الباحث القرآني

لَبَغَوْا من البغي وهو الظلم، أى: لبغى هذا على ذاك، وذاك على هذا، لأنّ الغنى مبطرة مأشرة [[قوله «مبطرة مأشرة» في الصحاح: الأشر: البطر. (ع)]] ، وكفى بحال قارون عبرة. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «أخوف ما أخاف على أمّتى زهرة الدنيا وكثرتها» [[أخرجه الطبري من رواية سعيد عن قتادة قال. ذكر لنا أن رسول الله ﷺ.. بهذا- وزاد «وكان يقال خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك» وفي الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدري. بلفظ «إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا»]] ولبعض العرب: وقد جعل الوسمىّ ينبت بيننا ... وبين بنى رومان نبعا وشوحطا [[يروى: وقد جعل الوسمي أول مطر السنة، لأنه يسم الأرض بالنبات. والنبع: شجر تتخذ منه القسي. والشوحط مثله، أى: قد يشرع المطر في إنبات الأشجار بيننا وبينهم. والمعنى: أنهم يطلبون الاقامة حتى تعظم الأشجار بينهم لأنهم أغنياء لا يكثرون الارتحال كغيرهم. أو المعنى: أنهم كانوا إذا جاء الربيع وبلغت تلك الأشجار يتخذون منها الرماح والقسي، ويتحاربون. فالكلام كناية عن انتشاب الحرب بين القبيلتين، وهذا هو الذي يعطيه السياق، وذكر البينية، وتخصيص ذلك الشجر.]] يعنى: أنهم أحيوا فحدّثوا أنفسهم بالبغي والتفانن. أو من البغي وهو البذخ والكبر، أى: لتكبروا في الأرض، وفعلوا ما يتبع الكبر من الغلو فيها والفساد. وقيل: نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق والغنى. قال خباب ابن الأرت: فينا نزلت، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بنى قريظة والنضير وبنى قينقاع فتمنيناها بِقَدَرٍ بتقدير. يقال قدره قدرا وقدرا. خَبِيرٌ بَصِيرٌ يعرف ما يؤول إليه أحوالهم، فيقدّر لهم ما هو أصلح لهم وأقرب إلى جمع شملهم، فيفقر ويغنى، ويمنع ويعطى، ويقبض ويبسط كما توجبه الحكمة الربانية. ولو أغناهم جميعا لبغوا، ولو أفقرهم لهلكوا. فإن قلت: قد نرى الناس يبغى بعضهم على بعض، ومنهم مبسوط لهم، ومنهم مقبوض عنهم، فإن كان المبسوط لهم يبغون، فلم بسط لهم: وإن كان المقبوض عنهم يبغون فقد يكون البغي بدون البسط، فلم شرطه؟ قلت: لا شبهة في أنّ البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب، وكلاهما سبب ظاهر للإقدام على البغي والإحجام عنه، فلو عم البسط لغلب البغي حتى ينقلب الأمر إلى عكس ما عليه [[قوله «عكس ما عليه الآن» لعله: ما هو عليه. (ع)]] الآن.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب