الباحث القرآني

يَسْئَلُونَكَ قيل إن قوما من اليهود قالوا: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً، فإنا نعلم متى هي، وكان ذلك امتحاناً منهم، مع علمهم أن الله تعالى قد استأثر بعلمها. وقيل: السائلون قريش. والسَّاعَةِ من الأسماء الغالبة، كالنجم للثريا. وسميت القيامة بالساعة، لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها، أو على العكس لطولها، أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق. أَيَّانَ بمعنى متى. وقيل: اشتقاقه من أىّ فعلان منه، لأن معناه أىّ وقت وأى فعل، من أويت إليه، لأن البعض آو إلى الكل متساند إليه، قاله ابن جنى، وأبى أن يكون من «أين» لأنه زمان، «وأين» مكان. وقرأ السلمى: إيان، بكسر الهمزة [[قوله «وقرأ السلمى إيان بكسر الهمزة» في الصحاح «أيان» سؤال عن زمان و «إيان» بكسر الهمزة لغة سليم. وبه قرأ السلمى أَيَّانَ يُبْعَثُونَ. (ع)]] مُرْساها إرساؤها، أو وقت إرسائها، أى إثباتها وإقرارها. وكل شيء ثقيل رسوّه ثباته واستقراره. ومنه: رسى الجبل وأرسى السفينة. والمرسى: الأنجر الذي ترسى به، ولا أثقل من الساعة، بدليل قوله ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والمعنى: متى يرسيها الله إِنَّما عِلْمُها أى علم وقت إرسائها عنده قد استأثر به، لم يخبر به أحداً من ملك مقرّب ولا نبىّ مرسل، يكاد يخفيها من نفسه، ليكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كما أخفى الأجل الخاص وهو وقت الموت لذلك لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ أى لا تزال خفية، لا يظهر أمرها ولا يكشف خفاء علمها إلا هو وحده إذا جاء بها في وقتها بغتة، لا يجليها [[قوله «بغتة لا يجليها» لعله: وقيل لا يجليها، بل لعله «أو لا يجليها» . (ع)]] بالخبر عنها قبل مجيئها أحد من خلقه، لاستمرار الخفاء بها على غيره إلى وقت وقوعها ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى كل من أهلها من الملائكة والثقلين أهمه شأن الساعة، ويودّه أن يتجلى له علمها وشق عليه خفاؤها وثقل عليه. أو ثقلت فيها لأن أهلها يتوقعونها ويخافون شدائدها وأهوالها. أو لأن كل شيء لا يطيقها ولا يقوم لها فهي ثقيلة فيها إِلَّا بَغْتَةً إلا فجأة على غفلة منكم. وعن النبي ﷺ «إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه [[قوله «والرجل يصلح حوضه» في البخاري: يليط حوضه. وروى «يلوط» أى يصلحه اه (ع)]] والرجل يسقى ماشيته، والرجل يقوّم سلعته في سوقه، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه [[أخرجه الطبري بالإسناد المذكور إلى قتادة قال ذكر لنا- فذكره، وفي الصحيحين عن أبى هريرة رفعه «لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه- الحديث» .]] » كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها كأنك عالم بها. وحقيقته: كأنك بليغ في السؤال عنها [[قال محمود «معناه كأنك بليغ في السؤال عنها ... الخ» قال أحمد وفي هذا النوع من التكرير نكتة لا تلفى إلا في الكتاب العزيز، وهو أجل من أن يشارك فيها، وذاك أن المعهود في أمثال هذا التكرير أن الكلام إذا بنى على مقصد، واعترض في أثنائه عارض فأريد الرجوع لتتميم المقصد الأول وقد بعد عهده، طرى بذكر المقصد الأول لتتصل نهايته ببدايته، وقد تقدم لذلك في الكتاب العزيز أمثال، وسيأتى وهذا منها، فانه لما ابتدأ الكلام بقوله يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ثم اعترض ذكر الجواب المضمن في قوله قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي إلى قوله بَغْتَةً أريد تتميم سؤالهم عنها بوجه من الإنكار عليهم، وهو المضمن في قوله كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها وهو شديد التعلق بالسؤال، وقد بعد عهده فطري ذكره تطرية عامة، ولا نراه أبدا يطرى إلا بنوع من الإجمال كالتذكرة للأول مستغنى عن تفصيله بما تقدم، فمن ثم قيل يَسْئَلُونَكَ ولم يذكر المسئول عنه وهو الساعة، اكتفاء بما تقدم، فلما كرر السؤال لهذه الفائدة كرر الجواب أيضا مجملا فقال قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ ويلاحظ هذا في تلخيص الكلام بعد بسطه. ومن أدق ما وقفت عليه العرب في هذا النمط من التكرير لأجل بعد العهد تطرية للذكر قوله: عجل لنا هذا وألحقنا بذا ال ... الشحم إنا قد مللناه يجل أى فقط، فذكر الألف واللام خاتمة للأول من الرجزين، ثم لما استفتح الرجز الثاني استبعد العهد بالأولى، فطري ذكرها وأبقى الأولى في مكانها. ومن ثم استدل ابن جنى على أن ما كان من الرجز على ثلاثة أجزاء فهو بيت كامل وليس بنصف، كما ذهب إليه أبو الحسن، قال: ولو كان بيتا واحدا لم يكن عهد الأولى متباعدا، فلم يكن محتاجا إلى تكريرها. ألا ترى أن عبيداً لما جاء بقصيدة طويلة الأبيات وجعل آخر المصراع الأول أل، لم يعدها أول المصراع الثاني، لأنها بيت واحد، فلم ير عهدها بعيدا، وذلك قوله: يا خليلي أربعا واستخبرا ال ... منزل الدارس من أهل الحلال مثل سحق البرد عنى بعدك ال ... قطر مغناه وتأويب الشمال ثم استرسل فيها كذلك بضعة عشر بيتا، فانظر هذه النكتة كيف بالغت العرب في رعايتها حتى عدت القريب بعيدا والمتقاصر مديدا، فتأملها فإنها تحفة إنما تنفق عند الحذاق الأعيان في صناعتي العربية والبيان، والله المستعان.]] ، لأن من بالغ في المسألة عن الشيء والتنقير عنه، استحكم علمه فيه ورصن [[قوله «ورصن» أى: ثبت وتمكن اه. (ع)]] وهذا التركيب معناه المبالغة. ومنه: إحفاء الشارب. واحتفاء البقل: استئصاله. وأحفى في المسألة، إذا ألحف [[قوله «إذا ألحف» أى ألح وعنف اه. (ع)]] . وحفى بفلان وتحفى به: بالغ في البرّ به. وعن مجاهد: استحفيت عنها السؤال حتى علمت. وقرأ ابن مسعود: كأنك حفىّ بها، أى عالم بها بليغ في العلم بها. وقيل عَنْها متعلق بيسئلونك: أى يسئلونك عنها كأنك حفىّ أى عالم بها. وقيل: إن قريشاً قالوا له إن بيننا وبينك قرابة، فقل لنا متى الساعة؟ فقيل: يسئلونك عنها كأنك حفىّ تتحفى بهم فتختصهم بتعليم وقتها لأجل القرابة وتزوى علمها عن غيرهم، ولو أحبرت بوقتها لمصلحة عرفها الله في إخبارك به، لكنت مبلغه القريب والبعيد من غير تخصيص، كسائر ما أوحى إليك. وقيل: كأنك حفىّ بالسؤال عنها تحبه وتؤثره، يعنى أنك تكره السؤال عنها لأنها من علم الغيب الذي استأثر الله به ولم يؤته أحداً من خلقه. فإن قلت: لم كرر يسئلونك وإنما علمها عند الله؟ قلت: للتأكيد، ولما جاء به من زيادة قوله كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها وعلى هذا تكرير العلماء الحذاق في كتبهم لا يخلون المكرر من فائدة زائدة، منهم محمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة رحمهما الله وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أنه العالم بها، وأنه المختص بالعلم بها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب