الباحث القرآني
ثُمَّ لَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ اقْتِرابِ أجَلِهِمْ عَقَّبَهُ سُبْحانَهُ بِذِكْرِ سُؤالِهِمْ عَنِ السّاعَةِ فَقالَ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ السّاعَةِ﴾ وقِيلَ هو اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ بَعْضِ طُغْيانِهِمْ وضَلالِهِمْ، والسّاعَةُ في الأصْلِ اسْمٌ لِمِقْدارٍ قَلِيلٍ مِنَ الزَّمانِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وهي عِنْدَ المُنَجِّمِينَ جُزْءٌ مِن أرْبَعَةٍ وعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ اللَّيْلِ والنَّهارِ، وتَنْقَسِمُ إلى مُعْوَجَّةٍ ومُسْتَوِيَةٍ، وتُطْلَقُ في عُرْفِ الشَّرْعِ عَلى يَوْمِ مَوْتِ الخَلْقِ وعَلى يَوْمِ قِيامِ النّاسِ لِرَبِّ العالَمِينَ، وفَسَّرُوها بِيَوْمِ القِيامَةِ، ولَعَلَّ المُرادَ مِنهُ أحَدُ ذَيْنِكَ اليَوْمَيْنِ وإنْ كانَ المَشْهُورُ فِيهِ اليَوْمَ الآخِرَ، والظّاهِرُ أنَّ المَسْؤُولَ عَنْهُ اليَوْمُ الأوَّلُ، وإلَيْهِ ذَهَبَ الزَّجّاجُ، والسّاعَةُ في ذَلِكَ مِنَ الأسْماءِ الغالِبَةِ، ووَجْهُ إطْلاقِها عَلَيْهِ وكَذا عَلى وقْتِ القِيامِ ظاهِرٌ إنْ (p-132)أُرِيدَ زَمانُ المَوْتِ أوْ زَمانُ القِيامِ بِدُونِ مُلاحَظَةِ الِامْتِدادِ لِظُهُورِ أنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ في نَفْسِهِ، وإنْ أُرِيدَ الزَّمانُ المُمْتَدُّ فَإطْلاقُها عَلَيْهِ إمّا لِمَجِيئِهِ بَغْتَةً كَما قِيلَ، أوْ لِأنَّهُ يُدْهِشُ مَن يَأْتِيهِمْ فَيَقِلُّ عِنْدَهم أوْ يُقَلِّلُ ما قَبْلَهُ، أوْ لِأنَّهُ عَلى طُولِهِ قَدْرٌ يَسِيرٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، أوْ لِسُرْعَةِ حِسابِهِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ تَسْمِيَتُهُ بِذَلِكَ مِن بابِ التَّسْمِيَةِ بِالضِّدِّ تَمْلِيحًا كَما يُسَمّى الأسْوَدُ كافُورًا، والسّائِلُ عَنْ ذَلِكَ أُناسٌ مِنَ اليَهُودِ.
فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما قالَ قالَ حِمْلُ ابْنُ أبِي قُشَيْرٍ وسَمْوَلُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: أخْبِرْنا مَتى السّاعَةُ إنْ كُنْتَ نَبِيًّا كَما تَقُولُ؛ فَإنّا نَعْلَمُ مَتى هِيَ؟ وكانَ ذَلِكَ امْتِحانًا مِنهم مَعَ عِلْمِهِمْ أنَّهُ تَعالى قَدِ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِها فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى الآيَةَ.
وذَهَبَ بَعْضٌ إلى أنَّ السّائِلَ قُرَيْشٌ.
فَقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ، أنَّ قُرَيْشًا قالُوا: يا مُحَمَّدُ، أسِرَّ إلَيْنا مَتى السّاعَةُ لِما بَيْنَنا وبَيْنَكَ مِنَ القَرابَةِ. فَنَزَلَتْ.
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿أيّانَ مُرْساها﴾ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أيّانَ. وقَرَأ السُّلَمِيُّ بِكَسْرِها وهو لُغَةٌ فِيها، وهي ظَرْفُ زَمانٍ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنى الِاسْتِفْهامِ ويَلِيها المُبْتَدَأُ أوِ الفِعْلُ المُضارِعُ دُونَ الماضِي بِخِلافِ مَتى حَيْثُ يَلِيها كِلاهُما، والتَّحْقِيقُ أنَّها بَسِيطَةٌ مُرْتَجَلَةٌ، وقِيلَ: اشْتِقاقُها مِن أيٍّ وهي فَعْلانُ مِنهُ لِأنَّ مَعْناهُ أيَّ وقْتٍ، وأيَّ فِعْلٍ، وأيٌّ مِن أوَيْتُ بِمَعْنى رَجَعْتُ؛ لِأنَّ بابَ طَوَيْتُ وشَوَيْتُ أضْعافُ بابِ حَيَيْتُ ووَعَيْتُ ولِقُرْبِهِ مِنهُ مَعْنًى لِأنَّ البَعْضَ آوٍ إلى الكُلِّ ومُسْتَنِدٌ إلَيْهِ، وأصْلُهُ عَلى هَذا أوِيٌّ فَقُلِبَتِ الواوُ ياءً وأُدْغِمَتْ في الياءِ فَصارَ أيًّا، وإنَّما لَمْ تُجْعَلْ أيّانَ فِعْلًا لا مِن أيْنَ لِأنَّها ظَرْفُ زَمانٍ وأيْنَ ظَرْفُ مَكانٍ، ومِنَ النّاسِ مَن زَعَمَ أنَّ أصْلَها أيَّ أوانٍ، أوْ أيَّ آنٍ؛ ولَيْسَ بِشَيْءٍ.
وتَعَقَّبَ في الكَشْفِ حَدِيثَ الِاشْتِقاقِ مِن أيٍّ بِأنَّهُ مُخالِفٌ لِما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ في سُورَةِ النَّمْلِ ولَوْ سُمِّيَ بِهِ لَكانَ فَعالًا مِن آنَ يَئِينُ ولا تُصْرَفُ، ثُمَّ قالَ: والوَجْهُ ما ذَكَرَهُ هُناكَ لِأنَّ الِاشْتِقاقَ في غَيْرِ المُتَصَرِّفَةِ لا وجْهَ لَهُ. ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ اشْتِقاقُهُ مِن أيٍّ أوْلى مِنَ اشْتِقاقِهِ مِنَ الأيْنِ بِمَعْنى الحَيْنُونَةِ؛ لِأنَّ أيّانَ زَمانٌ، وكَأنَّهُ غَيَّرَهُ الِاسْتِفْهامُ ولَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأنَّهُ بِالتَّضْمِينِ كَما في مَتى ونَحْوِهِ، وكَذَلِكَ اشْتِقاقُ أيٍّ مِن أوَيْتُ لا وجْهَ لَهُ إلّا أنَّ الأظْهَرَ أنَّهُ يَجُوزُ الصَّرْفُ وعَدَمُهُ كَما في حِمارِ قَبّانٍ. اه.
وأُجِيبَ بِأنَّ ما ذُكِرَ أمْرٌ قَدَّرُوهُ لِلِامْتِحانِ ولِيُعْلَمَ حُكْمُها إذا سُمِّيَ بِها فَلا يُنافِي ما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وكَذا لا يُنافِي لِتَحْقِيقٍ فَتَأمَّلْ، وأيًّا ما كانَ فَهي في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلى أنَّها خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، ومَرْساها مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وهو مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مَن أرْساهُ إذا أثْبَتَهُ وأقَرَّهُ أيْ: مَتى إثْباتُها وتَقْرِيرُها؟ ولا يَكادُ يُسْتَعْمَلُ الإرْساءُ إلّا في الشَّيْءِ الثَّقِيلِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى:
﴿والجِبالَ أرْساها﴾ ومِنهُ مُرْساةُ السُّفُنِ، ونِسْبَتُهُ هُنا إلى السّاعَةِ بِاعْتِبارِ تَشْبِيهِ المَعانِي بِالأجْسامِ.
وجَوَّزَ بَعْضُهم أنْ يَكُونَ اسْمَ زَمانٍ، ولا يَرِدُ عَلَيْهِ أنَّهُ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ لِلزَّمانِ زَمانٌ، وفي جَوازِهِ خِلافُ الفَلاسِفَةِ لِأنَّهُ يُؤَوَّلُ بِمَتى وُقُوعُ ذَلِكَ؟ والجُمْلَةُ قِيلَ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى المَفْعُولِيَّةِ بِهِ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن ضَمِيرِ يَسْألُونَكَ؛ أيْ: يَسْألُونَكَ قائِلِينَ: أيّانَ مُرْساها؟ وقِيلَ في مَحَلِّ الجَرِّ عَلى البَدَلِيَّةِ عَنِ السّاعَةِ.
والتَّحْقِيقُ عِنْدَ بَعْضِ جُلَّةِ المُحَقِّقِينَ أنَّ مَحَلَّها النَّصْبُ بِنَزْعِ الخافِضِ لِأنَّها بَدَلٌ مِنَ الجارِّ والمَجْرُورِ لا مِنَ المَجْرُورِ فَقَطْ، وفي تَعْلِيقِ السُّؤالِ بِنَفْسِ السّاعَةِ أوَّلًا وبِوَقْتِ وُقُوعِها ثانِيًا تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ المَقْصِدَ الأصْلِيَّ مِنَ السُّؤالِ نَفْسُها بِاعْتِبارِ حُلُولِها في وقْتِها المُعَيَّنِ بِاعْتِبارِ كَوْنِهِ مَحَلًّا لَها، وما في الجَوابِ أعْنِي قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿قُلْ إنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي﴾ مُخَرَّجٌ عَلى ذَلِكَ أيْضًا أيْ: إنَّ عِلْمَها بِالِاعْتِبارِ المَذْكُورِ عِنْدَهُ سُبْحانَهُ لا غَيْرُ فَلا حاجَةَ (p-133)إلى أنْ يُقالَ: إنَّما عِلْمُ وقْتِ إرْسائِها عِنْدَهُ عَزَّ وجَلَّ، وبَعْضُهم حَيْثُ غَفَلَ عَنِ النُّكْتَةِ المُشارِ إلَيْها حَمَلَ النَّظْمَ الجَلِيلَ عَلى حَذْفِ المُضافِ، وإلَيْهِ يُشِيرُ كَلامُ أبِي البَقاءِ، ومَعْنى كَوْنِ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَزَّ وجَلَّ خاصَّةً أنَّهُ اسْتَأْثَرَ بِهِ حَيْثُ لَمْ يُخْبِرْ أحَدًا بِهِ مِن مَلَكٍ مُقَرَّبٍ أوْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، والتَّعَرُّضُ لِعُنْوانِ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قِيلَ لِلْإيذانِ بِأنَّ تَوْفِيقَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِلْجَوابِ عَلى الوَجْهِ المَذْكُورِ مِن بابِ التَّرْبِيَةِ والإرْشادِ وهو أوْلى مِمّا سَنُشِيرُ إلَيْهِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إلا هُوَ﴾ بَيانٌ لِاسْتِمْرارِ خَفائِها إلى حِينِ قِيامِها، وإقْناطٌ كُلِّيٌّ عَنْ إظْهارِ أمْرِها بِطَرِيقِ الإخْبارِ، والتَّجْلِيَةُ الكَشْفُ والإظْهارُ، واللّامُ لامُ التَّوْقِيتِ، واخْتُلِفَ فِيها فَقِيلَ: هي بِمَعْنى فِي، وقالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: بِمَعْنى عِنْدَ، وقالَ الرَّضِيُّ: هي اللّامُ المُفِيدَةُ لِلِاخْتِصاصِ، وهو عَلى ثَلاثَةِ أضْرُبٍ إمّا أنْ يَخْتَصَّ الفِعْلُ بِالزَّمانِ لِوُقُوعِهِ فِيهِ كَ كَتَبْتُ لِغُرَّةِ كَذا أوْ لِوُقُوعِهِ بَعْدَهُ نَحْوَ: لِخَمْسٍ خَلَوْنَ أوْ قَبْلَهُ نَحْوَ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ، ومَعَ الإطْلاقِ يَكُونُ الِاخْتِصاصُ لِوُقُوعِهِ فِيهِ وإلّا فَحَسْبَ القَرِينَةِ، وفَسَّرَها هُنا غَيْرُ واحِدٍ بِفي.
والمَعْنى: لا يَكْشِفُ عَنْها ولا يُظْهِرُ لِلنّاسِ أمْرَها الَّذِي تَسْألُونَ عَنْهُ إلّا الرَّبُّ سُبْحانَهُ بِالذّاتِ مِن غَيْرِ أنْ يَشْعُرَ بِهِ أحَدٌ مِنَ المَخْلُوقِينَ فَيَتَوَسَّطُ في إظْهارِهِ لَهُمْ، لَكِنْ لا بِأنْ لا يُخْبِرَهم بِوَقْتِها كَما هو المَسْؤُولُ بَلْ بِأنْ يُقِيمَها فَيَعْلَمُوها عَلى أتَمِّ وجْهٍ، والجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّجْلِيَةِ وهو قَيْدٌ لَها بَعْدَ وُرُودِ الِاسْتِثْناءِ كَأنَّهُ قِيلَ: لا يُجَلِّيها إلّا هو في وقْتِها إلّا أنَّهُ قُدِّمَ لِلتَّنْبِيهِ مِن أوَّلِ الأمْرِ عَلى أنَّ تَجَلِّيَها لَيْسَ بِطَرِيقِ الإخْبارِ بِوَقْتِها بَلْ بِإظْهارِ عَيْنِها في وقْتِها الَّذِي يَسْألُونَ عَنْهُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثَقُلَتْ في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ اسْتِئْنافٌ كَما قَبْلَهُ مُقَرِّرٌ لِما سَبَقَ، والمُرادُ: كَبُرَتْ وعَظُمَتْ عَلى أهْلِهِما حَيْثُ لَمْ يَعْلَمُوا وقْتَ وُقُوعِها. وعَنِ السُّدِّيِّ أنَّ مَن خَفِيَ عَلَيْهِ عِلْمُ شَيْءٍ كانَ ثَقِيلًا عَلَيْهِ، وعَنْ قَتادَةَ أنَّ المَعْنى: عَظُمَتْ عَلى أهْلِ السَّمَواتِ والأرْضِ حَيْثُ يُشْفِقُونَ مِنها ويَخافُونَ شَدائِدَها، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ أنَّ المُرادَ ثَقُلَ عِلْمُها عَلَيْهِمْ فَلا يَعْلَمُونَها، ويَرْجِعُ إلى ما ذُكِرَ أوَّلًا، وقِيلَ: المَعْنى: ثَقُلَتْ عِنْدَ الوُقُوعِ عَلى نَفْسِ السَّمَواتِ حَتّى انْشَقَّتْ وانْتَثَرَتْ نُجُومُها وكُوِّرَتْ شَمْسُها وعَلى نَفْسِ الأرْضِ حَتّى سُيِّرَتْ جِبالُها وسُجِّرَتْ بِحارُها وكانَ ما كانَ فِيها، وإلى ذَلِكَ يُشِيرُ ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: وعَلَيْهِ فَلا يُحْتاجُ إلى تَقْدِيرِ مُضافٍ، وكَلِمَةُ في عَلى سائِرِ الأوْجُهِ اسْتِعارَةٌ مُنَبِّهَةٌ عَلى تَمَكُّنِ الفِعْلِ كَما لا يَخْفى.
﴿لا تَأْتِيكم إلا بَغْتَةً﴾ أيْ: إلّا فَجْأةً عَلى حِينِ غَفْلَةٍ.
أخْرَجَ الشَّيْخانِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «لَتَقُومَنَّ السّاعَةُ وقَدْ نَشَرَ رَجُلانِ ثَوْبَهُما فَلا يَتَبايَعانِهِ ولا يَطْوِيانِهِ، ولَتَقُومَنَّ السّاعَةُ وقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلا يَطْعَمُهُ، ولَتَقُومَنَّ السّاعَةُ وهو يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلا يَسْقِي فِيهِ، ولَتَقُومَنَّ السّاعَةُ وقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إلى فِيهِ فَلا يَطْعَمُها»».
﴿يَسْألُونَكَ كَأنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها﴾ أيْ: عالِمٌ بِها كَما قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما فِيما أخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ المُنْذِرِ وغَيْرُهُ (فَحَفِيٌّ) فَعِيلٌ مِن حَفِيَ عَنِ الشَّيْءِ إذا بَحَثَ عَنْ تَعَرُّفِ حالِهِ، وذَكَرَ بَعْضُهم أنَّ الحَفاوَةَ في الأصْلِ الِاسْتِقْصاءُ في الأمْرِ لِلِاعْتِناءِ بِهِ قالَ الأعْشى:
؎فَإنْ تَسْألُوا عَنِّي فَيا رُبَّ سائِلٍ حَفِيٍّ عَنِ الأعْشى بِهِ حَيْثُ أصْعَدا
ومِنهُ إحْفاءُ الشّارِبِ، وتُطْلَقُ أيْضًا عَلى البِرِّ واللُّطْفِ كَما قالَ تَعالى: ﴿إنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا﴾ والمَعْنى المُرادُ هُنا مُتَفَرِّعٌ عَلى المَعْنى الأوَّلِ؛ لِأنَّ مَن بَحَثَ عَنْ شَيْءٍ وسَألَ عَنْهُ اسْتَحْكَمَ عِلْمَهُ بِهِ، فَأُرِيدَ بِهِ لازِمُ مَعْناهُ مَجازًا أوْ كِنايَةً (p-134)وعُدِّيَ الوَصْفُ بِعْنَ اعْتِبارًا لِأصْلِ مَعْناهُ؛ وهو السُّؤالُ والبَحْثُ، وقِيلَ: لِأنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنى الكَشْفِ ولَوْلا ذَلِكَ لَعُدِّيَ بِالباءِ، وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ تَكُونَ بِمَعْنى الباءِ، ورُوِيَ عَنِ الحَبْرِ وابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُما قَرَآ بِها.
والجُمْلَةُ التَّشْبِيهِيَّةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى أنَّها حالٌ مِن مَفْعُولِ يَسْألُونَكَ أيْ: مُشَبَّهًا حالُكَ عِنْدَهم بِحالِ مَن هو (حَفِيٌّ)، وقِيلَ: إنَّ عَنْها مُتَعَلِّقٌ بِ يَسْألُونَكَ، والجُمْلَةُ التَّشْبِيهِيَّةُ مُعْتَرِضَةٌ وصِلَةُ (حَفِيٌّ) مَحْذُوفَةٌ أيْ: بِها أوْ بِهِمْ بِناءً عَلى ما قِيلَ: إنَّ (حَفِيٌّ) مِنَ الحَفاوَةِ بِمَعْنى الشَّفَقَةِ، فَإنَّ قُرَيْشًا قالُوا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: إنَّ بَيْنَنا وبَيْنَكَ قَرابَةً فَقُلْ لَنا مَتى السّاعَةُ؟ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ قَتادَةَ، وتُرْجُمانِ القُرْآنِ أيْضًا، والمَعْنى عَلَيْهِ أنَّهم يَظُنُّونَ أنَّ عِنْدَكَ عِلْمُها لَكِنْ تَكْتُمُهُ فَلِشَفَقَتِكَ عَلَيْهِمْ طَلَبُوا مِنكَ أنْ تَخُصَّهم بِهِ، وتَعَلُّقُ (عَنْ) عَلى هَذا الوَجْهِ بِمَحْذُوفٍ كَ: تُخْبِرُهم وتَكْشِفُ لَهم عَنْها بِعِيدٌ، وقِيلَ:
هُوَ مِن حَفِيَ بِالشَّيْءِ إذا فَرِحَ بِهِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجاهِدٍ، والضَّحّاكِ، وغَيْرِهِما، والمَعْنى كَأنَّكَ فَرِحٌ بِالسُّؤالِ عَنْها تُحِبُّهُ، و(عَنْ) عَلى هَذا مُتَعَلِّقَةٌ - بِحَفِيٍّ - كَما قِيلَ: لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى السُّؤالِ، والكَلامُ عَلى ما قالَ شَيْخُ الإسْلامِ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ خَطَئِهِمْ في تَوْجِيهِ السُّؤالِ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِناءً عَلى زَعْمِهِمْ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عالِمٌ بِالمَسْؤُولِ عَنْهُ أوْ أنَّ العِلْمَ بِذَلِكَ مِن مُقْتَضَياتِ الرِّسالَةِ أثَرَ بَيانِ خَطَئِهِمْ في أصْلِ السُّؤالِ بِإعْلامِ بَيانِ المَسْؤُولِ عَنْهُ، وفي الِانْتِصافِ في تَوْجِيهِ تَكْرِيرِ يَسْألُونَكَ أنَّ المَعْهُودَ في أمْثالِ ذَلِكَ أنَّ الكَلامَ إذا بُنِيَ عَلى مَقْصِدٍ وعَرَضَ في أثْنائِهِ عارِضٌ فَأُرِيدَ الرُّجُوعُ لِتَتِمَّةِ المَقْصِدِ الأوَّلِ وقَدْ بَعُدَ عَهْدُهُ وطُوِيَ ذِكْرُهُ لِتَتَّصِلَ النِّهايَةُ بِالبِدايَةِ، وهُنا لَمّا ابْتَدَأ الكَلامَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أيّانَ مُرْساها﴾ ثُمَّ اعْتُرِضَ ذِكْرُ الجَوابِ بِقُلْ إلى بَغْتَةٍ أُرِيدَ تَتِمَّةُ سُؤالِهِمْ عَنْها بِوَجْهٍ مِنَ الإنْكارِ عَلَيْهِمْ وهو المُضَمَّنُ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿كَأنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها﴾ وهو شَدِيدُ التَّعَلُّقِ بِالسُّؤالِ وقَدْ بَعُدَ عَهْدُهُ فَطُرِّيَ ذِكْرُهُ لِيَلِيَهُ تَمامُهُ، ولا تَراهُ أبَدًا يُطْرِي إلّا بِنَوْعٍ مِنَ الإجْمالِ، ومِن ثَمَّ لَمْ يَذْكُرِ المَسْؤُولَ عَنْهُ وهو السّاعَةُ اكْتِفاءً بِما تَقَدَّمَ، ثُمَّ لَمّا كَرَّرَ جَلَّ وعَلا السُّؤالَ لِهَذِهِ الفائِدَةِ كَرَّرَ الجَوابَ أيْضًا مُجْمَلًا فَقالَ عَزَّ مِن قائِلٍ: ﴿قُلْ إنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ﴾ ومِنهُ يُعْلَمُ وجْهُ ذِكْرِ الِاسْمِ الجَلِيلِ هُنا، وذَكَرَ المُحَقِّقُ الأوَّلُ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أُمِرَ بِإعادَةِ الجَوابِ الأوَّلِ تَأْكِيدًا لِلْحُكْمِ وتَقْرِيرًا لَهُ وإشْعارًا بِعِلَّتِهِ عَلى الطَّرِيقَةِ البُرْهانِيَّةِ بِإيرادِ اسْمِ الذّاتِ المُنْبِئِ عَنِ اسْتِتْباعِها لِصِفاتِ الكَمالِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها العِلْمُ وتَمْهِيدًا لِلتَّعْرِيضِ بِجَهْلِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ وزَعَمَ الجُبّائِيُّ أنَّ السُّؤالَ الأوَّلَ كانَ عَنْ وقْتِ قِيامِ السّاعَةِ وهَذا السُّؤالُ كانَ عَنْ كَيْفِيَّتِها وتَفْصِيلِ ما فِيها مِنَ الشَّدائِدِ والأحْوالِ قِيلَ:
ولِذَلِكَ خُصَّ جَوابُهُ بِاسْمِ الذّاتِ إذْ هو أعْظَمُ الأسْماءِ مَهابَةً، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ النَّيْسابُورِيُّ ونُقِلَ عَنِ الإمامِ وغَيْرِهِ، ولا أرى لَهم مُسْنَدًا في ذَلِكَ، ومَفْعُولُ العِلْمِ عَلى ما يُشِيرُ إلَيْهِ كَلامُ بَعْضِهِمْ مَحْذُوفٌ: أيْ: لا يَعْلَمُونَ ما ذُكِرَ مِنَ اخْتِصاصِ عِلْمِها بِهِ تَعالى فَبَعْضُهم يُنْكِرُها رَأْسًا فَلا يَسْألُ عَنْها إلّا مُتَلاعِبًا، وبَعْضُهم يَعْلَمُ أنَّها واقِعَةٌ البَتَّةَ ويَزْعُمُ أنَّكَ واقِفٌ عَلى وقْتِ وُقُوعِها فَيَسْألُ جَهْلًا، وبَعْضُهم يَزْعُمُ أنَّ العِلْمَ بِذَلِكَ مِن مُقْتَضَياتِ الرِّسالَةِ فَيَتَّخِذُ السُّؤالَ ذَرِيعَةً إلى القَدْحِ فِيها، والواقِفُ عَلى جَلِيَّةِ الحالِ ويَسْألُ امْتِحانًا مُلْحَقٌ بِالجاهِلِينَ لِعَدَمِ عِمْلِهِ بِعَمَلِهِ هَذا، وإنَّما أخْفى سُبْحانَهُ أمْرَ السّاعَةِ اقْتِضاءَ الحِكْمَةِ التَّشْرِيعِيَّةِ ذَلِكَ فَإنَّهُ أدْعى إلى الطّاعَةِ وأزْجَرُ عَنِ المَعْصِيَةِ كَما أنَّ إخْفاءَ الأجَلِ الخاصِّ لِلْإنْسانِ كَذَلِكَ، ولَوْ قِيلَ بِأنَّ الحِكْمَةَ التَّكْوِينِيَّةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ أيْضًا لَمْ يَبْعُدْ، وظاهِرُ الآياتِ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمْ يَعْلَمْ وقْتَ قِيامِها. نَعَمْ عَلِمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قُرْبَها عَلى الإجْمالِ وأُخْبِرَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِهِ.
فَقَدْ أخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وصَحَّحَهُ (p-135)عَنْ أنَسٍ مَرْفُوعًا: ««بُعِثْتُ أنا والسّاعَةُ كَهاتَيْنِ، وأشارَ بِالسَّبّابَةِ والوُسْطى»».
وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوعًا أيْضًا: ««إنَّما أجَلُكم فِيمَن مَضى قَبْلَكم مِنَ الأُمَمِ مِن صَلاةِ العَصْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ»».
وجاءَ في غَيْرِ ما أثَرٍ أنَّ عُمْرَ الدُّنْيا سَبْعَةُ آلافِ سَنَةٍ، وأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بُعِثَ في أواخِرِ الألِفِ السّادِسَةِ، ومُعْظَمُ المِلَّةِ في الألِفِ السّابِعَةِ.
وأخْرَجَ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ عِدَّةَ أحادِيثَ في أنَّ عُمْرَ الدُّنْيا سَبْعَةُ آلافِ سَنَةٍ، وذَكَرَ أنَّ مُدَّةَ هَذِهِ الأُمَّةِ تَزِيدُ عَلى ألْفِ سَنَةٍ ولا تَبْلُغُ الزِّيادَةُ عَلَيْها خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ، واسْتَدَلَّ عَلى ذَلِكَ بِأخْبارٍ وآثارٍ ذَكَرَها في رِسالَتِهِ المُسَمّاةِ - بِالكَشْفِ عَنْ مُجاوَزَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ الألْفَ - وسَمّى بَعْضُهم لِذَلِكَ هَذِهِ الألِفَ الثّانِيَةِ بِالمُخَضْرَمَةِ؛ لِأنَّ نِصْفَها دُنْيا ونِصْفَها الآخَرَ أُخْرى، وإذا لَمْ يَظْهَرِ المَهْدِيُّ عَلى رَأْسِ المِائَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيها يَنْهَدِمُ جَمِيعُ ما بَناهُ كَما لا يَخْفى عَلى مَن راجَعَهُ، وكَأنِّي بِكَ تَراهُ مُنْهَدِمًا، ونَقَلَ السَّفارِينِيُّ عَنِ الفَلاسِفَةِ أنَّهم زَعَمُوا أنَّ تَدْبِيرَ العالَمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لِلسُّنْبُلَةِ فَإذا تَمَّ دَوْرُها وقَعَ الفَسادُ والدُّثُورُ في العالَمِ فَإذا عادَ الأمْرُ إلى المِيزانِ تَجْتَمِعُ المَوادُّ ويُقَدَّرُ النُّشُورُ عَوْدًا، وقالَ البِكْرِيُّ: إنَّ سُلْطانَ الحَمَلِ عِنْدَهُمُ اثْنا عَشَرَ ألْفَ سَنَةٍ، وسُلْطانَ الثَّوْرِ دُونَهُ بِألِفٍ، وهَكَذا يَنْقُصُ ألْفَ ألْفٍ إلى الحُوتِ فَيَكُونُ سُلْطانُهُ ألْفَ سَنَةٍ، ومَجْمُوعُ ذَلِكَ ثَمانِيَةٌ وسَبْعُونَ ألْفَ سَنَةٍ، فَإذا كَمُلَتِ انْقَضى عالَمُ الكَوْنِ والفَسادِ، ونُقِلَ ذَلِكَ عَنْ هَرْمَسَ وادَّعى أنَّهُ قالَ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ في حُكْمِ الحَمَلِ والثَّوْرِ والجَوْزاءِ عَلى الأرْضِ حَيَوانٌ فَلَمّا كانَ حُكْمُ السَّرَطانِ تَكَوَّنَتْ دَوابُّ الماءِ وهو أُمُّ الأرْضِ ولَمّا كانَ حُكْمُ الأسَدِ تَكَوَّنَتِ الدَّوابُّ ذَواتُ الأرْبَعِ، ولَمّا كانَ حُكْمُ السُّنْبُلَةِ تَوَلَّدَ الإنْسانانِ الأوَّلانِ؛ آدَمُ نَوْسٌ وحَوّا نَوْسٌ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ مُدَّةَ العالَمِ مِقْدارُ قَطْعِ الكَواكِبِ الثّابِتَةِ لِدَرَجِ الفَلَكِ، والكَوْكَبُ مِنها يَقْطَعُ البُرْجَ بِزَعْمِهِ في ثَلاثَةِ آلافِ سَنَةٍ، فَذَلِكَ سِتٌّ وثَلاثُونَ ألْفَ سَنَةٍ. انْتَهى.
ولا يَخْفى عَلى مَنِ اطَّلَعَ عَلى كُتُبِ الأرْصادِ والزِّيجاتِ أنَّ الأدْوارَ عِنْدَهم ثَلاثَةٌ: أكْبَرُ وأوْسَطُ وأصْغَرُ ويُسَمُّونَها التَّسْيِيراتِ، وهي عَلى السَّوِيَّةِ في جَمِيعِ البُرُوجِ؛ فالدَّوْرُ الأكْبَرُ ما يَكُونُ فِيهِ قَطْعُ كُلِّ دَرَجَةٍ بِمِائَةِ سَنَةٍ، والأوْسَطُ ما يَكُونُ فِيهِ قَطْعُ كُلِّ دَرَجَةٍ بِعَشْرِ سِنِينَ والأصْغَرُ ما يَكُونُ فِيهِ قَطْعُ كُلِّ دَرَجَةٍ بِسَنَةٍ، وعِنْدَهم دَوْرٌ أعْظَمُ ويُسَمُّونَهُ أيْضًا التَّسْيِيرَ الأعْظَمَ وهو ما يَكُونُ فِيهِ قَطْعُ كُلِّ دَرَجَةٍ بِألْفِ سَنَةٍ، والتَّسْيِيرُ اليَوْمَ في المِيزانِ وقَدْ مَضى مِنهُ أرْبَعُ دَرَجاتٍ وسِتٌّ وخَمْسُونَ دَقِيقَةً وإحْدى وثَلاثُونَ ثانِيَةً واثْنَتا عَشْرَةَ ثالِثَةً، وإذا اعْتُبِرَتْ مُدَّةُ ذَلِكَ مِن نُقْطَةِ رَأْسِ الحَمَلِ إلى هُنا بَلَغَتْ مِائَةَ ألْفِ سَنَةٍ وأرْبَعًا وثَمانِينَ ألْفَ سَنَةٍ وتِسْعَمِائَةٍ وثَلاثًا وأرْبَعِينَ سَنَةً، وأنَّ مُدَّةَ حَرَكَةِ الثَّوابِتِ عَلى ما نُقِلَ عَنْ بَطْلَيْمُوسَ في كُلِّ بُرْجٍ ألْفانِ ومِائَةٌ واثْنَتانِ وسِتُّونَ سَنَةً وثَمانِيَةُ أشْهُرٍ وسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وتِسْعَ عَشْرَةَ ساعَةً، وإذا ضُرِبَ ذَلِكَ في اثْنَيْ عَشَرَ عِدَّةِ البُرُوجِ خَرَجَ مُدَّةُ قَطْعِها الفَلَكَ كُلَّهُ وهو أقَلُّ مِمّا ذَكَرَهُ بِكَثِيرٍ، ولَعَلَّ المُرادَ بِدَوْرِ البُرْجِ ما أُرِيدَ بِسُلْطانِهِ مِن حُكْمِ تَأْثِيرِهِ والتَّأثُّرِ العادِيِّ عَلى ما يُفْهَمُ مِن بَعْضِ كُتُبِ القَوْمِ بِحُكْمِ الأصالَةِ لِلْبُرْجِ وهو الَّذِي يَفِيضُ عَلى الكَواكِبِ النّازِلِ فِيهِ، وكُلُّ ذَلِكَ مِمّا لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ تَعالى بِهِ سُلْطانًا، والحَقُّ الَّذِي لا يَنْبَغِي المَحِيصُ عَنْهُ القَوْلُ بِحُدُوثِ العالَمِ حُدُوثًا زَمانِيًّا ولا يَعْلَمُ أوَّلَهُ إلّا اللَّهُ تَعالى، وكَذَلِكَ عُمْرُ الدُّنْيا وأوَّلُ النَّشْأةِ الإنْسانِيَّةِ ومُدَّةُ بَقائِها في هَذا العالَمِ وقَدْرُ زَمانِ لُبْثِها في البَرْزَخِ كُلُّ ذَلِكَ لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ تَعالى، وجَمِيعُ ما ورَدَ في هَذا البابِ أُمُورٌ ظَنِّيَّةٌ لا سَنَدَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأكْثَرِها، ووَراءَ هَذا أقْوالٌ لِأهْلِ الصِّينِ وغَيْرِهِمْ هي أدْهى وأمَرُّ مِمّا تَقَدَّمَ، وبِالجُمْلَةِ الباقِي مِن عُمْرِ الدُّنْيا عِنْدَ مَن يَقُولُ بِفَنائِها أقَلُّ قَلِيلٍ بِالنِّسْبَةِ إلى الماضِي مِن ذَلِكَ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِحَقِيقَةِ ما هُناكَ.
{"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَیَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّیۖ لَا یُجَلِّیهَا لِوَقۡتِهَاۤ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِیكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةࣰۗ یَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِیٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق