الباحث القرآني
﴿قُلْ إنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إلّا هُوَ﴾ . أيِ: اللَّهُ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِها، ولَمّا كانَ السُّؤالُ عَنِ السّاعَةِ عُمُومًا ثُمَّ خُصِّصَ بِالسُّؤالِ عَنْ وقْتِها، جاءَ الجَوابُ عُمُومًا عَنْها بِقَوْلِهِ ﴿قُلْ إنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي﴾، ثُمَّ خُصِّصَتْ مِن حَيْثُ الوَقْتُ، فَقِيلَ: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إلّا هو، وعِلْمُ السّاعَةِ مِنَ الخَمْسِ الَّتِي نُصَّ عَلَيْها مِنَ الغَيْبِ أنَّهُ تَعالى لا يَعْلَمُها إلّا اللَّهُ، والمَعْنى لا يُظْهِرُها ويَكْشِفُها لِوَقْتِها الَّذِي قُدِّرَ أنْ تَكُونَ فِيهِ إلّا هو، قالُوا: وحِكْمَةُ إخْفائِها أنَّهم يَكُونُونَ دائِمًا عَلى حَذَرٍ، فَإخْفاؤُها أدْعى إلى الطّاعَةِ وأزْجَرُ عَنِ المَعْصِيَةِ، كَما أخْفى الأجَلَ الخاصَّ وهو وقْتُ المَوْتِ لِذَلِكَ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إلّا هو، أيْ لا تَزالُ خَفِيَّةً ولا يُظْهِرُ أمْرَها ويَكْشِفُ خَفاءَ عِلْمِها إلّا هو وحْدَهُ إذا جاءَ بِها في وقْتِها بَغْتَةً، لا يُجَلِّيها بِالخَبَرِ عَنْها قَبْلَ مَجِيئِها أحَدٌ مِن خَلْقِهِ لِاسْتِمْرارِ الخَفاءِ بِها عَلى غَيْرِهِ إلى وقْتِ وُقُوعِها. انْتَهى، وهو كَلامٌ فِيهِ تَكْثِيرٌ وعُجْمَةٌ.
﴿ثَقُلَتْ في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَعْناهُ ثَقُلَتْ عَلى السَّماواتِ والأرْضِ أنْفُسِها، لِتَفَطُّرِ السَّماواتِ وتَبَدُّلِ الأرْضِ ونَسْفِ الجِبالِ، وقالَ الحَسَنُ: ثَقُلَتْ لِهَيْبَتِها والفَزَعِ مِنها عَلى أهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ، وقالَ (p-٤٣٥)السُّدِّيُّ: مَعْنى ثَقُلَتْ خَفِيَتْ في السَّماواتِ والأرْضِ، فَلَمْ يَعْلَمْ أحَدٌ مِنَ المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ والأنْبِياءِ المُرْسَلِينَ مَتى تَكُونُ، وما خَفِيَ أمْرُهُ ثَقُلَ عَلى النُّفُوسِ، انْتَهى، ويُعَبَّرُ بِالثِّقَلِ عَنِ الشِّدَّةِ والصُّعُوبَةِ، كَما قالَ: ﴿ويَذَرُونَ وراءَهم يَوْمًا ثَقِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٧]، أيْ شَدِيدًا صَعْبًا، وأصْلُهُ أنْ يَتَعَدّى بِعَلى، تَقُولُ: ثَقُلَ عَلَيَّ هَذا الأمْرُ، وقالَ الشّاعِرُ:
؎ثَقِيـــلٌ عَلَـــى الأعْــــداءِ
فَإمّا أنْ يُدَّعى أنَّ في بِمَعْنى عَلى، كَما قالَ بَعْضُهم في قَوْلِهِ: ﴿ولَأُصَلِّبَنَّكم في جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١]، أيْ: ويُضَمَّنُ ثَقُلَتْ مَعْنى يَتَعَدّى بِفي، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيْ: كُلٌّ مِن أهْلِها مِنَ المَلائِكَةِ والثَّقَلَيْنِ أهَمَّهُ شَأْنُ السّاعَةِ، ووَدَّ أنْ يَتَجَلّى لَهُ عِلْمُها وشَقَّ عَلَيْهِ خَفاؤُها وثَقُلَ عَلَيْهِ أوْ ثَقُلَتْ فِيهِما؛ لِأنَّ أهْلَهُما يَتَوَقَّعُونَها ويَخافُونَ شَدائِدَها وأهْوالَها؛ ولِأنَّ كُلَّ شَيْءٍ لا يُطِيقُها ويَقُومُ لَها، فَهي ثَقِيلَةٌ فِيهِما.
﴿لا تَأْتِيكم إلّا بَغْتَةً﴾ أيْ فَجْأةً عَلى غَفْلَةٍ مِنكم وعَدَمِ شُعُورٍ بِمَجِيئِها، وهَذا خِطابٌ عامٌّ لِكُلِّ النّاسِ، وفي الحَدِيثِ: إنَّ السّاعَةَ لَتَهْجُمُ والرَّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضَهُ، والرَّجُلُ يَسْقِي ماشِيَتَهُ، والرَّجُلُ يَسُومُ سائِمَتَهُ، والرَّجُلُ يَخْفِضُ مِيزانَهُ ويَرْفَعُهُ.
﴿يَسْألُونَكَ كَأنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ والسُّدِّيُّ ومُجاهِدٌ: كَأنَّكَ حَفِيٌّ بِسُؤالِهِمْ، أيْ مُحِبٌّ لَهُ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا: كَأنَّكَ يُعْجِبُكَ سُؤالُهم عَنْها، وعَنْهُ أيْضًا: كَأنَّكَ مُجْتَهِدٌ في السُّؤالِ مُبالِغٌ في الإقْبالِ عَلى ما تُسْألُ عَنْهُ، وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَأنَّكَ طالِبٌ عِلْمَها، وقالَ مُجاهِدٌ أيْضًا والضَّحّاكُ وابْنُ زَيْدٍ: مَعْناهُ كَأنَّكَ حَفِيٌّ بِالسُّؤالِ عَنْها والِاشْتِغالِ بِها حَتّى حَصَلْتَ عَلَيْها، أيْ تُحِبُّهُ وتُؤْثِرُهُ، أوْ بِمَعْنى أنَّكَ تَكْرَهُ السُّؤالَ لِأنَّها مِن عِلْمِ الغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ ولَمْ يُؤْتِهِ أحَدًا. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أيْ مُحْتَفٍ ومُحْتَفِلٌ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَأنَّكَ عالِمٌ بِها، وحَقِيقَتُهُ كَأنَّكَ بَلِيغٌ في السُّؤالِ عَنْها؛ لِأنَّ مَن بالَغَ في السُّؤالِ عَنِ الشَّيْءِ والتَّنْقِيرِ عَنْهُ اسْتَحْكَمَ عِلْمُهُ فِيهِ، وهَذا التَّرْكِيبُ مَعْناهُ المُبالَغَةُ، ومِنهُ إحْفاءُ الشّارِبِ، واحْتِفاءُ النَّعْلِ اسْتِئْصالُهُ، وأحْفى في المَسْألَةِ ألْحَفَ، وحَفِيَ بِفُلانٍ وتَحَفّى بِهِ بالَغَ في البِرِّ بِهِ، انْتَهى، وعَنْها إمّا أنْ يَتَعَلَّقَ بِيَسْألُونَكَ، أيْ: يَسْألُونَكَ عَنْها، وتَكُونُ صِلَةُ حَفِيٌّ مَحْذُوفَةً، والتَّقْدِيرُ: كَأنَّكَ حَفِيٌّ بِها، أيْ: مُعْتَنٍ بِشَأْنِها حَتّى عَلِمْتَ حَقِيقَتَها ووَقْتَ مَجِيئِها، أوْ كَأنَّكَ حَفِيٌّ بِهِمْ أوَمُعْتَنٍ بِأمْرِهِمْ فَتُجِيبُهم عَنْها لِزَعْمِهِمْ أنَّ عِلْمَها عِنْدَكَ، وحَفِيٌّ لا يَتَعَدّى بِعْنَ، قالَ تَعالى: ﴿إنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم: ٤٧] فَعَدّاهُ بِالباءِ، وإمّا أنْ يَتَعَلَّقَ بِـ ﴿حَفِيٌّ﴾ عَلى جِهَةِ التَّضْمِينِ؛ لِأنَّ مَن كانَ حَفِيًّا بِشَيْءٍ أدْرَكَهُ وكَشَفَ عَنْهُ، فالتَّقْدِيرُ: كَأنَّكَ كاشِفٌ بِحَفاوَتِكَ عَنْها، وإمّا أنْ تَكُونَ عَنْ بِمَعْنى الباءِ كَما تَكُونُ الباءُ بِمَعْنى عَنْ في قَوْلِهِ:
؎فَإنْ تَسْألُونِي بِالنِّساءِ فَإنَّنِي
أيْ عَنِ النِّساءِ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ: كَأنَّكَ حَفِيٌّ بِها، بِالباءِ مَكانَ عَنْ، أيْ: عالِمٌ بِها بَلِيغٌ في العِلْمِ بِها.
﴿قُلْ إنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيْ عِلْمُ مَجِيئِها في عِلْمِ اللَّهِ، وظَرْفِيَّةُ عِنْدَ مَجازِيَّةٌ، كَما تَقُولُ: النَّحْوُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ أيْ في عِلْمِهِ، وتَكْرِيرُ السُّؤالِ والجَوابِ عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، ولِما جاءَ بِهِ مِن زِيادَةِ قَوْلِهِ: كَأنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها.
﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ قالَ الطَّبَرِيُّ: لا يَعْلَمُونَ أنَّ هَذا الأمْرَ لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ، بَلْ يَظُنُّ أكْثَرُهم أنَّهُ مِمّا يَعْلَمُهُ البَشَرُ، وقِيلَ: لا يَعْلَمُونَ أنَّ القِيامَةَ حَقٌّ لِأنَّ أكْثَرَ الخَلْقِ يُنْكِرُونَ المَعادَ ويَقُولُونَ: ﴿إنْ هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا﴾ [الأنعام: ٢٩] الآيَةَ. وقِيلَ: لا يَعْلَمُونَ أنِّي أخْبَرْتُكَ أنَّ وقْتَها لا يَعْلَمُهُ إلّا اللَّهُ. وقِيلَ: لا يَعْلَمُونَ السَّبَبَ الَّذِي لِأجْلِهِ أخْفَيْتُ مَعْرِفَةَ وقْتِها، والأظْهَرُ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ.
{"ayah":"یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَیَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّیۖ لَا یُجَلِّیهَا لِوَقۡتِهَاۤ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِیكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةࣰۗ یَسۡـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِیٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق