الباحث القرآني

ولَمّا كانَ المُتَبادِرُ مِنَ الِاسْتِجابَةِ إيجادُ كُلِّ ما سَألُوهُ في هَذِهِ الدُّنْيا عَلى ما أرادُوهُ وكانَ المَوْجُودُ غَيْرَ ذَلِكَ بَلْ كانَ أكْثَرُ أهْلِ اللهِ مُضِيقًا عَلَيْهِمْ، وكانَتِ الإجابَةُ إلى كُلِّ ما يَسْألُ بِأنْ يَكُونَ في هَذِهِ الدّارِ يُؤَدِّي في الغالِبِ إلى البَطَرِ المُؤَدِّي إلى الشَّقاءِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلى عَكْسِ المُرادِ، قالَ عَلى سَبِيلِ الِاعْتِذارِ لِعِبادِهِ وهو المَلِكُ الأعْظَمُ مُبَيِّنًا أنَّ اسْتِجابَتَهُ تارَةً تَكُونُ كَما ورَدَ بِهِ الحَدِيثُ لِما سَألُوهُ، وتارَةً تَكُونُ بِدَفْعِ مِثْلِهِ (p-٣٠٨)مِنَ البَلاءِ وتارَةً تَكُونُ بِتَأْخِيرِهِ إلى الدّارِ الآخِرَةِ ﴿ولَوْ﴾ أيْ هو يَقْبَلُ ويَسْتَجِيبُ والحالُ أنَّهُ لَوْ ﴿بَسَطَ﴾ ولَمّا كانَ هَذا المَقامُ عَظِيمًا لِاحْتِياجِهِ إلى الإحاطَةِ بِأخْلاقِهِمْ وأوْصافِهِمْ وما يُصْلِحُهم ويُفْسِدُهم والقُدْرَةُ عَلى كُلِّ بَذْلٍ ومَنعٍ، عَبَّرَ بِالِاسْمِ الأعْظَمِ فَقالَ: ﴿اللَّهُ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْظَمِ الجامِعِ لِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ تَنْبِيهًا عَلى عَظَمَةِ هَذا المَقامِ: ﴿الرِّزْقَ﴾ لَهْمُ - هَكَذا كانَ الأصْلُ، لَكِنَّهُ كَرِهَ أنْ يَظُنَّ خُصُوصِيَّتَهُ ذَلِكَ بِالتّائِبِينَ فَقِيلَ: ﴿لِعِبادِهِ﴾ أيْ كُلُّهُمُ التّائِبُ مِنهم وغَيْرُهُ بِأنْ أعْطاهم فَوْقَ حاجَتِهِمْ ﴿لَبَغَوْا في الأرْضِ﴾ أيْ لَصارُوا يُرِيدُونَ كُلَّ ما يَشْتَهُونَهُ، فَإنْ لَمْ يَفْعَلْ سَعَوْا في إنْفاذِهِ كالمُلُوكِ بِما لَهم مِنَ المُكْنَةِ بِكُلِّ طَرِيقٍ يُوصِلُهم إلَيْهِ فَيُكْثِرُ القَتْلَ والسَّلْبَ والنَّهْبَ والضَّرْبَ ونَحْوَ ذَلِكَ مِن أنْواعِ الفَسادِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في النَّحْلِ مِنَ الكَلامِ عَلى البَغْيِ ما يُتْقِنُ بِهِ عِلْمَ هَذا المَكانِ. ولَمّا كانَ مَعْنى الكَلامِ أنَّهُ سُبْحانَهُ لا يُبْسِطُ لَهم ذَلِكَ بِحَسَبِ ما يُرِيدُونَهُ، بَنى عَلَيْهِ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿ولَكِنْ يُنَـزِّلُ﴾ أيْ لِعِبادِهِ مِنَ الرِّزْقِ (p-٣٠٩)﴿بِقَدَرٍ﴾ أيْ بِتَقْدِيرٍ لَهم جُمْلَةٌ ولِكُلِّ واحِدٍ مِنهم لا يَزِيدُ عَنْ تَقْدِيرِ رَدِّهِ ولا يَنْقُصُها ﴿ما يَشاءُ﴾ مِنَ الماءِ الَّذِي هو أصْلُ الرِّزْقِ والبَرَكاتِ الَّتِي يُدَبِّرُ بِها عِبادُهُ كَما اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ الَّتِي بَنى عَلَيْها أحْوالَ هَذِهِ الدُّرَرِ. ولَمّا كانَ أكْثَرُ النّاسِ يَقُولُ في نَفْسِهِ: لَوْ بَسَطَ إلَيَّ الرِّزْقَ لَعَمِلْتُ الخَيْرَ، وتَجَنَّبْتُ الشَّرَّ، وأصْلَحْتُ غايَةَ الإصْلاحِ، قالَ مُعَلِّلًا ما أخْبَرَ بِهِ في أُسْلُوبِ التَّأْكِيدِ: ﴿إنَّهُ﴾ وكانَ الأصْلُ: بِهِمْ، ولَكِنَّهُ قالَ: ﴿بِعِبادِهِ﴾ لِئَلّا يَظُنَّ أنَّ الأمْرَ خاصٌّ بِمَن وسِعَ عَلَيْهِمْ أوْ ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ: ﴿خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ يَعْلَمُ جَمِيعَ ظَواهِرِ أُمُورِهِمْ وحَرَكاتِهِمْ وانْتِقالاتِهِمْ وكَلامِهِمْ وبَواطِنِها فَيُقِيمُ كُلُّ واحِدٍ فِيما يَصْلُحُ لَهُ مِن فَسادٍ وصَلاحٍ وبَغْيٍ وعَدْلٍ، ويُهَيِّئُ لِكُلِّ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ أسْبابَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب