلة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: في ناس مرتكبين للمحظور لكن في فعل المأمور من أحسن الناس، في ناس الآن يرابون، لكنهم من أحرص الناس على الصلاة والزكاة والصيام والحج.
* الطالب: (...) هو فعل المحظور.
* الشيخ: لكن يقال ترك المأمور حتى فعل المحظور ترك لواجب الترك، هي متلازمات لكن الفرق بينهما، المأمور ما طلب إيجاده، والمحظور ما طلب تركه وعدمه، هذا الفرق ولا كلها متلازمات.
* الطالب: من التفت في الصلاة هل عليه إثم؟
* الشيخ: لا ما عليه إثم إلا إذا التفت بجميع بدنه، أما برأسه فليس عليه إثم، ولكنه مكروه إلا لحاجة.
* طالب: شيخ، بعض الناس يتكلم على العقيدة النصرانية قال شريعة إذا ضربك على خدك فألن له خدك الآخر وما إلى ذلك من الأشياء التي قد تكون مشروعة عندهم هل يجوز تنقص شريعتهم بهذه الطريقة وإن كانت (...)؟
* الشيخ: لا، من جهة أنها تنقص هي بالنسبة إلى تشريع الله ليست ناقصة؛ لأنها موافقة للحكمة، لكن بالنسبة إلى أنها أغلال عليهم وآصار، إذا نظرنا إليها مقارنة بالشريعة الإسلامية صارت ناقصة.
* الطالب: لكن هل يقال هذا الكلام أم لا؟
* الشيخ: والله ما ندري هذا على حسب نية قائله، إن كان قصده التعريض والقدح في شريعتهم فهذا لا يجوز؛ لأن شريعتهم حين قيامها شريعة لله عز وجل.
﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ وهذه أخذنا فوائدها، ناقشنا فيها؟ نعم، نناقش في الآية الأخيرة.
قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ أظن ناقشنا في أولها أيضًا؟
قال: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ إعراب ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا﴾؟
* طالب: (...)
* الشيخ: حذفت منه ياء النداء، ما هي الفائدة والحكمة من حذف ياء النداء؟
* الطالب: (...)
* الشيخ: اختصارا وتبركا بالبداءة باسم الله عز وجل طيب. أكثر ما يكون التوسل في الدعاء بمقام الربوبية لماذا؟
* طالب: لأن الربوبية تشتمل على فعل الله عز وجل وتشتمل على كل ما يحيط بالإنسان.
* الشيخ: صح؛ لأن إجابة الدعاء من متعلقات الفعل، من فعل الله وهذا يتعلق بالربوبية أكثر من غيره من التوحيد.
قوله: ﴿إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ ما الفرق بينهما؟
* طالب: النسيان هو ذهول القلب عن شيء معلوم، أما الخطأ فهو فعل شيء أو مخالفة بغير قصد المخالف.
* الشيخ: المخالفة بغير قصد المخالف.
قوله: ﴿لَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ ﴿إِصْرًا﴾؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: الشيء الثقيل، نعم؟ طيب.
﴿كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ وأيش اللي حمل على من قبلنا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لما أمر أن يتوبوا من عبادة العجل أن يقتلوا أنفسهم، وهذه الأمة؟
* الطالب: هذه الأمة إذا أرادوا أن يتوبوا استغفروا الله ويتوبوا توبة نصوحًا (...).
* الشيخ: نعم، طيب قوله: ﴿لَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ ﴿مَا لَا طَاقَةَ لَنَا﴾ من التكاليف الشرعية؟ أو من البلايا والأقدار؟
* طالب: كليهما.
* الشيخ: طيب كيف ذلك في الأول، التكاليف الشرعية؟
* الطالب: ما يحملنا ما لا نطيقه من العبادات من جميع العبادات الشرعية.
* الشيخ: طيب، والقدرية؟
* الطالب: يقولون بأن لا تبتلينا بأمور لا نستطيع أن نصبر عليها.
* الشيخ: مثل؟
* الطالب: جميع البلايا والمصائب.
* الشيخ: مثل، مَثِّل؟
* الطالب: مثل القتل.
* الشيخ: نعم، الفتن، حروب، الجوع، الخوف وغير ذلك.
﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا﴾ ما الفرق بين هذه الجمل الثلاث الدعائية؟
* طالب: العفو هو المجاوزة عن الذنب.
* الشيخ: لا، يعني متعلق هذه الأشياء الثلاثة؟ العفو يتعلق بأيش؟
* طالب: بالذنوب
* الشيخ: كلها بالذنوب؟
* طالب: العفو يتعلق بالتقصير في الطاعة أن يعفو عنا فيما قصرنا في طاعته، الغفران يكون في الخطأ أو ارتكاب الذنوب.
* الشيخ: صح.
* الطالب: ﴿وَارْحَمْنَا﴾ في الآخرة
* الشيخ: في المستقبل.
* الطالب: في المستقبل.
* الشيخ: صح، يعني إذن العفو والمغفرة عما مضى، فالعفو يتعلق بالتفريط في الواجب، والمغفرة بانتهاك المحرم، والرحمة في المستقبل بحيث تعصمنا من الذنوب والمخالفات.
قوله: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ ما معنى قوله: ﴿مَوْلَانَا﴾؟
* طالب: معنى قوله ﴿مَوْلَانَا﴾ ليس لنا مولى غير الله.
* الشيخ: إيه نعم، لكن وأيش معنى المولى؟
* الطالب: الذي يناصرنا ويكون عونا لنا على (...)
* الشيخ: المتولي لأمورنا، الناصر لنا على غيرنا طيب. هذه الجملة، هل تفيد الحصر؟
* طالب: نعم
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: لتعرف الطرفين
* الشيخ: لتعرف الطرفين، أفلا يمكنك أن تأتي بمثال تبين لنا هذا؟ عندكم كلمة واجد وكثير (...) لكن نبغي واحد بس، نبغي من الواجد أن تحذف النقطة اللي في الأصل.
* الطالب: (...)
* الشيخ: لا، مثال من عندك ما هو بلازم من القرآن ومن السنة.
* الطالب: لو قال قائل: أنا المسلم (...).
* الشيخ: أنا المسلم يعني وغيره ليس بمسلم.
* الطالب: (...) أو أنت مثلًا حبيبي (...).
* الشيخ: نعم، أخشى يقول: أنت حبيبي، إنه صاحب المطعم!! على كل حال لو قلت مثلا: أنت ضارب أو أنت الضارب أو لا؟
* طالب: (...)
* الشيخ: وين أيهم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا ما هي بخطأ طيب قوله: ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ الفاء وأيش معناها؟
* طالب: تعقيب.
* الشيخ: تعقيب؟ لا.
* طالب: تفريع
* الشيخ: تفريع يعني فبسبب ولايتك نسألك أن تنصرنا على القوم الكافرين.
نأخذ الفوائد، قال الله عز وجل: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة ٢٨٥] إلى آخره
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن محمدا رسول الله ﷺ مكلف بالإيمان بما أنزل إليه؛ لأن قوله: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ هذا خبر يقتضي أن يكون وصفا له إن لم نقل إنه بمعنى الأمر، كذا؟ طيب. وقد مر علينا في البخاري أن النبي ﷺ قال: «أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ»[[أخرجه البخاري برقم (٥٤٤٣) من حديث جابر بن عبد الله.]] في قصة دين والد جابر رضي الله عنه.
* من فوائد الآية الكريمة: أن القرآن كلام الله؛ لقوله: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ والمنزل هو الوحي، والكلام وصف لا يقوم إلا بمتكلم، لا يمكن أن يقوم بنفسه، وعلى هذا فيكون في الآية دليل على أن القرآن كلام الله، الوحي الذي أنزل على محمد ﷺ.
* ومن فوائد الآية أيضًا: إثبات علو الله؛ لأن النزول لا يكون إلا من أعلى ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات رسالة النبي ﷺ في قوله: ﴿الرَّسُولُ﴾، وفي قوله: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: عظم ربوبية الله وأخصيتها بالنسبة إلى الرسول ﷺ؛ حيث قال: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾.
* ويتفرع على ذلك: أن الله سبحانه وتعالى سينصره؛ لأن الربوبية الخاصة تقتضي ذلك، لا سيما وأنه سوف يبلغ ما أنزل إليه من ربه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المؤمنين تبع لرسولهم ﷺ، حيث قال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، وجه التبعية: أنه ذكر المؤمَن به قبل أن يذكر التابع، يعني ما قال: آمن الرسول والمؤمنون بما أنزل إليه، وهذا يدل على أنهم أتباع للرسول عليه الصلاة والسلام لا يستقلون بشريعة دونه.
* ومن فوائدها أيضًا: أنه كلما كان الإنسان أقوى إيمانا بالرسول ﷺ كان أشد اتباعا له، وجهه؟ أنه قال: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ يعني: آمنوا بما أنزل إلى محمد ﷺ من ربه، وعليه فكل من كان أقوى إيمانا كان أشد اتباعا.
* ومن فوائدها أيضًا: أن إيمان الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين شامل لكل أصول الدين؛ لقوله: ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾، كذا؟ ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾.
ويبقى عندنا إشكال وهو أنه لم يذكر الإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر؟
والجواب على ذلك: أنه في ضمن الإيمان بالكتب والرسل؛ لأن الإيمان بالقدر والإيمان باليوم الآخر مما جاءت به الكتب والرسل، فيكون داخلا في ضمن الإيمان بالرسل والإيمان بالكتب.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات الملائكة؛ لقوله: ﴿وَمَلَائِكَتِهِ﴾. ووجوب الإيمان بهم؛ لقوله: ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ﴾، وقد سبق لنا في التفسير عن كيفية الإيمان بهم: أن نؤمن بأسمائهم ما علمنا منها، وبأوصافهم وبأعمالهم وأيش بعد؟ وبوظائفهم، الأعمال الخاصة بهم، والوظائف التي يقومون بها كالكتبة وحفاظ بني آدم وما أشبه ذلك، والأعمال التي يقومون بها على وجه خاص كالذين يذكرون ويسجدون وما أشبه ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإيمان بالرسل ليس فيه تفريق، لا نقول مثلا: نؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام، ولكن لا نؤمن بعيسى؛ لأن عيسى من بني إسرائيل، لا، نحن لا نفرق بين الرسل، وقد سبق لنا معنى قوله: ﴿لَا نُفَرِّقُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من صفات المؤمنين السمع والطاعة؛ لقوله: ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾، وذكرنا في التفسير أن الناس ينقسمون في هذا المقام إلى ثلاثة أقسام: معرض لا يسمع ولا يطيع، والثاني: سامع مطيع عكسه، والثالث: سامع غير مطيع وهذا أشد من الأول.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل أحد محتاج إلى مغفرة الله؛ لقوله: ﴿غُفْرَانَكَ﴾ فكل إنسان محتاج إلى المغفرة حتى النبي عليه الصلاة والسلام محتاج إلى المغفرة؛ ولهذا لما قال عليه الصلاة والسلام: «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ» قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ»[[حديث متفق عليه؛ أخرجه البخاري برقم (٥٦٧٣)، أخرجه مسلم برقم (٢٨١٦ (٧٣))، من حديث أبي هريرة.]]، وقال الله تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح ١، ٢] كل إنسان محتاج إلى المغفرة، ومن ذهب من أهل العلم إلى أن الرسول ﷺ لا يقع منه الذنب، وأن الاستغفار الذي يقع منه إنما هو للتعليم فقط، فقد أبعد النجعة، كما أن من قال: إن الاستغفار الذي كان الرسول يقوم به كان استغفارًا لذنوب أمته. وهذا أيضًا خطأ؛ لأن الله قال له: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد ١٩] فخص ذنبه، ثم قال: ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾، واعلم أن الإنسان قد يكون بعد الذنب أعلى مقاما منه قبل الذنب؛ لأنه قبل الذنب قد يكون مستمرئا للحال التي عليها، وماشيا على ما هو عليه معتقدا أنه كامل، وأنه ليس عليه ذنوب، فإذا أذنب وأحس بذنبه رجع إلى الله، وأناب إليه، وأخبت إليه فيزداد إيمانا ويزداد مقاما، ويرتفع مقامه عند الله عز وجل؛ ولهذا قال الله تعالى في آدم: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ [طه ١٢١، ١٢٢] فجعل الاجتباء بعد هذه المعصية، اجتباه ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾، وهذا كثيرا ما يقع، إذا أذنب الإنسان عرف قدر نفسه وأنه محتاج إلى الله ورجع إلى الله وأحس بالخطيئة وأكثر من الاستغفار وصار مقامه بعد الذنب أعلى من مقامه قبل الذنب.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات أن المصير إلى الله عز وجل في كل شيء؛ لقوله: ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ وقد سبق لنا في التفسير أن المراد بذلك المصير إلى الله في الآخرة والمصير إلى الله في الدنيا أيضًا فهو الذي يحكم بين الناس ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ١٠].
ثم قال عز وجل ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ إلى آخره.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة بيان رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده؛ حيث لا يكلفهم إلا ما استطاعوه ولو شاء أن يكلفهم ما لم يستطيعوا لفعل، فإذا قال قائل: كيف يفعل وهم لا يستطيعون، وما الفائدة أن يأمرهم بشيء لا يستطيعون؟ قلنا: الفائدة أن يعاقبهم على عدم الفعل، هذه هي الفائدة، أنه لو كلفهم بما لا يستطيعون وعجزوا عاقبهم على ذلك، لكن من رحمته سبحانه وتعالى أن ما لا نستطيع فإننا لا نكلف به، وهذه قاعدة عظيمة من أصول الشريعة ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ ولها نظائر في القرآن وكذلك في السنة.
* من فوائدها: إثبات القاعدة المشهورة عند أهل العلم وهي: لا واجب مع عجز، ولا محرم مع الضرورة انتبه، لكن إن كان الواجب المعجوز عنه له بدل وجب الانتقال إلى بدله، فإن لم يكن له بدل سقط، وإن عجز عن بدله وهو له بدل سقط كذا ولَّا لا؟ مثال ذلك إذا عجز عن الطهارة بالماء سقط عنه وجوب التطهر بالماء، لكن ينتقل إلى التيمم فإن عجز سقط التيمم أيضًا، لو كان شخصا محبوسا مكبلا لا يستطيع أن يتيمم ولا أن يتوضأ، قلنا: صل على حسب حالك بدون وضوء وبدون تيمم، واضح؟ طيب.
رجل قاتلٌ نفسًا خطأ قلنا له: عليك أن تعتق رقبة قال: لا أجد، عليك أن تصوم شهرين متتابعين قال: لا أستطيع. ماذا نقول؟ يسقط عنه حتى لو كان عنده من الدراهم الشيء الكثير فإنه لا يجب عليه الإطعام.
رجل جامع زوجته في نهار رمضان، قلنا له أيش: أعتق رقبة. قال: لا أجد. صم شهرين متتابعين. قال: لا أستطيع. أطعم ستين مسكينا. قال: لا أجد. ماذا نقول؟ نقول: لا شيء عليك. إذن القاعدة لا واجب مع عجز أخذ من هذه الآية.
رجل جاء والصف تام ما يستطيع أن يصف بين الناس، نقول: صل وحدك خلف الصف؛ لأن واجب المصافة الآن عجزت عنه، فيسقط عنك.
إنسان لا يستطيع أن يصلي قائما في الفريضة، نقول: صل قاعدا. قال: لا أستطيع. صل على جنب قال: لا أستطيع ما عندي حركة إطلاقا. نقول: صل بقلبك. فالقاعدة هذه والحمد لله مطردة لا تنخرم أبدا.
المحظورات نقول: لا محظور مع الضرورة، أو لا محرم مع الضرورة، لكن بشرط انتبه، كلمة ضرورة تعني أنه لا يمكن الاستغناء عن هذا المحرم، الشيء الثاني يشترط مع كونه لا استغناء عن هذا المحرم أن تندفع ضرورته به، فإن لم تندفع فلا فائدة، وإذا عرفت أنه لا بد من هذه الشرطين ما هما: أن لا يمكن الاستغناء عنه بغيره. الثاني: أن تندفع ضرورته به، فحينئذ لا محرم، يكون حلالا له.
رجل اضطر إلى أكل الميتة، يأكلها؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: حلالا؟ ولا يأثم؟
طلبة: ولا يأثم.
* الشيخ: ولا يأثم؛ لأنه لا استغناء له عنها؛ ولأنه إذا أكل انتفع، اندفعت الضرورة.
رجل اضطر إلى التداوي بمحرم؟
* طالب: لا يجوز.
* الشيخ: لا يجوز، كيف؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: لا، لا يجوز، أولا لأنه يمكن أن يستغني عنه بغيره، في أدوية كثيرة غيره؛ ولأنه لو تداوى به فقد تندفع ضرورته به ويشفى وقد لا تندفع، فيكون ارتكب محرما متيقنا لرجاء منفعة غير متيقنة، ولهذا لا يجوز بالإضافة إلى الأحاديث الواردة في هذا، طيب إذن هذه تخرم القاعدة أو لا؟ لا تخرم القاعدة؛ لأنها ما دخلت أصلا حتى تكون خارمة لها.
* طالب: طالب: يعني مثلًا واحد أكل شيء ما مثل (...).
* الشيخ: أولًا هذا ممنوع (...) السؤال ولَّا لا؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: إيه، لكن هو الآن سيورد نقضا لقاعدتنا الظاهر قصده، يقول: رجل غص بلقمة دور ما وجد إلا خمر، يعني ضاقت الدنيا ما لقي إلا كأس خمر ولا يوجد كأس ماء؟! لكن على كل حال ماذا نصنع؟ يشرب منه بقدر ما يدفع اللقمة فقط؛ لأن الشرط تم، لا يمكن أن يستغني عنه، ما عنده غيره، وتندفع به الضرورة، واضح؟
* طالب: ولا ينقض القاعدة يا شيخ؛ لأنه هو المشروب هذا ما هو المقصود به العلاج ولكن دفع اللقمة فقط.
* الشيخ: إي نعم ما هو داخل.
محرم يحتاج إلى حلق رأسه، اضطر إلى ذلك؛ لدفع أذى، فحلقه يجوز ولَّا لا؟ نعم لا محرم مع الضرورة، يجوز، يأتي بالموسى، ويحلقه وهو مستريح البال، لكن أوجب الله عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك، كيف ذلك؟ قال العلماء: لأن هذا الذي انتهك هذا المحرم ما انتهكه لضرورة إليه نفسه، لكن لدفع ضرورته به، ولهذا القاعدة عندهم الفقهية: من أتلف شيئا لدفع أذاه فلا ضمان، ومن أتلف شيئا لدفع أذاه به ضمنه، هذه القاعدة، من أتلف شيئا لدفع أذاه لم يضمنه ومن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه، كلام معلوم؟ من أتلف شيئا لدفع أذاه لم يضمنه، صال عليك صيد وأنت محرم والصيد يحرم على المحرم قتله، أليس كذلك؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة ٩٥] خفت على نفسك، ولم يندفع هذا الصيد إلا بقتله فقتلته، عليك ضمان؟ لا؛ لأنك دفعت أذاه، فهو الذي أسقط حرمته بالأذى، واضح؟
جعت واحتجت إلى قتل الصيد لتأكله فقتلته وأكلته، قتلك إياه حلال؛ لأنك مضطر، لكنك تضمنه، لماذا؟ لأنك لم تقتله لدفع أذاه ولكن لدفع أذاك به، لدفع أذاك وتضررك به، المحرم إذا حلق رأسه لإزالة القمل، فهنا ما حلق الشعر من أجل الشعر، الشعر ما جاءه منه مضرة، لكنه حلقه لأيش؟ لدفع أذاه به؛ لأنه إذا حلقه ذهب القمل، صار نظيفا ولا فيه ظل يستظل به القمل فاستفاد، ولهذا أوجب الله فيه الفدية من صيام أو صدقة أو نسك؛ لأنه أتلفه لدفع أذاه به؛ ولهذا يقول الفقهاء: إذا نزلت شعرة بعينه ثم نقشها بالمنقاش لدفع أذاها فهل يضمن؟ يقولون: لا يضمن وهذا يقع كثيرا أظن بس ما أدري الآن قليل هذا، كنا نعرف فيما سبق في الجفن هنا يخرج من داخله شعرات تؤذي العين ونراهم كثيرا ما يمسكون الرجل، ثم يفصل الجفن هكذا ومعه منقاش ينقش الشعرات، نقول: هذا لدفع أذاها فلا ضمان، وهذا بناء على أن شعر غير الرأس كشعر الرأس تحرم إزالته في حال الإحرام، وقد سبق لنا في باب محظورات الإحرام أن الصحيح: أن التحريم خاص بشعر الرأس فقط، أما غيره من الشعور فليس فيه التحريم، ما عليه دليل على تحريم إزالته في حال الإحرام.
الخلاصة الآن أخذنا من هذه الآية الكريمة: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ قاعدتين متفق عليهما وهما: لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة، ولكنا قلنا في الواجب: إذا كان له بدل نتحول إلى بدله، فإن عجزنا سقط.
* طالب: القاعدة الثانية شيخ؟
* الشيخ: نعم، القاعدة الثانية: لا محرم مع الضرورة، ولكنا قلنا، إنه يجب أن نعلم ما معنى الضرورة؟ قلنا: الضرورة هو أن لا يستغني عنه، أي عن فعل هذا المحرم، ويشترط أن تندفع ضرورته به وإلا فلا، ثم أتينا بقاعدة عارضة وهي: إذا أتلف الإنسان شيئا يحرم عليه إتلافه مع اضطراره إليه، قلنا: لا يأثم، الإثم لا يأثم، لكن هل عليه الضمان؟ فيه التفصيل: إن أتلفه لدفع أذاه فلا ضمان، وإن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه، وقد ذكرنا الأمثلة لهذا.
من فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان لا يحمل وزر غيره؛ لقوله: ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾، وأن الإنسان قد ينتفع بسعي غيره؛ لقوله: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾؛ لأن ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ يشمل ما كسبه الإنسان بعمله وما كسبه بعمل غيره، وأما الاكتساب فلا يتحمل الإنسان إثم غيره.
فإن قلت: يرد عليك أنه ثبت عن النبي ﷺ: أن «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم برقم (١٠١٧ (٦٩)) من حديث جرير بن عبد الله.]]؟
فالجواب: أن هذا لا يرد؛ لأن الذي فعلها أولا اقتدى الناس به، فكان اقتداؤهم به من آثار فعله، كان من آثار فعله، ولهذا يكون هو المتسبب، وهو الدال على هذا الفعل المحرم فيكون مكتسبا له.
استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن القُرَب لا تصل إلى الأموات كما استدلوا بقوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم ٣٩] فهل هذا الاستدلال وجيه؟ نقول: نعم، هو عندهم وجيه؛ لأن الله أضاف الفعل إلى الفاعل: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ والقرب التي فعلها الغير، الكاسب لها هو الغير، فلو أن الإنسان صلى، وقال: اللهم إني أصلي لفلان فاجعل ثوابها له، يقولون: هذا لا ينتفع به فلان، لا ينتفع به، لو تصدق وقال: اللهم إن صدقتي هذه لفلان فاجعل ثوابها له، يقولون: لا ينفع إلا أنهم يستثنون ما جاء به النص؛ لأن الله يقول: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾.
ولكن الصحيح خلاف ذلك، وأن الإنسان إذا نوى بالعمل الصالح أن يكون لغيره فإن غيره ينتفع به، ولنا بذلك أدلة، منها: حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه «أنه كان له مِخْرافٌ -يعني بستان- فأرادَ أن يتصدّقَ به عن أمِّه، فسألَ النبيّ ﷺ عن ذلك. فقال: «نَعَمْ»، وأذِنَ له به»[[أخرجه أبو داود برقم (٢٨٨٢)، والترمذي برقم (٦٦٩)]].
ومنها أيضًا: «أن رجلا جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسولَ الله إنّ أمّي افتُلتَتْ نفسُها وأظنّها لو تكلمتْ لتصدقتْ أفأتصدّقُ عنها؟ قال: «نَعَمْ»[[حديث متفق عليه البخاري برقم (١٣٨٨)، ومسلم برقم (١٠٠٤ (٥١)) من حديث عائشة.]].
ومنها: قول الرسول ﷺ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»[[حديث متفق عليه؛ البخاري برقم (١٩٥٢)، ومسلم برقم (١١٤٧ (١٥٣)) من حديث عائشة.]].
ومنها:« أن امرأةً سألتِ النبيّ ﷺ عن أبٍ لها أدركته فريضةُ الله وهو لا يستطيعُ الركوبَ على الراحلة، واستأذنته أن تحجّ عنه فأذِنَ لها»[[حديث متفق عليه؛ أخرجه البخاري برقم (١٥١٣)، ومسلم برقم (١٣٣٤ (٤٠٧)) من حديث ابن عباس.]]، والأمثلة في هذا كثيرة.
فإن قالوا: ما ورد به النص نقتصر عليه، وما لم يرد به لا ندخله، فالجواب أن يقال: إن هذه قضايا أعيان، وقضايا الأعيان لا تمنع غيرها أن يثبت له حكمها بالقياس؛ لأن الذي أذن لسعد بن عبادة مثلا وللرجل الآخر أن يتصدقا عن أمهما، لو جاءه سائل، وقال: يا رسول الله، أرأيت لو قرأت قرآنا أو صليت ركعتين أجعلها لأمي ما ندري هل يقول لا أو لا يقول، ومقتضى الدليل أن يقول: نعم؛ لأن الكل عمل صالح، ولا فرق بين صدقة وصوم وحج وقراءة قرآن وصلاة لا فرق بينها، إن قالوا الصدقة عمل مالي أو قربة مالية ينتفع بها الغير، قلنا: الحج هل هو قربة مالية ولَّا بدنية؟ بدنية، الصوم قربة بدنية، ومع ذلك أجازه الشارع، والتفريق بين البدني والمالي لا دليل عليه أبدا، وحينئذ نقول: إن الإنسان إذا نوى بالعمل الصالح أن يكون ثوابه لفلان فله ذلك ويصل إليه وينتفع به.
فإذا قال قائل: إذا قلتم ذلك، فهل يشرع أن نجعل ثواب ما عملناه لرسول الله ﷺ؟ مثل ما يوجد في بعض المصاحف في آخر المصحف دعاء ختم القرآن: اللهم اجعل ثواب ما قرأناه وتلوناه وكذا وكذا لروح سيدنا محمد ﷺ، ولروح آل سيدنا محمد ولكذا ولكذا، فهل من المشروع أن نقول: إنه ينبغي للإنسان أن يهدي القرب إلى أعظم الناس حقا عليه وهو رسول الله ﷺ؟
الجواب: لا، لا يشرع أبدا، لماذا؟ لأنك مهما عملت من عمل، فإن ثواب العمل هذا يصل إلى الرسول ﷺ أهديته أم لم تهد؛ لأنه هو الدال على هذا العمل، فليس بحاجة، وأنت إذا أهديت ثواب عملك إليه فحقيقة الأمر أنك حرمت نفسك من ثواب هذا العمل؛ لأن ثواب هذا العمل حاصل للرسول عليه الصلاة والسلام، إذن ليس بمشروع.
هل يشرع أن أهدي الثواب لأقاربي؟ للأقارب؟ يقول بعض العلماء: لا يشرع؛ لأن هذا إنما ورد في الأصل، يعني في الأصول، ورد في الأصول، فنقول له: هذا خطأ، الذي ورد في الأصول ليس قولًا يفيد العموم للأمة، إنما هي قضية عين، سعد بن عبادة استأذن أن يجعل ذلك لأمه، والرجل الآخر استأذن أن يكون لأمه، لكن قل أو ماذا تقول في قول الرسول ﷺ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»[[حديث متفق عليه؛ البخاري برقم (١٩٥٢)، ومسلم برقم (١١٤٧ (١٥٣)) من حديث عائشة.]]؟ يشمل أمه وأباه وأخاه وعمه وكل من كان يتولى أمره، فتخصيص هذا بالأبوين ليس عليه دليل.
إذا قال قائل: هل من المشروع أن أهدي الثواب للأقارب من آباء أو غيرهم؟ فالجواب: لا، ليس من المشروع، لكنه من الأمور الجائزة، التي لم يمنع منها رسول ﷺ، ومع كونه لم يمنع منها أرشد إلى ما هو أهم وأولى، وهو الدعاء؛ حيث قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»[[أخرجه مسلم برقم (١٦٣١ (١٤)) من حديث أبي هريرة.]] شوف تأمل الآن سياق الحديث في العمل ولَّا لا؟ في العمل، «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ»، وعدل عن قوله: أو ولد صالح يعمل له، إلى قوله: «أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وهذه إشارة واضحة إلى أن العمل للغير ليس بمطلوب من الإنسان، الدعاء أفضل؛ ولذلك لا نجد هذا موجودا بكثرة في عهد الصحابة رضي الله عنهم مع حرصهم على الخير والإحسان، وبه نعرف أن ما يفعله كثير من الناس اليوم بإهداء القرب إلى الأموات، وكونه إذا أهدى القربة إلى الميت يحسنها أكثر مما إذا فعلها لنفسه كما هو مشاهد، نعرف أن هذا من سوء التصرف وعدم الفقه في دين الله عز وجل.
* طالب: هل يجوز إهداء الثواب (...) للوالدين وهم أحياء؟
* الشيخ: إي نعم، يجوز إلا فيما يشترط فيه أن يباشروا فعله مثل الصلاة، مثلا صلاة الفريضة لو قال: بأصلي عن أبي؛ لأنه يتعب. ما صح.
* طالب: شيخ، قلنا يا شيخ في ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ أن الله سبحانه وتعالى لو شاء لكلف الناس غير وسعها، لكن يا شيخ قلنا في موضع آخر: إن الله سبحانه وتعالى لا يشاء شيء إلا لحكمة؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ﴾ [الإنسان 30].
* الشيخ: أحسنت، إي نعم.
* الطالب: عدم يعني تكليف الإنسان ما لا يستطيع (...).
* الشيخ: ما صار هذا، ما صار حتى نذهب إلى أن نشوف وجهه، نقول: لو شاء، وذكرنا الحكمة، قلنا الحكمة من ذلك أن يعاقبهم إذا أبَوْا.
* طالب: الحكمة أن الله سبحانه وتعالى يعاقبهم عليها، ولكن الله سبحانه وتعالى يعاقب النفس على شيء -يعني لا تستطيع- الله سبحانه وتعالى يعلم أنها لا تستطيع (...) العدل.
* الشيخ: هو لهذا صار غير موجود؛ ولهذا نحن نقول هذا من فضل الله علينا، يعني: لو قلنا بأن هذا ممتنع ما صار فيه فضل وصار كل ما دل على (...) التكليف الشاق يصير ما فيه فضل، إحنا نقول: هذا فيه فضل.
* الطالب: إي نعم، فضل من ناحية يعني تكليف العبادة.
* الشيخ: طيب، إذن من فضل الله أنه لم يكلف ما لا يستطيعه العبد.
* الطالب: لكن الفضل يعود على تمام عدل الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: (...) ممتنع.
* الشيخ: هذه إحنا نقول: ممتنعة الآن.
* طالب: تفسير الآية قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم ٣٩]؟
* الشيخ: بيجينا، إن شاء الله الجواب عليها.
* الطالب: (...)
* الشيخ: أقول بيجينا إن شاء الله الجواب على هذا على أدلتهم اللي قالوا ما ينتفع بعمل غيره، إحنا ذكرنا أدلة القائلين بأنه ينتفع، وسنجيب إن شاء الله تعالى عن أدلة القائلين بأنه لا ينتفع.
* طالب: يا شيخنا قول النبي ﷺ: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» أو ولد صالح يدعو له قول النبي ﷺ: انقطع معناه العمل ما يأتيه (...) ولا ينتفع من غيره، بل الدعاء وبولده (...)؟
* الشيخ: نعم لا ما في إشكال هذا استثناء منقطع، ما تعرف الاستثناء المنقطع؟ يكون الاستثناء من غير جنس المستثنى منه.
* الطالب: كيف يكون المعنى؟
* الشيخ: يعني معنى الحديث: إن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به هذا واضح، هذا من عمله، أو ولد صالح يدعو له هذا استثناء منقطع، يعني لكن إن دعا له ولد صالح انتفع به.
* طالب: الحديث الذي ورد في سبب نزول هذه الآيات ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ أتى الصحابة، وقالوا: كلفنا ما لا نطيق، وأنزلت آية لا نطيقها، وهي هذه الآية، هل هذا فيه دليل على جواز التكليف بما لا يطاق؟ لأن الرسول ﷺ أقرهم، ما قال لهم لا، «قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا»[[أخرجه مسلم برقم (١٢٦ (٢٠٠)) من حديث ابن عباس.]] (...).
* الشيخ: لما نزلت ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران ١٠٢] هو الحقيقة إن هذا وإن سماه بعض العلماء نسخا، فهو نسخ باصطلاح المتقدمين، يعني تخصيص، وإن كان بعضهم أطلق عليه النسخ والصحيح أنه ما هو بنسخ، إنه من باب التخصيص.
* طالب: لما نزلت: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ أتوا قالوا يا رسول الله: لا نطيقها، فهنا قالوا: لا نطيقها، والرسول ﷺ قال: «قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا».
* الشيخ: إي مرادهم بعدم الإطاقة يعني: أنه يأتي على قلوبنا شيء ما نستطيع دفعه، هذا بعمل القلب، يعني إذا أتى القلب شيء ما يمكن دفعه، ما يمكنه دفعه لا يطيقه.
* الطالب: يعني ما فيه دليل على هذا؟
* الشيخ: ما فيه دليل، قد يكون مرادهم بهذا المشقة الشديدة في التحرز منه.
* طالب: شيخ، قراءة القرآن يعني إذا كان عام من غير تخصيص يعني (...)؟
* الشيخ: إي نعم، إلا ما ورد به النص يعني: مثل لو قرأ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وخصصها للميت ما فيها شيء؛ لأنها تعدل ثلث القرآن، وكذلك الفاتحة أعظم سورة في كتاب الله.
* طالب: شيخ، حديث الرسول صلة الله عليه وسلم، «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا ثلاثة» وذكر صدقة جارية، فلو اكتسب الإنسان يعني، واهب بنى ملاهي مثلا، ومات، هل الملاهي هذا من دخل فيه يعني ارتكب إثم، هل هذا الإثم يجد وزره؟
* الشيخ: إي نعم، نعم، نعم.
* الطالب: إذن هذا ما انقطع عمله؟
* الشيخ: هذا ما هي الصدقة الجارية، هذا عقوبة جارية.
* طالب: شيخ، بالنسبة إذا تاب الإنسان وعنده عمل سيئ وسنه للناس (...) ولكنه تاب أليس..؟
* الشيخ: يجب عليه كسر الصنم هذا.
* الطالب: ما استطاع.
* الشيخ: إذا ما استطاع سقط عنه التكليف إي نعم.
* طالب: قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ ما يدخل تحت قول الله تعالى: «قد فعلت»؟
* الشيخ: كل هذه الجمل يقول: «قد فعلت».
* الطالب: قول الله: ﴿وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ تدخل التكاليف الشرعية والقدرية؟
* الشيخ: إي نعم نعم.
* الطالب: (...) ما لا طاقة لهم به.
* الشيخ: لا، أنت الآن تدعو فهمت ولَّا لا؟ تدعو الله سبحانه وتعالى بذلك، فإذا دعوت الله تعالى بصدق فإن هذه المصائب التي قد لا يطيقها بعض الناس أنت يحملك الله إياها، وتكون عندك سهلة مثل يوم القيامة على المؤمنين يسير، وعلى الكافرين غير يسير.
* الطالب: إذا حصلت على الإنسان؟
* الشيخ: إذا حصلت قد تيسر عليه وكأنها ليست بشيء.
* الطالب: إذا ما يسرت إما إنه ما دعا، أو إنه ما دعا..
* الشيخ: أو إنه ما دعا بإخلاص، أو لغير ذلك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة ٢٨٦].
أخذنا من هذه الآية عدة فوائد:
* منها: يسر الدين الإسلامي، من أين أخذ؟ من قوله: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾.
* ثانيا: أن العبادات تتنوع بحسب حال المكلف، فقد نلزم هذا الرجل أن يصلي قائما مثلًا، ولا نلزم الآخر، نلزم هذا أن ينفق، ولا نلزم الثاني، نلزم هذا بالجهاد، ولا نلزم الثاني وهكذا، فالتكليفات تتنوع بحسب المخاطب أو بحسب المكلف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن للإنسان طاقة محدودة؛ لقوله: ﴿إِلَّا وُسْعَهَا﴾ فالإنسان له طاقة محدودة في كل شيء، في العلم والقدرة، والفهم، والحفظ، كل شيء له طاقة محدودة كلف بحسب طاقته.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن للإنسان ما كسب مباشرة أو بواسطة غيره؛ لقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يمكن للإنسان أن يظلم ببخس حسنة واحدة من حسناته؛ بدليل قوله: ﴿مَا كَسَبَتْ﴾ و﴿مَا﴾ هذه اسم موصول تفيد العموم، أي كل ما كسبت.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن على الإنسان وزر ما اكتسب؛ لقوله: ﴿مَا اكْتَسَبَتْ﴾.
* ويتفرع على اختلاف التعبير أنه لا يؤاخذ بالهم بالسيئة؛ لقوله: اكتسب والتاء تدل على أيش؟ على الفعل والمباشرة بخلاف الثواب في الأعمال الصالحة، فإن الإنسان يثاب على نيته؛ ولهذا قال: ﴿مَا كَسَبَتْ﴾.
* ومنها: أنه لا يجوز أن يحمل الإنسان غيره وزر نفسه، ويجوز أن يجعل ثواب العمل الصالح لغيره، من قوله: ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾، فلو أن الإنسان عمل عملا محرما وقال: اللهم اكتب وزر هذا على عدوي فلان، يمكن؟
* الطلبة: ما يمكن.
* الشيخ: طيب، عمل عملا صالحا وقال: اللهم اكتب أجر هذا لأبي أو أخي أو لفلان من الناس؟ هذا يصح، وهذا هو الفائدة من قوله: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأعمال الصالحة كسب، والأعمال السيئة غرم؛ وذلك مأخوذ من قوله: ﴿لَهَا﴾، ومن قوله: ﴿عَلَيْهَا﴾، فإن على ظاهرة في أنها غرم، واللام ظاهرة في أنها كسب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: رحمة الله سبحانه وتعالى بالخلق؛ حيث علمهم دعاء يدعونه به واستجاب لهم إياه، في قوله: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾.
* ومن فوائدها: أنه ينبغي للإنسان أن يتوسل في الدعاء بالوصف المناسب، مثل الربوبية التي بها الخلق والتدبير؛ ولهذا أكثر الأدعية اللي في القرآن كلها مصدرة بوصف الربوبية مثل: ربنا، أو رب، ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح ٢٦]، وقال إبراهيم: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم ٣٦] وما أشبه ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: رفع المؤاخذة بالنسيان والجهل؛ لقوله: ﴿لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾، فقال الله تعالى: «قَدْ فَعَلْتُ».
وهل يلزم من رفع الإعادة سقوط الطلب؟ الجواب: لا، لا يلزم من رفع المؤاخذة سقوط الطلب، فمن ترك الواجب نسيانا أو جهلا وجبت عليه إعادته، ولم يسقط الطلب، بل وجب عليه فعله، ولم يسقط الطلب به؛ ولهذا قال النبي صلوات الله وسلامه عليه قال: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»[[حديث متفق عليه؛ أخرجه البخاري برقم (٥٩٧)، ومسلم برقم (٦٨٠ (٣٠٩))، والبزار برقم (٦٣٢٠) واللفظ له من حديث أنس بن مالك. ]]، ولما صلى الرجل الذي لا يطمئن في صلاته، قال له: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»[[حديث متفق عليه؛ أخرجه البخاري برقم (٧٥٧)، ومسلم برقم (٣٩٧ (٤٥)) من حديث أبي هريرة.]] ولم يعذره بالجهل مع أنه لا يحسن غير هذا، إذن فعدم المؤاخذة بالنسيان والجهل أيش؟ لا يسقط الطلب، وهل يرفع إثم النهي؟ الجواب: نعم يرفع إثم النهي، وهل يصح أن نقول: إنه في النهي لا يسقط الطلب؟ يصح، كيف لا يسقط الطلب؟ لأن النهي مطلوب تركه، فإذا فعلته ناسيا أو جاهلا، لم يرتفع الحكم بل الحكم باق وطلبُ تركه مطلوب باق، لكن الفرق بين النهي والأمر: أن الأمر يطلب به الإيجاد، والنهي يطلب به الترك، فهذا الرجل الذي فعل المحرم جاهلا أو ناسيا نقول: كأنك لم تفعله، إذن إذا كان يترتب على هذا المنهي عنه بطلان العبادة فإن العبادة لا تبطل، إذا كان يترتب عليه كفارة فإن الكفارة لا تثبت، لماذا؟ لأنه قد رفعت فيه المؤاخذة عن هذا الفعل المحرم، وإذا رفعت المؤاخذة فيه صار وجوده أيش؟ كالعدم كأن لم يكن شيء، ولهذا نقول: لو أكل الإنسان وهو صائم ناسيا فصومه صحيح كما دلت عليه السنة، ولو أكل جاهلا يظن أن الشمس قد غربت، ثم تبين أنها لم تغرب، فصومه صحيح كما جاءت به السنة، ولو جامع جاهلا أن الجماع يفسد الصوم؟
* طالب: (...)
* الشيخ: انتبه، جاهلا أنه يفسد الصوم، لكنه عالم أنه حرام، هذا ما دام عنده علم فلا يشترط العلم بما يترتب على المحرم، ليس بشرط ما دمت تعلم أنه محرم يترتب عليك أثره، فلو جامع يعرف أن الجماع حرام، لكن لم يعلم أن عليه هذه الكفارة المغلظة، قلنا: إن الكفارة واجبة عليك؛ لأنك انتهكت المحرم عالما به، أفهمتم الآن؟ طيب ولذلك لم يسقط النبي ﷺ الكفارة عن الذي جامع في رمضان مع أنه لا يدري ماذا عليه، جاي يسأل وأيش عليه، لكنه يعرف أنه حرام بخلاف الإنسان الذي لم يعلم أنه حرام فهذا ليس عليه إثم ولا قضاء ولا كفارة، والفرق بينهما ظاهر أظن.
رجل جامع في الحج قبل التحلل الأول، لكنه لا يدري يحسب أن الإنسان إذا وقف في عرفة انتهى حجه، في ليلة المزدلفة ليلة العيد معه زوجته فنام معها وجامعها، قال: لأيش؟ قال لأن الرسول ﷺ يقول: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»[[أخرجه ابن ماجه برقم (٣٠١٥)، والترمذي برقم (٨٨٩)، والنسائي (٣٠١٦) من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي.]] الحج عرفة حججت، فهذا الذي فهمت، فهل يفسد حجه؟ لا يفسد حجه، عليه كفارة؟ لا؛ لأن الجاهل كما تدل عليه الآية الكريمة غير مؤاخذ، وإذا لم يؤاخذ بفعل المحرم صار وجوده كعدمه.
حلف أن لا يكلم زيدا فرأى شخصا من الناس فكلمه، لكن ما يدري أنه زيد؟ ليس عليه كفارة؛ لأنه جاهل، والله يقول لما قال: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ قال: قد فعلت، إذن هذه القاعدة، فإذا قال قائل: فعل الأوامر ذكرتم أنه لا بد أن يفعل المأمور، فما الذي يسقط عنه حينئذ؟ نقول: يسقط عنه الإثم؛ لأنه لو فعل المأمور على وجه غير صحيح متعمدا لكان آثما، إي نعم على وجه غير صحيح متعمدا لكان آثما؛ لأنه كالمستهزئ بآيات الله، مثل لو صلى محدثا، يعلم حدثه يكون آثما ولَّا لا؟ يكون آثما، صلى محدثا ناسيا حدثه؟ لا يأثم، إذن فهمنا عدم المؤاخذة، لكن هل نلزمه بأن يعيد الصلاة؟ نعم، نلزمه؛ لأن هذا فعل مأمور، فتبين بهذا وجه كون فاعل المأمور على وجه لا يصح ناسيا أو جاهلا أنه لا يؤاخذ، ولو أمرناه بالإعادة؛ لأنه لا يأثم بهذا الفعل، ألم تعلموا أن أبا حنيفة رحمه الله قال: لو صلى الإنسان محدثا عالما ذاكرا لكفر، كفر خرج من الإسلام، لأيش؟ لأنه مستهزئ، مستهزئ بآيات الله، نحن نقول: لو صلى ناسيا أو جاهلا لم يكفر وليس عليه إثم؛ لأنه لا يؤاخذ بالجهل والنسيان، لكن نظرا إلى قيام الطلب يجب عليه أن يفعل المطلوب.
من فوائد الآية الكريمة: أن فعل الإنسان واقع باختياره، فيكون فيها رد على الجبرية الذين يقولون: إن الإنسان مجبر على عمله، وأن الإنسان إذا عمل عملًا اختياريًا فهو كالذي يجبر على عمله، تحرك الإنسان باختياره كتحرك السعفة في الهواء ليس باختياره، أعرفتم؟ القول هذا باطل ولَّا لا؟ لا شك، باطل سمعا وعقلا، أما السمع فإن النصوص الكثيرة في أن فعل الإنسان واقع بإرادته ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران ١٥٢] ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ [التكوير ٢٨]، وأما العقل؛ فلأن الإنسان لو كان مجبرا على عمله؛ لكان عقوبة الله له ظلما إذ كيف يجبره على شيء ثم يعاقبه عليه؟ أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: طيب، هم يدعون أن الظلم أن يتصرف الإنسان في ملك غيره، وتصرف الله في ملكه ليس بظلم، حتى لو عذب المطيع فليس بظالم، ولكن نقول: بل لو فرض أنه عذب المطيع؛ لكان ذلك ظلما؛ لأن الله قال: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه ١١٢] فنفى عن نفسه الظلم عز وجل، المهم أن هذا ليس موضع البسط في هذه المسألة، لكن في الآية رد على الجبرية، ووجه الرد: أن الله رفع المؤاخذة عن الجاهل والناسي؛ لأن الجاهل والناسي لم يتعمد المخالفة، فدل ذلك على أن ما يؤاخذ به وهو ما صدر عن علم وذكر واقع بأيش؟ بإرادته؛ لأنه يؤاخذ على ذلك، قال: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾.
* من فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن النسيان وارد على البشر، والخطأ وارد على البشر، وجهه؟ ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ ولو كان هذا غير وارد لكان الدعاء بعدم المؤاخذة به لغوًا وعبثًا، وكل إنسان ينسى، كل إنسان يخطئ «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»[[رواه الترمذي برقم (٢٤٩٩)، وابن ماجه برقم (٤٢٥١) من حديث أنس بن مالك.]]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ»[[حديث متفق عليه؛ أخرجه البخاري برقم (٤٠١)، ومسلم برقم (٥٧٢) من حديث عبد الله بن مسعود.]].
فإذا قال قائل: ما الحكمة من أن الله سبحانه وتعالى يجعل البشر ينسى ويخطئ؟
قلنا: الحكمة ليتبين للإنسان ضعفه وأنه ضعيف، ضعيف في الإدراك وضعيف في الإبقاء، في كل حال؛ وليتبين بذلك فضل الله عليه بالعلم والذاكرة، وما أشبه ذلك مما يحصل به النسيان والجهل؛ ولأجل أن يفتقر الإنسان إلى ربه عز وجل في رفع النسيان والجهل عنه، فيلجأ إلى الله عز وجل، ويقول: اللهم احفظ علي ما علمت، احفظ علي ديني، احفظ علي علمي، وما أشبه ذلك مما يوجب أن يكون الإنسان مفتقرا إلى ربه إذا علم أن حاله هي النسيان وأيش؟ والخطأ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: امتنان الله على هذه الأمة برفع الآصار التي حملها من قبلنا؛ لقوله: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾، فقال الله: قد فعلت، فدل هذا على أن هذه الأمة رفعت عنها الآصار والأغلال التي كانت على من سبق، وهو كذلك ولله الحمد.
* ومنها: أن هذه الأمة رفع عنها حكم النسيان.
﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة ٢٨٦]
* من فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن النسيان وارد على البشر، والخطأ وارد على البشر، وجهه ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾، ولو كان هذا غير وارد لكان الدعاء بعدم المؤاخذة به لغوًا وعبثًا، وكل إنسان ينسى، كل إنسان يخطئ «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»[[أخرجه الترمذي (٢٤٩٩)، وابن ماجه (٤٢٥١)، والدارمي (٢٧٦٩)، من حديث أنس. ]]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٠١)، ومسلم (٥٧٢ / ٨٩)، من حديث ابن مسعود. ]].
فإذا قال قائل: ما الحكمة من أن الله سبحانه وتعالى يجعل البشر ينسى ويخطئ؟
قلنا: الحكمة ليتبين للإنسان ضعفه وأنه ضعيف، ضعيف في الإدراك وضعيف في الإبقاء، في كل حال، وليتبين بذلك فضل الله عليه بالعلم والذاكرة، وما أشبه ذلك مما يحصل به النسيان والجهل، ولأجل أن يفتقر الإنسان إلى ربه عز وجل في رفع النسيان والجهل عنه، فيلجأ إلى الله عز وجل، ويقول: اللهم احفظ علي ما علمت، احفظ علي ديني، احفظ علي علمي، وما أشبه ذلك مما يوجب أن يكون الإنسان مفتقرًا إلى ربه إذا علم أن حاله هي النسيان وأيش؟ والخطأ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: امتنان الله على هذه الأمة برفع الآصار التي حملها من قبلنا؛ لقوله: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾، فقال الله؟
* طالب: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾.
* الشيخ: لا ما هو بهذا، ما نقبل الإصر؟
* طالب: قال الله: قد فعلت.
* الشيخ: قال الله: قد فعلت.
إذن نقول: إن الله قال: قد فعلت، فدل هذا على أن هذه الأمة رفعت عنها الآصار والأغلال التي كانت على من سبق، وهو كذلك ولله الحمد.
* ومنها: أن هذه الأمة رفع عنها حكم النسيان؛ لقوله: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾.
إذا قال قائل: ما تقولون في قول الله تعالى في قصة آدم: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه ١١٥]؟
نقول: هذه مما رفعها الله عن هذه الأمة: النسيان رفع عن هذه الأمة، وأما في آدم فإنه أخذ به؛ لأنه قال: ﴿نَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه ١١٥]. فيكون في شريعة آدم يؤاخذ الإنسان بالنسيان، على أن بعض أهل العلم قال: إن المراد بالنسيان في قصة آدم الترك؛ لأن النسيان يطلق ويراد به الترك؛ كما في قوله تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة ٦٧] أي: تركهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من كانوا قبلنا مكلفون بما هو أعظم مما كلفنا به؛ لقوله: ﴿كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة ٢٨٦] وسبق لنا في التفسير مثال منه، من يأتي به؟
* طالب: أولا: إن اليهود كان إذا قتل الإنسان منهم، إذا الإنسان قتل واحدا فإنه يقتل به سواء عفا عنه وليه أو لم يعف، وعند النصارى أن الإنسان إذا قتل واحد منهم فعليه العفو.
* الشيخ: نعم.
* طالب: أن الله عز وجل أنزل على بني إسرائيل أنهم إذا أرادوا أن يتوبوا أن يقتلوا أنفسهم.
* الشيخ: لما عبدوا العجل خاصة جعل الله من توبتهم أن يقتلوا أنفسهم، كفاية مثالين.
طيب، ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾.
* يستفاد أيضًا من الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله سبحانه وتعالى العافية بحيث لا يحمله ما لا طاقة له به، ففيه ردّ على بعض أهل الصوف -أعني الصوفية- الذين قالوا: نحن لا نسأل الله تعالى أن يقينا ما يشق علينا؛ لأننا عبيده، وإذا حصل لنا ما يشق فإننا نصبر عليه، وقد مرّ علينا قصة سحنون المالكي الذي قال في جملة ما قال يخاطب الله: فكيفما شئت فامتحني، يعني: إني صابر فكيف ما شئت فامتحني، فامتحن بعسر البول، وصار لا يتبول بسهولة، فكان يأتي على الكتاتيب، الصغار الأولاد الصغار في المدارس ويقول: ادعوا لعمكم الكذاب، يأتي للصغار؛ لأنهم أقرب للإجابة، لأنهم لا تكتب عليهم الذنوب، يقول: ادعوا الله لي لعمكم الكذاب، لأيش؟ لأنه كذب، هل صبر ولَّا ما صبر؟
* الطلبة: ما صبر.
* الشيخ: ما صبر؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يسأل الله العافية كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُ فَاصْبِرُوا»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٩٦٦)، ومسلم (١٧٤٢ / ٢٠)، من حديث عبد الله بن أبي أوفى.]] يؤخذ هذا من قوله: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾.
* من فوائد الآية الكريمة أيضًا: أنه ينبغي للإنسان سؤال الله العفو؛ لأن الإنسان لا يخلو من تقصير في المأمورات، فيسأل الله العفو عن تقصيره؛ كقوله: ﴿وَاعْفُ عَنَّا﴾، وسؤال الله المغفرة من ذنوبه التي فعلها؛ لأن الإنسان إن لم يغفر له تراكمت عليه الذنوب ورانت على قلبه وربما توبقه وتهلكه؛ لقوله أيش؟
* الطلبة: ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾.
* الشيخ: ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله أن يرحمه في مستقبل أمره، فيعفو عما مضى ويغفر ويرحم أيش؟ في المستقبل؛ لقوله: ﴿وَارْحَمْنَا﴾ وبه نعرف اختلاف هذه الكلمات الثلاثة: طلب العفو عن التفريط في أيش؟
* الطلبة: في الطاعات.
* الشيخ: في الطاعات، في المأمور، والاستغفار عن فعل المحرمات، والرحمة فيما يستقبله الإنسان من زمنه أن الله يرحمه ويوفقه لما فيه مصلحته.
* من فوائد الآية الكريمة: أن المؤمن لا ولي له إلا ربه؛ لقوله: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا﴾، ففيه إثبات ولاية الله عز وجل، وسبق لنا في التفسير أن الولاية قسمان: عامة، وخاصة: عامة ومعناها أن الله يتولى جميع شئون الخلق من مؤمن وكافر، وبر وفاجر، وفاسق وعادل، وخاصة وهي ولايته لمن؟
* الطلبة: للمؤمنين.
* الشيخ: للمؤمنين، ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس ٦٢، ٦٣]. ونقول أيضًا في خاصة الخاصة التي تكون للرسل مثل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ﴾ [التحريم ٤].
* من فوائد الآية الكريمة أيضًا: إثبات الصفات الفعلية لله عز وجل؛ اعف عنا واغفر لنا وارحمنا وانصرنا على القوم الكافرين أيضًا.
وهذا هو مذهب السلف أن الله عز وجل له صفات تتعلق بإرادته ومشيئته، نوعها قديم وآحادها حادثة، النوع قديم وهو جنس الفعل، والآحاد حادثة، كل الأفعال التي يفعلها الله فجنسها قديم؛ لأن الله لم يزل ولا يزال فعالًا، وأما آحادها فهي حادثة، ولنفرض مثلا أن الله تعالى رزق شخصًا، متى يرزقه؟ إذا وجد، إذن هذا الفعل حادث ولا لا؟ حادث، نعم ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة، يحدث هذا، كل ليلة يكون نزول وإذا طلع الفجر انتهى النزول، وهكذا جميع الصفات الفعلية نقول فيها: اعتقادنا فيها أن جنسها قديم أو نوعها قديم وآحادها حادثة.
* من فوائد الآية الكريمة: أنه يجب على الإنسان اللجوء إلى الله عز وجل في النصرة على القوم الكافرين لقوله: ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾.
* ومن فوائدها: الأخذ بالأسباب، أو التنبيه على الأخذ بالأسباب؛ لقوله: ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾؛ لأنه لا يمكن أن تطلب النصر وأنت على فراشك، لا بد أن تعمل ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال ٦٠]، كل شيء تدعو به الله عز وجل فإنك مأمور بفعل أسبابه، لو قال قائل: اللهم انصرني على القوم الكافرين. ولكنه في البيت ما تحرك، هذا لا يستقيم، طيب ينصرك على القوم الكافرين وأنت ما تقاتلهم؟
النصر يحتاج إلى فعل ويكون النصر عونا على هذا، يعينك الله عليهم.
لو قال قائل: اللهم ارزقني ولدا صالحًا، ولكن ما تزوج، يمكن هذا؟ منين يجيه الولد؟ ينبت من رأسه؟! ما يمكن، لا بد إنه يكون يتزوج وإلا كان دعاء باطلًا، فإذن كل شيء تسأله الله عز وجل فإنك مأمور بفعل أسبابه؛ لأن سؤالك الرب عز وجل من أجل أن يعينك ويهيئ الأسباب التي لا تستطيع أن تقوم بها، فأنت ربما تتزوج، تستطيع أن تتزوج مثلًا، تزوجت مثلًا، هل تستطيع أن تخلق ولدا؟ لا، ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ [الواقعة ٥٨، ٥٩].
إذن هذا إلى الله، وأصل تيسير الزواج مثلا من الله عز وجل تلجأ إلى الله سبحانه وتعالى.
كذلك أيضًا طلب النصر على القوم الكافرين لا بد من فعل السبب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكافر عدو لنا؛ ولهذا سألنا الله أن ينصرنا عليه، لا أن ننصره نحن، أدلة كون الكافر عدوا للمؤمن كثيرة في الكتاب وفي السنة، وإذا كان عدوا لنا فإن العقل والشرع يقتضي أن نتخذه عدوا كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ [فاطر ٦].
أما أن نعلم أنه عدو ثم نتخذه وليًّا، فهذا من السفه في العقل والضلال في الدين، فالواجب أن لا نثق بأي كافر مهما أظهر من الولاية والصداقة فإنه عدو؛ لقوله: ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾.
{"ayahs_start":285,"ayahs":["ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَیۡكَ ٱلۡمَصِیرُ","لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَیۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَاۤ إِن نَّسِینَاۤ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَیۡنَاۤ إِصۡرࣰا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۤۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"],"ayah":"لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَیۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَاۤ إِن نَّسِینَاۤ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَیۡنَاۤ إِصۡرࣰا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۤۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق